غربيون في مكة

غربيون في مكة

[caption id="attachment_55229888" align="aligncenter" width="620" caption="صورة قديمة لمكة المكرمة"]صورة قديمة لمكة المكرمة[/caption]



أرسل لي الصديق علي السرحان مقطعاً يوتيوبياً يتحدث فيه مارتن لنجز عن رحلته للحج عام 1948 .. المقطع طويلٌ شيئاً ما ولكنني انشددت إليه لسهولة لغته الإنجليزية وللصور الفلمية النادرة التي احتواها ولصوته الرخيم بما أنّه أصبح داعيةً متصوفا.
المقطع على هذا الرابط:
https://www.youtube.com/watch?v=UKYBXKpvctk&feature=player_embedded

مارتن لنجز أسلم ككثيرين غيره من الغربيين الذين ربما دفعتهم مادية الحضارة الغربية إلى البحث عن خلاصٍ روحيٍ في أديان الشرق والذي يجدونه غالباً في الأديان والمذاهب ذات الطابع الصوفي، كالبوذية والطرق الصوفية الإسلامية، وأصبح لينجز مسلما متصوفا يدعى أبو بكر سراج الدين.

على جانب آخر بقي "سحر الشرق" يداعب خيالات كثيرٍ من مثقفي الغرب وشعرائه كغوته ونيتشه الألمانيين: الشاعر والفيلسوف. كتب الشاعر قصيدة في الرسول الكريم محمد، وكتب نيتشه كتابه "هكذا تكلم زرادشت"، وعلى طريقة الاستطراد الطنطاوي (نسبة لعلي الطنطاوي وليس لطنطاوي جوهري الإخواني المعروف ولا للمشير طنطاوي رئيس المجلس العسكري بمصر) فإنّ من الغرائب التي أذكر أنّ غوته تقدّم على نيتشه في استفتاء أجري في ألمانيا قبل سنة أو أكثر عن أهمّ رموزها ما أثار جدلاً في حينه.


[caption id="attachment_55229891" align="alignright" width="200" caption="مارتن لنجز وكتابه عن حياة الرسول الأكرم"]مارتن لنجز وكتابه عن حياة الرسول الأكرم[/caption]


بنى كثيرٌ من الغربيين غير المتخصصين رؤيتهم عن الشرق من خلال كتاب "ألف ليلةٍ وليلةٍ" وقصصه المترعة بالملذات أو شعر عمر الخيّام، أو كتاب "كليلة ودمنة" وقصصه المليئة بالحكم والرموز، فيما هام بعضهم بكتاب "مثنوي" لجلال الدين الرومي المتصوّف المعروف الذي لم يزل له عشّاق في أمريكا والغرب.

وبالطبع لابد أن نستحضر المستشرقين أولئك الذين قدّموا بحوثاً معمّقة عن الشرق ودياناته ودوله ومجتمعاته بمناهج حديثةٍ متخصصةٍ، لأغراضٍ شتّى ودوافع مختلفةٍ، ولكنّها بمجملها أثرت الثقافة العربية ومنحتها دفعات متقدّمةٍ لمزيدٍ من البحث والمعرفة والإتقان، إن بدافع التقليد وإن بدافع التحدّي.

كنت قد قرأت قبل بضع سنواتٍ كتاب أغسطس رالي"مسيحيون في مكّة" وكنت أريد استحضار بعض ما جاء فيه في هذه التدوينة ولكنني فقدته، ولئن كان فقدان الكتب مؤلماً فإن فقدان ما قرأت منها وعلقت عليه أكثر إيلاماً، إلا أنني أحسب أنني قرأت لأحد الستة عشر مسيحيا الذين دخلوا مكة - بعضهم أسلم وبعضهم لم يسلم- وضمّ الكتاب وصفهم للحج ولتجربتهم ولمكة وأهلها، أحسب أنّه أحدهم ذكر شيئا عن مشابهةٍ للجاهلية في بعض الطقوس والشعائر ما يدفع لاستحضار الأثر عن عمر بن الخطاب حين قبّل الحجر الأسود وقال: "أما والله لقد علمت أنك حجر ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك".
font change