دول الخليج وجدليه الإنتاج والصناعة

دول الخليج وجدليه الإنتاج والصناعة

[escenic_image id="554938"]

شهدت دول مجلس التعاون الخليجي في منطقة الخليج العربي نمواً في إقتصادياتها خلال السنوات العشر الماضية. وأضحت المملكة العربية السعودية واحدة من أكبر المنتجين للمواد الكيميائية في العالم ويقدر لها أن تصبح أكبر منتج في هذه الصناعة بحلول عام 2020. ويعتبر هذا الإقليم واحداً من أكبر منتجي الأسمدة مثل اليوريا والأمونيا وتمتلك البحرين ودولة الإمارات العربية المتحدة اثنين من أكبر مصانع الألومونيوم في العالم. وأصبحت دول مجلس التعاون الخليجي من أهم الدول المنتجة والمستخدمة للأسمنت. وتحتوى دول المجلس على مصنعين كبيرين للإختزال المباشر للصلب بجانب جميع أنواع مصانع تحويل الصلب. ويوجد في دبي مركز صناعي يُستخدم أيضاً لأغراض الشحن ويتميز بأنه ضخم وناجح جداً. كما أن البحرين ودبي هما أيضاً بصدد التحول إلى مركزين ماليين رئيسيين في مجال الإستثمار المصرفي والتمويل الإسلامي.

وصارت هذه الإنجازات ممكنة دون شك بفضل الزيادة الهائلة في دخل النفط لدول مجلس التعاون الخليجي من حوالي 50 مليار دولار سنوياً في عام 1998 إلى نحو 467 مليار دولار/سنوياً في عام 2008[i]. إلا أنه حين نقارن هذه الأرقام بالحد الأدنى من النمو في دول أخرى مصدرة للنفط مثل فنزويلا وإيران ونيجيريا، يمكننا إستنتاج أن التنمية الخليجية الضخمة ترجع في جانب كبير منها إلى رؤية العديد من قادة دول المنطقة والنخبة بها.

وتسعى دول الخليج لإستخدام مزاياها الطبيعية المتمثلة في انخفاض تكلفة الطاقة ووفرة رأس المال والقرب من الأسواق الآسيوية الكبيرة من أجل الوصول إلى مستوى معيشة الدول الغربية بل والتفوق عليها، وما يترتب على ذلك من تملك بعض النفوذ في الشؤون العالمية.

وقد فضلت دول الخليج الوصول للقوة الإقتصادية لكي تعوض عن نقص جيوشها وقلة سكانها. إلا أن كل دولة داخل مجلس التعاون الخليجي لديها رؤية مختلفة للمستقبل الإقتصادي، مما أفرز أنماط نمو مختلفة.

 وقد ارتكزت دول مثل الكويت وقطر وإمارة أبو ظبي في تصنيعها على الإستثمارات في المشاريع المشتركة مع الشركات الغربية. وتوفر الحكومات رأس المال والمواد الخام في حين يقدم الشريك الأجنبي التقنية والإدارة وتسويق المنتجات.

ونشهد هذا النمط في المشروع المشترك بين شركتي ايكويت الكويتية وداو للمواد الكيميائية. ويمتلك القطريون العديد من المشاريع المشتركة في المواد الكيميائية بين شركتي تشيم وQAPC وعدد من الشركاء الأجانب مثل شركة شيفرون-فيليبس. وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، نجد أن شركة بروج الكيميائية هي مشروع مشترك بين شركتي أدنوك بورياليس النرويجية وشركة OMV في النمسا[ii]. وتعد هذه المشاريع المشتركة على المستوى الأعم ناجحة جداً، ولكن يديرها الأجانب بشكل كبير.

وفي نهاية المطاف، لا يترك هذا المنهج إلا تأثيراً ضئيلاً نسبياً على توظيف العمالة المحلية أو نقل التقنية إلى المنطقة. ولهذه الدول الخليجية الثلاث بالطبع تعداد سكاني ضئيل من السكان المحليين ولا تتعرض لضغط كبير في العثور على وظائف مجزية وذات تقنية عالية لشعوبها. ويعد الهدف الرئيسي لهذه الدول هو إضافة قيمة لموارد الطاقة لديها لكي تزيد إحتياطاتها النقدية. وتقوم تلك الدول بتحويل أصولها الأساسية إلى أموال، مثل النفط أو الغاز الطبيعي بغرض توفير أرباح نقدية _وليس القوة الصناعية_ إلى أجيالها المقبلة.  

وهناك شكل آخر من التنمية يتحقق في دبي بإستخدام الإستثمارات الخاصة في المجمل. ويرتكز هذا المفهوم على مبدأ "أسس المشروع وسوف يأتي العملاء". وتوفر دبي أفضل إدارة للمواني في المنطقة وهى من بين الأفضل في العالم. وتستطيع هذه الإدارة إستقبال وإعادة توجيه عشرات الملايين من سفن الحاويات سنويا[iii]، مما أدى إلى إجتذاب العديد من الشركات الدولية الكبرى لإنشاء مراكزها للتوزيع في المنطقة. وتوفر منطقة "جبل علي" أيضا قوانين إستثمار وعمالة متحررة للغاية مما شجع مئات الشركات على إنشاء معامل للتصنيع في منطقة جبل علي لإعادة التصدير نحو إيران وباكستان وبقية المنطقة. ويتيح هذا الأمر للمستثمرين، وغالباً الإيرانيين والباكستانيين الإحتفاظ بأرباحهم في دبي معفاة من الضرائب والمراقبة. وقد جعل هذا النهج من دبي مركزاً يتوجه إليه عدد كبير من الزوار، ودفعها إلى التوسع في السياحة ذات الأعداد الكبيرة، والنقل الجوي والعقارات.

ونجد النموذج الثالث في المملكة العربية السعودية. وسعت السعودية إلى تطوير الصناعة منذ عام 1975. وقرر السعوديون مبكراً جداً خلال تلك العملية، خلافاً لقطر، أن لا يصدروا غازهم الطبيعي على الإطلاق وأن يستخدموه للتنمية المحلية فقط. ووفر هذا الأمر للدولة سهولة الحصول على الكهرباء والمياه المحلاة ومواد خام لصناعة الكيماويات.

وإستخدمت الحكومة أيضاً نهجاً سيادياً في دعم معظم الصناعات الجديدة.

وشركة (سابك) على سبيل المثال، أصبحت واحدة من أكثر الشركات الكيميائية تقدماً في العالم. وقد نالت 70 ٪ من رأس مالها عن طريق صندوق الإستثمار العام، وهو فرع من وزارة المالية السعودية. وتتلقى شركة سابك موادها الخام الأساسية من الميثان والإيثان من شركة أرامكو السعودية المملوكة للدولة بسعر منخفض للغاية يبلغ 0.75 دولار/ للوحدة الحرارية-أي حوالي 15 ٪ من سعر الأسواق الأخرى.

وخلال العشرة أعوام الأخيرة، شجعت الحكومة بقوة القطاع الخاص على المشاركة. ومنذ عام 2005، لم تعد الحكومة تستخدم صندوق الإستثمار العام في إستثمار الأسهم مباشرة في الشركات ولكن إلى جانب مؤسسات أخرى للدولة لإقراض الشركات الصناعية، وبذلك حتى لا تزاحم المساهمين من القطاع الخاص[iv]. وقد شجعت الحكومة الشركات الخاصة التي تمتلك الدولة حصصاً بها. وقد إستقبل الجمهور هذه الشركات المختلطة بترحاب كبير، وأضافت تأثيراً بالغاً على التنمية الصناعية عن طريق إمتصاص جزء كبير من السيولة المتاحة للشعب.

ونجد مثالاً على الشركات التي تمزج بين ملكية الدولة والملكية الخاصة في شركة  بترورابغ، وهى مشروع مشترك تأسس في عام 2006، وبدأت عملياتها في أوائل عام 2009، بين شركة أرامكو السعودية التي تمتلك نسبة 37.5 ٪ منها، و شركة سوميتومو اليابانية التي تمتلك نفس النسبة أيضاً بينما يمتلك عامة المكتتبين بوجه عام نسبة 25 ٪[v] من الشركة.

وتمكنت شركة بترورابغ من جمع ما يزيد على 800 مليون دولار من سوق الأسهم في الرياض. ويتوقع الشعب السعودي أن تدير شركة أرامكو السعودية الشركة الجديدة جيداً. ويعتبر السعوديون شركة أرامكو المؤسسة ذات الإدارة الأفضل في المملكة.

ويعد السواد الأعظم من الشعب أيضاً شركة سوميتومو واحدة من أكبر الشركات في العالم، إذ يمكنها أن تضمن تطبيق التقنية بشكل صحيح وتوفر التسويق للمنتجات. وعلى هذا، فرغم أن بترورابغ ليست شركة مملوكة للدولة حقاً إلا أن المساهمين والمقرضين على حد سواء يعتبرونها كذلك. وتقدم شركة سابيك أمثلة أخرى حيث طرحت أسهمها للتداول في البورصة وهي الأسهم الخاصة بمشروع "ينساب". وفي عام 2006 أيضاً طرحت (سابيك) أسهم شركتها الكيميائية المتقدمة للشركة التابعة لها والمسماة "كيان السعودية"، وطرحت 45 ٪ من أسهمها لإكتتاب الجمهور.

الا أن شركة (سابيك) إحتفظت بحق الإدارة والسيطرة الكلية على الشركات الجديدة، وحذت حذو شركة أرامكو السعودية في سحب رأس المال بنهم من العامة لإنشاء أحدث المرافق الكيميائية الكبرى. ولكي يشجع الدولة على التحول من الإعتماد على النفط إلى قوة صناعية معتمدة على المعرفة، أمر جلالة الملك عبد الله ومستشاريه ببناء خمس مدن صناعية جديدة على أحدث طراز. وتتطلع هذه المدن بإحداث تجديدات واسعة للنظم التعليمية ونشر العلوم والأبحاث وإشراك المرأة في كل من التعليم والعمل.

ويحرص الملك أيضاً على الحد من الإعتماد على الأجانب والتقنية الأجنبية. ويسعى حثيثاً إلى تطوير مدارس هندسية وفنية جديدة بجانب جامعة بحوث من الطراز العالمي، اسمها المختصر "كوست" وتقع في شمال جدة، بهدف توفير المهارات اللازمة للشعب كي يصبح حقا "قائما على المعرفة".

ويعد التصنيع في الخليج هو الثورة الصناعية الحديثة. وقد أثر كثيراً حقا على السكان المحليين والبنية الإجتماعية مثلما أثر المحرك البخاري على أوروبا في القرن 19. وقد تحاول العناصر الأكثر محافظة في الخليج جاهدة إبطاء هذه الثورة، ولكنها تبدو منقسمة حول كيفية إستجابتها لها.

فمن ناحية، ترتعد العناصر الأكثر محافظة لرؤية المرأة في العمل والتعليم وهي تخرج من تحت سيطرتهم رويداً رويدا. ويشعر المحافظون بتهميشهم تماماً نتيجة تلك العملية. ومن ناحية أخرى يمكنهم رؤية الفائدة التي ستعود عليهم وعلى المجتمع حينما تصبح المنطقة قوة إقتصادية وسياسية كبرى.

ومن المرجح أن تبطئ الأزمة الإقتصادية العالمية في عام 2009 جهود التصنيع حيث ينخفض الطلب على النفط والغاز الطبيعي والمنتجات الصناعية الخليجية. ومع ذلك، فإن دول مجلس التعاون الخليجي يتوفر لديها مواد خام بأقل تكلفة على مستوى العالم. ولكي تحافظ على حصتها في السوق، فقد تضطر هذه الدول إلى خفض الأسعار وتعاني من إنخفاضات كبيرة في الأرباح. ولكن قاعدتها ذات التكلفة المنخفضة تسمح لها بإستيعاب أسعار أقل من أسعار منافسيها الأوروبيين أو الصينيين، وبذلك تستحوذ هذه الدول على حصة من الأسواق الآسيوية – تمهيداً لمزيد من النمو الصناعي الهائل في منطقة الخليج عندما ينتهي الركود الحالي.

 

 

----------------------------------

 


 

 

حواشي تتعلق بموضوع حاله الإقتصاد لجان فرانسوا سيزنيك

----------------------------------------------------------------

 

[iv] نفترض أن إجمالي صادرات النفط الخام ومنتجاته من دول مجلس التعاون الخليجي في نهاية عام 1998 تقدر بنحو   12.9 مليون برميل/يوميا، وبمتوسط قدره 12 دولار للبرميل). بالنسبة لعام 2008 يقدر الدخل بمتوسط سعري لسلة اوبك بـ44.85 دولار للبرميل [الدراسة الاقتصادية للشرق الأوسط بتاريخ 5/11/2005] بالنسبة لمجموع صادرات النفط الخام ومنتجاته بنحو 12 مليون برميل يوميا. وفي عام 2009 حين تراوحت الأسعار بين 40 دولارا و 60 دولارا في النصف الأول من هذا العام، يمكن أن يكون الدخل في نطاق 270 مليار دولار، بافتراض أن متوسط سعر البرميل في عام 2009 يقدر بـ 55 دولار.

[iv] بورياليس هي شركة تمتلكها شركة الاستثمارات البترولية الدولية وهى واحدة من صناديق الثروة السيادية في أبوظبي. وتمتلك أبو ظبي أيضا 20 ٪ من شركة OMV،  وبذلك تكون لديها سيطرة كاملة على الإدارة.

[iv] تتولى موانئ دبي العالمية 48 مليون عملية في السنة بجانب المرفأ الأخر الذي تديره. ويشير هذا الرقم إلى الحجم الكلي للتعامل مع حاوية بطول 20 قدما.

[iv] صندوق الاستثمارات العامة هو فرع تابع لوزارة المالية. وسوف يوفر تمويل الملكية [(سابك)، والسعودية، الخ) أو يقوم الآن على الأغلب بتقديم الأموال اللازمة للمشروعات الخاصة أو شبه الخاصة. ويوجد مقرضون رئيسيون آخرون تابعون للدولة وهم صندوق الضمان الاجتماعي و الصندوق السعودي للتنمية الصناعية والذي بدأ عمله في عام 1975. ويقوم بالإقراض دون أي فائدة لمدة 15 عاما].

[iv] ويبين تحليل الأسهم في النشرة التمهيدية أن كلاً من شركة أرامكو السعودية وسوميتومو تمتلك 8.75 ٪ فقط من الأسهم، ولكنهما قدما قرضا ثانوياً قيمته نحو 1.25 بليون دولار، والذي تحول إلى حصة لكل منهما بالشركة تقدر بـ 37.5 ٪.

font change