بعض الأعمال الفنية المصرية تحتاج الى 25 يناير جديدة

بعض الأعمال الفنية المصرية تحتاج الى 25 يناير جديدة

[caption id="attachment_55227520" align="aligncenter" width="620" caption="فن الثورة"]فن الثورة[/caption]


ألهمت الطاقة الشابة التي أنتجت الثورة وأتت بملايين الناس إلى ميدان التحرير بوسط البلد لعدة أسابيع الكثير من الشباب والمبدعين المستقلين، كما ضخت الأحداث قدرا هائلا من الحماس في العقول الفنية، التي تتوق للتعبير عن نفسها في تلك اللحظة التاريخية، وقد شهدت الثمانية عشر يوما التي نجحت خلالها المظاهرات في خلع مبارك، والشهر الذي يليها انفجارا لقوة فنية لا يمكن قمعها.

بل وكان ميدان التحرير نفسه يحتوي على نطاق واسع من الأنشطة الفنية، فكان هناك شباب من الموسيقيين يصاحبون المتظاهرين بالجيتار أو العود، ويتغنون من وقت لآخر بأناشيد تعتمد على أشكال بسيطة من الإيقاع والتعبير الموسيقي، وفي أماكن وجودهم في الميدان، كان الفنانون التشكيليون يسجلون الأحداث بالألوان، كما عكست الرسوم الغرافيتة الروح الثورية على الأسفلت والورق كما ظهرت على أعمدة الإنارة وصناديق الكهرباء في الميدان. وبمرور الأيام، أصبحت اللوحات الفنية والملصقات المؤيدة للديمقراطية تزين الميدان.

طاقة الميدان



لقد منحت الأسابيع التالية الفرصة لظهور منتج فني أكثر شمولا، وأصبحت الرسوم والموسيقى والأفلام التسجيلية والمسرحيات وكافة أشكال الفنون الأخرى منفذا لمن ألهمتهم الثورة، وكانوا يسعون لاستغلال الطاقة التي خلقها الميدان، ولكن عندما انتزع ذلك المفهوم من المهد الذي نشأ به، أصبحت هناك حاجة لإيجاد سياق جديد مستقل ومبدع، حيث استخدمت الفرق المسرحية التي تحاول جاهدة أن تركب موجة الثورة من خلال مسرحيات مثل «هنكتب دستور جديد»، و«النافذة»، و«تذكرة التحرير» وغيرها، مستخدمة شعارات التحرير على نحو غريب على المسرح، غير أن العديد من تلك التجارب المسرحية اتسمت بعدم النضج الفني ولم تلب الشغف والعفوية اللذين كان الناس يتوقون لهما بعد الثورة.

كما اختزلت العروض التشكيلية أحداث الثورة، مثل «إلى مصر مع الحب» بقاعة سفر خان - معرض للتصوير المفاهيمي يحتفي بالإعلانات والملصقات التي عرضت خلال الثورة - بالإضافة إلى معرض «ماسبيرو» في قاعة درب 1718، وهما مثالان فقط من بين عشرات من المعارض المشابهة.

إن الوظيفة الاجتماعية للفن هي أن يعكس التغيرات التي تحدث في العالم، وتعد المساهمة في ذلك التغيير من الأدوار الرئيسية التي يجب أن يلعبها الفنان. ولكن ليس على الفن أن يلعب دور المحرر وناقل الأحداث، ولا أن يكون مرآة غير منحازة للحقيقة، لذا من المتوقع أن يمتلك الفنانون - الذين يعلقون على الحقائق - القدرة على تقديم رؤية مبدعة ذات صلة بالعملية التخيلية للفرد، ومن ثم، تصبح أعمالهم ملهمة وقيمة وقابلة للاستمرار.

من الواضح أن العديد من الفنانين المصريين، خاصة من جيل الشباب، لديهم إلحاح قوي لرصد الأحداث كما تحدث أمام أعينهم، رغم أنهم يبدون في العادة واقعين في فخ الالتزام، ولا يستطيعون الوقوف على مسافة تاريخية من أعمالهم، فما زال الوقت مبكرا للغاية في أن يستطيع هؤلاء الفنانون أن يقوموا بتحليل الأحداث التي لم تحدث إلا مؤخرا، واستيعابها في مخيلتهم وخلق رؤى قوية وقابلة للاستمرار.

رؤية ساخرة



[caption id="attachment_55227521" align="alignleft" width="300" caption="الرسوم المعبرة في كل مكان"]الرسوم المعبرة في كل مكان[/caption]

وللغرافيت، الذي رافق الأحداث في مصر بعد الثورة، قيمة فنية عالية ولكنه يفتقر إلى القدرة على تقديم أفكار قابلة للاستمرار، غير أن المفاجئ، أنه استطاع أن يقدم رؤية فنية ناجحة، حيث يكمن نجاح الغرافيت الذي يغطي مساحات كبيرة من الشارع المصري في إيصال الرسالة التي يقدمها. وبالمثل، تستمد الرسوم الكاريكاتورية والكارتون المنتشران على الشبكات الاجتماعية - التي يتم نشر بعضها في وسائل الإعلام المصري - قوتهما من تقديم رؤية ساخرة للأحداث.

وفي الوقت الذي تبدو فيه محدودية الفن الغرافيتي كونه غير قابل للاستمرار، ونخبوية جمهور الكاريكاتور، فإن الأحداث الإخبارية والتوثيق لديهما فرصة أكبر في الاستمرار ومجال فني أوسع، فقد استخدم العديد من صناع الأفلام المصريين مقاطع الفيديو التي تم تسجيلها خلال الأيام الثمانية عشر للثورة في أفلام مثل «18 يوما»، و«تحرير 2011» «وأنا والأجندة»، وغيرها. وعلى الرغم من أنه لا يوجد من بين تلك الأفلام سوى عدد محدود له هيكل فني قوي، فإن قيمة تلك الأفلام التسجيلية هي ما تبرر شعبيتها ويجعلها موجودة في مهرجانات الأفلام الدولية مثل تلك التي عقدت في كان وفينيسيا وروتردام وتورنتو ومالمو.

رؤى مبدعة



بالتأكيد فإن ثمار التوجهات الفنية سوف تظهر في المستقبل القريب، عن طريق التعبيرات الفنية المبدعة التي يتم فحصها جيدا، فما زالت الثورة المصرية وتأثيرها المتصاعد على الفن تمثل تحديا كبيرا بالنسبة للفنانين المستقلين، وفي الوقت نفسه، فإن الجماهير في الداخل والخارج، ومنظمي المهرجانات المحلية والمنافذ التجارية ترغب في أن تجني الثمرة الفنية للثورة، ومع ذلك، فإن المنظور التاريخي فقط هو ما سوف يساعد الفن على تشكيل رؤى مبدعة وقيمة، ومما لا شك فيه فإن ذلك سوف يحدث في المستقبل القريب حيث سوف تبدأ أشكال التعبير الفني القيمة حول الثورة المصرية في الظهور على الساحة الفنية.

وعليه يمكن أن نحتفي بظهور العديد من الفنانين المستقلين على الساحة، ولكن يجب أن لا تنسى مصر التحديات الهائلة التي تنتظرها. فإذا ما قدمنا نسخة مختصرة لقائمة الأشياء الصعبة التي يجب عملها سنجد أنها تتضمن تطهير الساحة الفنية المصرية من الفساد الذي أصاب العديد من المؤسسات الفنية، بالإضافة إلى التخلص من العقليات القديمة والمتشددة التي تشغل المناصب التنفيذية الكبرى، والحد من الرقابة بكافة أشكالها ومواجهة الإسلاميين الذين يسمح لهم الآن بالتعبير عن آرائهم، وهم يؤكدون فهمهم للفن ودوره في المجتمع.
مما لا شك فيه أن القضايا الإشكالية المركبة تحتاج إلى رؤية واضحة وفهم للفن والقيم التي يطرحها، وعندما يحدث ذلك ويتزامن معه صعود المشهد الفني المستقل، سوف نصبح قادرين على أن نتحدث بشكل أكثر قوة حول شكل النهضة المصرية في القرن الحادي والعشرين.


آتي متولي
font change