الحوثيون ميليشيا إرهابية... والهجوم على مأرب دليل جديد

تراجع واشنطن شجعهم على تصعيد هجماتهم

الحوثيون ميليشيا إرهابية... والهجوم على مأرب دليل جديد

* بررت أميركا رفع الحوثيين من قائمة الإرهاب بخشيتها من التأثير على الحالة الإنسانية في اليمن، رغم أن قرار إدراجهم اشتمل على مجموعة استثناءات تضمن عدم التأثير

 

 

أيام معدودة فقط كانت متبقية على مغادرة إدارة ترامب البيت الأبيض حتى أطلق وزير الخارجية بومبيو تصريحه بتصنيف ميليشيا الحوثي المدعومة من الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية وهو القرار الذي انتظره اليمنيون منذ بداية الانقلاب الحوثي على السلطة الشرعية واجتياح مؤسسات الدولة وإشعال الحرب في كل بقعة من الأرض اليمنية، والذي عملنا عليه كحقوقيين طويلا وكان هو الشغل الشاغل الذي تم التركيز عليه، لا سيما خلال العامين الأخيرين، وكان قد أتى أكله بهذا التصنيف وإن كان متأخرا.

وبعد مرور أسبوع على هذا القرار وعدم طرحه على الكونغرس دخل بالفعل حيز التنفيذ في 19 من يناير (كانون الثاني)، وكان هذا القرار يعد الأهم بعد القرار 2216، ويتساءل البعض: ما أهمية هذا القرار تحديداً، طالما أن قيادة الميليشيا مدرجة على قوائم الإرهاب؟ والأمر يختلف تماما قطعا، لأن قادة الميليشيا معروف أنهم يسكنون الكهوف ويلتحفون باطن الأرض، لا يسافرون ولا يملكون أرصدة بالخارج،  على العكس هم أصلا لم يعرفوا الأموال والأرصدة إلا بعد اجتياحهم العاصمة، فقد اقتاتوا من أموال الدولة وجبايات المواطنين وسرقة أموال المساعدات الإنسانية والسوق السوداء، وفي كل الأحوال لم تتدخل الأمم المتحدة لمحاولة الوصول لهم واعتقالهم بموجب هذه القرارات، لذا بقيت وتبقى مجرد حبر على ورق.

لكن تصنيف الميليشيا الحوثية كمنظمة إرهابية يعني أن كل المنضمين لهذه الجماعة ومن يعلنون الولاء لها والتفاخر بها سيكونون مشمولين بهذه القرارات، وبهذا سيقطع المدد المعنوي والسياسي والمالي للميليشيا، خاصة أنهم نجحوا خلال السنوات الماضية في نشر عناصرهم بأوروبا وأميركا وأميركا اللاتينية وحتى في الدول العربية وباختراق المنظمات الدولية الكبرى، وهذه العناصر هي الأخطر فهم من يقومون بغسل الأموال للميليشيا وجمع التبرعات وإدارة مشروعات لصالحهم بالخارج توصل المدد للميليشيا، بالإضافة إلى الحملات الدعائية السياسية والإعلامية لغسل جرائم الميليشيا وقلب الحقائق عن انتهاكاتهم وإجرامهم بحق اليمنيين والمنطقة وإيصال صورة مغايرة تماما عن طبيعة الحرب والصراع في اليمن.

وللمؤسف أن الإدارة الأميركية الجديدة تعاملت مع هذا القرار المهم والجوهري باعتبار أنه يدخل ضمن المكايدات البينية مع إدارة الرئيس ترامب وقررت إلغاءه بجرة قلم.

بررت الإدارة الأميركية هذا الإلغاء بخشيتها أن يؤثر على الحالة الإنسانية ووصول المساعدات ويزيد الوضع الإنساني المتدهور تعقيدا، رغم أن قرار التصنيف كان قد ألحق به مجموعة استثناءات تهتم بعدم التأثير على الحالة الإنسانية. والسبب الآخر هو إعطاء فرصة لمحاولات الدخول بمفاوضات مع الميليشيا الحوثية بشأن السلام باليمن، حيث إن تصنيفهم كميليشيا إرهابية سيقطع خطوط هذا التواصل السياسي والدبلوماسي.

لكن كعادة الجماعات الإرهابية فإن الميليشيا الإرهابية قرأت قرار الإلغاء هذا وتعامل الإدارة الأميركية المتسامح معها من زاوية الضعف والإذلال، وأنه بمثابة منحها الضوء الأخضر للمزيد من العربدة وهو ما كان بالفعل؛ فضاعفت الميليشيا الإرهابية من هجماتها بالصواريخ والطائرات المسيرة على  المدن والأعيان المدنية السعودية، ولوحظ أنه ولأول مرة تعترف الميليشيا الحوثية بقصفها مطارات مدنية بل وتتفاخر به، بخلاف ما كانت تنكره سابقا، حيث إن قصف الأهداف المدنية بشكل متعمد يدخل ضمن جرائم الحرب وهو الأمر الذي لطالما كانت تتنصل منه، بينما أعلنت عن قصفها لمطار أبها مؤخرا بكل تبجح، واستمرت بهجماتها الصاروخية بشكل متواصل دون رد فعل دولي يذكر، سوى ذات الإدانات الممجوجة البائسة التي لا تغني ولا تسمن من جوع، رغم تعهد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، بأن بلاده لن تقف مكتوفة الأيدي بينما يهاجم الحوثيون السعودية.

كما سعرت الميليشيا الحوثية الإرهابية من حربها وهجومها على مدينة مأرب، وهي هم اليمنيين الشاغل هذه الأيام، فمأرب هي أهم قلاع الجمهورية التي تريد الميليشيا الإرهابية إسقاطها وهي التي واجهتهم بأهلها وقبائلها الأشاوس ومرغت أنوف الحوثيين بالتراب لأكثر من ست سنوات، وهي التي احتضنت واحتوت النازحين اليمنيين من كل المناطق دون تمييز، وبها الآن حوالي 3 ملايين نازح تطاردهم الميليشيا بنيرانها وعدها وعتادها.

ولمأرب أهمية اقتصادية وسياسية ومعنوية في هذه الحرب، فمأرب غنية بالنفط والموارد الاقتصادية، كما أنها تربط بين ثلاث محافظات رئيسية وهى الجوف وشبوة والبيضاء، لذا ستكون بوابة للميليشيا لمحاولة غزو الجنوب مجددا، كما أن لها ارتباطا جغرافيا أيضا بالمملكة العربية السعودية.

وعلى مدى أسبوع  وأكثر لم تصدر تصريحات من الخارجيات الغربية ولو حتى من قبيل ذر الرماد في العيون تدين ما يحدث في مأرب قبل أن يصدر تصريح الخارجية الأميركية والمبعوث الأميركي الخاص باليمن الثلاثاء 16 فبراير (شباط) والذي طالب الحوثيين بوقف هجماتهم على مأرب وهو ذات التاريخ الذي دخل فيه قرار إلغاء التصنيف حيز التنفيذ. وقد أثار هذا التصريح استغراب وحفيظة اليمنيين وكل المهتمين بسبب الأسلوب الناعم البسيط الذي وجهت فيه الإدارة الأميركية خطابها للميليشيا الحوثية رغم الحرب المستعرة والدماء التي تراق مع صمت المبعوث الأممي، عدا عن التعبير عن شعوره بالقلق دون إدانة للمعتدي، في ظل غياب تام لدور المنظمات الإنسانية التي يبدو أنها لا تأبه للمدنيين والنازحين بمأرب.

ويقارن اليمنيون بين ردود الفعل الدولية هذه على الحرب الحوثية في مأرب وما حدث قبل عدة أعوام حين كان الجيش الوطني على مشارف تحرير كامل للحديدة واستعادتها لسيطرة السلطة، حينها كان المبعوث الدولي والمنظمات الدولية والإنسانية يجوبون العالم يطالبون بوقف عمليات التحرير بحجة الأزمة الإنسانية، وهو ما أسفر عن مفاوضات واتفاق ستوكهولم المشؤوم الذي ساعد على  إطالة أمد الحرب وتثبيت سيطرة الميليشيا على مدينة الحديدة، دون أي التزام  وتنفيذ من قبل الميليشيا لبقية بنود الاتفاق، ودون أي تحسن في مجال الحالة الإنسانية في الحديدة.

كما صدرت خلال الأعوام الأخيرة تقارير مهمة، منها تقارير «أسوشييتد برس»حول سطو الميليشيا الحوثية على المساعدات الإنسانية وتعطيل وصولها لمستحقيها، وبيعها في السوق السوداء وتقارير مهمة  أخرى عن فساد عمل المنظمات الدولية وتواطؤها مع الميليشيا الحوثية.

الأخبار التي تصل من صنعاء ومناطق سيطرة الحوثي مرعبة عن حجم جثث الشباب والأطفال العائدين من جبهات الموت والانتحار في مأرب، جثث تحملها الميليشيا الحوثية في سواد الليل بشاحنات ضخمة، خوفا من انفضاح حجم خسائرها بمأرب في ظل غضب عارم من الأهالي الذين يجبرهم مشرفو الميليشيات الحوثية على رفد الجبهات بفلذات أكبادهم في حرب ليس لهم فيها ناقة ولا جمل.

وفي المقابل لم يعد في مأرب بيت يخلو من شهيد في ظل احتدام المعارك، خاصة وأن مأرب ليست مجال امتداد ولا حاضنة ديموغرافية للفكر الحوثي بل وفي غاية الاحتقان الشعبي منهم فيقاتلهم حتى الشجر والحجر للذود عن مدينتهم.

وفي ظل هذه النيران المستعرة من الهجوم الحوثي على مأرب والذي يأتي بأوامر إيرانية مباشرة وبإشراف مباشر من قبل السفير الإيراني لدى الحوثيين «إيرلو»الذي يعد الحاكم الفعلي في صنعاء حاليا، يأتمر بأمره قادة الميليشيا الحوثية. وترغب إيران من حربها هذه تحسين موقفها التفاوضي مع الغرب والمزيد من الضغط على المملكة ليقتنع الجميع بأنه لا حل في اليمن إلا عبر بوابة إيران.

والعجيب أنه في ظل هذا اللعب الإيراني الواضح على المكشوف تأتي تحليلات أميركية وغربية وأخرى عربية تدعم فكرة إمكانية فصل الحوثي عن إيران وتقديم مغريات سياسية واقتصادية في المقابل!

وهو نفس التحليل الذي أثبت فشله على مدى 6 سنوات وساهم بإطالة أمد الحرب، ففكرة فصل الحوثي عن إيران مستحيلة تماما ولن ينصاع الحوثيون لأي مغريات أو تهديدات، فالارتباط بينهما عقائدي آيديولوجي روحي، إضافة إلى المصالح المشتركة، فلولا إيران ودعمها ما خرج الحوثي من كهوفه وسيطر على البلاد وأصبح قوة تخاطبها الخارجية الأميركية بعبارات هادئة منضبطة لا تخلو من اللين.

الميليشيا الحوثية جماعة إرهابية مثلها مثل حزب الله والحرس الثوري الإيراني وكما تأخر الأوروبيون في تصنيف حزب الله ميليشيا إرهابية واكتشفوا لاحقا فداحة هذا الخطأ! ها هم يكررون ذات الخطيئة مع الميليشيا الحوثية بذرائع متعددة.

أما فكرة أن السلام يستوجب ذلك، فمردود عليه، وما الذي فعله السلام مع حزب الله بلبنان، أو الميليشيا الإيرانية بالعراق؟! هاهم يعانون ما تعانية اليمن من أزمة إنسانية وانهيار اقتصادي وتوقف مرتبات، هذا حال كل الدول العربية التي سمح لإيران بالعبث فيها، فعن أي نموذج للسلام مع الميليشيات يتحدثون حتى تقتدي به اليمن؟!

والحديث عن وقف الحرب مهم، ولكنه يعني وقف الحرب الحوثية على اليمنيين وعلى المملكة العربية السعودية، فالحرب اليمنية فعليا انتهت منذ استكهولم ولم تعد هناك حرب سوى الجبهات التي تفتحها الميليشيا الحوثية من منطقة لأخرى، فمن يريد من الدول الراعية لعملية السلام باليمن وأصدقاء اليمن أن يوقف الحرب عليه أن يحرك يديه المكتوفة فعليا ويتخذ خطوات فاعلة لوقف العمليات الإرهابية للميليشيا الحوثية.

وطريق السلام في اليمن واضح وفق المرجعيات الثلاث، وما عداه هو استسلام وانبطاح لتمكين الحرس الثوري الإيراني من المنطقة، وهو ما سينعكس بآثاره على تهديد مصالح العالم أجمع وليس اليمن والمنطقة فحسب.

font change