ماذا بعد زيارة بومبيو إلى بيروت؟

رسائل واشنطن إلى حلفائها في تل أبيب وعدوها في لبنان

ماذا بعد زيارة بومبيو إلى بيروت؟

* غالبًا ما يشكو حلفاء «حزب الله» منه لمسؤولين أميركيين عندما يشعرون بالضغوط. وقد فعلوا ذلك بعد ثورة الأرز 2005. وحرب يوليو 2006 وأحداث مايو 2008
* لا يعتقد بعض المراقبين المقربين من «حزب الله» أن الحزب ورعاته في إيران قد يستمرون حتى 2020، ربما يكون الانهيار أقرب مما نظن.

واشنطن: أثارت زيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى لبنان الجدل كما كان متوقعًا. جاءت الزيارة وسط حدثين كبيرين. في الليلة السابقة على زيارته إلى بيروت، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب اعتراف أميركا بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل بعد أن استولت عليها من سوريا في حرب 1967. ثم ضمتها إليها فيما بعد.
في أثناء وجوده في تل أبيب أثنى بومبيو على الإعلان واصفًا إياه بـ«التاريخي» و«الشجاع»، متفقًا في لقاء أجرته معه «شبكة كريستيان برودكاست»، على أن الرئيس الأميركي قد يكون مُرسلاً من الرب لحماية إسرائيل.
وفي اليوم الأول من زيارته إلى بيروت، فرضت واشنطن عقوبات جديدة على إيران. وأعلنت وزارة الخزانة الأميركية أن العقوبات تستهدف 31 عالما وفنيًّا إيرانيًا وشركات تابعة لمنظمة الابتكار والبحوث الدفاعية الإيرانية التي كانت في صدارة برنامج الدولة السابق للسلاح النووي. وصرح مسؤولون بأن هؤلاء المستهدفين مستمرون في العمل في قطاع الدفاع الإيراني ويشكلون نواة من الخبراء الذين يمكنهم أن يعيدوا تكوين البرنامج.
من المحتمل أن لا يكون هذان الحدثان عرضيين. بل كانا مقصودين لكي توصف زيارة بومبيو بالفاعلية والمصداقية. أرادت الولايات المتحدة أن تبعث برسائل واضحة إلى حلفائها في تل أبيب وأعدائها في لبنان، تحديدًا «حزب الله» إيران.
 
تم تسلم الرسائل
كانت المؤتمرات الصحافية واستعراض الشجاعة تأييدًا لـ«حزب الله» مما سمعناه من وزير الخارجية جبران باسيل والرئيس عون ورئيس البرلمان نبيه بري جميعها متوقعة ومفترضة. ولكن بعيدًا عن الشعارات، كان من الواضح أن حلفاء «حزب الله» لم يشعروا بارتياح بالغ لما سمعوه من وزير الخارجية.
على الرغم من أن باسيل نفى أن يكون «حزب الله» جماعة إرهابية، وصرح بأنه «يتمتع بقاعدة شعبية واسعة»، قال بومبيو في لقائه مع «سكاي نيوز العربية» إن القيادة اللبنانية (جميعها) متفقة معه بشأن «حزب الله». وصرح بومبيو قائلاً: «إنهما يعرفان – أي كلا من الرئيس (ميشال) عون ووزير الخارجية – الحاجة إلى الحرية والديمقراطية والاستقلال والسيادة اللبنانية».
ربما يشير هذا التصريح إلى ما سمعه بومبيو منهما في حديث خاص، والذي يتناقض مع البيانات الصحافية الرسمية التي أصدراها بعد ذلك. ولا يعد هذا مفاجئًا إذا علمنا أن الكثير من حلفاء «حزب الله» ينتقدون الحزب في لقاءات خاصة. على سبيل المثال، تكشف وثائق «ويكيليكس» أن رئيس البرلمان بري لم ينتقد «حزب الله» بشدة فحسب، بل اقترح أيضًا سُبلاً لاحتواء الحزب أو إضعافه، وذلك في لقاءاته مع سفراء أميركيين.
غالبًا ما يشكو حلفاء «حزب الله» منه لمسؤولين أميركيين عندما يشعرون بالضغوط. وقد فعلوا ذلك بعد ثورة الأرز في 2005. وحرب يوليو (تموز) عام 2006 وأحداث مايو (أيار) عام 2008. إذا كانوا يشكون اليوم أيضًا، فيعني ذلك أن عون وباسيل وبري يشعرون بوطأة الضغوط، إذ تمارس الولايات المتحدة ضغوطًا شديدة على الرئيس ووزير الخارجية ورئيس الوزراء حتى يبحثوا عن طرق ينأون بأنفسهم من خلالها عن «حزب الله». ربما يشجع هذا أيضًا بعض القادة والأحزاب ممن ليسوا ضمن هذا المعسكر للحديث علنًا بقوة أكبر.
 
مزيد من العقوبات؟
قد تجتمع هذه الضغوط أيضًا مع تهديدات ربما يكون هؤلاء الحلفاء قد سمعوها من بومبيو – ومسؤولين أميركيين آخرين – بفرض مزيد من العقوبات.
تصمم الولايات المتحدة على تكثيف العقوبات ضد إيران و«حزب الله»، خاصة مع وجود إشارات على أنها فعَالة ومؤلمة. بيد أن العقوبات المستقبلية قد تبدأ في تجاوز دوائر «حزب الله» الضيقة وتستهدف حلفاءه.
هذه هي الأفكار التي يناقشها كثير من صناع السياسات في واشنطن بالفعل ويضغطون من أجلها. إذا ألقينا نظرة على الجولة الثانية من عقوبات قانون منع التمويل الدولي لـ«حزب الله»، توجد إشارات واضحة إلى حلفاء «حزب الله» مثل بري وعون وآخرين من التيار الوطني الحر وحركة أمل والحزب السوري القومي الاجتماعي.
حتى الآن استطاع حلفاء «حزب الله» جني ثمار صداقة إيران ورعايتها، دون أن يكون عليهم دفع الثمن مقابل ذلك. كذلك تعرف الإدارة الأميركية أن «حزب الله» لم يكن ليفوز في الانتخابات البرلمانية الأخيرة ويشكل حكومة من دون هؤلاء الحلفاء. ربما يكون الوقت قد اقترب لكي يسدد هؤلاء الثمن، وكانت رسالة بومبيو عن العقوبات عالية وواضحة في بيروت.
قال بومبيو للبنانيين في أثناء مؤتمر صحافي: «لبنان يواجه خيار المُضي قدمًا في شجاعة نحو أمة مستقلة وفخورة، أو السماح للمطامع الظلامية لإيران و(حزب الله) بإملاء مستقبلكم». ولكن تبدو هذه في الأغلب رسالة إلى قيادة لبنان.
 
المُضي قُدمًا
كان تحذير بومبيو عاليًا وواضحًا. ويعرف قادة لبنان تداعيات السماح لـ«حزب الله» بالسيطرة على مؤسسات الدولة اللبنانية. المسألة هنا ذات شقين: أولاً، هل سيقرر حلفاء «حزب الله» القفز من القارب لحماية أنفسهم – وأعمالهم – من العقوبات الأميركية؟ وثانيًا، حتى إذا أرادوا القفز، هل يمكنهم ذلك؟ أي هل سيسمح لهم «حزب الله» بذلك؟
من المحتمل أن يكون حلفاء «حزب الله» وشركاتهم على ارتباط وثيق بنشاط «حزب الله». فقد جنوا أموالهم بسبب الصفقات التجارية التي سمح بها ويسرها «حزب الله». ربما يعني القفز من القارب أيضًا التضحية بشركاتهم وأصولهم. ربما يكونوا أعمق مما ينبغي. والطريقة الوحيدة لإجبار حلفاء «حزب الله» على تقديم هذه «التضحية» هي جعلهم يدركون أن هناك ثمنًا للتحالف معه. ربما يبعث فرض عقوبات على البعض برسالة، ولعل بومبيو قد حذر من ذلك.
هناك أيضًا سؤال متعلق بكيفية تعامل «حزب الله» مع هذا التصعيد والتحذير. الموقف المالي لـ«حزب الله» في وضع سيئ جدًا بالفعل، إذ يمكنهم بالكاد دفع رواتب موظفيهم ومقاتليهم. ويعد بومبيو بفرض مزيد من العقوبات والضغوط الاقتصادية مما سيزيد موقفهم المالي سوءًا.
يملك «حزب الله» خطة ذات شقين تتطلب وقتًا وصبرًا، على الرغم من أنها غير مضمونة النجاح. أولاً، سوف يحاول «حزب الله» تعويض نقص الأموال بالسعي إلى الحصول على أموال مؤسسات الدولة في لبنان. المشكلة في تلك الخطة هي أن الاقتصاد اللبناني في وضع سيئ للغاية وربما لا توجد أي أموال أخرى لكي يحصل عليها «حزب الله». كما سيكون تحويل الأموال من مؤسسات الدولة إلى مؤسساته الخاصة محاولة خطرة إذ إن كل العيون مُسَلَطة على تعامل «حزب الله» مع وزاراته والوزارات التي يرأسها حلفاؤه.
إذا أثبتت هذه المحاولة أنها مُعقدة وخَطِرة، سيكون على «حزب الله» تدبير أموره وفقًا لما يملكه – بالإضافة إلى ما يمكنه الحصول عليه من العراق – للنجاة من هذه العقوبات، والأخرى المقبلة.
ثانيًا، خطة «حزب الله» الأساسية هي الانتظار، حيث وعد بومبيو بفرض عقوبات أخرى، ولكنهم يعرفون أيضًا أن هذه الإدارة سيكون عليها خوض انتخابات رئاسية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020. وقد قررت إيران و«حزب الله» انتظار هذه العقوبات في الوقت الراهن وحتى انتخابات 2020.
إذا خسر ترمب الانتخابات، وفاز فيها ديمقراطي، تأمل إيران و«حزب الله» أن تعود الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي المسمى خطة العمل الشاملة المشتركة. حينئذ يمكن أن تُرفع العقوبات ويصبح تحذير بومبيو غير فعَال. بيد أنه إذا حصلت هذه الإدارة على فترة أربعة أعوام أخرى، ربما سيكون على إيران إعادة النظر في عدد من القضايا، منها سلوكها في المنطقة.
لا يعتقد حتى بعض المراقبين المقربين من «حزب الله» أن الحزب ورعاته في إيران قد يستمرون حتى 2020، وذلك من الناحية المالية. ربما يكون الانهيار أقرب مما نظن.
 
* حنين غدار: باحثة زائرة في زمالة فريدمان الافتتاحية في معهد واشنطن.
 

font change