التجربة الفلسطينية من بيت لحم إلى شيكاغو

التجربة الفلسطينية من بيت لحم إلى شيكاغو

[caption id="attachment_603" align="aligncenter" width="620" caption="التجربة الفلسطينية من بيت لحم إلى شيكاغو"]التجربة الفلسطينية من بيت لحم إلى شيكاغو[/caption]
ينقل فيلم «أميركا» بصدق تحديات الهجرة التي تواجهها أم فلسطينية عازبة، منى، وابنها فادي، مع انتقالهما من بيت لحم إلى الضواحي الباردة في شيكاغو. يتميز الفيلم بالاعتدال والبساطة، حيث ينقل الأحداث من وجهة نظر حميمية.

على الرغم من إمكانية توقع كثير من المحن والابتلاءات التي تواجه الشخصيات في الفيلم، فإن بعضا من ردود أفعالهما مبتكرة بعض الشيء، وهناك قدر من الصدق في عالمية القصة، حيث تدور أحداث «أميركا»، للمخرجة الفلسطينية شيرين دعيبس، حول قصة كلاسيكية عن هجرة ذات تحديات وصعوبات وإمكانيات راسخة في خصوصيات التجربة الفلسطينية.

كان قرار منى في البداية مترددا، ولكن بمجرد أن بدأت في الرحيل ألقت بذاتها في حياتها الجديدة حيث بذلت أقصى جهدها. وفي الوقت الذي تشتاق فيه كثيرا لوطنها، قررت أن تجعل أميركا وطنها الجديد.

جاءت بعض من أشد الجمل المؤثرة والمضيئة في الفيلم في الحوار الذي تم بين منى وشقيقتها عندما تعلق منى على ذكريات أختها عن الوطن والتي تتمثل في الذكريات النموذجية لأبناء الشتات الفلسطيني. بقدر ما تشارك منى شقيقتها في حب الوطن، فإنها لا تفكر بأسلوب رومانسي مثالي لأنها تواجه الصراع اليومي في الحياة هناك في ظل الاحتلال وما يفرضه من قيود على حرية الحركة وفقدان الكرامة والقمع.

عبورا بمشاعر تحول الهوية والوطن، ورغبة في الاستقرار في مجتمع جديد يثبت ترحيبه تارة وعداءه تارة أخرى، تكافح منى وابنها فادي من أجل الاستقرار وتتعرض صلابتهما للاختبار مرارا.

بالنسبة لفادي يعني ذلك أن يحصل على ملابس جديدة، وأن يتعلم كيف يواجه المتعصبين ضد الإسلام والمنازلات – الكلامية وغيرها – معهم، ويحاول التحدث والتعامل بطريقة مناسبة تمكنه من التأقلم على الحياة هناك.

أما منى، فيتعلق الأمر بعثورها على عمل وتجاوز الشعور بالخجل من تأدية أعمال متواضعة مثل موظفة خزينة ونادلة تقدم البرغر في مطعم للوجبات السريعة، في حين أنها كانت موظفة سابقة في مصرف. بمساعدة غير مقصودة في البداية من موظفة المصرف المجاور المتعاونة، تدعي منى أنها وجدت وظيفة للعمل في المصرف لحفظ ماء وجهها أمام شقيقتها وزوج شقيقتها.

تتميز شخصية منى تحديدا بالقوة والعطف والأمل. تتخذ موقفا جيدا من الحياة فلا ترفض الاعتراف بالحزن والخسارة ولكن لديها ثقة هادئة حتى في ظل القلق بشأن زيادة وزنها وقلة الموارد المالية.

يأتي أحد مشاهدها مع زميلها في المطعم بصورة بالغة الرقة. تصنع لزميلها الفلافل في محاولة لإبراز جزء من ثقافتها. هذا الزميل في مطلع العشرينات من عمره يرتدي شفتة مثقوبة ويصبغ شعره باللون الأزرق. تأخذ منى الفلافل إليه ويسري بينهما الاحترام والتفاهم المتبادل، حيث إن كليهما غريب ويتسامح مع اختلافات الآخر.

ولكن تبالغ بعض مشاهد الفيلم في إظهار الوعي الذاتي والإملائية. هناك نوفيتسكي مدير المدرسة اليهودي الطيب المتعاطف، الذي يظهر على النقيض من الإسرائيليين اليهود الأشرار الذين تعاملت معهم منى وفادي في البداية في أوضاع مهينة في معابر الضفة الغربية. تثير الرسالة الضمنية بشأن الطبيعة الأخلاقية لليهود وفقا لجنسيتهم كأميركيين أو إسرائيليين بعض القلق.

يمكن تصديق الحوار الميلودرامي الذي يدور بين زملاء فادي في الدراسة حول الإرهاب وشرعية أو عدم شرعية الحرب الأميركية في العراق، ولكنه منمق بعض الشيء والجمل معتادة. كما يفتقد تقسيم الطلاب إلى مجموعة من «الطيبين» ومجموعة من «الأشرار» إلى البراعة والسماح بالتفرد. وتوجد مبالغة في كتابة مشاهد البلطجة والمشاجرات أيضا.

لا تغيب الدعابة طوال الفيلم، حيث تضفي لمسات من الأمل والإشراق في مواقف أحيانا ما تكون مفعمة. بمجرد أن تدخل منى الولايات المتحدة تتعرض لسؤال عن وظيفتها. فتشرع في تلقائية في الحديث عن الاحتلال الإسرائيلي وانتهاكاته، ظنا منها أن المسؤول عن حماية الحدود يشير إلى إقامتها في الأرض المحتلة. وذلك على ما يبدو لأنها لم تفهم أن كلمة «احتلال» (باللغة الإنجليزية) تحمل معنى آخر وهو الإشارة إلى الوظيفة التي تحتلها. ولكن المشهد يقدم بعضا من الراحة – قد تكون غير مقصودة من كاتبة السيناريو – من الطريقة التي يسيطر فيها الاحتلال على مشاهد الفيلم من خلال جميع صور القمع، وبذلك تصبح الراحة وسيلة لتجنب التعليق المدروس على قضايا الصراع والظلم التي لا يتعرض لها بالضرورة أبرياء وضحايا واضحون لا يتغيرون.

لا يحمل الاحتلال في العراق والأراضي الفلسطينية بعدا واحدا ممثلا في ما يمارسه من عنف أساسي: بل أبعادا متعددة من العنصرية والتطرف الديني والطائفية وتمجيد وممارسة العنف ضد المدنيين الأبرياء. ومن المؤكد أنها مهمة فيلم عن الهجرة الفلسطينية إلى الولايات المتحدة ليست البحث في هذه القضايا. ولكن لأن الفيلم يحمل رسالة سياسية واضحة، جاءت الرسالة سطحية بل ومقيدة لأنها تعتمد على الاحتلال كإطار واحد فقط لوصف وانتقاد الظلم.

ينتهي الفيلم سريعا، ويبدو أن القصة تتوقف فجأة بدلا من وصولها إلى خاتمة. ولكنه أيضا يشير إلى حقيقة أنه بغض النظر عن التحديات التي تواجهها تجربة الهجرة فإنها تمتزج بإمكانية الوصول. وهذا الوصول عملية مستمرة بنجاحاتها وإخفاقاتها مع كونه شعورا يمكن أن يسري إلى الشخص في أوقات معينة عندما يدرك أن الوطن عملية كينونة بالإضافة إلى المكان المادي الملموس.

مع الموسيقى العربية والرقص التلقائي والطعام الشرقي تجتمع منى وفادي وشقيقة منى وأسرتها ونوفيتسكي، لينتهي الفيلم مع إحساس بالانتماء والوصول إلى الوطن بعد المرور بتحديات عدة، واحتفال بقبول ومرونة ثقافة تتجاوز الحدود الجغرافية، وقدرة إنسانية على المشاركة الكريمة في الثقافة وقبولها عن طيب خاطر ودون تحفظ، فيندمجون جميعا مع الحركة والموسيقى.

نوام شيمل
font change