كل الحضارات الإنسانية تفتخر برموزها العظام، بل ترفعهم إلى منزلة فوق منزلتهم الواقعية، إن استطاعت. على سبيل المثل، عند اليونان الأقدمين، عندما يموت الرجل العظيم يتحول في الذاكرة إلى إله. كل الأسماء التي نعرفها من ملاحم هوميروس وأشعار هزيودوس هي في ظني لرجال عظماء حوّلهم التاريخ إلى آلهة. هذا في تخميني هو سبب كثرة أسماء الآلهة في تاريخ الإغريق. والعرب مثل غيرهم في هذا يعظّمون رموزهم ويحترمونهم ويتفاخرون بقصصهم. نستثني من ذلك أصحاب النظرة المذهبية الحزبية الضيقة التي لا تقبل إلا من كان من مذهبها.
في هذا الأسبوع تداول الناس فيديوهات تنقل عن بعض رجال الدين مقولة جديدة تزعم أن العالِم العربي جابر بن حيان شخصية وهمية. لا أدري ما سر هذه الهجمة ولمَ في هذا الوقت بالذات، إلا أن من أثاروا هذه القضية ليسوا من بلد واحد، لكن يجمعهم الانتماء للخط السلفي. حجة بعضهم على النفي هو أن جابر بن حيان لم يُذكر في كتب التراجم السلفية وأنه لا دليل على وجوده. لو طالبنا بالدليل على وجود كل شخص لطارت منا شخصيات تراثية كثيرة، وبالتالي فالمطالبة بالدليل لا تصب في صالح هذه الدعوى.