"نيوم" في "ميتافيرس"... وتحاكي المستقبل

في المنطقة العربية فئة ناشئة من المبتكرين الرقميين الشباب يمثلون مجمعا ثمينا للمواهب المتنوعة

"نيوم" في "ميتافيرس"... وتحاكي المستقبل

"نيوم"، مدينة تستعد للمستقبل يجري تطويرها في المملكة العربية السعودية، وكانت أعلنت أحدث مشاريعها غير المسبوقة على مستوى العالم في مطلع العام الماضي، مما سينقل التصميم الحضري المتطور إلى أفق تكنولوجي جديد، في نموذج هو الأحدث يُبرز الدور الريادي للشرق الأوسط في جهود التنمية العالمية.

سيكتشف الزوار "نيوم" عبر دخول "منصة ميتافيرس الإدراكية الأولى القائمة على التوأمة الرقمية"، شخصيا وافتراضيا، سواء من خلال تقنية "أفاتار" أو "هولوغرام". تثير الاهتمام، قدرة الزوار على التفاعل مع المباني الافتراضية في وقت إنشائها، إذ سيتيح لهم تطوير تصاميمها حدّ الكمال، أو جعلها أكثر استدامة، أو بكل بساطة تملكها، وهو ما يعني التأثير في المشاريع العقارية الواقعية المشابهة لهذه المباني الافتراضية في عالم العقار الحقيقي.

يعدّ ذلك مثالا لافتا لمقدرة "ميتافيرس" على إزالة الحواجز بين المحتمل والواقعي. ستحقق هذه التكنولوجيا تكافؤا اقتصاديا يوفر فرصا جديدة غير مسبوقة ويحفز طاقة المجتمعات، بشكل يسمح باستخدام الموارد المحدودة لمصلحة أعداد أكبر من الناس.ليست الـ"ميتافيرس" مجرد كلمة رائجة أو محض تعبير اصطلاحي للدلالة على التكنولوجيا في الواقع المعزز/ الإفتراضي. فهي تمثّل في الحدّ الأدنى الحقبة التالية في عالم الإنترنت. إذ تتجاوز الحواجز المادية، وتمنح مستخدميها الشعور بالحضور الفعلي إلى جوار شخص لا يشاركهم المكان نفسه، أو في مكان آخر تماما.

سيبلغ اقتصاد الـ"ميتافيرس" نحو 360 مليار دولار في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في غضون عقد من الزمن

من الصعب التنبؤ بما ستكون عليه "ميتافيرس" بعد عقد من الزمن، حيث لا تزال في مراحلها الابتدائية. أما الرؤية المتعلقة بما يمكن هذه التكنولوجيا تحقيقه فهي بالغة الوضوح، وآفاقها هائلة بالنسبة إلى المجتمعات.

لنتخيل، أن تتاح لكلّ إنسان فرصة الوصول إلى أفضل نماذج الأعمال أو إلى ألمع العقول، ولنتخيل انتقال أدوات السلطة من نخبة صغيرة إلى قطاعات عريضة من الناس عبر تواصل أكثر انسيابية.

تلك آمال لا تزال بعيدة، لكن الميزات المجتمعية المحتملة - لا سيما في قطاعي التعليم والرعاية الصحية - هي ميزات واقعية ملموسة، وتتراوح بين مساعدة طلاب الطب في المستويات المتقدمة، على اختبار التقنيات الجراحية قبل تنفيذها على المرضى، وبثّ روح التفاعل في سبل التعليم اليومية بأساليب جديدة مشوقة.

تتيح "ميتافيرس" مثلا نقل التلاميذ عبر الزمان والمكان لإشعارهم بحضورهم كأنهم في الشوارع، وسماع الأصوات، وزيارة أسواق مدن بعيدة أو مندثرة، فضلا عن جعل المدن والمباني التاريخية في متناول اليد، بل إتاحة الفرصة لمشاهدتها أثناء بنائها.

تلك هي آفاق الـ"ميتافيرس".

نحن نعيش مرحلة مثيرة، تلعب فيها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتركيا دورا طليعيا في تطوير الـ"ميتافيرس" بوصفها ركنا في حياتنا اليومية. إذ قدّرت مؤسسة Analysis Group أن اقتصاد الـ"ميتافيرس" سيبلغ نحو 360 مليار دولار في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في غضون عقد من الزمن، وهذا يعني مساهمته بنسبة 6,2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في المنطقة، ويعني وجودنا في هذه المنطقة أننا في صلب هذا القطاع الواعد.

لعبت الإمارات العربية المتحدة دورا بارزا في إدماج الـ"ميتافيرس" ضمن استراتيجيتها التنموية، وهي تستهدف توفير 40 ألف وظيفة افتراضية في حلول 2030 واجتذاب ألف شركة متخصصة في تكنولوجيا "بلوك تشين" (التعاملات الرقمية) والـ"ميتافيرس"، بما سيجعل دبي أحد أهم عشرة اقتصادات في هذه التكنولوجيا على مستوى العالم.

يشجّع على تحقيق ذلك، مستوى الدعم والالتزام على المستوى الوطني، وإيلاء الإمارات عالم الـ"ميتافيرس" الأولوية، ودمجه في ثقافة الإبداع اليومي في البلاد.

يشكل إعلان "نيوم" في 2022 جزءا من استثمار سعودي أوسع بقيمة 6,4 مليارات دولار في التكنولوجيا المتطورة ومن ضمنها الـ"ميتافيرس".

يشكل إعلان "نيوم" في 2022 ، جزءا من استثمار سعودي أوسع وأشمل، بقيمة 6,4 مليارات دولار في التكنولوجيا المتطورة ومن ضمنها الـ"ميتافيرس". شهدنا جهود المملكة لتعزيز النمو في قدراتها الرقمية من أجل تنويع اقتصادها غير القائم على النفط. وأثمر ذلك مشاريع ثقافية مثل "الحجر الأسود الافتراضي" الذي يتيح للمسلمين الوصول إلى الحجر الأسود عند ركن الكعبة افتراضيا، فضلا عن استثمار المملكة في شركات ناشئة في "وادي السيليكون" تركّز على تكنولوجيات الـ"ميتافيرس" و"بلوك تشين" وغيرها من التقنيات المتقدمة.

لَكَمْ أشعر بثقة كبيرة إذ أرى اهتماما ورغبة في التحول إلى الريادة الرقمية، لا سيما التركيز المتجدد على الـ"ميتافيرس" بكل ما يستتبعه ذلك من تطور. ولا تقلّ الحماسة عن ذلك في المنطقة عموما، التي ربما تمكنت من رسم شكل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال العقد المقبل.

ثمة دورٌ مهمّ يجب علينا أن نقوم به في هذه الرحلة، فنحن على دراية بالمنطقة، ويوجد لدينا أكثر من 300 مليون مستخدم  لمنصاتنا يوميا، علما بأن هؤلاء المستخدمين في ريعان الشباب وهم دائمو الاتصال بالإنترنت، ويشكل جيل الألفية نسبة 48 في المئة منهم، مقارنة بنسبة 34 في المئة في الولايات المتحدة و31 في المئة في المملكة المتحدة. كما يصل معدل استخدام مواقع التواصل الاجتماعي ومشاهدة مقاطع الفيديو نسبة 90 في المئة من السكان، وهو معدّل يناهز ضعف المتوسط العالمي.

نعلم من واقع عملنا في المنطقة، أن هناك 43 مليون شركة صغيرة ومتوسطة، مع إمكان رقمنة المزيد من الشركات – أي أننا في صدد نمو جماعي على نطاق هائل، ونحن عاكفون بالفعل على تقديم الدعم من أجل مساعدة تلك الشركات على إتقان مقوّمات العالم الرقمي.

تضاف التجارة إلى ما سلف ذكره، إذ يُتوقع أن تبلغ نحو 50 مليار دولار في حلول 2025، أي نحو ضعف القيمة المسجلة في 2021، وتأتي السعودية والإمارات في الصدارة. وهذا ما يترافق مع ازدهار الشركات الناشئة، والبيئة الصحية الحاضنة لرأس المال بتمويل يبلغ 1,2 مليار دولار في النصف الأول من عام 2021، أي ما نسبته 64 في المئة أو ضعف النمو المحقق بين عامي 2020 و2021. 

ختاما، لدينا فئة ناشئة من المبتكرين الرقميين في المنطقة، يمثلون مجمعا للمواهب المتنوعة جدا، وهو مجمع ثمين يحمل معه مفتاح الوصول إلى المليار نسمة ممن هم على مشارف الولوج إلى شبكة الإنترنت.

هذا كله يشكل تكاملا غير معهود بالنسبة إلينا، فاجتماع آفاق "ميتا" وإمكانات المنطقة يكفلان تحقيق وعد الـ"ميتافيرس". وإذ نخطو في طور جديد من أطوار التواصل الاجتماعي والعمل والتعليم ومزاولة الأعمال فإننا نستشرف الفرصة لبناء مستقبل أفضل يتسم بالمساواة والمعرفة والنمو المسؤول، ولاستقبال عام جديد مليء بالآمال الواعدة والتوقعات المحفِّزة والملأى بالإنجازات الباهرة.

font change
مقالات ذات صلة