|
|
12 أغسطس 2025
|
|
كان العام 1925 عاما مجيدا في تاريخ الأدب، ففيه ولدت "المحاكمة" لكافكا، و"السيدة دالاوي" لفرجينيا وولف، و"غاتسبي العظيم" لفيتزجيرالد، و"تغريبة مانهاتن" لجون دوس باسوس والمجموعة القصصية الأولى لإرنست همينغواي.
|
|
مئة عام على صدور 5 أعمال أدبية كبرى أسست حداثة القرن العشرين
|
|
المحاكمة
|
الكاتب: فرانز كافكا
|
|
|
في الثالث من يوليو/ تموز صيفَ كل عام، تشهد مدينة براغ احتفالات رسمية كبرى، حيث يذرع الناس شوارع المدينة، في يوم الثلاثاء هذا، والمخصص للرقص والغناء. في السيرة التي وضعها راينر شتاخ لحياة فرانز "كافكا.. السنوات الأولى"، يقول المؤلف إن هذا اليوم "ٍسوف يدون في السجلات السنوية لمدينة براغ، لسببين: سبب رسمي ظاهر، وآخر مخفي مبدئيا"، إنه يوم ميلاد فرانز كافكا، عبقري الرواية التشيكية بلا منازع.
ورغم الطابع الغرائبي لروايته "المسخ"، وجمال الصنعة الروائية في "القلعة"، تبقى روايته الكابوسية "المحاكمة" أشد أعماله قدرة على التجديد والتجريد والاختلاف. كيف لا وهي آخر ما كتب، ولم تنشر إلا بعد وفاته، حين خالف صديقه ماكس برود وصيته، وقرر نشر الرواية سنة بعد وفاة الرجل يوم الثلاثاء 3 يونيو/ حزيران، هو كافكا الذي ولد يوم الثلاثاء 3 يوليو سنة 1883.
|
|
السيدة دالاوي
|
الكاتب: فرجينيا وولف
|
|
|
عام 2025 هو العام الذي تجري فيه الوقائع الكاملة لرواية "السيدة دالاوي" لفرجينيا وولف. والمصادفة العجيبة أنها تجري كذلك في يوم من أيام يونيو. وسيكون مرعبا حقا إذا علمنا أنه يوم ثلاثاء. رواية تقودنا منذ الصباح إلى جولة في العاصمة لندن، تقوم بها السيدة كلاريسا دالاوي بعد عشر سنوات على الحرب العالمية الأولى، انطلاقا من شارع بوند الذي يفتنها، كما جاء في الرواية. بينما كانت كلاريسا تستعد لتنظيم سهرة في نهاية هذا اليوم الاستثنائي. وهي تعبر ما بين الزهور والأمكنة تستعيد مجموعة من الوقائع والأحداث، والقصص المتقاطعة. يحدث كل ذلك من خلال التداعي الحر للأحداث والمشاهد، وعبر مونولوغ طويل ومنسرح، في رواية اعتبرها النقاد فاتحة كبرى لما عرف بـ"تيار الوعي" في الرواية، إلى جانب أعمال مارسيل بروست وجيمس جويس. لكن النبرة المتألمة للكاتبة الإنكليزية فيرجينيا وولف جعلها تتميز عن هؤلاء، مثلما "تميز كافكا عن سابقيه، بل حتى عن معاصريه، من أمثال بروست وجويس"، يقول ميلان كونديرا في كتاب "الستارة".
|
|
غاتسبي العظيم
|
الكاتب: فرنسيس سكوت فيتزجيرالد
|
|
|
يتفق الكثير من مؤرخي الأدب المعاصرين على أن أهم مرحلة شهدتها الرواية في أميركا الشمالية بدأت عام 1925، وإلى حدود سنة 1940 تقريبا. وهي المرحلة التي أرخت تحت مسمى "مرحلة الأدب العظيم". ثم ما بعدها، سوف ينتقل لواء الرواية ومشعلها إلى أميركا اللاتينية.
مرحلة تذكرنا بعنوان رواية عظيمة اسمها "غاتسبي العظيم" لمؤلفها فرنسيس سكوت فيتزجيرالد، وقد صدرت هي الأخرى سنة 1925. رواية أجمع النقاد على وصفها بأنها "أجمل قصة أميركية في القرن العشرين". وإذا كانت كلاريسا دالاوي دعتنا إلى حفلة عشاء واحدة تتوج يومها الروائي الطويل، فقد اختار غاتسبي أن يدعو أصدقاءه وأعيان بلده إلى سهرات يومية وليلية لا تنتهي. غاتسبي، إنه الاسم المستعار أو السري لرجل غريب الأطوار، يقيم حفلات كبرى في قصره الفسيح، حيث يلتقي شباب وشابات لتنشأ علاقات بين أفراد يسعى كل واحد منهم إلى أن يمثل نموذج الشخصية الأميركية لما بعد الحرب العالمية الأولى. وفي طليعتهم غاتسبي، الذي يمثل أحلام جيل العشرينات من القرن الماضي، والذي سمي تجاوزا "جيل الضياع"، بينما هو جيل أقبل على الحياة بعدما كان على مشارف الموت، أو لنقل إنه جيل عائد من الموت، انغمس في الحياة من جديد، وأدمن ملذاتها وسياراتها وأشياءها الثمينة والفاخرة، وتردد على حفلات الموسيقى، خاصة موسيقى "الجاز" التي تحتفي بها رواية فيتزجيرالد
|
|
مانهاتن ترانفسير
|
الكاتب: جون دوس باسوس
|
|
|
ثمة رواية أخرى صدرت سنة 1925، وتقف شاهدة على التحول الذي عاشته نيويورك في تلك المرحلة الفارقة من نهاية القرن التاسع عشر إلى بداية القرن العشرين. وما بين الحرب العالمية الأولى والثانية. فهي رواية ما بين القرنين وما بين الحربين. إنها رواية "مانهاتن ترنسفير"، تحويلة أو تغريبة مانهاتن، لجون دوس باسوس. بل هي أهم أعماله على الإطلاق، وإحدى أهم روايات القرن العشرين. نص روائي كبير تتداخل فيه مجموعة من قصص المهاجرين والفلاحين والعاشقين والاشتراكيين الحالمين، وتلتقي وتتقاطع في هندسة هذه الرواية. بين سرد هذه القصص والحكايات يتنقل الراوي بحرية تفاجئ القارئ، متخطيا بذلك أسلوب السرد الكلاسيكي. "مانهاتن ترانسفير" تنتمي هي الأخرى إلى النصوص المؤسسة لتيار الوعي في الكتابة، على غرار رواية "السيدة دالاواي". وهي رواية جديدة في عهدها، كونها لا تركز على بطل واحد، تقليدي، بل يتعلق الأمر بأبطال كثيرين، جلهم أبطال مهزومون، وحالمون كبار، مثل إد تاتشر وجيمي هيرف وبود كوربينينغ وأوغاستيس ماك نيل وداتش وفرانسي، إلى درجة أن بعض النقاد سيعتبرون بأن مدينة نيويورك هي البطل الحقيقي في هذه الرواية، مثلما اعتبروا الرواية مرآة حقيقية لواقع نيويورك.
هذه الواقعية الجميلة هي ما تؤكده تقنيات كتابة الرواية وأساليبها الفنية، ومن ذلك توظيف القصاصات الصحافية وغيرها، ما يمنح الرواية مرجعية وسندا في الواقع واليومي الأميركي حينها. وأكثر من ذلك، تستشرف هذه الرواية المستقبل وهي تدين توجه المجتمع الأميركي نحو نزعة استهلاكية جارفة، كما تصور ذلك مجموعة من المحكيات والأحداث في "تغريبة مانهاتن"، بعد انتقال شخوصها وانغماسهم في المجتمع الحضري لمدينة نيويورك.
|
|
في زماننا
|
الكاتب: إرنست همينغواي
|
|
|
انطلاقا من مورفولوجيا الأجناس الأدبية، أمكن القول إن القصة هي أُمّ الرواية، لذلك ليس غريبا أن يبدأ إرنست همينغواي، وهو أحد أهم الروائيين الأميركيين، بكتابة القصة. حدث ذلك في سنة 1925 أيضا، حين أصدر مجموعته القصصية "في زماننا"، والتي اعتبرت فاتحة كبرى لمشروعه الروائي الكبير، الذي استهله في العام الموالي 1926 بإصدار روايته الأولى "ثم تشرق الشمس"، ثم ستأتي بعدها رواية "وداعا للسلاح" ثم رواية "لمن تقرع الأجراس"، وصولا إلى رائعته الأخيرة "الشيخ والبحر"، التي صدرت سنة 1952، ليتوج في العام التالي بجائزة نوبل للآداب. وكان قرار اللجنة واضحا حينها، حين وصف همينغواي بأنه "الكاتب الذي انتهت إليه السيادة في فن السرد".
وهمينغواي هذا هو صديق سكوت فيتزجيرالد، وقد سافرا معا إلى فرنسا بعدما كتب الأول رواية "غاتسبي العظيم"، وكتب الثاني مجموعته القصصية الأولى "في زماننا"، ثم ما بعدها سيعيش تجربة الحرب العالمية الثانية، بكل آلامها، هو الذي قال وداعا للسلاح، وأشهر قلمه في وجه هذا العالم. وهو الذي يعلن منذ قصته الأولى عن معنى الكتابة والكلام عنده، قائلا: "إن الكلام يخفف عني كثيرا"، في قصة تحكي سيرة هارب من الجندية، مثلما تقدم سردية الحرب العالمية الأولى على لسان شخصيات تقاذفتها أهوال الحرب. ورغم الطابع الواقعي لقصص همينغواي، فإنه يقدم حكاياته بشاعرية مترفة، ويبرع في وصف الطبيعة ويجعلها لوحة فنية وخلفية تتساوق مع أحداثه وتحتضنها. كما في القصة الأولى، أو الثانية تحديدا، رغم أنها تحكي قصة عشق دفين بين ليز وجيم. وهي القصة التي تمثل نموذجا رفيعا لمعنى التكثيف وجمالياته في القصة القصيرة. وهو التكثيف الذي يصل مداه في قصة "على الرصيف في سيمرينا"، حين يتمادى همينغواي بشاعريته في وصف الحرب والرعب، مع قصص النساء اللواتي يحملن أطفالهن الموتى على رصيف الحياة.
|
|
|
|
|
|
|
|