هل لإيران عهد؟

هل لإيران عهد؟

في ضوء ما صدر من معلومات عن وساطة صينية لإعادة العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيران، فإن ذلك سيكون اختبارا حقيقيا لقدرة طهران على التزام ما وقّعته وعن احترامها لسيادة الدول بعدم التدخل في شؤونها الداخلية. وهو ما جعلته المملكة السعودية شرطا لإعادة لتبادل السفراء تمهيدا لاستئناف العلاقات بينهما.

لا بد من أن نذكر أنه سبق للمملكة أن عقدت اتفاقات مع كل من الرئيسين الايرانيين السابقين هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي، آخرها عام 2011. لكن إيران، كما هو معروف عنها، لم تلتزم شيئا مما تعهدت به.

يجدر بنا القول إن هناك أمورا راسخة في العقل السياسي الإيراني لم تتغير على مدى التاريخ، مذ فتَح العرب بلاد فارس وأسقطوا عرش كسرى؛ إذ تؤكد الأحداث االراهنة أن إيران تعاني غصصا مزمنة، تاريخياً وجغرافياً، جعلتها حتى اليوم عاجزة عن ابتلاع ما منيت به من تقويض لأمبراطوريتها، ومن هزائم على أيدي أبناء جزيرة العرب في موقعة القادسية، فظلت مواقفها تنمو طوال العصور وتتوارثها الأجيال.

يذكر الكاتب السوري الراحل حسين العودات في كتابه "صورة العرب لدى الآخر في ضوء العلاقات التاريخية"، أن التيار الشعوبي الفارسي في العهد الأموي لم يكن يهدف فقط إلى انتزاع بعض الحقوق من السلطة، وإنما كان يطمح الى انتزاع السلطة برمتها ردا على الاحتلال العربي لبلاد فارس. وقد حاول الفرس مدفوعين بحنينهم إلى أمجادهم السالفة واحتقارهم للعرب، التآمر على العرب وإسقاط دولتهم، ولعل أبرز ثوراتهم تلك التي قادها أبو مسلم الخراساني باسم الخليفة العباسي.

تستمر كراهية الفرس للعرب، إذ تصور "شاهنامة" الفردوسي، العرب بصور بدائية همجية، وأنهم أقل مدنية من الإيرانيين، وهذا ما ترسخه اليوم الكتب المدرسية التي تقول: إن "رستم وهو آخر قائد إيراني ينهزم أمام سعد بن أبي وقاص، قد بعث رسالة إلى سعد قبل معركة القادسية، قال فيها: على من تنشد الانتصار أنت أيها القائد العاري لجيش عار، رغيف خبز يشبعك، ورغم ذلك تبقى جائعا"!

لقد استمرأت إيران إزعاج دول الخليج العربي تمهيدا للهيمنة عليها، وقد مثّلت بلادنا سدّا منيعا أمام مشروع طهران التخريبي، ولولا السعودية لنجحت في ذلك، في الوقت الذي وقفت فيه بعض الدول العربية موقف المتفرج وروجت لفكرة أننا لم نستطع هزيمة "الحوثيين"، متجاهلةً عمدا انها أدوات إيرانية تحارب عنها بالوكالة، بل إن بعض هذه الدول جعل العلاقة مع ايران نوعا من الابتزاز السياسي والاقتصادي لبلادنا، بمعنى "ادفعوا لنا وإلا سنقيم علاقات مع إيران"

منذ بدء ثورة الخميني، تبنى الملالي تصدير "ثورتهم" إلى الوطن العربي والعالم الإسلامي، رغبة في إعادة إنتاج الأمبراطورية الفارسية بمشروع سياسي للسيطرة على الدول العربية باسم الإيديولوجيا الثورية الخمينية، وتحت عناوين قيادة المسلمين ووحدتهم، واللعب على كل الأوتار.    

                                                                
لا ريبَ في أن إيران متورطة اليوم في عدد من الحروب التي يشهدها الوطن العربي، فلها في اليمن حوثيوها، ولها في سوريا حصة مشهودة في الحرب هنالك، ولها في العراق ميليشياتها المتهمة بارتكاب مجازر، ولها في لبنان الحزب الذي يشعل الحروب باسمها في أرجاء المنطقة العربية. فالاستراتيجيا تُرسَم في طهران، والتكتيك يتولاه "الحرس الثوري"، والتسويق والتعبئة العامة ضد العرب كافة يتولاهما حسن نصر الله الحاكم بأمر الولي الفقيه في لبنان. ليس سراً أن النظام الإيراني يحاول بكل السبل نزع الانتساب إلى الإسلام من العرب، بجعل الإيرانيين أنفسهم أهل الإسلام وأنصاره وحاملي رايته، وأنهم وحدهم يتصدرون مسؤولية نشره والدعوة إليه مع محاولة دؤوبة لنزع حق العرب في الإسلام، والانتساب إليه، إضافة إلى أنهم يحاولون خطف الحضارة الإسلامية ونسبتها إليهم.                              
إنّ كل ما ورد في هذا المقال يعبر عن الغصة الإيرانية التاريخية، التي لم يستطع الايرانيون بلعها. إذ لا تزال غصة في حلوقهم، وما انفكوا من خلالها يتجرعون مرارات وآلاما وأحزانا لا تنقطع عبر التاريخ.                                                       
ختاما، لقد استمرأت إيران إزعاج دول الخليج العربي تمهيدا للهيمنة عليها، وقد مثّلت بلادنا سدّا منيعا أمام مشروع طهران التخريبي، ولولا السعودية لنجحت في ذلك، في الوقت الذي وقفت فيه بعض الدول العربية موقف المتفرج وروجت لفكرة أننا لم نستطع هزيمة "الحوثيين"، متجاهلةً عمدا انها أدوات إيرانية تحارب عنها بالوكالة، بل إن بعض هذه الدول جعل العلاقة مع ايران نوعا من الابتزاز السياسي والاقتصادي لبلادنا، بمعنى "ادفعوا لنا وإلا سنقيم علاقات مع إيران". لذا، لا شكّ في أن إعادة العلاقات مع ايران – إن امتثلت للشروط ووفت بما وقّعته - ستضع حدا لابتزاز بعض دول الجوار العربي، علاوة على دول الغرب وعدد من المنظمات الدولية التي لا صدقية لها في التعامل مع تغلغل إيران في المنطقة، لا سيما في اليمن حيث عملت على إطالة أمد الحرب، والابتزاز.                                               


 

font change
مقالات ذات صلة