وثائق سرية سورية عن الدخول إلى لبنان واغتيال كمال جنبلاط

"المجلة" تنشر محاضر رئاسية سورية ووثائق رسمية: "ضوء أخضر" أميركي وصمت إسرائيلي وغضب سوفياتي

المجلة
المجلة

وثائق سرية سورية عن الدخول إلى لبنان واغتيال كمال جنبلاط

لا تزال قصة دخول القوات السورية إلى لبنان مثيرة، رغم مرور عشرين سنة على خروجها في عام 2005. هي مهمة لأن الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد أرسلها بداية تحت العباءة الفلسطينية، قبل أن تدخل علنا في بداية يونيو/حزيران 1976، وكان عبورها الحدود ليلة وصول رئيس الوزراء السوفياتي ألكسي كوسيغين إلى دمشق. والتدخل السوري مهم لأن ما عرف بعصر "الوصاية" على لبنان وتفاصيله، بدأ بقبول أميركي نقله العاهل الأردني الملك الحسين إلى الأسد، ورضا إسرائيلي لـ"تأديب" منظمة التحرير الفلسطينية وزعيمها ياسر عرفات ثم إبعادهم إلى تونس، بعد انتقال المنظمة إلى لبنان غداة "أيلول الأسود" في الأردن عام 1970.

هذا ما تكشفه وثائق سرية حصلت "المجلة" عليها بعد انهيار نظام الأسدين في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، وهي تسلط الضوء على اغتيال الزعيم الدرزي كمال جنبلاط في مارس/آذار 1977، أي بعد سنة تقريبا على "اللقاء العاصف" بينه وبين حافظ الأسد في دمشق، الذي تجاوزت مدته السبع ساعات. وقد بقيت علاقة الأسد-جنبلاط بين أبرز ألغاز الحرب الأهلية اللبنانية، وكل الروايات التي قيلت حولها، سواء من المحيطين بالرجلين، أو من الصحافيين والمؤرخين، مبنية على روايات شفهية، لا على محاضر رسمية. وطالما تميّزت سياسة نظام الأسد بالكتمان والإنكار لكل الاتهامات الموجهة إليه فيما يتعلق بمجمل القضايا السياسية في الوطن العربي، ومنها اغتيال جنبلاط على يد أحد عناصر المخابرات السورية.

بعد سقوط نظام الأسدين، دشّن الرئيس أحمد الشرع عهده باستقبال وليد جنبلاط، ابن "كمال بك" ووريثه في زعامة الطائفة الدرزية و"الحزب التقدمي الاشتراكي" اللبناني 

بعد سقوط نظام الأسدين، دشّن الرئيس أحمد الشرع عهده باستقبال وليد جنبلاط، ابن "كمال بك" ووريثه في زعامة الطائفة الدرزية و"الحزب التقدمي الاشتراكي" اللبناني.  ولم يمضِ وقت كبير على هذا اللقاء حتى أُعلن عن اعتقال إبراهيم حويجة في شهر مارس الماضي، وهو الضابط السوري المتهم باغتيال كمال جنبلاط.       

ولوضع لقاء الأسد–جنبلاط في سياقه، لا بد من العودة إلى سبعينات القرن العشرين، عندما شهدت المنطقة العربية صراعات وتحولات كبرى في أعقاب نكسة عام 1967 وأحداث "أيلول الأسود" عام 1970، التي أدت إلى انتقال المنظمات الفلسطينية وقادتها من الأردن إلى لبنان. وبعد شهرين من "أيلول الأسود"، استولى الأسد على السلطة في نوفمبر/تشرين الثاني 1970.  

توتر الوضع في لبنان مطلع عام 1976، بسبب الفشل في تشكيل حكومة اتحاد وطني وخشية بعض الأطراف اللبنانية من التدخل العسكري السوري 

وما إن وقّع الأسد اتفاق فك الاشتباك مع إسرائيل في مايو/أيار 1974، بعد أشهر من حرب أكتوبر/تشرين الأول من العام السابق، وضمن مستقبل نظامه السياسي بغطاء أميركي وفّره وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر، حتى نشبت الحرب الأهلية في لبنان. وعليه، سعى الأسد جاهدا لتوطيد علاقاته مع القوى اللبنانية السياسية، واتخذها مبررا للقبض على "الخاصرة الرخوة". كان كمال جنبلاط يمثل قوة سياسية مؤثرة في لبنان، بصفته زعيما لـ"الحزب التقدمي الاشتراكي" منذ عام 1949، وزعيما للطائفة الدرزية، وللحركة الوطنية اللبنانية التي جمعت منذ عام 1969 القوى الوطنية والشيوعية والقومية في لبنان.  

أ.ف.ب
وزير الخارجية الأميركي، هنري كيسنجر والرئيس السوري حافظ الأسد في دمشق، 30 يناير 1974

الغطاء الأميركي للتدخل السوري  

عمل الأسد على توفير غطاء دولي لتدخله في لبنان، مستفيدا من تحالفه الاستراتيجي مع الاتحاد السوفياتي والتفاهمات الوظيفية مع أميركا، بعلم إسرائيلي. المحادثات السورية-الأميركية في بداية السبعينات ركزت على تطور العلاقات الثنائية بعد قطيعة، وبحث تداعيات المفاوضات المصرية-الإسرائيلية قبل اتفاق كامب ديفيد. وفي نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 1975، أصدر مجلس الأمـن قرارا حول تمديد عمل قوات مراقبي الأمم المتحدة في الجولان (أندوف)، وفي هذا الإطار جاء ألفريد أثرتون مسـاعد وزير الخارجية الأميركي إلى دمشق واستقبله وزير الخارجية عبد الحليم خدام في 17 يناير/كانون الأول 1975. وقال أثرتون:  "أود أن أسمع تقييمكم حول الوضع في لبنان. ذكرت بعض الأنباء أنكم ربما تذهبون مرة أخـرى إلى لبنان، وفي هذا الصدد لا بد مـن القـول إن الحكومـة السورية تلعب دورا دبلوماسيا مفيدا في لبنان". 

الملك حسين ينقل الضوء الأخضر للأسد  

توتر الوضع في لبنان مطلع وربيع عام 1976، بسبب الفشل في تشكيل حكومة اتحاد وطني وخشية بعض الأطراف اللبنانية من التدخل العسكري السوري. وحسب الوثائق السرية السورية، اتصل العاهل الأردني الملك الحسين بالأسد في الرابعة فجرا يوم 30 مارس 1976 ليقول: "الولايات المتحدة الأميركية تنظر بخطورة إلى تدخل عسكري سوري في لبنان". وفي اليوم التالي أرسل الحسين رسالة أخرى إلى الأسد من واشنطن، قال فيها إنه ناقش الوضع في لبنان مع الرئيس جيرالد فورد، ومع كيسنجر، وأكد لهما أنه "لا بديل لإنقاذ لبنان من تدخل سوري علني ومباشر". وقال الأميركيون إن التدخل العلني سيؤدي إلى تدخل إسرائيلي، وبأنهم يؤيدون التدخل السوري "غير العلني"، كما يؤيدون "سيطرة سورية على الوضع في لبنان".

خاص المجلة
العاهل الأردني الملك الحسين وحافظ الأسد

وأضاف الملك حسين، نقلا عن الأميركيين: "إذا ساءت الظروف، يمكن أن تنظر الولايات المتحدة الأميركية بإمكانية قبول تدخل سوري علني"، وأنه "في حالة موافقتهم على دخول سوريا يجب أن يحددوا الهدف والمكان والزمان وضمان الانسحاب في وقت لاحق".

وتقول وثيقة أخرى إن كيسنجر قال للأسد: "لا صحة لما نقل للرئيس الأسد من أن أميركا تعارض المبادرة السورية في لبنان". وقال كيسنجر إن السفير الأميركي في بيروت سيحذر كمال جنبلاط من أنه سيتحمل العواقب الوخيمة إذا استمر في معارضة وقف القتال.   

تحركت القوات السورية نحو الحدود اللبنانية واجتازتها في ليلة 31 مايو–1 يونيو 1976. عارضت الأحزاب الشيوعية العربية هذا القرار، ما أثر سلبا على موقف الاتحاد السوفياتي 

وصباح 1 أبريل 1976، سلم السفير الأميركي "المكتب الخاص" للأسد رسالة، ينشر مضمونها للمرة الأولى، فيها: "أعلمنا الملك حسين صباح اليوم أنه قيل للرئيس الأسد إننا نشجع جنبلاط على مواصلة القتال في لبنان. إن الوزير (كيسنجر) يود أن يعلم الرئيس الأسد مباشرة أن هذه كذبة خبيثة وقحة هدفها بذر بذرة الشقاق بين الولايات المتحدة وسوريا وبين قادة بلدينا". وأضافت: "كما ذكر كل من الرئيس فورد والوزير، بشكل قاطع للملك صباح اليوم، وهذا ما سيوضحه السفير مورفي: إننا نعمل بوضوح لوقف النار وفق ما عبر عنه الاقتراح السوري في 22 يناير. ينبغي أن يعلم الأسد أن السفير براون لديه تعليمات دقيقة وجازمة وأن يكون قاطعا مع جنبلاط فيما يتعلق بنية أميركا أن تتخذ كل خطوة لوقف النار وأن جنبلاط ومعاونيه هم الذين سيعانون العواقب". وختمت الرسالة السرية: "لدينا ثقة أن الرئيس الأسد لن يضلل بمثل هذه المناورات الجنبلاطية"، مع تعليق: "سلمت هذه الرسالة إلى المكتب الخاص (للأسد) الساعة الواحدة من صباح يوم الخميس 1/4/1976". 

رسالة كيسنجر إلى الأسد

وفي 5 أبريل 1976، وصلت رسالة أخرى من كيسنجر للأسد، سلمها السفير الأميركي في دمشق، كان نصها: "إذا تم انتخاب رئيس جديد في لبنان، وضمن استقالة الرئيس سليمان فرنجية، يمكن تشكيل حكومة حتى لو كان القتال مستمرا". اقترح كيسنجر وضع برنامج لإعادة بناء لبنان، بما في ذلك القوات المسلحة، ويمكن للأمم المتحدة أن تلعب دورا بإرسال قوات دولية أو عربية. طالب كيسنجر بعمل مشترك لإقناع الزعماء الموارنة بتبني برنامج للإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي "مما يرفع الظلم عن المسلمين". وفي الرسالة، قال كيسنجر بوضوح: "إن الولايات المتحدة في أية خطوة أساسية يجب أن تناقش دمشق في هذه الخطوة وتتفق معها"، مضيفا أن التحرك الأميركي "ليس مضادا للتحرك السوري بل مواز ومكمل له". 

في 14 أبريل، قابل السفير الأميركي في دمشق مستشار وزارة الخارجية أديب الداوودي، ليبلغه أن واشنطن "تنظر بارتياح إلى تدخل سوري في لبنان". لكنه أضاف أن الإسرائيليين سيتدخلون أيضا، ما اعتبره الداوودي تهديدا وتدخلا في القرارات السورية. فرفض الرسالة وأبلغ السفير: "لا نقبل أن نتلقى مثل هذا التحذير". في هذه الأثناء، اجتمع الأسد مع خدام ورئيس الأركان حكمت الشهابي وقادة عسكريين آخرين، لمناقشة الخيارات المتعلقة بلبنان ورفعها إلى الأسد:

1. الانسحاب من الموضوع اللبناني وتحميل الأطراف مسؤوليتها.  

2. الدخول بقوة عسكرية للحسم في لبنان.  

3. البحث عن إمكانية إيجاد قوة عسكرية لبنانية تعمل سوريا من خلالها.  

الانزعاج السوفياتي   

كان الأسد ميالا للخيار الثاني "في ظل إصرار القيادة الفلسطينية والأحزاب اللبنانية على استمرار القتال ورفضهم فك الحصار عن زحلة والقرى المسيحية في الشمال". وبناء عليه وتطورات الوضع الميداني والاتصالات الخارجية، تحركت القوات السورية نحو الحدود اللبنانية واجتازتها في ليلة 31 مايو–1 يونيو 1976. عارضت الأحزاب الشيوعية العربية هذا القرار، ما أثر سلبا على موقف الاتحاد السوفياتي، فسافر خدام إلى موسكو في 5 يوليو/تموز 1976 لشرح الموقف السوري أمام نظيره السوفياتي أندريه غروميكو.  

وحسب المحاضر التي حصلت "المجلة" على نصها، فإن الخلاف كان كبيرا بين الطرفين إزاء دعم السوفيات لياسر عرفات ومعارضتهم التدخل السوري تحت مظلة أميركية لم تعد تخفى عن أحد. قال خدام لغروميكو: "اتخذنا قرارا بالتدخل العسكري لإعادة التوازن بين الجانبين لصالح المقاومة. هذا القرار مغامرة كبيرة، لكن لا بد منها لمواجهة المؤامرة التي لو نجحت في لبنان فسوف تنتقل إلى سوريا".  

خلال لقائهما في 5 يوليو، سأل غروميكو خدام: "قلتم إن سوريا لا يمكنها أن توافق على تصفية المقاومة... ثم اشتركتم في محاصرة بعض المعسكرات الفلسطينية 

بداية التدخل العسكري السوري كان في 20 يناير/كانون الثاني 1976، تحت اسم "جيش التحرير الفلسطيني" وهي في الواقع قوات خاصة سورية، حسب أوراق عبدالحليم خدام. دخلت معها قوات أخرى باسم "الصاعقة" مع أن كمال جنبلاط وفي محادثاته مع الأسد، يقول إن بعض القوات السورية دخلت منذ بداية الحرب الأهلية في منتصف عام 1975، وأن الضباط السوريين تواجدوا في لبنان منذ ديسمبر/كانون الأول 1975، وهو أمر غير معروف ولم ينشر قبل اليوم.

وجاء تدخل عناصر "جيش التحرير" و"الصاعقة" في الشمال، قرب مدينة طرابلس وزغرتا، بلدة رئيس الجمهورية سليمان فرنجية. في 21 يناير/كانون الثاني، حيث اتصل فرنجية بالأسد للاحتجاج، فأجابه الرئيس السوري: "هناك خطأ لا نسمح بتجاوزه. نحن نرفض الحرب الطائفية القذرة، ونرفض أن يسحق طرف الطرف الآخر، كما لا نسمح بسحق الحركة الوطنية والفلسطينية. لذلك، لا حل سوى وقف القتال والبدء بتنفيذ الاتفاقيات".  في اليوم نفسه، أرسل الأسد وزير خارجيته إلى بيروت، واتفق مع فرنجية وبقية الأطراف على وقف القتال صباح 22 يناير، وتشكيل لجنة عليا سورية-فلسطينية-لبنانية مهمتها إعادة الحياة الطبيعية إلى لبنان. وبالفعل توقف إطلاق النار واجتمعت اللجنة ووضعت برنامج عمل، وخلال أسبوع تمت إزالة جميع المظاهر المسلحة في بيروت وعادت الحياة الطبيعية حوالي خمسين يوما.  

جنبلاط يطلب سلاحا من سوريا لـ"إبادة المسيحيين" 

وفي هذه الأثناء، اجتمع اثنان من حزب جنبلاط بخدام في بيروت وقالا له إن عرفات يحاول عرقلة الهدنة والاتفاق، فدعي إلى دمشق للقاء الأسد. أشار أبو عمار إلى كل ما يقال بأن سوريا تريد "تحجيم المقاومة الفلسطينية" والتخلص منه شخصيا. وقبل وصوله، طلب عرفات توجيه دعوة لجنبلاط لزيارة دمشق، فجاء الأخير إلى دمشق واجتمع بالأسد لما يزيد على سبع ساعات، حاول فيها الرئيس السوري إقناعه بوقف القتال، دون جدوى. فسأله الأسد: "ماذا تريد؟". 

وحسب قول خدام إلى غروميكو، أجاب جنبلاط: "أريد أسلحة لقتل قسم من المسيحيين وتهجير القسم آخر، فتبقى أقلية نحكمها كما حكمنا المسيحيون 140 سنة". قال الأسد: "هل أنت مجنون؟ هل يمكن أن أعطيك سلاحا لقتل مواطنين فقط بسبب انتمائهم الديني؟ هذا مستحيل بالنسبة لنا". وأضاف أن هذا القتال لا يخدم سوى مصلحة إسرائيل، ويخلق ظروفا "لارتماء المسيحيين في حضنها".   

في 27 مايو/أيار جاءت إلى دمشق وفود من عدد من القرى المسيحية المتاخمة للحدود السورية والمحاصرة من قبل الفلسطينيين. طلبوا المساعدة من سوريا، مهددين باللجوء إلى دول أجنبية، أو إلى إسرائيل، إذا رفض الأسد مساعدتهم على فك الحصار. سألهم خدام: "كيف يمكن أن تفكروا بإسرائيل؟ فأجاب أحدهم: "في عام 1970 طلب مئة فدائي فلسطيني اللجوء إلى إسرائيل لحمايتهم من الملك حسين، فإذا كان الفدائيون الفلسطينيون أنفسهم قد طلبوا يوما ذلك فلماذا لا نطلبه نحن؟". وهنا أرسل الأسد قوات عسكرية لفك الحصار عن هذه القرى المسيحية.   

  الاتحاد السوفياتي غاضب  

خلال لقائهما في 5 يوليو/تموز، سأل غروميكو  خدام: "قلتم إن سوريا لا يمكنها أن توافق على تصفية المقاومة، باعتبار أن نهج سوريا أصلا مضاد لإسرائيل والسياسة الأميركية في المنطقة. سؤالي: كي يتفق هذا الكلام مع العمليات التي تقوم بها القوات السورية في لبنان، كيف يمكن لسلاحكم أن يستعمل ضد هذه القوى؟ لقد اشتركتم في محاصرة بعض المعسكرات الفلسطينية، ما جعلنا عاجزين عن إيصال المواد الطبية والغذائية إليهم. استغربنا هذا التحرك، كون سوريا صديقتنا. هذا مستغرب، على الأقل من الناحية الإنسانية، فكيف توفقون بين بياناتكم وفعلكم؟". 

أ.ف.ب
الأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي، ليونيد بريجنيف (يسار)، يلتقي بالوفد السوري برئاسة حافظ الأسد (يمين) في موسكو في فبراير 1971

وفي الأول من أكتوبر/تشرين الأول 1977 ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن الأسد رفض نداء مباشرا من الزعيم السوفياتي ليونيد بريجنيف لسحب القوات السورية من لبنان. وقالت الصحيفة إن أحد المساعدين المقربين من الأسد في القصر الرئاسي السوري كشف لها عن الرفض هذا للطلب الذي وصل إلى دمشق في 11 سبتمبر/أيلول. أضاف المساعد أن العلاقات السوفياتية–الروسية "طبيعية باستثناء أن لدينا وجهات نظر مختلفة بشأن لبنان". وقال مساعد الأسد إن الرئيس السوري أجاب على الطلب السوفياتي بالقول: "أعتبر أن الطلب هو وجهة نظر واحدة. ولدينا آراؤنا التي لا نساوم فيها. وآمل أن يفهم الأصدقاء السوفيات وجهة نظرنا. ولا أظن أن الأصدقاء السوفيات يفهمون أسباب وجودنا في لبنان".

بتاريخ 2 مارس 1977، وقبل تسعة أيام من مقتله، وجه جنبلاط للأسد رسالة نادرة حصلنا عليها ضمن الوثائق السورية 

أجابه خدام: "معلوماتكم غير دقيقة، أو أنها من طرف واحد". ثم شرح الموقف السوري بقوله: "لم يستخدم سلاحنا في لبنان ضد الفلسطينيين، وقواتنا التي دخلت بيروت في 21 يناير دخلت للدفاع عنهم. وأكثر من ذلك يا رفيق غروميكو ، فقد أرسلنا منذ ثلاث سنوات ونصف وحدات دفاع جوي للدفاع عن مراكز الفلسطينيين،  فماذا كان مصيرهم؟ لقد سجنوا أو قتلوا في المخيمات التي ذهبوا للدفاع عنها". ثم أضاف:  "هل تقصد يا رفيق غروميكو أن قواتنا تساهم في محاصرة المخيمات؟ هذا ما يعلنه جنبلاط، وهو كلام غير صحيح. أنا الآن مستعد للذهاب مع لجنة سوفياتية بالطائرة إلى مخيم تل الزعتر، وإذا وجدنا سورياً واحدا، فنحن نتحمل المسؤولية. إن أقرب نقطة لوجود القوات السورية تبعد 22 كم عن بيروت. كما سبق وقلت: نحن ضد القتال، ومن يصعد القتال فهو متآمر أو أداة في المؤامرة. لماذا فتح جنبلاط النار بعد هدوء 55 يوما؟ هل يريد تحويل لبنان إلى بلد تقدمي ثوري؟ هل هذا ممكن؟ وعندما يعلم أن هذا غير ممكن ومع هذا يلجأ إليه، فإنه بالطبع ينفذ جزءا من المؤامرة في المنطقة. هل يعتقد الرفيق غروميكو أن سوريا عاجزة عن احتلال لبنان بكامله خلال عشر ساعات؟ نحن قادرون عسكريا على إنهاء الوضع هناك في لبنان، ولن يوقفنا لا ضجيج جنبلاط ولا صراخ ياسر عرفات".   

لم ينته خدام عند هذا الحد، بل هاجم أمام غروميكو، جنبلاط لقبوله بقوات أجنبية بدلا من القوات السورية، ولدعمه الرئيس المصري أنور السادات في اجتماعه الأخير مع موفد من جامعة الدول العربية. "ظل أكثر من ساعة يمدح السادات، وأنتم تعرفون موقع السادات من الولايات المتحدة فكيف نفسر مديح جنبلاط له ولسياسته الأميركية في المنطقة؟ أرجو أن لا تتأثروا أحيانا بالدموع التي تذرف وهي دموع غير صادقة". 

  رسالة جنبلاط للأسد  

بتاريخ 2 مارس 1977، وقبل تسعة أيام من مقتله، وجه جنبلاط للأسد رسالة نادرة حصلنا عليها ضمن الوثائق السورية، وهذا نصها: 

   سيادة الأخ الكريم الرئيس حافظ الأسد المحترم،  

تحية الأخوة والمودة وبعد،  

نرى من واجبنا القومي أن نكتب إليكم بشأن قضية الجنوب التي تتفاقم سياسيا ومعنويا كل يوم أكثر، ربما من حدتها العسكرية المباشرة، إلا إذا تلقى الانعزاليون مزيدا من الشباب اللبناني المحارب، المنتقل إلى إسرائيل عبر جونية وبيروت وقبرص، ويتم ذلك ويرتفع الخطر العسكري في حال يرتاح الانعزاليون من الضغوط السياسية والعسكرية في مناطقهم الأخرى.  

ونظن أن هدف إسرائيل، كما تناهى إلى سمعنا من المصادر الانعزالية والدولية، هو:  

أولا: توفير وتصعيد التحدي العسكري والسياسي للعرب، وسوريا خاصة على أرض لبنان، بما يضعف المبادرة العسكرية ويجردها من معنوياتها الشاملة، ويجعل الفريق الانعزالي أكثر تصلبا، وأكثر رفضا في موقفه لتحقيق الغايات التي من أجلها دخلتم لبنان، وفي رأسها منع التقسيم والمساهمة في تعجيل الحل السياسي ولإيجاد ارتباط ثابت وأقوى قوميا بين لبنان وسوريا.  

ثانيا: الحؤول دون استمرار القوات العربية، والسورية خاصة، في تجريد الانعزالية من السلاح الثقيل، وبالتالي منعهم عند انسحاب هذه القوات من مبادرة عدوانهم على الوطنيين والفلسطينيين من جديد. وتعلمون يا سيادة الرئيس، أن الغلواء والكبر يعصفان بعقول الانعزاليين بعد أن توهموا ـ فزاد ذلك في توهمهم بأن القوات السورية دخلت لبنان لتنقذهم وحسب، وطبعا كل ذلك لا يتم في تصورهم إلا لصالح الامتيازات (الكبيرة) التي يتمتعون بها.  

ثالثا: إنعاش أمل هذا الفريق من الموارنة الذين هم- أناسا وأفرادا- أعداء العروبة ويضمرون بشكل خاص الخصومة الخفية والتقليدية لسوريا، وأن ينسحب الجيش السوري من لبنان.  

رابعا: الحؤول دون تنفيذ أي مشاريع وحدوية.  

إن الحركة الوطنية تعيش ظرفا صعبا، وقد أسقط في يدها، بعد دخول القوات العربية، وأن كثرة ساحقة من سكان الجنوب قد خبت معنوياتها بسبب تهجيرها من مناطقها حول بيروت، ونتيجة للأجواء العامة التي هيمنت على العلاقات بين سوريا من جهة والحركة الوطنية والفلسطينيين من جهة أخرى، الأمر الذي منع مباشرة، واستمرار أعمال عسكرية تحريرية في الجنوب إذ كيف يخف الناس إلى نجدة بعضهم وهم مطوقون؟  

جنبلاط للأسد: اجتمعتْ يا أخي الرئيس عبقرية اليهود، وعبقرية الانعزالية المارونية. من أجل هذا وغيره كنا نقول بالحسم العسكري والباكر بمعركة لبنان السياسية والعسكرية 

خامسا: إن إسرائيل ستمهد عبر دويلة مارونية في الجنوب، واستقرارها النسبي إلى مدى معين من الزمن، إلى إدخال قواتها العسكرية بعد أن تكون إسرائيل قد ظنت على حق أن العرب أخذوا يعتادون على قيام هذه البادرة المارونية المتصلة بإسرائيل عند حدود لبنان الجنوبية.  

سادسا: إن الموارنة الانعزاليون- وكلهم يساهم في تنفيذ هذه الخطة- من بشير الجميل إلى الشيخ بيار الجميل إلى الأب (رئيس الرهبنة المارونية شربل) قسيس إلى شمعون، سيحصلون من وراء هذا التحرك المحمي من قبل إسرائيل على:  

‌أ.       إبعاد الفلسطينيين عن الجنوب وعن ممارسة أي نشاط فدائي من الحدود.  

‌ب.  تفريغ الجنوب من المحمديين والوطنيين المسيحيين تدريجيا مما يسهل هجرتهم إلى الخارج، وبالتالي إنقاص عددهم الضاغط سياسيا على خريطة لبنان، وكذلك عرقلة جهود الوطنيين في لبنان وفي مجال المطالبة بحقوقهم البديهية، أي الحؤول دون طرح الحل السياسي، أو طرح هذا الحل من زاوية نظرية الكسليك (حيث مقر الرهبنة المارونية) في التعددية واختلاف الحضارة واستقلال الموارنة السياسي.  

‌ج.   بإقامة هذا اللون من الابتزاز في وجه اللبنانيين الوطنيين، والرئيس سركيس والسوريين، وهكذا يرتهن سركيس لمعضلة الجنوب، وهذه الظاهرة الجنوبية إذا ما تفاقمت ستكون أفضل ما يخططه الإسرائيليون من إذلال للعرب.  

‌د. أما المكسب الرابع للانعزاليين من قيام كيان ماروني شبه مستقل في الجنوب، فيتمثل في مساومتهم بالعودة إلى حظيرة الوحدة على أساس مشروع اتحادي- كنتونات- أي تحقيق مشروعهم التمهيدي السابق للتقسيم.  

سابعا: إذا ما توفر لإسرائيل أن تبني كيانا مارونيا في جنوب لبنان وستقفز منه إلى المطالبة بخروج السوريين من كل لبنان، وهي لن تدع هذا الكيان ينهار إلا بعد تحقيق مطلبها وإلا ستدخل عسكريا لحماية هذا الكيان، وذلك باحتلالها لقسم من الجنوب.  

وهذا ما رأينا من واجبنا إطلاعكم عليه في هذا الوقت الذي يغيب فيه العرب عن الساحة اللبنانية، وتستأثر دول منهم غنية بطاقاتها المالية والنفطية دون تطلع إلى المصلحة الجماعية في تغذية موارد وطاقات التحرير، ليس فقط من التخلف، دول المواجهة العربية تمهيدا لمعركة، بل وأيضا من الغزو الإسرائيلي للأراضي العربية منها جنوبي سوريا الطبيعية فلسطين وسيناء العربية التي أصبحت ـ ويا للأسف ـ سيناء موسى التوراة.  

لقد اجتمعت يا أخي الرئيس عبقرية اليهود، وعبقرية الانعزالية المارونية، فلا يجب أن يستهين بها أحد. من أجل هذا وغيره كنا نقول بالحسم العسكري والباكر بمعركة لبنان السياسية والعسكرية، وليس ثمة حسم سياسي دون الحسم العسكري، إما على طريقتنا أو بأي مشابهة ترونها، ولم نكن يوما من الأيام من هواة الحروب، بل نحن سويا نؤمن بالقرآن الكريم، وبإنجيل النصارى الذي يتقدم من كل منهم هذا التطابق الذي نريده ونبغيه بين العدل المحمدي والمحبة اليسوعية.  

إن التحركات التعصبية لا يمكن دحرها بالصلوات والمسايرة، فهي كالثعبان لا نؤمن له ونجعله داجنا يسير في أرجاء الدار إلا إذا قلعنا من فكه الأعلى نابه السام. وإننا بالمناسبة نذكر العلاقات الطيبة والأخوية التي كانت تربطنا بسيادتكم والتي كانت تأذن لنا بأن نكلمكم عما عندنا من معلومات، وما لدينا عن التخطيط الانعزالي لتصفية القضية اللبنانية والمصير الفلسطيني في بحر الأحداث التي افتعلتها إسرائيل والمخابرات الأميركية، وتذكرون ما سربه أحد كبار أصدقائنا من السفراء الأجانب، حول إعداد حركة الانعزاليين في لبنان من جانب هذه المخابرات بـ(350) مليون دولار، وإننا اليوم بعد تطلعنا من خلال الماضي والحاضر نرى لمنع استمرار المؤامرة على جنوب لبنان ولبنان وسوريا:  

ضرورة تجريد الانعزاليين من سلاحهم الثقيل بشكل كامل، ونرى أن تأخذ القوات العربية في تجريدهم من سلاحهم منخدعين بودهم وأقوالهم المعسولة وزياراتهم المتكررة إلى دمشق بغية التشويش والمماطلة فيما كانوا يرسلون المقاتلين إلى الجنوب لإقامة الدولة العازلة. نرى أن هذا التأخر يسهل لهم تنفيذ المخطط الموضوع للجنوب، وستكون حرابه في المستقبل في وجه الوجود السوري في لبنان لمنعه من تحقيق أي خطوة قومية، أو إصلاح داخلي. وزاد في إنعاش آمال الانعزاليين وفي تشجيعهم على التآمر، انهماك القوات العربية، وخاصة السورية، في ملاحقة تطبيق اتفاقية القاهرة. 

جنبلاط للأسد: بلغ الداء حدا لن ينفع فيه إلا الكي، ونرى صراحة أنه يجب على القوات السورية الضغط ضمن خط قومي محدد وتنفيذي لا يعرف اللين ولا التأجيل 

الوجود الضغطي في كل مناطق الانعزاليين، ورفع بعض الضغوط القائمة في المناطق الوطنية وعلى سكانها، فالمتوجب في هذا الظرف ترك تصفية الحسابات إلى ما بعد اجتياز المحنة، فعلى الجميع أن يرتفعوا إلى مستوى المسؤولية التاريخية. لنقف جميعا صفا واحدا في محاولة لرد هذا العدوان الذي سيطال الجميع دون استثناء.  

حشد قوات عربية في المناطق التي شهدت موجة التهجير لضواحي بيروت والكورة وسواها، لأن أفضل وسيلة لمواجهة تيار السياسة الانعزالية الحالية هي في عودة ربع مليون من المواطنين المسيحيين والمسلمين إلى بيوتهم وأعمالهم في المناطق الانعزالية نفسها، وذلك لتوفير مناخ عام يعدم فكرة التقسيم والتعددية واختلاف الحضارة والاستقلال السياسي.  

إن عودة المهجرين، جميع المهجرين، رغم أنف الحاقدين والمستنكرين، كفيلة بأن تمهد الطريق أمام الحل السياسي. إن معلوماتنا أن كميل شمعون والكتائب والآخرين يتقدمون بأعذار واهية لتغطية ما يجري في الجنوب بالادعاء بضرورة حماية مسيحيي الجنوب، وتارة بأن ما يجري في الجنوب لا يعدو كونه وسيلة ضغط على السلطة لإعادة مهجري الدامور والسعديات، في حين أن الخطة الانعزالية تمارس في ذلك الخداع وتستهدف في الواقع منع عودة المهجرين إلى مناطقهم وإلى تحقيق المخطط الذي ألمحنا إليه في مقدمة الرسالة.  

خاص المجلة
الرئيس السوري السابق حافظ الأسد وزعيم الحزب التقدمي الاشتراكي كمال جنبلاط

الضغط لتحقيق الحل السياسي لأنه بطبيعته يؤمن من قوة الخصم ويجره إلى الالتزام بوعود صريحة وعملية، ويكشف الغطاء عن وجهه أمام العالم العربي حيث إن له أكثر من صديق وحليف.  

إطلاق يد الرئيس (إلياس) سركيس ودعمه في إنشاء الجيش وقوى الأمن، إذ إن قضية الجنوب هي سيف الانعزاليين المسلط عليه بقبول استقالة مدير عام، أو عزله، لمنعه من اتخاذ أي قرار حتى بشأن أي ضابط، وليس أدل على ذلك من قول قائد الجيش حنا سعيد لضباطه: "ليتجرأ الرئيس سركيس ويقيلني" ومن سوى إسرائيل يخطط لنهج الانعزاليين ويوحي لهم بما يجب عمله.  

إعادة النظر في السياسة السورية تجاه الحركة الوطنية، وإعادة نظرنا نحن بمكونات وأسس هذه الحركة بما يتوافق مع الخروج من المأزق الذي نحن فيه.  

7ـ التعاون الحثيث مع الحركة الوطنية في ظل قيادة عسكرية موحدة لتأمين قوة دفاع كافية في حال اضطرت إلى مواجهة شاملة مع الانعزاليين، ولا نستبعد ذلك إذا تم المخطط الأميركي الانعزالي الإسرائيلي الرامي إلى الضغط على سوريا لأجل انسحابها في غضون عدة أشهر، ولعدم قيام أي جيش لبناني يستطيع الدفاع عن الوطنيين في لبنان.  

ضرورة العمل على إلغاء الرقابة على وسائل الإعلام أو التخفيف منها إلى أقصى حد، لأن الصحف الوطنية كانت تسهم جميعها في توعية الرأي العام العربي فيما يجري في لبنان، وكانت عنصرا طاغيا، أو ضاغطا، على الملوك والرؤساء العرب في المسائل القومية.  

هذا ما ينصرف إليه خاطرنا في هذه الآونة التي أردناها لتأليف وطباعة بعض كتبنا، وإلى التأمل بالظروف الراهنة وكيفية مواجهتها، وقد بلغ الداء حدا لن ينفع فيه إلا الكي، ونرى صراحة أنه يجب على القوات السورية الضغط ضمن خط قومي محدد وتنفيذي لا يعرف اللين ولا التأجيل.  

وقد نكون في ذلك على خطأ، ولكن هذا ما يجول في بالنا بصدق وإخلاص، وإننا نستفيد دائما من رحلات رفاقنا وإخواننا إلى دمشق لكي تتوضح أفكارنا وتتقارب أكثر فأكثر على ضوء ما يجد وما نستشفه من الذهنية الانعزالية، فالموقف القومي يجمع الكل على مقاومة مخططات إسرائيل والمخابرات الأميركية، ولا بد أن نتحد في هذا المنعطف الحاسم في تاريخنا، وأكرر الحاسم، لأنه لا ينفعنا التفكير كثيرا بعد أن تكون الفرس قد كبت بنا. ونحن اليوم على ثقة أن هذه الشواغل والهموم هي التي تهيمن اليوم أيضا على ضميركم الوطني لأنكم تعتبرون أن مصلحة لبنان هي مصلحة سورية، وإننا في النهاية شعب واحد وبلد واحد ذو أهداف واحدة عبر التاريخ رغم أنف الانعزالية.  

وأقبلوا يا سيادة الرئيس أفضل تمنياتنا ومودتنا واحترامنا.  

أخوكم،  

كمال جنبلاط.  

في 16 مارس 1977، اغتيل كمال جنبلاط بعد سنة على لقائه العاصف مع الأسد، ولم تمنع وساطات عربية ولبنانية وسوفياتية من نهايته المعلنة 

مع استلام الرئيس جيمي كارتر منصبه في مطلع عام 1977، أوفد وزير خارجيته إلى الشرق الأوسط في محاولة لنزع فتيل الأزمة اللبنانية. وفي 16 مارس 1977، اغتيل كمال جنبلاط بعد سنة على لقائه العاصف مع الأسد، ولم تمنع وساطات عربية ولبنانية وسوفياتية من نهايته المعلنة. في مارس 1976 هدد الأسد جنبلاط، وفي مارس 1977 اغتيل جنبلاط وفي مارس 2025 بعد سقوك نظام الأسد في نهاية 2024، اعتقل إبراهيم حويجة، وهو الضابط السوري المتهم باغتيال جنبلاط. 

وفي 30 مارس 1977، وصل وفد مسيحي إلى دمشق للقاء خدام، مؤلف من إدمون رزق، جورج سعادة، كريم بقرادوني، وأمين الجميّل (الذي أصبح رئيسا للبنان خلفا لشقيقه بشير عام 1982). ومن الجانب السوري حضر رئيس الأركان حكمت الشهابي، واللواء ناجي جميل، والعقيد محمد الخولي، ووزير الشؤون الخارجية عبد الكريم عدي. كان ذلك بعد اغتيال جنبلاط وبدأ النقاش حوله وحول الفراغ الذي أحدثه غيابه في الساحة السياسية اللبنانية. عقب بقرادوني بأن لبنان "عاش عصر جنبلاط" وأن "لبنان بجنبلاط شيء ومن دونه شيء آخر". رغم الخصومات، كان الجميع مدركين أهمية هذا الرجل ودوره على الساحة السياسية اللبنانية منذ الاستقلال.   

خاص المجلة
حافظ الأسد وزعيم "منظمة التحرير الفلسطينية" ياسر عرفات في دمشق

بعد ذلك، حصلت تطورات واغتيالات وتفاهمات كثيرة في لبنان. اجتاحت إسرائيل لبنان في يونيو/حزيران 1982 وأسس "الحرس الثوري" الإيراني "حزب الله" بموافقة سورية. واستمرت التفاهمات والاتصالات والصدامات الاميركية – السورية، واخرج زعيم "منظمة التحرير الفلسطينية" ياسر عرفات ومقاتليه إلى تونس في أغسطس/آب 1982.

تصاعد دور سوريا بعد "اتفاق الطائف" في 1989، وفي 13 أكتوبر/تشرين الأول 1990، قامت قوات الأسد مستفيدا من مشاركته في حرب الخليج والموافقة الأميركية، بالاشتراك مع الجيش اللبناني بشن هجوم واسع على منطقة سيطرة "المتمرد" ميشال عون الذي ذهب إلى المنفى. وبعد خمس سنوات على تسلم بشار الأسد، اختلف مع رئيس الوزراء رفيق الحريري الذي اغتيل في فبراير/شباط 2005، وفي أبريل/نيسان من العام نفسه خرج الجيش السوري وطوى عقودا من الوصاية السورية.

بعد مرور نصف قرن على اندلاع الحرب الأهلية، تنشر "المجلة" حلقات عن علاقة حافظ الأسد بكمال جنبلاط من خلال ما ورد في المحاضر الرئاسية السورية حصلنا عليها بعد سقوط نظام الأسدين في 8 ديسمبر الماضي، تتضمن معلومات وتفاصيل توثق للمرة الأولى، ونستعرض أبرز ما جاء في ثمانية محاضر تعود إلى السنوات 1972-1976.    

1-اللقاء الأول في 22 يناير/كانون الثاني 1972   

2-اللقاء الثاني في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 1973   

3-اللقاء الثالث في 25 يونيو/حزيران 1974   

4-اللقاء الرابع في 17 يونيو/حزيران 1975   

5-اللقاء الخامس في 15 يناير/كانون الأول 1975   

6-اللقاء السادس في 20 يناير/كانون الثاني 1976   

7-اللقاء السابع والأخير في 27 مارس/آذار 1976   

8-لقاء الأسد مع السياسي الناصري اللبناني كمال شاتيلا والنائب السابق نجاح واكيم في 4 أبريل/نيسان 1976.

غدا: الحلقة الأولى: الأسد "يستجوب" جنبلاط عن خصومه في لبنان... ويرفض عودة "البعثيين" إلى سوريا

font change

مقالات ذات صلة