لماذا ما زلنا في حاجة إلى البنك الدولي؟

لماذا ما زلنا في حاجة إلى البنك الدولي؟

[caption id="attachment_55234268" align="aligncenter" width="620" caption="روبرت زوليك"]روبرت زوليك [/caption]

لقد توليت رئاسة البنك الدولي في عام 2007، جالبا معي وجهة نظر مختلفة، تنبع من المنظور التاريخي، والتجربة الشخصية وإحساسي بالمشهد الدولي: وهي أن للمؤسسات أهمية. فقد صمم مؤسسو نظام بريتون وودز متعدد الأطراف بنية اقتصادية دولية للتعامل مع أسباب الانهيار المالي العالمي في الثلاثينيات من القرن الماضي والمشكلات الاقتصادية والأمنية التي كانوا يعتقدون أنها سوف تأتي في أعقاب الحرب العالمية الثانية. وكان البنك الدولي جزءا من ذلك الإطار الذي غطى القضايا النقدية وقضايا العملة، والتجارة، والاستثمار، والتنمية وإعادة إعمار الدول المنهارة.
في عام 2007، كانت هذه التحديات ما زالت قائمة، على الرغم من أن الظروف كانت مختلفة إلى حد بعيد. حيث وفرت زيادة وتدفق رأس المال الخاص والاقتصاد الحر حول العالم فرصة هائلة للدول النامية. إلا أن ذلك لم ينف الحاجة إلى البنك الدولي لأن دوره ببساطة لم يكن يقتصر على القروض والمنح؛ فقد كان دوره الإسهام في تنمية اقتصادات السوق في النظام الدولي المفتوح - عبر تعزيز النمو، والفرص، والأمل والتغلب على الفقر من خلال نظام سياسي وأمني أفضل.

ولم يقتصر التغيير على العالم وحده، ولكنه امتد إلى البنك الدولي كذلك. حيث أصبح البنك يشتمل على أربعة أذرع مالية وسياسية: البنك الدولي للإنشاء والتعمير؛ والمؤسسة الدولية للتنمية (ذراع البنك الخاصة بتمويل البلدان التسعة والسبعين الأكثر فقرا)؛ ومؤسسة التمويل الدولية، (ذراع البنك المختصة بالتعامل مع القطاع الخاص)؛ والوكالة الدولية لضمان الاستثمارات المتنوعة (التي توفر ضمانات للمستثمرين ضد المخاطر السياسية).
وتنفيذا لرسالته، احتاج البنك الدولي توجهات جديدة، وإرشادا أكثر انضباطا، وتنفيذا أفضل. فكان عليه التكيف مع التغيرات التي طرأت على النفوذ الاقتصادي، حيث أصبحت الأسواق الناشئة محركات اقتصادية جديدة ولم تعد التنمية تتعلق بالهيمنة الشمالية - الجنوبية. ففي الدول النامية، احتاج البنك مساعدة القطاع الخاص - سواء المستثمرين من الخارج أو الشركات من الداخل - لإزالة العراقيل أمام القطاع الخاص. واحتاج تعزيز النمو الشامل والمستدام ومشاركة المسؤوليات داخل نظام دولي مختلف. وكانت مهمة الفريق القيادي بالبنك هي تحديد التوجهات الجديدة، وحشد الدعم وتأسيس الشراكات وترجمة الرؤية المتشعبة إلى أفعال محددة، وأن يظل منتبها لاقتناص فرص الإبداع والتنفيذ.

قبل مرور وقت طويل، انتقل البنك من الجدل بشأن القضايا الوجودية إلى طرح أسئلة جديدة وعملية. ما الذي يمكنه أن يفعل لتعزيز الأمن الغذائي وتعزيز التغذية السليمة في مواجهة ارتفاع أسعار الغذاء والوقود؟ كيف يمكنه مساعدة الصين على إنهاء انتقالها إلى اقتصاد السوق ونموذج نمو أقل اعتمادا على الصادرات والاستثمارات؟ وكيف يمكنه مساعدة الدول في الشرق الأوسط على الوفاء بالطلب على فرص العمل في الوقت الحالي وبناء اقتصادات سياسية مستدامة في المستقبل؟ وما الذي يمكن أن يعمله للمدن فيم يتعلق بالتغير المناخي؟
وما زال الترويج لرسالة البنك الجديدة يمثل تحديا. فإحدى مشكلات البنك الدولي هي أنه يحمل اسم «بنك». حيث يربط العديد من الناس بين البنوك وإقراض المال (على الأقل كانوا كذلك حتى وقت قريب)، ولكن التمويل ليس إلا جزءا واحدا من عمل البنك حاليا. فعندما يكون البنك فاعلا، يقوم بمشاركة المعلومات، ويعمل على تنمية الأسواق والمؤسسات والقدرات القابلة للاستمرار؛ ويقدم تمويلا متنوعا (سواء أخذ شكل اكتتاب في رأس المال، الضمانات، القروض، المنح، أو إدارة المخاطر). ويستطيع البنك عبر تلك العناصر الثلاثة أن يعمل على تحسين حياة الأشخاص والبلدان.

لقد كانت تلك هي التحديات التي تواجهنا في عام 2007. فبمعنى أوسع، كان البنك الدولي مجرد جزء من سؤال استراتيجي أكبر: كيف يجب على الولايات المتحدة وغيرها من دول العالم تحديث تعددية الأطراف؟ لقد ورث العالم أنظمته ومؤسساته من «الرجال الحكماء» الذين أقاموها بعد الحرب العالمية الثانية، وبعد الحرب الباردة، وقد توسعت التعددية ولكنها لم يعد تعديلها إلا على نحو محدود.
منذ عام 2007، شهد الاقتصاد الدولي تغيرات جذرية وإعادة تنظيم لعلاقات القوى في الوقت الذي كانت تجاهد فيه للتعافي من كبرى الضربات التي تعرضت لها منذ الثلاثينيات. وقد قدمت الدول النامية ثلثي النمو الاقتصادي خلال الأعوام الخمسة الماضية، وساعدت على تعويض تعثر العالم الصناعي. كما أصبحت الدول النامية أيضا مصدرا للأفكار الاقتصادية، والنماذج التنموية، والاستثمارات بل وحتى المعونات الأجنبية. وبدأت المؤسسات، الوطنية والدولية، المصممة للعالم القديم، تبذل جهودا مضنية في محاولة استيعاب تلك الديناميكية الجديدة.

وفي الوقت الراهن، يدعو بعض من لا يرون سوى نقاط ضعف وإخفاق المنظمات متعددة الأطراف إلى التخلي عنها تماما. ولكن الهيئات الدولية متعددة الأطراف تقدم نسيجا رقيقا ولكنه حيوي يصل بين الدول ذات السيادة التي تسعى وراء المصالح المشتركة. ومن ثم، فإن المقاربة العملية هي أن نجعل تلك المؤسسات، بما تنضوي عليه من أوجه نقص، تعمل على نحو أفضل. وخلال السنوات الخمس الماضية، خصص البنك الدولي خدماته لحل مشكلات العديد من عملائه من الدول النامية سواء في القطاع العام أو الخاص كما وسع قاعدة رأس المال وأدوات التمويل المبتكرة، وركز على أهمية الحوكمة الرشيدة وجهود مكافحة الفساد؛ ودمقرطة التنمية من خلال الانفتاح والشفافية، كما حدث تمثيله وعملياته لزيادة التعبير عن صوت ومسؤوليات الدول النامية. وعلى الرغم من أن البنك أحرز تقدما على كافة تلك الجبهات، فإنه يستطيع - ويجب عليه - أن يقوم بالمزيد.





العمل من أجل البلدان التي تتعامل مع البنك الدولي


إن الدول النامية هي الدول التي تتعامل مع البنك الدولي، وليست عناصر سياسات «التكيف الهيكلي» القديمة. ربما تبدو هذه الفكرة واضحة ولكنها تمثل تحولا مهما في أنماط التفكير. فيجب على البنك الدولي أن يبحث عن الحلول ولا يكتفي بتقديم إرشادات الحلول. فإذا لم يكن الحل النظري يتواءم مع الأوضاع الاقتصادية والسياسية، لا يكون البنك قد ساهم في المساعدة على حل المشكلة. وفي الوقت نفسه، يحتاج خبراء البنك أن يتمكنوا من مشاركة المعلومات حول كيفية قيام الدول الأخرى بحل المشكلات المشابهة. ووفقا لما أخبرني به مسؤول هندي بارز: «لا أحتاج إلى خبير آخر حول الهند. فلدي ما يزيد على المليار منهم. أحتاج إلى خبراء على مستوى دولي في أنظمة المعاشات، والمشروعات المشتركة بين القطاعين العام والخاص في مجال البنية التحتية، والتقدم التعليمي». فنادرا ما يكون التمويل وحده هو الحل.

وللدول التي تتعامل مع البنك الدولي احتياجات مختلفة. حيث تحتاج الدول التي ترغب في تحطيم دائرة العنف، والحوكمة السيئة، والاضطرابات، والفقر، إلى أكثر من مجرد نظريات التنمية. فخلال الوقت الذي قضيته في الحكومة الأميركية، رأيت كيف تعمل مجالات الأمن، والاقتصاد، والدبلوماسية، في العديد من الحالات بشكل منفصل في البلدان التي تعاني من النزاعات. ويستطيع البنك الدولي المساعدة على إيجاد الصلة بين تلك المجالات. ففي عام 1944، كانت كلمة الإنشاء في اسم «البنك الدولي للإنشاء والتعمير» تشير إلى إعادة إعمار أوروبا واليابان، ولكنها الآن تمثل عمل البنك الدولي في تلك الأماكن المضطربة مثل أفغانستان، وهاييتي وليبيريا.

وتواجه الدول متوسطة الدخل (البرازيل، الصين، الهند، إندونيسيا، المكسيك، تركيا، وغيرها) مشكلات مختلفة تماما. فهذه البلدان التي ما زالت موطنا لثلثي سكان العالم تعيش على أقل من دولارين في اليوم، ومن ثم لديها تحديات تنموية فجة. وفي الوقت نفسه، فإنها تلعب دورا حيويا في الاقتصاد العالمي وفي تنمية البلدان الأخرى. كما أن ما تقوم به تلك البلدان من أفعال يعد أمرا حيويا في تقديم حلول مستدامة للمشكلات الدولية، سواء كانت تتعلق بالصحة، أو التجارة، أو البيئة، أو التكامل المالي. ولا يحتاج البنك فقط أن يساعد الدول ذات الدخل المتوسط بل أن يشاركهم أيضا تجاربهم مع الآخرين ويشجعهم على أن يتحملوا قدرا أعلى من المسؤوليات الدولية.

ومن جهة أخرى، كشف أحد التحديات المبكرة عن مقاربة البنك الجديدة لحل المشكلات. ففي نهاية عام 2007، ارتفعت أسعار المواد الغذائية. كما فاقم ارتفاع أسعار البترول من وطأة التوتر. وقد قال بعض الخبراء الاقتصاديين في البنك الدولي، إن عائدات أسعار البضائع المرتفعة سوف تسمح لمعظم الدول بتفادي المخاطر. فيما أشار آخرون إلى أن المشكلة سوف يتم التعامل معها على نحو أفضل عبر الوكالات الإنسانية وليس من خلال مؤسسات التنمية طويلة المدى. ولكن عشرات الملايين من الفقراء لم يكن لديهم ما يخفف تلك الصدمة. فهناك عائلات لم تتمكن من الحصول على وجبات غذائية، كما لم يتمكن الفلاحون من الحصول على مستلزماتهم. كما اندلعت الاضطرابات المرتبطة بالحاجة إلى الغذاء. ولم يكن هناك معنى للحديث حول المدى البعيد ما لم تستطع الشعوب والحكومات معالجة الأزمات على المدى القصير.

في ذلك الوقت، تحرك البنك الدولي بسرعة حيث عمل مع وكالات الأمم المتحدة لإعداد برنامج التعامل مع أزمة الغذاء العالمية ولتوفير صندوق تمويل سريع لمساعدة الفلاحين. وفي الوقت نفسه، وفر ارتفاع الأسعار وتزايد الطلب على المنتجات الزراعية من جانب الأعداد المتزايدة من السكان الفرصة لتعزيز النمو إذا ما استطاع البنك المساعدة على تعزيز الإنتاج والإنتاجية.
حتى اليوم، تمكن برنامج البنك الدولي لمواجهة الأزمات من مساعدة 40 مليون أسرة مستضعفة في 47 دولة. وتمتد استثماراته في سلسلة القيمة الزراعية بما يشتمل على الأبحاث، وحقوق الملكية (بما في ذلك حقوق المزارعات)، البذور، الري، الأسمدة، التخزين، والتسويق، التي تشجع دائما تنمية القطاع الخاص. ويستطيع البنك من خلال خبرته المالية، مساعدة الفلاحين ومشتري الغذاء على إدارة المخاطر عبر مشتقات الطقس، التأمين على المحاصيل، وأسواق العقود الآجلة.



وعندما طغت الأزمة المالية العالمية على أزمتي الغذاء والوقود، حشد البنك الدولي أكثر من 200 مليار دولار من الالتزامات المالية لدعم الدول النامية، وأسرع في إنفاق الكثير منها. وعلى نفس القدر من الأهمية، عالج البنك انهيارات السوق من خلال زيادة التمويل التجاري، وإعادة رسملة البنوك في الدول النامية، وشراء الأصول المتعثرة. وقد تعاون مع أستراليا، واليابان، والبنك الآسيوي للتنمية لتقديم 5.5 مليار دولار إلى إندونيسيا لكي تستعين بها إذا ما ساءت الظروف، وقد سمح وجود تلك الحماية ذاتها للحكومة الإندونيسية زيادة الإنفاق لمواجهة الأزمة وطمأنة المستثمرين بشأن قدرتها على تمويل الموازنة التوسعية. وبالعمل مع البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير، والبنك الأوروبي للاستثمار، والمفوضية الأوروبية، وصندوق النقد الدولي، أعلن البنك الدولي أنه سوف يقدم نحو 25 مليار دولار لتشجيع البنوك في الاتحاد الأوروبي للحفاظ على تدفق الائتمانات إلى أوروبا الشرقية.

ويعمل البنك أيضا مع عملائه من البلدان على الاستثمارات بعيدة المدى لكي يضع أسس التعافي مع التركيز على ثلاثة مناحي. أولا، أن يستثمر في البنية التحتية للمساعدة على توفير فرص عمل، وزيادة الإنتاجية للغد، وتعزيز الطلب على الآلات والخدمات بما فيها تلك من الدول المتطورة. ثانيا، أن يعزز شبكات الأمان لحماية الفئات الأكثر استضعافا. وبوعي الدروس المستفادة من البرازيل، والمكسيك، ساعد البنك ما يزيد على 40 بلدا على البدء في برامج التحويلات النقدية المشروطة التي تدفع التكاليف للأسر الفقيرة التي تحافظ على وجود أطفالها في المدارس وللحصول على الرعاية الصحية الوقائية. وثالثا، ومن خلال مؤسسة التمويل الدولية، وفر البنك الدولي التمويل للقطاع الخاص خاصة في المشروعات الصغيرة والمتوسطة، بالإضافة إلى مؤسسات التمويل متناهي الصغر. وتعد تلك المقاربة بعيدة تماما عن المقاربات السابقة للإقراض. ففي بعض الأوقات، يجب على البنك أن يقول لا للعملاء الذين يرفضون الوفاء بالمعايير واتخاذ تدابير وقائية فيما يتعلق بالفساد، والبيئة، والحوكمة. ومع ذلك، ترغب الأغلبية العظمى في تعزيز النمو كما وكيفا.

تعزيز الابتكار المالي


لحشد الأموال وتحقيق استثمارات فعالة، يجب على البنك الدولي تحقيق النتائج، وتوسيع قاعدته للدعم المالي، وتزويد عملائه بالأدوات المالية المبتكرة. فكل ثلاث سنوات، يجدد البنك موارد المؤسسة الدولية للتنمية وهي صندوقه لمساعدة الدول الأشد فقرا. وحتى الآن، في وقت قلة الموارد المالية، قررت الدول المساهمة في البنك الدولي - أعضاؤه الذين يبلغ عددهم 187 من الدول الأعضاء - أن أولويات المؤسسة وأداءها يتطلبان توفير دعم مالي رفيع المستوى. وفي عامي 2007، و2010 تمكنت مساعي تجديد موارد المؤسسة الدولية للتنمية من حشد مستوى غير مسبوق من الموارد المالية فاق 90 مليار دولار. وفي عام 2010، دعم المساهمون أيضا أول زيادة لرأسمال البنك الدولي للإنشاء والتعمير منذ أكثر من عشرين عاما، ومن ثم تمكن من الوفاء باحتياجات عملائها في وقت الأزمة عبر إصدار سندات حصلت على تصنيف ائتماني تم تقييمها بـ«الممتازة» AAA.

وقد اعتمدت باقات التمويل تلك على تطبيق شروط مالية صارمة تعتمد على مفهوم «المساهمين المسؤولين» للاقتصادات الناشئة؛ فكرة أنهم يجب أن يتحملوا قدرا أعلى من المسؤولية توازي قوتهم المتزايدة. لقد كانت البلدان النامية تقوم بدور مهم: فقد ساهموا على نحو أكثر في جهود تجديد موارد المؤسسة الدولية للتنمية من أي وقت سابق وقدموا أكثر من نصف زيادة رأسمال البنك الدولي للإنشاء والتعمير. وحقق البنك الدولي للإنشاء والتعمير والمؤسسة الدولية للتنمية العائدات كل عام، واستغلوا ذلك في مراكمة رأس المال لتغطية تكلفة موازنتهم الإدارية (والتي حافظ البنك على ثباتها)، وحتى من أجل الحفاظ على تقديم المساهمات التي تصل إلى عدة مليارات من الدولارات للمؤسسة الدولية للتنمية. وقد أيدت الدول التي تلقت استثمارات المؤسسة حشد الأموال من خلال مشاركة البنك الدولي التركيز على النتائج والمساءلة، بما في ذلك استخدام أدوات الإقراض الجديدة التي تربط بين المدفوعات وإنجازات محددة.

وهناك مساحة للمزيد من الابتكار؛ فمع تعديل الشروط المقدمة للمتلقين ومن خلال تدفق مدفوعات السداد منهم، يجب أن تتحرك المؤسسة الدولية للتنمية صوب تحقيق استدامة ذاتية أعلى. وعلى نفس القدر من الأهمية، هناك فرص هائلة أمام البنك الدولي لكي يعزز الاستثمارات الخاصة. فقد تمتعت العديد من الدول في أفريقيا بمعدلات نمو مرتفعة لعدة عقود. وهب أنه تتخذ الخطوات لتعزيز التكامل الإقليمي والبنية التحتية ويعمل البنك معها على تحسين مناخ الأعمال والاستثمارات لديها. حيث يقوم البنك بإعداد تقرير عن الأعمال، على سبيل المثال، يمكن البلدان من تقييم مدى تقبلها للمشروعات الصغيرة.



في عام 2009، أنشأت مؤسسة التمويل الدولية شركة لإدارة الأصول أضافت إلى النموذج التقليدي لجمع الأموال في أسواق السندات ثم الاستثمار بها. وتفيد شركة إدارة الأصول من الموارد المالية الهائلة الموجودة لدى صناديق الثروات السيادية، وصناديق المعاشات أو غيرها من المؤسسات الاستثمارية وتوجهها للفرص الاستثمارية المربحة التي حددتها مؤسسة التمويل الدولية. ويقدر إجمالي رأسمال شركة إدارة الأصول حاليا بما يزيد على 4 مليارات دولار، يأتي نحو ثلاثة مليارات دولار منها من مستثمرين خارجيين ليست لديهم صلة قوية بأفريقيا وغيرها من الأسواق الناشئة. حتى الآن، يعتمد هؤلاء المستثمرون على السجل القوي لمؤسسة التمويل الدولية من الجمع بين التنمية وتحقيق العائدات. ومع الوقت، سوف تنمو قدراتهم مع زيادة خبرتهم بهذه الأسواق.
وقد كان للبنك الدولي دور ريادي في اتخاذ سبل مبتكرة لاستخدام التمويل لمعالجة المشكلات الدولية. وبتشجيع من وزير الخزانة الأميركي السابق هنري بولسون، جمع البنك ما يزيد على ستة مليارات من الحكومات من أجل «صناديق الاستثمار المناخي» الجديدة لمساعدة الدول على تحسين فعالية استخدام الطاقة والتكنولوجيا، وتقليل الانبعاثات، وحماية أنفسها من التغير المناخي. وقد جذب ذلك التمويل ما يقدر بنحو 50 مليار دولار من المشروعات في 45 دولة نامية. وفي الوقت الذي كان المفاوضون فيه يتجادلون حول ماهية «الصندوق الأخضر» التابع للأمم المتحدة، كان لدى البنك الدولي واحد بالفعل ويعمل. كما وضع البنك أيضا أدوات تمويل مبتكرة لكي يتمكن من تقديم خطط فعالة لتطوير العقاقير، وحماية الحياة البرية، وتقليل نفقات الغذاء والإمدادات الإنسانية، وتوفير التأمين ضد الكوارث الطبيعية.

إن مقاربة البنك هي «حشد» الآخرين. وقد ضاعف البنك دعم المشروعات وأفاد من المزايا الخاصة بكل من الشركاء. كما عمق من علاقاته مع بنوك التنمية الإقليمية (بما في ذلك عدد من الصناديق والبنوك العربية)، والمستثمرين في القطاع الخاص، والحكومات، والمؤسسات. ومن جانبها، تستطيع مؤسسة التمويل الدولية العمل مع البنوك التجارية وغيرها لمشاركة المخاطر، على سبيل المثال، من خلال الحفاظ على تدفق التمويل التجاري عبر الشراكات العملياتية مع البنوك. كما خصصت مؤسسة التمويل الدولية نحو 3 مليارات دولار عبر نحو 180 صندوقا استثماريا خاصة في الدول النامية لبناء الأسواق التي يستطيع عبرها المستثمرون أن يوفروا رأسمال المخاطر على المدى الأبعد لأصحاب الشركات المحلية. ومع الوقت، يستهدف البنك الدولي بناء البنية التحتية وتعزيز الخبرات ذات الصلة، سواء لأسواق سندات العملات المحلية، أو الأسهم، أو أسهم رأس المال أو تمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة.

تعزيز الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد


يعد الحث على الحوكمة الرشيدة والقضاء على الفساد جزءا لا يتجزأ من التنمية. عندما وصلت إلى البنك، كان مجال مكافحة الفساد غارقا في الإحباط والشكوك والنزاعات. وقد قدمت هيئة مراقبة مستقلة ترأسها رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي السابق بول فولكر «رسما تخطيطيا» ليمكن موظفي مكتب نائب الرئيس لشؤون النزاهة بالبنك الدولي من العمل بفعالية أكبر مع الموظفين الميدانيين، والبلدان المتعاملة معه، والمانحين، وهيئة البنك ذاتها من المديرين التنفيذيين.

إلا أن البنك يحتاج إلى أن يقوم بما هو أكثر من مجرد التحقيق، التنفيذ ومعاقبة هؤلاء المتورطين في التزوير والسرقة. وفي العديد من الدول الغنية بالموارد، يعد التحدي الرئيسي أمام الحكومة هو استخدام الدخل بحكمة، ومواجهة الفساد، وتوسيع قاعدة المستفيدين من النمو. ولتطبيق خبرته، يحتاج البنك تنفيذ إجراءات منع الفساد، وتعزيز الشفافية وإشراك المجتمع المدني في تعزيز الحوكمة الرشيدة. كما يجب أيضا أن تساعد الحكومات - على المستوى الوطني - على تعزيز الإدارة المالية، وأنظمة المشتريات، والمراجعة، وغيرها من الأنظمة.
وسوف يحتاج البنك الدولي إلى أدوات جديدة لتحطيم العقبات الأصعب. ففي عام 2010، وقع البنك الدولي اتفاقية مع بنوك التنمية الإقليمية تضمن أن الأفراد والشركات الذين يثبت تورطهم في السرقة من أحد تلك البنوك يتم عقابهم من قبل الجميع. كما يقدم مكتب نائب الرئيس لشؤون النزاهة بالبنك الدولي تسويات للمدانين تشتمل على العقوبات مع مدفوعات للتعويض وتقديم تبرعات لجماعات مكافحة الفساد. وتساعد «مبادرة استعادة الأصول المسروقة» الحكومات على استعادة التمويل المسروق من قبل الزعماء الذين سرقوا كنوز بلدانهم.

كما يحيل البنك القضايا إلى السلطات الجنائية المحلية، وعلى الرغم من أن الحكومات تمارس سلطاتها القضائية الخاصة بالادعاء العام، فإن الحكومات التي تخفق في تطبيق القانون تعرض علاقتها مع البنك للخطر. ولمساندة المحققين، المدعين، القضاة وغيرهم ممن يتولون إدارة ذلك العمل الخطر، كون البنك في عام 2010 التحالف العالمي لملاحقة الفساد، وهو شبكة من أكثر من 200 مسؤول عن مكافحة الفساد من 134 دولة. ويعمل البنك حاليا على تطوير صندوق لمساعدة المواطنين المحليين وجماعات المجتمع المدني التي تؤيد المساءلة.

دمقرطة التنمية


لا يمتلك البنك الدولي كافة الإجابات. فعندما يتخذ قرارات يمكن أن يكون لها تأثير هائل على حيوات الناس، فإنه يجب أن يستمع لذوي الصلة والاطلاع على القضية. فمن ضمن الرسائل العديدة للجماهير التي هزت أرجاء الشرق الأوسط في عام 2011 كان هو أن الحرية الاقتصادية العالمية يجب أن تقترن بالحوكمة الرشيدة، وصوت المواطن، والمساءلة الاجتماعية.
وتعتمد التنمية الشاملة والمستدامة على التغير من مقاربة النخبة أو المقاربة من الأعلى للأدنى إلى مقاربة تعمل على دمقرطة التنمية. وهو ما يعني منح الناس الأدوات لجمع البيانات والفهم الأفضل لقضايا التنمية، بالإضافة إلى فرص مشاركة الرؤى. ولكن المؤسسات تقاوم الانفتاح. حيث إن المعلومات تمنح القوة، وهو ما يعني الكشف عن الأخطاء ومعالجة أوجه النقد، وهو أمر صعب، ولكنه رغم ذلك يجعل المؤسسات أكثر فعالية. وفي حالة البنك الدولي، فإن جعل المنظمة منفتحة يعمل على تحسين الأداء ويظهر للناس ما يفعله البنك وكيف يعمل. فالشفافية هي أفضل علاج لنظريات المؤامرة.



في عام 2010، أقر البنك الدولي سياسة جديدة للحصول على المعلومات، بهدف إطلاق سراح عدد هائل من الوثائق وتوفير قدر أكبر من أي وقت سابق للجماهير حول مشروعات البنك، وتحليلاته وأنشطته الاستشارية وإجراءات مجلسه التنفيذي. وتمثل السياسة التي تم وضعها على غرار برامج حرية المعلومات في الهند والولايات المتحدة تغيرا مفاجئا في كيف يتعامل البنك مع المعلومات وعن مدى شمولية مثل تلك السياسة في المنظمة المتعددة الأطراف.

وربما تصبح مبادرة إتاحة البيانات أكثر أهمية. فوفقا لذلك البرنامج، أطلق البنك سراح آلاف البيانات وجعلها متاحة لأي شخص لديه قدرة على الاتصال بشبكة الإنترنت. حيث يستطيع أي شخص الآن بدءا من طلاب الدكتوراه في أستراليا إلى أي فلاح في كينيا تحليل بيانات البنك. ففي عام 2010، شجعت مسابقة «تطبيقات التنمية» مطوري البرمجيات في جميع أنحاء العالم على الإتيان باستخدامات جديدة لتلك الثروة الواسعة من البيانات كما يعمل الباحثون بالبنك الدولي على إنشاء تطبيقات برامج لتيسير القدرة على الوصول إلى قدر أكبر من البيانات. كما يطور البنك «تطبيقا من أجل النزاهة» لكي يمنح المواطنين قدرة على الوصول إلى المعلومات حول مشروعات البنك ووسائل للإبلاغ المباشر عن الفساد المتعلق به. ويخطط البنك للعمل مع المجتمعات المحلية لوضع خطة لبنيتها الاجتماعية الخاصة - مثل العيادات الصحية، والمدارس، ومصادر المياه - حتى يستطيع الفلاحون أن يحاسبوا المسؤولين. والخطوة التالية هي السماح للأشخاص باستخدام الأجهزة المحمولة لإعلام البنك من أي موقع بما يحدث فعليا في مشروعاته.

وتمثل جميع هذه البرامج نموذجا مختلفا تماما عن مفهوم «البنك يعرف أفضل» كما كان في الماضي. وتقديرا واعترافا بجهوده، صنفت منظمة «انشر ما تمول» العام الماضي المؤسسة الدولية للتنمية في المرتبة الأولى في مجال الشفافية ضمن 58 من وكالات التنمية الثنائية ومتعددة الأطراف.

بنك أكثر تمثيلا


أخيرا، ونظرا لأن الدول النامية تطالب وهي محقة بقدر أكبر من إبداء الرأي في كيفية إدارة العالم، يجب على البنك الدولي أن يتكيف مع تلك التغيرات. ففي عام 2010، زاد البنك تمثيل البلدان النامية في مجلسه من المديرين التنفيذيين مما نسبته 44 في المائة إلى أقل قليلا من 50 في المائة. ولكن نظرا لأن ذلك المجلس نادرا ما يقترع، كانت إضافة مقعد جديد بالهيئة لأفريقيا جنوب الصحراء أكثر أهمية، حيث إنه أضاف صوتا آخر إلى الطاولة. وتقترح بعض البلدان تقسيم الإدارة بالنصف بين الدول النامية والمتقدمة. ولكن ذلك يطرح العديد من الأسئلة الشائكة: ما هي البلدان التي تنتمي للعالم النامي؟ وهل يجب الحفاظ على نسبة 50 في المائة من التصويت للدول النامية في ظل تزايد انتقال الدول من العالم النامي إلى الدول المتطورة؟ هل يجب أن يعكس أيضا قوة التصويت مساهمات الدول إلى رابطة التنمية الدولية أو غيرها من صناديق التمويل؟ هل يعزز ذلك التقسيم منطق الشمال - الجنوب والذي يعكس نموذجا قديما؟
لقد كانت إدارة البنك تستهدف تحديد التصويت والتمثيل وفقا لكيفية قيام البنك بعمله، بدءا من معاملة عملائه من البلدان بكرامة واحترام وحتى كيفية تمثيل عضوية الدول في جهازه الإداري. ومن جهة أخرى، فإن العمل المحلي مفيد: حيث هناك مكاتب في أكثر من 100 بلد تعين موظفين من الدول المتعاملة مع البنك والمساهمين الآخرين. ويأتي العاملون في البنك من أكثر من 167 بلدا ويأتي نحو ثلثي هؤلاء العاملين من البلدان النامية والدول التي تمر بفترات انتقالية. كما أن رئيس الخبراء الاقتصاديين بالبنك، الأكاديمي الصيني جاستن لين، هو أول شخص من دولة نامية يحتل ذلك المنصب. وهناك نحو 50 في المائة حاليا من كبار المسؤولين التنفيذيين بالبنك من النساء ونحو 45 في المائة من كبار الموظفين به يأتون من الدول النامية.

كما يعمل البنك تدريجيا على توسيع الأثر العالمي لمساعيه لمشاركة المعلومات. فقد أنشأ مركزا في نيروبي يساعد الدول ما بعد النزاع ومركزا في سنغافورة يركز على تنمية البنية التحتية المدنية بالشراكة مع القطاعين العام والخاص. وكما يعكس ذلك التغير المؤسسي، أصبحت التنمية اليوم تتعلق بالمعرفة بقدر ما تتعلق بالإقراض، وتحتاج المعرفة إلى التدفق من الجنوب إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب، ومن الطبقات الدنيا إلى أروقة السلطة وألا تظل حبيسة الأنظمة التقليدية.

ما بعد المعونة


لقد دفعتني تجربتي قبل المجيء إلى البنك الدولي إلى وضع أهمية قصوى على النتائج. ربما يبدو التركيز على النتائج أمرا بديهيا، ولكن تقييم السياسة العامة يدفعه دائما الجدل الفكري، والوضع السياسي، والتوجهات الآيديولوجية الحالية. وتستطيع المنظمات الدولية على وجه الخصوص أن تصبح منغمسة في العملية والمناقشات إلى حد يجعلها تبتعد عن الدور المحوري للفعالية. كما أن التركيز على النتائج العملية مهم على نحو خاص في المنظمات العامة مثل البنك الدولي، حيث تستطيع التوازنات والإجراءات واللجان أن تعرقل روح المبادرة. فالإنجازات تبني الروح المعنوية، والدعم، والمساءلة، والشرعية.



لقد بذل البنك جهودا مكثفة لكي يصبح أسرع وأكثر مرونة. إلا أن هناك المزيد من العمل الذي يجب عمله. فيحتاج التنفيذيون إلى مساعدة فرق عملهم لكي يتمكنوا من الصلة بين مخاوف المساهمين المتعددين (حول الضمانات، وإجراءات المشتريات الملائمة، وتعاون الحكومات، وغيرها من القضايا)، ونظراء البلد الذين يحاولون حل المشكلات. فهم يحتاجون أن يتعلموا باستمرار ويعملوا على تحسين العملية دون أن يتركوها تصاب بالشلل.

خلال الأعوام الخمسة الماضية، كانت جهود البنك الدولي للتحديث جزءا من المسعى الأكبر لتحديث التعددية. ويعكس ذلك التوجه تغير الاقتصاد العالمي واتجاهه صوب الأقطاب المتعددة للنمو، وهو تطور سوف يعزز الفرص، وسبل الحياة والابتكار. وفي الوقت نفسه، سوف يحتاج العالم إلى نظام صحي متعدد لتشجيع المزيد من البلدان على التعامل مع المخاوف المشتركة مع تقاسم المسؤوليات.

وعلى مدار الوقت، يجب أن يصبح هدف البنك هو مساعدة البلدان على تجاوز مرحلة تلقي المعونات. فسوف تكون هناك حاجة دائمة للمساعدات الإنسانية ولبعض الوقت، سوف تحتاج البلدان الفقيرة والتي يمزقها النزاع إلى المساعدات التنموية. ولكن الهدف الأساسي يجب أن يظل هو التخلص من الاتكالية. ويجب أن يساعد البنك الدولي البلدان النامية على خلق الظروف - من خلال الصحة العامة، التعليم، التغذية بالإضافة إلى الاستثمارات المالية - التي تحفز الأعمال، والوظائف والإنتاجية وتعمل على الربط مع سلاسل الإمداد والخدمات اللوجستية العالمية. ويستطيع البنك المساعدة عبر الحوكمة الأفضل، وسيادة القانون، والحرية الاقتصادية، والاستدامة البيئية، والمساءلة الاجتماعية. وفي الوقت نفسه، يتوجب على كافة البلدان أن تفتح أسواقها أمام الدول النامية.
ويجب على كافة البلدان الاستفادة من طاقات وقدرات شعوبها خاصة الفتيات والمرأة اللائي يمثلن مصدرا ناشئا للنمو في كل مكان.

لقد كان قدر كبير من تاريخ البنك الدولي مرتبطا بالعالم الثالث. ويعد مفهوم العالم الثالث مفهوما عفا عليه الزمن. ولكن التنمية ليست كذلك. بل إن دروس التنمية - مثل مبادئ الاقتصاد السليم - يتم تطبيقها على كافة البلدان. واليوم، فإن العالم في حاجة ماسة إلى تجاوز الأزمة الاقتصادية وأن يضع الأسس لعالم ما بعد المعونة. ولكي يفعل ذلك، ما زال العالم يحتاج البنك الدولي.


خاص بـ"المجلة"
روبرت زوليك - رئيس البنك الدولي
فورن بولسي، مارس/ أبريل 2012
font change