من وجهة نظر واشنطن، تطرح انتخابات لبنان فرصة وتساؤلاً، فقد واجه لبنان منذ إنشائه اعتباراً قديماً يفيد بأن كل السياسة محلية. فخلافاً لذلك، يتحمل العمل السياسي في لبنان حاليا، وطأة صراعات إقليمية بما يفوق بكثير قدرته على الاحتمال. والآن، لسببين على الأقل، توجد فرصة لأن تصبح انتخابات يونيو لبنانية بامتياز .
والسؤال هو: هل ستسمح الأطراف الإقليمية الفاعلة بهذا الأمر؟ لا تدعو المؤشرات حتى الآن للاطمئنان. لكن التغييرات التي أوجدت احتمالات لعودة السياسة المحلية في لبنان تشير إلى أن هذا السؤال يمكن الرد عليه ايجابياً في 7 يونيو وفي الفترة التي تلي الانتخابات.
والسبب الأول في حدوث تحول في التوازن الإقليمي-المحلي في السياسة اللبنانية هو تغير السياق الإقليمي الذي أوجده منهج إدارة أوباما في الشرق الأوسط، فبعد أربعة أشهر على تسلمه السلطة ، أحدثت الإدارة الجديدة تحولاً في الدبلوماسية الأمريكية في العالم العربي، وفي تخلي الإدارة الجديدة عن سياسة "هل أنت معنا أم ضدنا" التي كانت تمثل التوجه العقلي لإدارة الرئيس جورج بوش، وبذلها جهوداً دبلوماسية متعددة الاتجاهات، فيما يتعلق بفتح قنوات للاتصال مع إيران وسوريا، وتجديد للدبلوماسية الأمريكية النشطة على الساحة العربية الإسرائيلية، والإيماء بتراجع طفيف عن الدعم المطلق لإسرائيل كما كان الحال بالنسبة لإدارة بوش، خلقت إدارة أوباما مجموعة جديدة تماما من الحوافز، التي ستضطر الأطراف المحلية والإقليمية إلى التكيف معها، ومع تحول إدارة أوباما إلى التواصل، قامت هذه الإدارة بفتح القنوات الدبلوماسية للتعبير والتوضيح، وربما تضييق الفوارق الكبيرة التي لا تزال تميز العلاقات الأمريكية-السورية والعلاقات الأمريكية-الإيرانية.
ولكن عندما تكون الأطراف الرئيسية قادرة على الاتصال المباشر، تصبح ضرورة القيام بذلك من خلال وسطاء أقل أهمية. في الواقع قد يصبح استخدام وسطاء ذا تأثير عكسي، وخصوصا في هذه المرحلة الأولية من اتصال إدارة أوباما بالخصوم الإقليميين القدامى، وسياسة التواصل لها نقاد أقوياء، سواء في المنطقة أو على المستوى المحلي، حيث يأمل هؤلاء في أن يشاهدوا هذه الجهود تفشل، فإذا كانت طهران ودمشق جادتين في استكشاف النوايا الأمريكية، سوف يمنع القادة في كلا البلدين الانتخابات من أن تقدم مبرراً لاعتماد الولايات المتحدة لنهج أكثر عدائية في دبلوماسيتها الإقليمية، وفي ظل هذا الوضع الذي خلقه السياق الجديد، ودون التقليل من الآثار الإقليمية للانتخابات، فهناك الآن فرصة هامة لوضع السياسة المحلية في الواجهة، ودفع الشواغل الإقليمية المحدثة للفرقة إلى الخلفية.
والعامل الثاني الذي ساعد على خلق هذه الفرصة هو التغيرات على أرض الواقع في لبنان نفسه، فخلال العام الماضي، أصبح الرهان في هذه الانتخابات أكثر تواضعا بشكل واضح، وهو تحول ينبغي أن يرحب به اللبنانيون، وعلى عكس توقعات سابقة بأن الانتخابات ستكون حاسمة بين قوى 14 مارس وقوى 8 مارس، فمن الواضح الآن أن الانتخابات لن تفرز هذا النوع من النتائج غير المتوازنة والتي قد تتسبب في فترة من عدم الاستقرار، وربما حتى العنف. وبدلا من ذلك، تدل جميع المؤشرات على أن النتائج سوف تسمح للجانبين بالإعلان عن انتصار جزئي على الأقل، وخلق الحوافز لقبول النتائج، والعمل داخل المؤسسات السياسية للترويج لأجنداتهم، بدلاً من الطعن في الانتخابات بطرق من شأنها أن تقلل من شرعيتها .
وهناك سؤال آخر: هل استوعبت أو اعترفت الأطراف الفاعلة الإقليمية أو حتى بعض اللبنانيون الفرصة التي تمثلها هذه الانتخابات بشكل تام، ونتيجة لهذه الفجوة فإن هناك احتمالاً لوقوع أخطاء خطيرة، وبالنسبة لكثير من اللبنانيين، فإن الاعتبارات الإقليمية لا تزال تسيطر على هذه الانتخابات، حيث يُنظر إليها على أنها بمثابة اختبار حاسم للنوايا السورية والأمريكية تجاه الالتزام بسيادة لبنان. وعبرت الولايات المتحدة عن هذه المخاوف بوضوح بزيارة هيلاري كلينتون مؤخرا إلى بيروت، وبين القوى الإقليمية التي استخدمت لبنان منذ فترة طويلة في منافساتها، فقد يبدو أن التحولات الأخيرة في السياسة الأمريكية قد زادت من أهمية هذه الانتخابات.
تبدو كل من إيران وسوريا مصممة على تفسير الانتخابات كاستفتاء على نفوذهما، وعلى وجه التحديد ما إذا كانت نتائجها ستمنحهما قوة إضافية تتيح لهما التأثير في علاقاتهما مع واشنطن وفي الصراعات الإقليمية. ففي 28 أبريل، على سبيل المثال، كتب المحلل السياسي السوري البارز سامي مبايد، المعروف بأنه مقرب من النظام، "إذا ظلت حركة 14 مارس تتحدي سوريا، فلا ينبغي لها أن تنتظر الكثير من الدعم من باراك أوباما." وهذه الرؤية للعلاقات الأمريكية السورية ليس مبالغاً فيها فحسب، وإنما هي أيضاً قراءة خاطئة لمدى استعداد واشنطون للتضحية بلبنان مقابل سياسة التواصل التي تنتهجها، فالمقايضة في واقع الأمر سوف تعمل بطريقة أخرى: سوف يتحسن موقف سوريا في عيون واشنطون إلى حد أنه سيسمح بأن تحدد الاهتمامات اللبنانية الداخلية نتائج الانتخابات.
غير أنه من منظور أمريكي، هناك الكثير يمكن قوله عن الانتخابات التي تعطي جميع الأطراف الشعور بأنهم فازوا بشيء ما، بدلا من أن تؤكد لطرف واحد أنه خسر كل شيء، ولأنه من المحتمل ألا يسفر التصويت في 7 يونيو عن تحقيق تقدم مذهل، فلعله من الأفضل أن ننظر إلى الانتخابات على أنها بمثابة شيء أكثر أهمية من ذلك بكثير باعتبارها خطوة متنامية نحو بناء نظام فعال للسياسية اللبنانية، يتسم بالحراك وإن كان يعتريه بعض التباطؤ أحياناً أو قد يصادف عثرات، وذلك لمواجهة الانقسامات والعقبات الهيكلية التي غذت دورات العنف في لبنان خلال الأعوام الثلاثين الأخيرة.
ستيفين هيدمان - نائب رئيس المعهد الأميركي للسلام وأستاذ في جامعة جورج تاون