المرأة وعودة إلى نقاش لا بدّ منه

ما معنى التحرر؟

المرأة وعودة إلى نقاش لا بدّ منه

نحن في التاريخ ولا قفزَ خارجه، لا رجوعا ولا استباقا إلى الأمام. ولا يمكن لفرد أو جمع أن يحكم التاريخ. ولا خروج من المؤسسة الاجتماعية، المصغرة أو الكبرى.

في ضوء هذه الحتميات أتناول هنا موضوعا من الموضوعات الراهنة التي هي مدار نقاش بل موضع خلاف، وإن كان السجال غالبا ما يستره التمويه والصمت وغياب الصراحة.

لا يزال المعنى الذي يُرجى من كلمة "تحرر" الخاصة بالمرأة العربية، منذ قاسم أمين، موضع تساؤل والتباس عند كثير من الباحثين العرب، فضلا عن غير الباحثين. بل إننا نشهد في بعض البلدان العربية، مثل سوريا، تمثيلا لا حصرا، بعض الانتكاسات التي ترقى، قياسا بما كان قائما في هذا البلد، إلى مستوى الكارثة.

تحرر المرأة: عنوان ملتبس بل بات غامضا. هل لهذا التحرر معايير ومواصفات؟

لماذا يكون تحرر المـرأة أكثر تعـقيدا وإشكالية من تحرر الرجل؟ وهل هناك حقا حالة أو قضية اسمها تحرر الرجل؟ أم إن تحرر الرجل يعني تحرر الإنسان إطلاقا؟

تحرر المرأة: تحرر ممّ؟ وكيف؟

بماذا نبدأ؟

ما المعايير؟ هل تقوم في المظهر أم الملابس والحضور في الأماكن العامة ومواقع القرار، أم في التربية والتأهيل والتمكين؟ في المعرفة والفكر والموقف أم الفعل والقدرة على القرار وصيانة النفس والممارسة والإنتاج؟ وفي أي الميادين؟

ما الحدود والضوابط؟

 لا يزال المعنى الذي يُرجى من كلمة "تحرر" الخاصة بالمرأة العربية، منذ قاسم أمين، موضع تساؤل والتباس عند كثير من الباحثين العرب

هل هي عائلية، أم اجتماعية وطنية عامة؟ هل هي في الميدان العملي؟ أم يمكن أن تكون فردية؟

هل الموضوع متصل بالقوانين ومستوى المعرفة؟ أم بالتقاليد والتصورات السائدة؟

هل هي قضية خاصة تختلف باختلاف المجتمعات؟

هل صحيح أن الرجل حر؟ ولماذا يكون أكثر حرية من المرأة البالغة وفي الأخص حاملة المؤهلات؟

ما الحرية في مجتمع مغلق؟

أين تصل الحرية في مجتمع منفتح؟

هل هناك ما يُعتَبَر تحررا، بعيدا من سلطان العقل ومبادئ النظام العام؟ أم هل الفوضى تَحرر؟ مع أن الفوضى تُعَد من العوامل التي تعيق سلطان الفكر.

لكن ما معنى التحرر، وأعني هنا تحرر المرأة؟

هذا السؤال لا يعالَج بانفصال عن معنى التحرر عند الإنسان إجمالا، رجلا أكان أم امرأة.

التحرر يقتضي المعرفة وتحرير العقل أولا، وارتباط هذا التحرير بالتمكين والقدرة على اتخاذ القرار الشخصي، والمسؤولية عن القرار وتنفيذه، أي القدرة على الاستقلال، والمسؤولية عن الذات وحمايتها وحفظ كرامتها وضمان توهج شخصها. لأن الأهل أو الأوصياء لا يدومون. وليسوا معصومين أو بريئين من حكم التقاليد والموروثات أو من عوامل أخرى بينها التعصب. ومهما كانت حكمتهم فليست هي القانون الوحيد أو الرؤية النهائية.

التحرر يقتضي في الدرجة الأولى المعرفة. لكن أية معرفة؟ وفي أية حدود؟

كما يقتضي التحَررُ امتلاكَ المؤهلات والقدرةَ على توفير الحاجات وصيانة النفس وإعالتها واتخاذ القرارات العاقلة لتوفير إمكانات الاستقلال والمساهمة في بناء المجتمع والوطن، أي لعب دور أساسي في هذا المجال، والانسجام مع معايير البلد الذي نعيش فيه. وحتى في حال التباين يجب أن تكون القدرة على الحوار والإقناع أو الاستقلال متوفرة.

 التحرر هو القدرة على رسم مسار أو مسارات للمستقبل، مسارات إيجابية، وفي اتخاذ قرارات مصيرية أو على الأقل المشاركة في اتخاذ هذه القرارات

التحرر الشكلي الظاهر، في الملبس مثلا أو حرية التنقل، أو الاستقلال المادي لا يكفي ليكون تحررا، مهما كان هذا الوضع ضروريا.

التحرر هو القدرة على رسم مسار أو مسارات للمستقبل، مسارات إيجابية، وفي اتخاذ قرارات مصيرية أو على الأقل المشاركة في اتخاذ هذه القرارات.

أما التطور فلا يكون بمجرد الخروج على مسار المجتمع وقيمه، بل بالانفتاح المعرفي والرؤيا المستقبلية، بالإبداع والقدرة على القرار والحوار والبيان والتوجيه والفعل والإنتاج.

التطور يكون في المسؤولية ووعي الأوضاع الاجتماعية والخاصة وامتلاك القدرة على التعامل معها.

font change