شبكات دولية وعمليات منظمة... "المجلة" تفتح ملف تهريب الآثار في سوريا (2)

دور "داعش" وتنظيمات مسلحة في تدمير المواقع الأثرية ونهبها

مدينة ماري الأثرية، حاضرة وادي الفرات

شبكات دولية وعمليات منظمة... "المجلة" تفتح ملف تهريب الآثار في سوريا (2)

تعرضت المواقع الأثرية السورية المهمة التي تحكي قصة التاريخ السوري بكل تفاصيله، لحملة غير مسبوقة من التنقيب والنهب والتدمير المنظم، حيث كانت عمليات البحث عن الآثار تتم بطرق عشوائية، استخدمت فيها الجرافات، وكان المنقبون من بعض المدنيين، والمجموعات والتنظيمات المسلحة خلال فترة الحرب في سوريا، ومن تلك المجموعات تنظيم "داعش"، الذي سيطر على أهم منطقة أثرية في سورية، مدينة تدمر (عروس الصحراء السورية)، في عام 2015، وتعد الفوضى التي تعيشها المناطق السورية اليوم من أهم الأسباب التي جعلت التاريخ السوري عرضة للنهب والسرقة ومن ثم الضياع.

حارس المدينة القديمة... حلاج الآثار

مدينة تدمر، حيث المدرج الأثري، ومعبد بل، وأعمدة الشارع الطويل وأقواسه، ووادي القبور والمدافن الملكية. في تاريخ 13 مايو/ أيار عام 2015، اقتحم رتل من عربات الدفع الرباعي تحمل رايات تنظيم "داعش" الإرهابي ساحة المدرج الأثري، التي تحولت إلى مساحة لـ"إقامة الحد على الكفرة بقطع الرؤوس والأطراف". وسط رائحة الدم هذه, يستذكر وليد الأسعد، نجل عالم الآثار الثمانيني خالد الأسعد (1934-2015)، في حديثه الى "المجلة"، اعتقال والده الذي كان مديرا لمتاحف تدمر في الفترة ما بين 1963 و2003، ويعرف بحارس المدينة القديمة الذي رفض مغادرتها، ونجح في إنقاذ 400 تمثال وقطعة أثرية بعد سقوط المدينة، واضطر إلى اللجوء إلى قصر الحير الشرقي، إلا أنهم اعتقلوه وقطعوا رأسه، بعد أن رفض إخبارهم بمكان الكنوز الثمينة في المدينة، كما رفض أن يجثو على ركبتيه وخاطبهم قائلا "لا أموت إلا واقفا... نخلة تدمر لا تنحني". كان قرار الاتهام الملصق بالجثة المعلقة على عمود كهرباء، مدة ثلاثة أيام: مدير مؤسسة وثنية تعنى بجمع الأصنام". ويقول وليد الأسعد، مدير الآثار والمتاحف في مدينة تدمر في الفترة من 2003 حتى عام 2015، حول عملية اغتيال والده، "قام إرهابيو داعش بإعدام والدي بطريقة وحشية"، وعن دور أجهزة النظام السابق والقوات الروسية في عملية استشهاده، حتى يتمكنوا من نهب الكنوز الأثرية من تدمر، كونه كان حريصا على آثارها من النهب والسرقة، يجيب الأسعد: "أنا على قناعة تامة بأن نظام الأسد المجرم هو من أصدر قرار إعدام والدي، لأن داعش نفذ كل ما لم ينفذه النظام بنفسه".

ويكشف الأسعد "لدي الكثير من المعطيات التي عايشتها ولمستها ووصلت إلي كذلك من بعض الأشخاص الذين شهدوا الحادثة عيانا، وبعض الأشخاص الذين كانوا مع والدي في السجن خلال فترة اعتقاله"، وحسب رأي الأسعد، كل هذه المعطيات تدل على أن "النظام هو صاحب المصلحة الأولى بقتله تزامنا مع تدمير المدينة الأثرية".

أنا على قناعة تامة بأن نظام الأسد المجرم هو من أصدر قرار إعدام والدي، لأن "داعش" نفذ كل ما لم ينفذه النظام بنفسه

وليد الأسعد

ويعود الأسعد الى الحديث عن أهمية مدينة تدمر ومكانتها الفريدة على مستوى التراث العالمي بقوله "شكلت بالنسبة للنظام الساقط ورقة مهمة لعبها بشكل جيد واستفاد منها على مستويات عدة، مثلا: تدمير الآثار ونهبها علنا من قبل داعش وضع العالم المتقدم أمام خيارين إما القبول ببقاء نظام الأسد كحام للتراث الإنساني أو القبول بداعش".

الدكتور أنس الخابور، مدير متحف الرقة أثناء احتلال داعش لمدينة الرقة السورية

وعن إغلاق المنطقة الأثرية في تدمر وحصر الدخول إليها فقط للقوات الروسية بشكل خاص وللأجهزة الأمنية وميليشياتها الطائفية والحجة هي نزع الألغام، يرى الأسعد أن "الغاية هي إتاحة الفرصة للبحث عن الكنوز والآثار"، ويوضح أن "موظفي وزارة الثقافة والآثار منعوا من الدخول أو التصوير إلا بموافقة أمنية مسبقة ومرافقة مسلحة تحدد المسار والتوقيت المسموح وبقيت على سبيل المثل منطقة وادي القبور الغنية بالمدافن الأبراج محظورة على الجميع حتى سقوط النظام". 

الاعتداء على روح الشعب وهويته

وثقت جمعية حماية الآثار السورية أن أكثر من 800 معلم وموقع أثري تضررت أو دمرت بالكامل، نتيجة الحرب في سوريا، وكان المتطرفون فجروا كثيرا من المعالم الأثرية في مدينة تدمر، وبينها تمثال أسد اللات ومعبد بعل شمين.

وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2015، قام تنظيم "داعش" بتفجير أقواس النصر الأثرية في مدينة تدمر، التي تعود لألفي عام، وذلك بسبب وجود رموز ونقوش على تلك الأقواس. ويعد ذلك، بحسب اعتقاد "داعش"، من الشرك بالله، وفق عقيدة التنظيم الذي دمر تمثال أسد أثينا، الذي كان معروضا في مدخل المدينة.

تدمر

وعن تلك المرحلة المظلمة التي فقدت سوريا خلالها غالبية تراثها الثقافي والإنساني، يقول الأنثروبولوجي يوسف كنجو: "نعم، هي مرحلة سوداء في تاريخ سوريا، حيث سرقت ودمرت جميع المواقع الأثرية التي وقعت تحت سيطرة داعش خاصة في محافظة الرقة من خلال السماح لجماعات التنقيب السري بالعمل على نطاق واسع بالإضافة الى إقامة قواعد عسكرية في المواقع الأثرية، كما سرقت جميع محتويات متحف الرقة ومتحف تدمر الذي يحوي كنوزا أثرية لا تقدر بثمن مثل المومياءات الفريدة في سوريا".

ويشير الآثاري نظير عوض إلى أن "داعش" أقدم على "تدمير ممنهج للمدافن البرجية، ونبو واللات والحمامات، والمسرح". ويذهب الدكتور فاروق إسماعيل إلى أن "صعوبة نقل التماثيل الحجرية الضخمة للمتاجرة بها دفعت أفراد التنظيم إلى تحطيمها"، مضيفا أنه "كانت تستخدم آلات ثقيلة للإسراع في الكشف عن القطع الأثرية، كما حصل في تل عجاجة، ومؤزر، وسورة، وحمام، وشيخ حمد".

وعمد تنظيم "داعش" خلال سيطرته على مناطق واسعة في كل من العراق وسوريا اعتبارا من عام 2013، إلى تدمير وتخريب ممنهجين لقطاع الآثار، خصوصا في مدينة تدمر السورية، والموصل العراقية، وذلك لغناهما بالتراث الأثري المهم على الصعيد العالمي.

هي مرحلة سوداء في تاريخ سوريا، حيث سرقت ودمرت جميع المواقع الأثرية التي وقعت تحت سيطرة "داعش" خاصة في محافظة الرقة

وفي هذا السياق يروي أبو عرب وهو اسم مستعار لأحد سكان منطقة تل التنينير الأثرية، في شمال شرق سوريا، ممن لا يزالون يخشون تنظيم "داعش"، أن "التنظيم"، ومن خلال ما يسمى بأمير الآثار أبو الوفاء التونسي، الأمير المسؤول عن ورشات التنقيب عن الآثار التابعة لتنظيم "داعش"، أن التنقيب جرى في تل التنينير الأثري الواقع على الخاصرة الشرقية لنهر الجغجغ، حيث عثروا على لوحة جنائزية آشورية من حجر الرخام مؤلفة من قطعتين طولها 125 سنتمترا وعرضها متر واحد ووزنها نحو 300 كيلوغرام وهي عبارة عن نقش يمثل الملك حمورابي وزوجته ويقدر ثمنها بنحو خمسة ملايين دولار، هربت إلى خارج الأراضي السورية. بمساعدة المدعو أبو هاجر القريشي، عراقي يحمل الجنسية النروجية، وأبو محمد البحريني و أبو تراب الصحراوي، وهم من أعضاء تنظيم "داعش" العاملين في مجال الآثار وتهريبها. وقد شحنت تلك القطع الأثرية إلى مدينة الرقة ومنها إلى مدينة أورفا وهناك قام عراب الآثار أبو القاسم الزهراوي، من تنظيم "داعش" ببيعها إلى تجار الآثار الأجانب.

وتحدثت تقارير إخبارية في عام 2014، عن قيام أعضاء من تنظيم "داعش" بالتنقيب عن الآثار في تل عجاجة أحد أهم المواقع التاريخية الأشورية في شمال شرق سوريا، حيث اكتشفوا رأسين لتمثالين يعودان إلى الملك حمورابي، طول أحدهما 90 سنتمترا، ووزنه 80 كيلوغراما، ويقدر سعر الرأسين بنحو ثلاثة ملايين دولار.

الآثاري يوسف كنجو

وخلال سيطرة تنظيم "داعش" على مناطق واسعة من سوريا، استطاع أعضاؤه تخريب المواقع الأثرية خلال سنة واحدة، حيث أزالوا ما كان إخراجه من تلك المواقع يتطلب أكثر من خمسين عاما، فعملت جرافاتهم على تشويه صفحات تاريخ سورية الثقافي.

وينوه الباحث كنجو بأنه "لحسن الحظ لم يسيطر داعش على كل الأراضي السورية وإلا كنا قد خسرنا جميع المواقع الأثرية". يذكر أن كنوز سوريا الأثرية باتت جميعها مباحة أمام اللصوص وأمراء الحرب في مختلف المناطق السورية. بدوره يقول الباحث عدنان المحمد "كانت القطع الأثرية تخرج من أماكن سيطرة داعش، إلى تركيا، ثم تدخل مرة أخرى إلى الساحل السوري، ومن ثم إلى مناطق حزب الله، الذي يوصلها إلى جهات أخرى خارج سوريا من طريق شبكات حزب الله بالتعاون مع الإيرانيين".

ويلفت المحمد إلى أن مدينة تدمر "تأتي في المقدمة حيث كانت تسرق آثارها أيام النظام، وخلال أيام الثورة، وخلال سيطرة داعش، ثم أيام الإيرانيين، كانت عملية النهب مستمرة بشكل متواصل". وكان تنظيم "داعش" دخل على خط تهريب الآثار في سوريا (2014)، بهدف تأمين الأموال لشراء السلاح. وبحسب الدكتور فاروق إسماعيل "تميزت مرحلة سيطرة داعش على منطقة وادي الفرات ومحيطها سنة 2013 بأنها شهدت أعمال حفر في معظم المواقع الأثرية بشكل مخطط هادف إلى استخراج قطع أثرية وبيعها لتمويل عمليات التنظيم العسكرية. ونجح في تهريب وبيع كثير من القطع الأثرية خارج سوريا".

خلال سيطرة "داعش" على مناطق واسعة من سوريا، استطاع أعضاء التنظيم تخريب المواقع الأثرية خلال سنة واحدة، حيث أزالوا ما كان إخراجه من تلك المواقع يتطلب أكثر من خمسين عاما

يروي ياسر الشوحان أنه "تنظيم داعش فرض سيطرته على مئات المواقع الأثرية السورية، وأجبر الأهالي على التنقيب عن الآثار أو قام بتقديم التسهيلات لهم إن صح التعبير، وذلك مقابل منحهم نسبة من الأرباح"، ويوضح أن التنظيم "استعان بخبراء آثار ولصوص محترفين لتقييم القطع الأثرية، ومن ثم فرض الضرائب على عمليات التنقيب التي تتراوح بين 20-50% عن أي عملية تنقيب تتم داخل مناطقه، كما منح تصاريح حفر مقابل مبالغ مالية، مما جعل بعض السكان أنفسهم يشاركون في النهب وسرقة الآثار".

تأثير النزاع المسلح على المواقع الأثرية

بعد تراجع السلطة الأمنية أو خروج معظم المناطق من سيطرة النظام السابق، في نهاية عام 2012، نشطت عملية الاعتداء على المواقع الأثرية بشكل كبير ولكن بنسب متفاوتة، عدا تحول العديد من المواقع الأثرية إلى ساحات للمعارك التي أدت إلى إلحاق الضرر بمبان تاريخية وقلاع أثرية ومواقع موغلة في القدم نتيجة الاشتباكات العنيفة التي دارت فيها.

بدوره يشير الدكتور فاروق إسماعيل، إلى أن تمركز القوات العسكرية في المواقع الأثرية "أدى إلى تخريبها، فقد أنشأ تنظيم داعش وغيره من الفصائل المسلحة تحصينات عسكرية في عدد منها، كما في ماري السومرية القديمة وتل براك وتل الحمدي(الحميدية)، وغيرها. وقام بحفر أنفاق وخنادق، كما في تل البيعة قرب الرقة، وفي كثير من التلال الأثرية في محافظة الحسكة الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية".

الآثاري ياسر الشوحان، مدير متحف دير الزور سابقا

وكان موقع تل الحمدي الأثري، الذي يعود الى الحقبة الميتانية 1500 ق.م، حيث يقع في منتصف المسافة بين مدينة القامشلي والحسكة، على الضفة اليسرى لنهر الجغجغ، تعرض لخراب كبير، فضلا عن أعمال سرقة ونهب، وعاين معد هذا التحقيق، خلال زيارته لهذا المعلم، سواتر ترابية أنشأها في 2014 و2015، تنظيم "داعش"، ومن ثم "قوات سوريا الديمقراطية"، في أعلى قمة الموقع، حولته إلى منطقة عسكرية اعتبارا من عام 2015 ولغاية 2025، حيث تعرضت بعض الحفريات والبيوت القديمة المكتشفة إلى تدمير ممنهج، وسرقة جميع محتويات مقر البعثة الأثرية، وكذلك التنقيب عن الآثار من قبل الأهالي في وضح النهار.

ويؤكد الدكتور نظير عوض أن "العديد من أطراف الصراع في سوريا شاركت في أعمال التنقيب غير الشرعية عن الآثار، وخصوصا في تدمر، حيث ساعدت جهات محسوبة عليها من المدنيين بالتنقيب عن الآثار والاتجار بها". ويبين الآثاري ياسر الشوحان أن التقارير الخاصة بالمديرية العامة للآثار والمتاحف السورية، ذكرت أن "أكثر من 700 انتهاك بحق المواقع الأثرية بدير الزور وحدها بين أبريل/نيسان 2011 وأبريل/نيسان 2013"، مضيفا أنها تضمنت "الاعتداء على محيط المواقع الأثرية، وتنقيبات سرية، وسرقة منازل البعثات الأثرية، واستخدام الآليات الثقيلة، وتجريف مواقع أثرية، حفريات، فيما زادت التجاوزات والتعديات على الآثار على ثلاثة آلاف تجاوز حتى نهاية عام 2015 في محافظة دير الزور وحدها"، ويلفت إلى أنه "أصبح من الصعب جدا حصر الأضرار والتجاوزات بعد هذا التاريخ بشكل فعلي".

الحرب دمرت بنية كبيرة من آثار سوريا، وخسرت البلاد مواقع أثرية بشكل كامل، وهناك مدن وقرى أثرية في شمال غرب سوريا، اختفت بكاملها

في حين يعتقد الباحث عدنان المحمد أن "النزاع المسلح فتح للمجموعات المسلحة جميع الطرق والحواجز، حسب ما تريد، فدخول القطع الأثرية إلى تركيا كان سهلا، كما إلى لبنان عبر السيارات المحملة بالقطع الأثرية"، ويلفت المحمد إلى أن الحرب دمرت بنية كبيرة من آثار سوريا، مؤكدا أن "سوريا خسرت مواقع أثرية بشكل كامل، وهناك مدن وقرى أثرية في شمال غرب سوريا، اختفت بكاملها، وهناك قسم آخر سائر نحو الاختفاء بنسبة 50%، وهناك مواقع مثل دورا أوروبوس، في بادية الشام، نهبت بالكامل، وتضررت بالقصف، وتعيش حاليا حالة مأسوية، حيث فقدت آلاف القطع الأثرية من طريق النهب، كما في موقع أفاميا، وهي من أغنى المناطق السورية باللوحات الفسيفسائية، والنبي هوري، وفي إدلب هناك تلال أثرية تعرضت للنهب بواسطة الجرافات". ويصف المحمد قصف النظام للمواقع الأثرية بقوله "قام بقصف المدن القديمة بشكل عام، بالبراميل والمدفعية والطائرات، مثل قصف قاعة فخر الدين المعني الثاني وتدمير جدرانها، واستخدم مدينة تدمر كموقع عسكري، كما استخدم مدرج مدينة بصرى الشام في درعا كموقع عسكري، التي تعد من أقدم مدن المناطق الجنوبية، وتحوي عددا كبيرا من المعالم التاريخية الرومانية والبيزنطية والإسلامية، وقصف المسرح والجامع العمري، ومرقد خال بن الوليد، ودمر المدينة القديمة في حلب بنسبة 50% وفي محيط قلعة حلب دمرت عدة مواقع أثرية مهمة مثل انهيار السور الرئيسي للقلعة".

بدوره يؤكد الآثاري ومدير الآثار والمتاحف بحلب (سابقا) يوسف كنجو أثر النزاع المسلح على المجتمع السوري وعلى المواقع الأثرية، حيث فقدت سوريا قسما كبيرا منها ولن يعود، سواء بسبب التدمير أو السرقة.

الآثاري عدنان المحمد

ويبدو كنجو متشائما فيقول: "لا يمكن إعادة الآثار المدمرة إلى الحياة مهما كانت التقنيات المستخدمة كما أن الآثار المسروقة لا يمكن أن تعاد لعدم توفر الأدلة القانونية الكافية".

الإطار القانوني لحماية التراث المحلي

وحول القوانين الخاصة بحماية الآثار في سوريا من التجاوزات، يؤكد عدنان المحمد أن السلطات الأثرية لديها صلاحيات واسعة للتدخل في حماية المواقع الأثرية، أما بالنسبة للقوانين الدولية، فإن سوريا "وقعت كل القوانين الدولية، التي تحمي المواقع الأثرية من التنقيب والسرقة"، ويتدارك المحمد "للأسف، لم تلتزم بتلك القوانين، لا الحكومة، ولا قطاعات من الشعب".

ويضيف "القوانين، بالنسبة للآثار، تطبق على الفقراء، ويستثنمى المسؤولون والنافذون". في المقابل، يبين يوسف كنجو أن الإطار القانوني موجود سواء قانون الآثار الصادر لعام 1963 وتعديلاته أو القوانين الدولية التي تحمي الآثار السورية من التعديات. وبحسب عدنان المحمد "ذلك يحتاج إلى وجود رجل قوي، في وزارة الثقافة، ومديرية الآثار والمتاحف، يستطيع فرض القوانين الخاصة بالنسبة لقطاع الآثار والمتاحف".

لا معلومات عن الآثار المهربة من سوريا خلال سنوات الحرب، من أجل إعداد قائمة حمراء تتضمن تلك الآثار لعرضها على الجهات المختصة دوليا من أجل استعادتها

وعن أهمية الوعي بقيمة التراث الحضاري السوري، لدى قسم من المجتمع السوري، يرى الباحث كنجو  أن "هناك نقصا في أهمية ما يثمله هذ التراث بالنسبة للهوية والتاريخ والثقافة السورية".

وبدوره يشدد الباحث فاروق إسماعيل على أنه "يجب البدء بالعمل على استعادة القطع الأثرية المهربة إلى خارج سوريا، سواء الموجودة منذ زمن بعيد أو التي سرقت في السنوات الأخيرة"، ويؤكد أن ذلك يعد حقا قانونيا منصوصا عليه في المواثيق الدولية.

خطة حماية المواقع الأثرية

هيّأت الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي مرت بها البلاد المناخ المناسب لنمو حالات الاتجار والتهريب المنظم، وهذا شجع الأفراد أيضا على المزيد من الصراعات بهدف السيطرة على طرق التهريب أو السمسرة. ومن أجل حماية قطاع الآثار في سوريا عموما، وسعيا للحفاظ على التراث وحمايته، حسب رأي يوسف كنجو، فإن "الخطة هي التعاون بين المجتمع المحلي والسلطات الأثرية في المستوى الأول. وفي المستوى الثاني التعاون بين السلطات الأثرية والجهات الأمنية، وفي المستوى الثالث التعاون ما بين السلطات الأثرية والإدارة المحلية ممثلة بالمحافظة والبلديات السورية". ويحذر كنجو من أنه دون التعاون في الحماية "لن نتمكن من الحفاظ على ما تبقى من تراثنا، وعلى العكس سيدمر ما لم تدمره الحرب سواء أثناء أعمال الترميم أو التنقيب السري". ويؤكد: "يجب أن تكون هناك خطط جدية، وقوانين جديدة صارمة، من أجل حماية قطاع الآثار في سوريا".

تدمر

ويختم البروفسور فاروق إسماعيل حديثه قائلا: "لا شك أن الحرب خلقت واقعا جديدا في معظم جوانب الحياة السورية، وسيحتاج تصحيحه جهودا جبارة وزمنا طويلا لخلق وضع أفضل. وهو واجب وطني يتطلب تضافر جهود أبناء الشعب في ظل سياسة تنموية منهجية، وضمن إطار خطة مستقبلية واضحة تضعها الحكومة".

ويقول الدكتور عبد الرزاق معاذ، الباحث في الآثار والتاريخ: "هناك محاولات دولية، لإنشاء قائمة حمراء للجمارك خاصة بالقطع الأثرية السورية التي سرقت وهربت خارج البلاد" 

وحول نية الحكومة السورية تتبع القطع الأثرية المهربة إلى الخارج، من خلال تنظيم قائمة حمراء خاصة بالآثار السورية، المهربة، كان للدكتور محمد نظير عوض، مدير الآثار والمتاحف بسورية، رأي أخر حيث يؤكد "لا معلومات لدينا عن الآثار المهربة من سوريا خلال سنوات الحرب (2011-2024)، من أجل إعداد قائمة حمراء تتضمن تلك الآثار، لعرضها على الجهات المختصة دوليا من أجل استعادتها".

في حين يقول أنس الخابور، مدير متحف الرقة "إن القطع المسروقة من المتاحف سهل تعقبها واسترجاعها، نظرا لوجود توثيق وصور ووثائق مرتبطة بها"، ويلفت إلى أن التحدي الأكبر "يكمن في القطع المنهوبة من خلال التنقيب غير المشروع"، ويختم حديثه قائلا "إن تلك القطع تفتقر إلى وثائق تثبت مرجعيتها وتاريخها الزمني والمكاني، ويصبح من الصعب جدا المطالبة بها حتى لو ظهرت في السوق السوداء وحددت مرجعيتها بشكل تقريبي".

font change

مقالات ذات صلة