هناء حجازي لـ "المجلة": أنحاز إلى المرأة القوية

أريد أن أوصل الصوت الذي يختبئ خلف الأبواب

Irene Blasco
Irene Blasco

هناء حجازي لـ "المجلة": أنحاز إلى المرأة القوية

بين الفن التشكيلي والكتابة ومهنة الطب، تخوض هناء حجازي رحلتها في الحياة. تقول إنها دائما ما تسعى إلى إيصال الصوت الذي يختبئ خلف أبواب كثيرة، وإلى أن يرى الناس ما يتغافلون عنه، أو يظنون أنهم يعرفوه، وهم لا يعرفونه، أما عن المرأة، فينصب جهدها على تقديم الصورة القوية لها.

بداياتها في الكتابة كانت قصصية في العام 1987، ثم كتبت الرواية مثل "امرأتان" و"راحة"، لتكتب بعدها وعن تجربة شخصية، كتاب "مختلف، طفل الإسبرجر مختلف، لكنه ليس أقل" والإسبرجر طيف من أطياف التوحد. هنا حوار "المجلة" معها.

كيف تنظرين إلى الجمع بين مواهب عدة، وممارسة مهنة مختلفة، هل هو حمل شاق، نقمة يمكن أن تقض مضجع صاحبها، أم أنها في كل الحالات هي نعمة؟

هي في كل الحالات نعمة بالتأكيد، ليست مسألة سهلة، لكنه قرار، أن تصري على الاستمرار في الاستثمار في ما يغذي روحك ويساعدك على مواجهة آلام الحياة وروتين الوظيفة وهموم العمل كطبيبة، كان يمكن أن أكتفي بكوني طبيبة، خصوصا أنني أكملت التخصص حتى حصلت على الزمالة في طب الأسرة، أي أنني لم أكتف بشهادة البكالوريوس. ولأني كنت من أوائل من حصلوا على هذا التخصص في السعودية، كان علي القيام بأكثر من مهمة، كطبيبة ومشرفة ومدربة، العمل في حد ذاته كان منهكا جدا، لكني لم أتخل يوما عن الكتابة التي بدأتها وأنا ما زلت طالبة في كلية الطب.

أريد أن أوصل الصوت الذي يختبئ خلف أبواب كثيرة، أن يرى الناس ما يتغافلون عنه، أو يظنون أنهم يعرفونه وهم لا يعرفونه

أما التشكيل، فقد بدأ منذ الطفولة، وبعد التخرج قررت أن أتعلمه على نحو جاد، لم تكن هناك معاهد تعلم الفن في ذاك الوقت، أتحدث عن بداية التسعينات في جدة، لكنني كنت أجلب كتب تعليم الفن من كل بلد أسافر له، علمت نفسي، وتثقفت فنيا، لكني توقفت فترة عن الاختلاط بالوسط الفني وزيارة المعارض في جدة، ثم عدت وبدأت في المشاركة في المعارض الجماعية، وأقمت معرضين أحدهما شخصي قبل عامين، والآخر بمشاركة الفنان الكبير عبدالله إدريس هذا العام.

الوجه والروح

من المعروف عملك في البورتريه تحديدا، وعبرت عنه بـ "الفن الذي يجعلنا نتعرف على روح الشخص من خلال لوحة"، ماذا عن لوحاتك المنزوعة الوجه؟

اللوحات المنزوعة الوجه كانت تعبيرا عن وجه من وجوه المجتمع، أردت أن أظهر جمال المرأة، جمال اللقاءات النسائية، لكن، معروف عندنا أنه من الممنوع أن تصور هذه اللقاءات، ممنوع نشرها، ممنوع إظهار وجه المرأة. اللوحات كانت تعبير عن الجمال من جهة، وتعبير عن الغياب من جهة أخرى.

لوحة من أعمال هناء حجازي

"هل رأيتني" هو عنوان لمعرضك الفردي الأول، وهو كذلك عنوان رواية لك، فما الذي تريدين لجمهورك أن يراه؟

أريد أن أوصل الصوت الذي يختبئ خلف أبواب كثيرة، أن يرى الناس ما يتغافلون عنه، أو يظنون أنهم يعرفونه وهم لا يعرفونه، الهمسات التي تهمسها المرأة لنفسها ولا تتجرأ على البوح بها، القلق، الغربة، الألم، الحيرة، كل ما يخلقه فينا المجتمع وهو يظن أنه يحمينا، أريد من الآخر، أيا كان هذا الآخر أن يراني، أن يرى من أكتب عنه، حقيقته، كيف يفكر، كيف يشعر، كيف يتأثر، وكيف يحتار.

كتبت تجربتي مع الإسبرجر من دون فواصل ولا تبويب،كأنها صرخة طويلة

هذا في الكتابة وفي الفن أيضا، كل الوجوه التي رسمت، كان فيها شيء صريح تعبر عنه، حتى الوجوه المعروفة، كانت تقول، انظر إلي جيدا، لست مشهورا فقط، أنا إنسان مثلك، فهل تراني؟

رسمت الكثير من البورتريهات لنساء، من شخصيات فنية سعودية وعربية، ما صورة المرأة التي تسردينها في لوحاتك؟

بشكل عام أحب المرأة القوية، المرأة التي تعرف ماذا تريد وتذهب إليه، نشأت في عائلة النساء فيها قويات، كل نماذج النساء التي رأيتها وتربيت بينها كانت كذلك، جدتاي وأمي، وحتى اللاتي لم أعرفهن، أردت أن أقدم هذه المرأة في فني، وأنا منحازة إليها حتى في البورتريهات.

لوحة لهناء حجازي

تجربة شخصية

كتاب "مختلف، طفل الأسبرجر مختلف، ولكن ليس أقل" والذي حاز على جائزة الثقافة والإعلام للكتاب عام 2013، أهو كتاب لطبيبة، أم كتاب أدبي، بالصدفة كاتبته مهنتها الطب؟

هو كتاب رحلة أم في اكتشاف حالة ولدها، وصدف أن هذه الأم كاتبة وطبيبة. الكتابة كشف ونقل وتدوين وتعبير وفضح، الكتابة كل ذلك وأكثر، وقد وجدتني في حالة لا يمكن أن أتداوى سوى بالكتابة عنها، وهذا ما فعلته.

بعد هذه التجربة التي نتج عنها هذا الكتاب، هل يمكن أن تكون الكتابة محصلة تجربة حياتية، لا إبداعية فحسب، وإن أردنا تخصيصا أدق، ما هي ظروف الكتابة؟

هناك تصنيفات كثيرة للنوع الذي يكتب فيه المبدع، كتبت تقريبا في كل الأنواع، القصة القصيرة، المقال، النص المفتوح، والسيرة، وهناك أيضا كتاب مختلف ينتمي للنوع الأخير، كان سيرة روائية، رويت سيرة تشخيص حالة ولدي، كما عشتها، قصتي الواقعية التي كتبتها بحس المبدع، فجاءت بهذه الطريقة، لهذا اليوم لا أعرف لماذا كتبتها بهذه الطريقة، من دون فواصل ولا تبويب، كأنها صرخة طويلة، ربما لو أعدت الكتابة لتغيرت الطريقة. لكنني كتبته والألم لا يزال طازجا والحيرة حية.

لوحة من أعمال هناء حجازي

دون مواربة

تقولين إن "ضوء النهار مهم للكتابة"، هل هو تأويل يعنى بالكشف عن الحقيقة، بمعنى الكتابة دون مواربة؟

أحببت هذا التفسير، وإن لم أفكر به من قبل، وأنا فعلا كذلك، أكتب دون مواربة، أكتب كما أنا في الواقع، صريحة، بسيطة، صادقة.

لا أطلب من القارئ أن يحزن أو ينفعل أو يشعر بالظلم، هو يفعل ذلك تلقائيا لأن الشخصية التي أكتبها تعيش ذلك دون أن تصرخ أو تبكي

في أغلب الأحيان لا يصدق الناس البساطة والصدق، لكن هذه طريقتي، في الكتابة وفي الحياة.

لوحة من أعمال هناء حجازي

هل يمكن تعميم ذلك على الكتابة الإبداعية كذلك، إلى أي مدى يمكن الذهاب في ذلك مع الحفاظ على رحيق الكتابة الإبداعية والخيال الذي تشتغل عليه؟

هذا ما قصدته بأن هذه طريقتي في الكتابة، كتبت ثلاث روايات، لا أعرف كيف أصف أسلوبي لكنه فعلا بسيط وعميق في الوقت ذاته، أغوص في أعماق الذات البشرية وأحاول أن أصف إحساسها دون الإغراق في استخدام عبارات رنانة أو قوية، أحب أن يشعر القارئ بمعاناة الشخصية التي أكتب عنها دون أن أدفعه إلى فعل ذلك، أي دون إملاء مني. لا أطلب من القارئ أن يحزن أو ينفعل أو يشعر بالظلم، هو يفعل ذلك تلقائيا لأن الشخصية التي أكتبها تعيش ذلك دون أن تصرخ أو تبكي. شخصياتي تحزن لكنها لا تتوسل التعاطف.

لك تجربة في الترجمة أيضا، قصص وكتب إنكليزية نقلتها للعربية، كيف كانت تلك التجربة؟

أحببت الترجمة وما زلت وإن كنت توقفت عن ممارستها، الترجمة تفتح لك أبوابا في فهم اللغة، ليست فقط لغة الآخر وإنما لغتك أنت أيضا، تكتشفين طرقا جديدة للتعبير والصياغة، فهي عالم بالغ الثراء والمتعة.

font change