هل يتجسس "تيك توك" فعلا على أميركا؟

قيمة "بايت دانس" السوقية أكثر من 180 مليار دولار، ما يجعلها واحدة من أكبر الشركات الناشئة في العالم

Nash Weerasekera
Nash Weerasekera

هل يتجسس "تيك توك" فعلا على أميركا؟

يحظى تطبيق "تيك توك" الصيني بشعبية ضخمة حول العالم، ويبدو حميداً بمحتوياته المؤلفة من فيديوهات قصيرة لا تتعدى مددها الثواني ينشرها أكثر من مليار مستخدم حول العالم ويصورون فيها أنفسهم أو غيرهم وهم يرقصون أو يغنون أو يطهون أو يمرحون أو يطلقون مواقف تتناول الاقتصاد والسياسة والمجتمع وغيرها، وتبلغ شعبية التطبيق ذروتها في صفوف المستخدمين الشباب.

لكن تكمن مشكلة التطبيق المملوك من شركة "بايت دانس" الصينية والتي تقدر عوائدها بعشرة مليارات دولار في 2022 بحسب "الفايننشال تايمز"، أن الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي تفرض قيوداً عليه وتتجه نحو حظره تماماً مشيرة إلى مخاوف من أنه يجمع معلومات عن المستخدمين ويحيلها على الدولة الصينية.

في 27 فبراير/شباط الماضي أمر البيت الأبيض جميع العاملين في الوكالات الفيديرالية الأميركية بحذف التطبيق من أجهزتهم الرسمية خلال 30 يوماً، بعد أربعة أيام من اتخاذ الاتحاد الأوروبي قراراً مماثلاً وقبل يوم من إصدار كندا أمراً مشابهاً. وفور صدور قرار البيت الأبيض، اتخذ أكثر من نصف الولايات الأميركية قراراً مماثلاً على الصعيد المحلي. وفي الأول من مارس/آذار، صوتت لجنة من لجان الكونغرس لصالح حظر التطبيق على الأجهزة الخاصة في مختلف أنحاء الولايات المتحدة. ويقدر "تيك توك" أن لديه نحو 100 مليون مستخدم أميركي. وتشمل المعلومات الحساسة التي يُخشَى وقوعها في أيدي مسؤولين صينيين مواقع المستخدمين، وتشير مواقف رسمية من الدول التي قررت تقييد استخدام التطبيق إلى ما وصفته "نيويورك تايمز" بـ"قوانين تسمح للحكومة الصينية بأن تطلب سراً بيانات من الشركات الصينية والمواطنين الصينيين تستخدمها في جمع المعلومات الاستخبارية".

Shutterstock

اللافت أن الهند تحظر التطبيق تماماً منذ منتصف عام 2020 ما أفقد "بايت دانس" أحد أكبر أسواقها، ولم تكتف نيودلهي بقمع "تيك توك" بل ضيقت على 59 تطبيقاً تعود ملكياتها إلى جهات صينية، وشددت الحكومة الهندية، على أن التطبيقات تنقل سراً معلومات تخص المستخدمين إلى كومبيوترات خوادم تقع خارج الهند. وبدأت المخاوف الأميركية في شأن "بايت دانس" تستعر مذ اشترت الشركة عام 2017 تطبيقاً منافساً لـ"تيك توك" يُدعَى "ميوزيكال دوت إل واي" في مقابل مليار دولار ودمجته في تطبيقها ليصبح الأخير تطبيقاً شبه احتكاري في مجاله. يُذكَر أن "ميوزيكال دوت إل واي" ابتكره رائدا أعمال صينيان هما أليكس جو ولويو يانغ وأطلقاه عام 2014، في حين أطلقت "بايت دانس" "تيك توك" محلياً عام 2016 وعالمياً في العام التالي.

وليس التضييق الأميركي على "تيك توك" جديداً، ففي حلول نوفمبر/تشرين الثاني، كانت أكثر من 12 ولاية أميركية تحظر استخدامه في الأجهزة الحكومية وارتفع العدد الى 27 ولاية في يناير/كانون الثاني 2023، في حين تحظر جامعات الدخول إليه عبر شبكات "الواي فاي" الخاصة بها، وأبرز هذه الجامعات جامعة تكساس في هيوستن.والتطبيق محظور بالفعل على الأجهزة التي يستخدمها الجيش ومشاة البحرية والقوات الجوية وحرس السواحل في البلاد. لكن الحظر لا يشمل الأجهزة الخاصة، ويستطيع طلاب الجامعات التي تحظر التطبيق، التحول إلى الشبكات الخليوية لاستخدامه. ويضغط بعض أعضاء الكونغرس من أجل حظر تام لـ"تيك توك" في مختلف الأراضي الأميركية، ويلفت خصوصاً تصويت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب في الأول من مارس/ آذار بالموافقة على مشروع قانون يجيز للرئيس جو بايدن اتخاذ خطوة في هذا الصدد، علماً بأن محاكم أميركية عطلت إجراءً مماثلاً كان قيد التداول في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب.

وفي ديسمبر/ كانون الأول، قدم عضو مجلس الشيوخ الجمهوري عن ولاية ميسوري جوش هاولي مشروع قانون يحظر التطبيق تماماً في الولايات المتحدة، وثمة مشروع قانون مقدم في الشهر نفسه من مشرّعين جمهوريين وديموقراطيين يستهدف حظر التطبيق وأي تطبيقات للتواصل الاجتماعي تعود ملكياتها إلى جهات صينية وروسية وإيرانية وكوريا الشمالية.

وو شوغانغ، أحد مديري الشركة، مسؤول بارز في الحزب الشيوعي الذي يتفرد بحكم الصين منذ عقود. وتُنقَل عن الرجل مواقف معادية لليبيراليين الصينيين الذين يصفهم بأنهم يحملون القيم الغربية. 

ويخوض "تيك توك" محادثات سرية منذ سنوات مع لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة بهدف الإجابة عن تساؤلات اللجنة حول التطبيق وحول علاقة "بايت دانس" مع الحكومة الصينية وكيفية تعاملها مع بيانات المستخدمين. ويفيد المسؤولون عن التطبيق بأنهم لم يتلقوا إجابة بعد في شأن وثيقة تفصيلية عن التعاون الذي يعتزمون إجراءه مع واشنطن حول المخاوف الأمنية لدى الأخيرة قدموها في أغسطس/آب إلى اللجنة. وكانت اللجنة بدأت عام 2019 تحقيقاً في شراء "تيك توك" لـ"ميوزيكال دوت إل واي"، وذلك بعد تقييد إدارة ترامب الأنشطة الاستثمارية الخاصة بشركة "هاواوي" الصينية العملاقة للاتصالات على خلفية مخاوف من تشكيل شبكتها للجيل الخامس تهديدات للأمن القومي الأميركي. ومع انتشار "تيك توك" في الولايات المتحدة بدءاً من عام 2020 تعهد ترامب العمل على حظره لأن السلطات الصينية قد تستخدمه "لبناء ملفات تتضمن معلومات شخصية لأغراض الابتزاز وإجراء تجسس مؤسسي".

الخلفية السياسية-التجارية 
في يونيو/حزيران 2021، خفف بايدن بعض القيود التي فرضها ترامب على تطبيقات صينية، بما في ذلك "تيك توك". لكن من نافل القول إن توتر العلاقات الأميركية الصينية الآن لأسباب منها الحرب التجارية الدائرة بين واشنطن وبكين منذ عام 2018 والقلق الأميركي من تسارع التطور التكنولوجي الصيني وانتقادات واشنطن لسجل بكين في مجال حقوق الإنسان وتنافس الطرفين على النفوذ في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، تشكل خلفية لعودة القيود الأميركية على تطبيقات صينية إلى الصدارة. ردّ "تيك توك" على القرارات الأميركية والأوروبية واصفا إياها بأنها "سيئة التوجيه"، ومن المتوقع أن يمثل رئيسه التنفيذي، شو زي تشو، أمام الكونغرس أواخر مارس/ آذار للرد على أسئلة أعضائه في هذا الصدد. وأوردت "الفايننشال تايمز" نقلاً عن مصادر متابعة للمسألة أن شو يعلم أن مصير التطبيق يعتمد على نجاحه في تخفيف المخاوف الأميركية، مضيفة أن كثراً من مساعديه يدعمونه استعداداً لهذه المهمة وأن الكونغرس، ولا سيما لجنة الطاقة والتجارة في مجلس النواب، من المرجح أن يثير مخاوف إضافية، إلى جانب تلك الأمنية، تتعلق بحماية الأطفال من محتويات ضارة قد يتضمنها التطبيق.

يُشَار إلى أن أدوات استثمارية حكومية صينية تملك حصة في الشركة الأم لـ"بايت دانس" ما يعطي بعض المشروعية للمخاوف الأجنبية عموماً والغربية خصوصاً في شأن احتمال وصول الأجهزة الأمنية الحكومية الصينية إلى بيانات مستخدمي "تيك توك"، ناهيك بأن وو شوغانغ، أحد مديري الشركة، مسؤول بارز في الحزب الشيوعي الذي يتفرد بحكم الصين منذ عقود. وتُنقَل عن الرجل مواقف معادية لليبيراليين الصينيين الذين يصفهم بأنهم يحملون القيم الغربية. 

وتجيز القوانين الصينية للسلطات طلب بيانات من الشركات العاملة في البلاد ومنع إخراج هذه الشركات بيانات إلى بلدان أخرى. وفي حين ينفي "تيك توك" نقل أي بيانات إلى السلطات الصينية، يقر بأن موظفين تابعين له يعملون في الصين والولايات المتحدة، تعاملوا في شكل غير مناسب مع بيانات تخص المستخدمين في صيف 2022.

وما لبث "تيك توك" أن أكد أن الموظفين المعنيين غادروا أعمالهم. وتعهد التطبيق تخزين بيانات المستخدمين الأوروبيين، المقدر عددهم بأكثر من 150 مليون شخص، في ثلاثة مراكز أوروبية خصص لها 600 مليون يورو (640 مليون دولار) بدأ في إقامة اثنين منها في دبلن ولم يقرر بعد موقع المركز الثالث.

"تيك توك" بالأرقام
الكيان الرئيسي لـ"بايت دانس" هو "بكين بايت دانس تكنولوجي المحدودة"، وهي شركة خاصة متعددة الجنسية تعمل في مجال التكنولوجيا على الإنترنت وتدير العديد من التطبيقات المحمولة الشهيرة، بما في ذلك "تيك توك" و"دوين" (النسخة الصينية من "تيك توك") و"توتياو" (منصة للأخبار والمعلومات) وغيرها. تأسست الشركة عام 2012 على يد تشانغ ييمينغ ويقع مقرها الرئيسي في بكين.
وأصبح تطبيق "تيك توك" الرائد للشركة واحداً من أشهر تطبيقات التواصل الاجتماعي في العالم، إذ يمتلك أكثر من مليار مستخدم نشط في أنحاء العالم كلها. وهو يسمح للمستخدمين بإنشاء مقاطع فيديو قصيرة تضم موسيقى ومشاركتها مع جمهور عالمي. أما "دوين" فاشتهر جداً في الصين، إذ يبلغ عدد مستخدميه اليوميين أكثر من 600 مليون شخص. وتوسعت الشركة في صناعة الألعاب من خلال حيازتها شركة "مونتون" المطورة للألعاب المحمولة.

في حلول عام 2021، قُيِّمت قيمة "بايت دانس" السوقية بأكثر من 180 مليار دولار، ما يجعلها واحدة من أكثر الشركات الناشئة قيمة في العالم. وجرى تنزيل "تيك توك" أكثر من 2,6 مليار مرة على مستوى العالم، ما يجعله واحداً من أكثر التطبيقات تنزيلاً على الإطلاق. وتتوزع الغالبية العظمى لمستخدمي"تيك توك" في آسيا. وفي عام 2020، حققت "بايت دانس" ايرادات بأكثر من 34 مليار دولار، في مقابل 7,4 مليارات دولار عام 2018. ويعمل لدى الشركة أكثر من 100 ألف موظف حول العالم، مع تمركز الغالبية العظمى من قوتها العاملة في الصين. وجمعت الشركة عام 2021 أكثر من سبعة مليارات دولار في تمويل من المستثمرين، بما في ذلك "سيكويا كابيتال" و"جنرال أتلانتيك" و"سوفت بنك"، وهي شركات متعددة الجنسية، الشركتان الأوليان منها تتخذان من الولايات المتحدة مقراً في حين يقع مقر الثالثة في اليابان.

ونمت "بايت دانس" بسرعة في السنوات الأخيرة، ويبدو مستقبلها مشرقاً، إذ تستعد الشركة لمواصلة توسيع نطاق وصولها وأثرها في قطاع التكنولوجيا. وأحد المجالات الرئيسية التي من المرجح أن تركز فيها جهودها هو الذكاء الاصطناعي إذ تستثمر بكثافة في البحث والتطوير في هذا المضمار، وساعدت خبرتها في هذا المجال في دفع نجاح تطبيقاتها المختلفة. في المستقبل، من المرجح أن تستخدم "بايت دانس" الذكاء الاصطناعي لإنشاء تجارب مستخدم أكثر جاذبية وشخصية، بالإضافة إلى تحسين قدراتها الإعلانية وعملياتها التجارية الأخرى. اتجاه آخر مهم للشركة هو نمو التجارة الاجتماعية، أو استخدام منصات التواصل الاجتماعي لتسهيل التسوق عبر الإنترنت. لقد قطع "تيك توك" بالفعل بعض الخطوات في هذا المجال، مع إدخال ميزات مثل إعلانات الفيديو والمتاجر داخل التطبيق. وفي المستقبل، من المرجح أن تتوسع الشركة في هذه الجهود، وتستفيد من قاعدة مستخدميها الضخمة لتصبح طرفاً رئيسياً في عالم التجارة الإلكترونية.

لكن نجاح "بايت دانس" لم يمر من دون أن تلاحظه الجهات التنظيمية حول العالم. فقد واجهت الشركة تدقيقات وتحديات قانونية في مختلف الأسواق، أهمها، طبعاً، المخاوف المتعلقة بخصوصية البيانات والأمن القومي. وستحتاج الشركة من الآن فصاعداً، إلى اجتياز هذه التحديات بعناية لضمان بقاء مسار نموها على المسار الصحيح. و"بايت دانس" شركة غير مدرجة في البورصات وهي بالتالي غير ملزمة الإفصاح عن أرقامها.

 

font change