بكين تبحث أزماتها الاقتصادية وعينها على تونس ومصر

بكين تبحث أزماتها الاقتصادية وعينها على تونس ومصر

[caption id="attachment_677" align="aligncenter" width="620" caption="جيش جرار من العاطلين عن العمل في الصين ينذر بمحمد بوعزيزي صيني على غرار ما حصل في تونس"]جيش جرار من العاطلين عن العمل في الصين ينذر بمحمد بوعزيزي صيني على غرار ما حصل في تونس[/caption]كانت الشرارة التي أشعلت الانتفاضات التي قامت في شمال أفريقيا وبعض الدول العربية أخيرا هي إشعال الشاب التونسي محمد البوعزيزي البالغ من العمر 26 عاما النار في جسده بسبب البطالة. وقعت حوادث سابقة أقل شهرة في أهم شريك تجاري لأفريقيا والشرق الأوسط - جمهورية الصين الشعبية.

في نهاية العام الماضي، دفعت البطالة خريجة جامعة تبلغ من العمر 22 عاما مقيمة في شمال شرقي الصين إلى القفز من فوق سبعة طوابق لتلقى حتفها، وفقا لصحيفة «بيبولز ديلي» الصينية.

جذب حادث البوعزيزي الانتباه إلى جزء من العالم يعتبر المحللون الدوليون أن حكامه والصحافة الأجنبية غفلوا عنه في السابق. وما زالت ضحية الانتحار الصينية، التي لم تصل إلى الوعي الدولي على الإطلاق، مجهولة الاسم.

ولكن بعد قيام الانتفاضات التي وقعت أخيرا في شمال أفريقيا، يشير المحللون إلى أوجه تشابه واضحة بين البوعزيزي ونظيرته الصينية. يقول المحللون إن بكين تعرف أنه على الرغم من النجاح الاقتصادي الإجمالي المزدهر في الصين، فإن البطالة - بخاصة بين الشباب - ومخاوف تتعلق بالغذاء في الجمهورية الشعبية تهدد بزعزعة استقرار البلاد كما فعلت في تونس ومصر.

تقول مليكة زيغال، أستاذة الفكر والحياة الإسلامية المعاصرة في مركز الدراسات الشرق أوسطية في جامعة هارفارد: «كان محفز الثورة التونسية هو الشعور العميق بإحباط الشباب، وغياب الفرص الاقتصادية». تحمل زيغال الجنسية الفرنسية وهي من أصل تونسي.

وفي مقارنة مع الصين، تصف زيغال الجمهورية الشعبية بأنها مكان «يظل فيه الاقتصاد متوسعا بمعدل سريع، وذلك على الرغم من كل الصعوبات التي يمر بها الشباب».

وتعليقا على الاضطرابات التي حدثت في تونس ووصلت إلى درجة الغليان في بداية شهر يناير (كانون الثاني)، كتب أوليفييه كيمف، الأستاذ المتخصص في شؤون الناتو في جامعة العلوم السياسية بباريس، مقالا يقارن فيه بين تونس والصين تحت عنوان: «تونس.. هل تكون نذيرا للصين؟».

وكانت الملاحظة الرئيسة لكيمف، لدى مقارنته بين الدولتين، هي أن كلا من الشعبين التونسي والصيني «متعلم نسبيا ومحبط، بعيدا عن معظم الاعتبارات السياسية، بسبب صعوبات في العثور على عمل وقبلها صعوبة الاستفادة من النمو الإجمالي للدولتين على مدار أعوام طويلة».

تتزايد البطالة بين خريجي الجامعات الصينيين، على الرغم من اتخاذ مجموعة من الإجراءات في الأعوام الأخيرة لزيادة الوظائف وتشجيع التدريب المهني، وفقا ليانتسونغ هوانغ، الحاصل على الدكتوراه والباحث في مجلس العلاقات الدولية، الذي أشار إلى تجاوز معدلات البطالة في الصين عام 2008 لنسبة 12 في المائة، وأنه في عام 2009، لم يستطع ما يزيد على 25 في المائة من خريجي الجامعات الحصول على وظائف.

وأوضح هوانغ أن هذا النوع من المجموعات الكبيرة من الشباب المتعلم العاطل عن العمل أصبح أداة للانتفاضات في الماضي القريب في الصين.

«في الصين كانت بدايات وقيادات حركة الرابع من مايو (أيار) عام 1919، وحركة الرابع من يونيو (حزيران) عام 1989 من طلاب الجامعات. وفي حين أصبح الجيل الجديد من الطلاب الصينيين أكثر براغماتية وأقل مثالية، من الممكن أن يغذي تحطم آمالهم المادية شعورا قويا بالتهميش والحرمان، وهو ما قد يؤدي إلى دعوات بإحداث تغيير اجتماعي جذري».

تقدم الثورتان اللتان اندلعتا اخيرا إمكانية ذات جدوى لمجموعة قوية من الشباب المحبط العاطل. وقبل الثورتين، وصلت البطالة بين الشباب في تونس إلى نحو 30 في المائة، وفي مصر إلى 25 في المائة، وفقا لإحصائيات جهات متعددة.

وتعرف بكين المقارنات المحتملة مع أفريقيا البعيدة. بعد بداية المظاهرات في ميدان التحرير وقطع الحكومة جميع خدمات الاتصال عن طريق شبكة الإنترنت، حيث أدركت دور موقعي «تويتر» و«فيس بوك» في حشد الشباب المصري - منعت الصين أيضا جميع عمليات البحث عن كلمات مثل تونس و مصر و "ثورة الياسمين" على شبكات التواصل الاجتماعي الشائع استخدامها بين شبابها (سينا ويبو) وهو النسخة الصينية من موقع «تويتر».

وربما يمثل رد فعل الصين على جفاف حدث أخيرا إشارة أخرى إلى أن بكين تتابع الأحداث في الشرق الأوسط وتشعر بالقلق من الاضطراب الاجتماعي الذي يسببه الفشل في توفير الغذاء للمواطنين.

أشار إنذار خاص من منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) في 8 فبراير (شباط)، إلى أن شتاء جافا يكتسح الأقاليم الصينية الشمالية سوف يؤثر على الإنتاج الزراعي، لا سيما في الأقاليم المسؤولة عن إنتاج الجزء الأكبر من كميات القمح الذي تستهلكه الصين، بالإضافة إلى أنواع غذاء أخرى أساسية.

وبعد أن مضت 108 أيام من دون هطول أي أمطار في بكين - وهي أطول مدة منذ 60 عاما تقريبا، أوردت وكالة «شينخوا» أن مكتب تعديل الطقس في بكين ضخ يوديد الفضة في السحب فوق تسع مقاطعات تحيط بالعاصمة في 9 فبراير (شباط). وشهدت المنطقة التجارية المركزية في بكين فترة وجيزة من سقوط الجليد حتى 10 فبراير. وسقط الجليد لفترة أخرى قصيرة على المدينة في صباح يوم 12 فبراير.

وأكد مكتب الأرصاد الجوية في بكين على أنه في الحالة الأولى كان هطول الجليد إلى حد ما بسبب تدخل السلطات، موضحا أن الأحوال الجوية يجب أن تكون قريبة نسبيا من تلك الأزمة لسقوط الجليد الطبيعي قبل إجراء العمليات.

وذكر المكتب في 10 فبراير أن العديد من الأقاليم المذكورة في إنذار الأمم المتحدة مرت بهطول أمطار موقت بعد فترة طويلة من الجفاف. وأكد تقرير وكالة الأنباء الفرنسية عن مقاطعة هينان، أحد أكبر منتجي القمح، تأثرها بالجفاف حيث أفاد مسؤولون محليون أنه تم تنفيذ إجراءات تعديل الطقس.

ويمثل إنتاج القمح مأزقا كبيرا للحكومة الصينية. وتظهر مخاوف إمداد الغذاء في الصين مع نهاية الثورة المصرية، التي أثارتها أزمة القمح كما فعل حادث الانتحار الذي أقدم عليه الشاب التونسي العاطل.

وعلى عكس الصين، التي تنتج نحو 95 في المائة من إجمالي استهلاكها الزراعي على مدار الأعوام الماضية، كان رد فعل روسيا، المورد الأساسي للقمح إلى مصر، على سلسلة من الحرائق والجفاف هو وقف صادرات القمح إلى مصر حتى ديسمبر (كانون الأول) عام 2010. وأعلنت الفاو أنه في ما بين شهري يونيو (حزيران) وأغسطس (آب)، تضاعفت أسعار القمح العالمية. وتزايدت الضغوط بشدة على سكان يصنفهم البنك الدولي بأن دخلهم «أقل من المتوسط».

وبعد قضاء 30 عاما في الحكم، ونظام اتسم بفترة ممتدة من الركود ووحشية الشرطة والفساد، يقول المحللون إن الكارثة الطبيعية التي وقعت في روسيا وقلة القمح المتوفر للمصريين هو ما أطاح بمبارك في النهاية.

ربما يثير نقص الغذاء غضب المواطنين الصينيين الذين لم يستفيدوا كثيرا من النمو الصيني السريع، وربما تربك الثورتان في شمال أفريقيا الحكومة الصينية. ولكن لا توجد حتى الآن إشارة على أن انتفاضة تونس الهائلة ستمتد إلى الشرق البعيد.

قال هوانغ: «هناك توترات بين الدولة والمجتمع في كلتا الدولتين. ولكن لا يعني وجود هذه التشابهات الهيكلية بالضرورة قيام ثورة ملونة في الصين. بالإضافة إلى العناصر الهيكلية السابقة، علينا أن نضع في الحسبان الخيارات التي يتخذها الذين يعانون من القمع، وردود فعل الحكومة، والتفاعل الاستراتيجي بين الاثنين».

وتوضح إجراءات بكين الأخيرة لتجنب حدوث أزمة غذاء أن الدولة تحسن من وضعها مع الشعب تجنبا لعدم الاستقرار، حتى وإن كان ذلك معناه العبث بالطقس.

ويقارن كيمف، مستشهدا بكثير من إجراءات مكافحة الفساد التي اتخذتها الصين في الأعوام العديدة الماضية على سبيل المثال، بين الحكومة الصينية ونظام بن علي، الذي كان يسيطر فيه أصدقاء وأقارب العائلة الحاكمة على قدر كبير من الأصول الوطنية.

وقال: «يبدو أن النظام الصيني أكثر وضوحا من كليبتوقراطية ( نظام حكم اللصوص) بن علي».

* مايكل مارتن: صحافي يعمل في «ساوث تشاينا مورننغ بوست»، أبرز جريدة ناطقة بالإنجليزية في هونغ كونغ. ومتخرج حديثا من كلية الدراسات العليا في الصحافة في جامعة كولومبيا.
font change