العلاقات السعودية المصرية..164 عاما من الاخاء والتعاون والتضامن

العلاقات السعودية المصرية..164 عاما من الاخاء والتعاون والتضامن

[caption id="attachment_55251411" align="aligncenter" width="620"]الراحل الملك عبد العزيز خلال زيارة رسمية لمصر يلتقي الملك فاروق وإلى جوارهما النقراشي باشا رئيس الوزراء المصري وعبد الرحمن عزام أمين عام جامعة الدول العربية الراحل الملك عبد العزيز خلال زيارة رسمية لمصر يلتقي الملك فاروق وإلى جوارهما النقراشي باشا رئيس الوزراء المصري وعبد الرحمن عزام أمين عام جامعة الدول العربية[/caption]

قبل الولوج في أغوار الحاضر المعاصر، يجب التأكيد في كل مناسبة بين البلدين أن العلاقات السعودية المصرية هي الأقدم في تاريخ الدول العربية السابقة والمعاصرة وتحمل إرثا اجتماعيا وسياسيا مدته 164 عاما من الإخاء، والمرحلة الأولى في العلاقات تأسست عام 1850م بين الإمام فيصل بن تركي آل سعود «الدولة السعودية الثانية» وعباس باشا الأول بن أحمد طوسون بن محمد علي باشا حاكم «حكومة مصر العثمانية» وظلت مستمرة في التعاون والاحترام إلى عهد الخديو إسماعيل باشا الذي جدد هذه الثقة ورفعها إلى درجة الإخاء مع الأمير عبد الله ابن الإمام فيصل بن تركي وسطرها الخديو في خطابه رقم 4 بتاريخ 1864م.



الدولة السعودية الثالثة




وبعد عشرين عاما بدأ النزاع الذي وصل ذروته في العالم وحصل بعده الحرب العالمية الأولى والثانية وظهور القوميات في أوروبا وتعمقت الفتن في الدولة العثمانية وأدت إلى سقوطها في عام 1923م، وكان قبلها انتهاء الدولة السعودية الثانية عام 1891م وأصبحت مصر تحت الاحتلال البريطاني، وهذا الأمر لم يدم طويلا، حيث نالت مصر استقلالها ،وبرزت الدولة السعودية الثالثة في عام 1927م، وما بين مراحل الاستقلال في مصر والبناء والتوحيد في السعودية، كانت العلاقات السعودية المصرية تعتمد على الإخاء والتبادل التجاري وزيارات الحج دون وجود علاقات دبلوماسية قوية بين البلدين.

ولكن في عام 1945م، كان العالم العربي على موعد فجر جديد، حين تم التجديد في العلاقات السياسية بين حكومة «الدولة السعودية الثالثة» بقيادة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود و«حكومة مصر» بقيادة الملك فاروق الأول ملك مصر والسودان وصاحب النوبة ودارفور وكردفان، واجتمع وقتها أهم ملكين عربيين وسط سيطرة من الاستعمار الغربي على أغلب الدول العربية، وفي هذا اللقاء حفل أول إقرار على أهمية التصدي للدفاع عن الحقوق العربية المسلوبة لا سيما الحقوق الفلسطينية، ويمكن القول: إن تلك المرحلة قد أكسبت المملكة العربية السعودية والمملكة المصرية أهمية كبيرة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا منذُ منتصف القرن التاسع عشر وجعلتهما محورا أساسيا في سياسة العالم العربي خلال تلك الفترة التاريخية المهمة، ونتيجة لهذه الظروف فقد ظهرت دعوات صادقة لجمع كلمة العرب والسعي لوحدتهم ونبذ خلافاتهم الجانبية.



مجلس قيادة الثورة المصرية




ومع ظهور القوميات العربية ظهر خلاف سياسي بين القيادة الملكية السعودية ومجلس قيادة الثورة المصرية الذي لم يستمر طويلا، بل تحول إلى تضامن عسكري قوي بين الملك الشهيد فيصل بن عبد العزيز والزعيم العربي جمال عبد الناصر، واستمر هذا التضامن بين ملوك السعودية ورؤساء جمهورية مصر العربية إلى عهدنا الحالي في 2014م.


[caption id="attachment_55251412" align="alignleft" width="300"]الرئيس المصري الراحل محمد نجيب يقبل قطعة سجاد عليها نقش قرآني أهديت له من المملكة أثناء زيارته إلى مكة المكرمة في سبتمبر 1953 الرئيس المصري الراحل محمد نجيب يقبل قطعة سجاد عليها نقش قرآني أهديت له من المملكة أثناء زيارته إلى مكة المكرمة في سبتمبر 1953[/caption]

هذا التاريخ السياسي بين أكبر دولتين عربيتين خلق في الواقع جذورا اجتماعية بين الشعبين أقوى من أي تحالف سياسي أو اقتصادي، فقد وصل تعداد إخواننا المصريين المقيمين والعاملين في وطنهم السعودية لقرابة مليوني مواطن مصري، يقابلهم عدد السعوديين المقيمين في مصر والمستثمرين فيها قرابة نصف مليون سعودي.

وبعد هذا السرد السياسي والاجتماعي للعلاقات السعودية المصرية، أود التوضيح بصفتي رئيس مجلس الأعمال السعودي المصري أن التبادل التجاري والاستثماري بين البلدين يمثل 40 في المائة من الحركة الاقتصادية العربية وعدد الشركات السعودية المستثمرة في مصر 3600 شركة وأصولها تقدر بـ27 مليار دولار، وعدد الشركات المصرية المستثمرة في السعودية 300 شركة وأصولها تقدر بثلاثة مليارات دولار.


العلاقات الاقتصادية




إننا نراهن على مستقبل العلاقات الاقتصادية ويمكن الجزم والتأكيد أنها سوف تنطلق إلى رحاب أوسع لأن السعودية هي بوابة مصر لدول الخليج العربي، وقد ذكرنا في منتدى الاستثمار الخليجي المصري الذي عقد في ديسمبر (كانون الأول) 2013م في القاهرة، العبارة الاقتصادية التالية «لا تستهينوا بقوة مصر والدول الخليجية معا» ففعليا إن تم إبرام اتفاقية تجارة حرة بين مصر ودول الخليج العربي وإنشاء وتفعيل «الوحدة الاقتصادية» فسوف يكون حجم التبادل التجاري أعلى من دول «ميركوسور» في جنوب أميركا وكذلك أعلى من الاتحاد الجمركي لمجموعة دول «أفتا» في أوروبا، والتحالف الاقتصادي الخليجي المصري سوف يشكل 63 في المائة من الناتج الإجمالي العربي ويستحوذ على 71 في المائة من التجارة البينية العربية في قطاع السلع و59 في المائة في قطاع الخدمات و51 في المائة في قطاع الاستثمار و48 في المائة من الأيدي العاملة الفنية.

أعود إلى بداية المقال وأقول: إن التحالف بين الإمام فيصل بن تركي آل سعود والحاكم عباس باشا الأول بن أحمد طوسون بن محمد علي باشا عام 1850م جدد بريقه التاريخي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في رسالته إلى حكومة وشعب مصر في عام 2013م حين قال: حكومة السعودية في تضامن تام مع جمهورية مصر العربية «سياسيا - أمنيا - اقتصاديا» وشاهد العالم مدى التفاعل الوطني السعودي والشعبي المصري مع هذه الرسالة العظيمة وأثرها على استمرار الإخاء الاجتماعي والتعاون الاقتصادي والتضامن الأمني.

ختاما أقتبس هذه الكلمات من الأبيات الخالدة التي قيلت أمام الراحلين الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود والملك فاروق الأول «فما نجد إلا مصر حين نعدها وما مصر إلا نجد حين نعبر - وهتف الحجاز وكبر الحرمان - ومن الكنانة صفق الهرمان».

font change