هل ينجح الإخوان في قيادة مصر؟

هل ينجح الإخوان في قيادة مصر؟

[caption id="attachment_55230463" align="aligncenter" width="620" caption="مرشد عام الاخوان محمد بديع"]مرشد عام الاخوان محمد بديع[/caption]

كان من المقرر أن ينعقد المؤتمر الصحافي عند الظهيرة، ولكن ظلت الطاولة الممتدة في مقدمة القاعدة المزدحمة للغاية خالية. كان المصورون لا يزالون يتزاحمون ليتمركزوا في مواضعهم، ونصب كاميراتهم، فيما تبقى من مساحات بطول الحائط. لم يكن الأمر مهما تقريبا، فالجميع يعرف الخبر الذي جاؤوا من أجله. ولكن المهم هو الرجل الذي سيجلس على مقعده أخيرا في الساعة الثانية بعد الظهر: المسؤول العام عن جماعة الإخوان المسلمين المرشد الأعلى محمد بديع. كان ذلك في سبتمبر (أيلول) عام 2010، وكانت الانتخابات البرلمانية، كما هو الحال اليوم، محور اهتمام الجميع، لا سيما عندما يتصل الأمر بتوقع هيمنة الإخوان المسلمين على تلك الانتخابات.

يعمل بديع، 68 عاما، أستاذا جامعيا في كلية الطب البيطري بجامعة بني سويف ويتسم بهدوء الطباع. ولد في عام 1943 في المحلة الكبرى، وهي المدينة الشهيرة بالمنسوجات، بالإضافة إلى نزعة قوية من النشاط السياسي. لقد مهدت الاضرابات التي نظمت في المدينة الصناعية الصغيرة عام 2008 لميلاد جناح الشباب في حركة كفاية، الذي يعرف باسم حركة 6 أبريل، بناء على تاريخ أكبر تلك الاضرابات. انتشر شغف الحركة بوسائل التواصل الاجتماعي بعد خمسة أعوام في الثورة التي أطاحت الرئيس السابق حسني مبارك.

ولكن قبل عدة عقود، كان محمد بديع والمحلة معروفين لرئيس أو اثنين.
في عام 1965، وصل بديع إلى القاهرة ليبدأ دراسته الجامعية في كلية الطب البيطري. ولكن بعد تسعة أشهر تقريبا تم اعتقاله بسبب نشاطه السياسي، ولكونه عضوا في جماعة الإخوان المسلمين المحظورة، حُكم عليه بالسجن لمدة 15 عاما مع الزعيم المنشق الراحل الذي كان أكثر تشددا وإثارة للجدل سيد قطب، الذي أعدم شنقا في عام 1966. أمضى بديع تسعة أعوام من الخمسة عشر عاما في السجن، قبل أن يأتي الرئيس المصري الجديد وقتها أنور السادات، ويظهر بعض التسامح بالإفراج عن بديع مع أعضاء آخرين في الجماعة.



لم يضع بديع وقته، وعاد إلى دراساته وعمله السياسي، وكان يعمل مع إدارة الإخوان في المحلة، ثم أصبح ممثلا للمؤسسة التعليمية للجماعة في اليمن. وفي عام 1996، أصبح عضوا في مكتب إرشاد الجماعة.
وأصبح بديع المرشد العام أو رئيس جماعة الإخوان المسلمين الثامن في بداية عام 2010. تابعت وسائل الإعلام العربية بالإضافة إلى مؤيدي الجماعة ومعارضيها عن قرب، عملية الانتخاب التي أدت إلى تعيينه، مما يوضح الأهمية المستمرة للفرع المصري من الجماعة في المنطقة.

يتمتع بديع بتأييد قوي من النقابات، حيث كان الأمين العام للنقابة العامة للأطباء البيطريين وأمين صندوق اتحاد نقابات المهن الطبية، مما جعله محبوبا لدى الناخبين الفقراء والطبقة العاملة. ولكن كان تعيينه في عام 2010 مفاجأة للكثيرين، حيث همّش العديد من القادة الأكثر شهرة في الجماعة مثل عبد المنعم أبو الفتوح ومحمد حبيب.
في ظل حصول الإخوان المسلمين على مزيد من الشعبية في الحياة السياسية المصرية، يتساءل البعض عما إذا كانت هناك فترة أسوأ من هذه يقود فيها الجماعة شخص مثل بديع، الذي يتميز بأنه أكثر محافظة. على أي حال، لقد كان الشخص الذي قام بتهريب الفصول المثيرة للجدل من كتاب سيد قطب «المعالم الأساسية» خارج السجن. بل وتعجب البعض مما إذا كان سيتسبب في حدوث انشقاقات داخل الجماعة.

في ليلة 31 ديسمبر (كانون الأول) 2010، انفجرت قنبلة هزت كنيسة القديسين في الإسكندرية، مما أسفر عن مصرع 23 شخصا وجرح العشرات. تحملت «القاعدة» مسؤولية الحادث، لتنتزع روح مصر، وتثير المصريين بمسلميهم وأقباطهم. في الأيام الحرجة التي تلت الهجوم، أصدرت جماعة الإخوان المسلمين تحت قيادة بديع عدة بيانات أعربت فيها عن تضامنها، داعية إلى الوحدة الوطنية والتآلف بين الأديان.

بعد الهجوم بثلاثة أيام، أصدر بديع رسالة تحت عنوان: «أمة واحدة في مواجهة الفتنة»، مؤكدا أن الإسلام يدعو إلى المحبة والتعايش السلمي والأخوة والتسامح. كما أدان بديع مدبري الهجوم وطالب بتوقيع أقصى عقوبة ينص عليها القانون المصري إذا تم القبض عليهم. استحق رد فعله السريع والصريح ثناء واسعا لإسهامه في نزع فتيل التوترات الطائفية في مصر.

في الأسابيع التالية، خرج المسلمون والأقباط المصريون إلى الشوارع في مسيرات وحشود صغيرة متضامنين تحت شعار «أنا مصري». وجلس المصريون أيضا في الكنائس وشاركوا الجماهير من جميع أنحاء البلاد في ليلة عيد الميلاد عند الأقباط في 6 يناير عام 2011، معلنين أنهم إذا تعرضوا لهجوم جديد سيموت مسلمون إلى جوار إخوانهم الأقباط المصريين. ولكنهم ووجهوا بالمتاريس والهراوات والغاز المسيل للدموع من جهة قوات الأمن المصرية.



وبعد ثلاثة أسابيع، كان الإخوان المسلمون في ميدان التحرير يؤيدون المطالب بإنهاء حكم مبارك، متساهلين مع التفاعلات الاجتماعية التي يعتبرها المحافظون المتشددون دينيا غير مقبولة، مثل اختلاط الرجال والنساء في المظاهرات والغناء ونصب الخيام في الميدان إلى جوار بعضها البعض.

حقق قرار بديع بتأييد مطالب الشعب المصري بدلا من الظهور تحت هوية إسلامية عامة مزيدا من التفهم والتقدير للجماعة يوافق ما كانت تحظى به قبل قيام الثورة. بالإضافة إلى ذلك يعني نشاط بديع السياسي - وهي حقيقة أنه خاض تجربة التعرض لوحشية الشرطة والاعتقال واستمر ثابتا في المطالبة بالتغيير السياسي - أنه يملك أوراق اعتماد سياسية قوية من أجل إصلاح الوضع الراهن.

ربما تؤدي المبادئ التي جعلته قائدا لجماعة الإخوان المسلمين إلى وصوله إلى دور أكثر محورية وأهمية على الساحة الوطنية. ويوجد أيضا آخرون مستعدون للقيام بالمهمة إذا لم يتمكن هو من أدائها، ومنهم خيرت الشاطر الذي يعتبر أفضل مرشح لقيادة حزب الإخوان المسلمين وربما حتى البلاد، وهو أكثر تمرسا في التعامل مع وسائل الإعلام من بديع، كما أنه يعد بإقامة علاقات جيدة مع مستثمرين أجانب.
وأخيرا عندما جلس بديع على مقعده في وقت متأخر للبدء في المؤتمر الصحافي الذي عقد في سبتمبر 2010، كانت هيئته كما هي، دوما هادئا ورزينا ينأى عن إصدار أي تصريحات نارية. أعلن بديع في هدوء أنه من المحظور على الإخوان المسلمين الترشح لأي منصب في الحكومة. وقال إن ذلك حرام، وإنه لن يتزحزح عن هذا الموقف.

تصريحات ربما تلتزم بها جماعة الاخوان المسلمين في ما يخص منصب رئيس الجمهورية لكن وبعد الفوز الكبير في الانتخابات النيابية 2011 وتقدم حزب الحرية والعدالة الذي يمثل الاخوان على الساحة السياسية على جميع منافسيه ما قد يمنحه غالبية داخل مجلس الشعب فإن موقف الاخوان ومرشدهم من الحكومة ورئاسة الحكومة قد يتغيّر ويتحول الحرام حلالا في مصر ما بعد الثورة.

مريم إشاني
font change