هل تستعيد دار الأوبرا المصرية مكانتها الإقليمية؟

هل تستعيد دار الأوبرا المصرية مكانتها الإقليمية؟

[caption id="attachment_55234816" align="aligncenter" width="620" caption="عايدة تعود الى القاهرة"]عايدة تعود الى القاهرة[/caption]

لا توجد دولة أخرى في الشرق الأوسط لديها دار أوبرا ذات تاريخ يمتد إلى قرن ونصف القرن كما في مصر. فقد أنشئت دار الأوبرا الخديوية أو الملكية في عام 1869 احتفالا بافتتاح قناة السويس. واشتهرت بأنها مهد أوبرا عايدة ومحل استضافة عشرات من الموسيقيين والمغنين والعروض الشهيرة، كما نالت روعتها المعمارية ومعداتها الصوتية الفريدة، الثناء، ولكن احترق المبنى في عام 1971. وفي عام 1988، تم افتتاح مبنى دار الأوبرا المصرية الحديث كهدية مقدمة من شعب اليابان.

تراجع حاد


على مدار أعوام عديدة ظلت دار الأوبرا الجديدة مكانا رائعا للعديد من المشروعات الفنية، في حين برعت فرق الأوركسترا والبالية والأوبرا التابعة لها على الساحتين الإقليمية والدولية. ولكن مرت الأعوام، وبدأت دار الأوبرا في التأثر، بصورة مباشرة، بمنظومة الفساد المتفشية في البلد، وما تعلق بها من تشويه للقيم الفنية.

في مطلع القرن الحادي والعشرين، تولت رئاسة الدار، شخصية عسكرية وهو اللواء سمير فرج. وفي تراجع حاد للأولويات الفنية اشتعلت صراعات داخلية، وبدأت حالات التلاعب سواء على المستوى الفني أو المالي. وفي عام 2004، غادر سمير فرج الأوبرا ليتولى رئاسة مدينة الأقصر (وهو المنصب الذي أقيل منه عام 2011 بسبب مزاعم بتورطه في الفساد). وتولى عبد المنعم كامل، قائد فرقة الباليه في دار الأوبرا المصرية، منصب رئيس الأوبرا الجديد.

[caption id="attachment_55234815" align="alignleft" width="240" caption="الأوبرا وقد عاد لها وهجها"]الأوبرا وقد عاد لها وهجها[/caption]

في ظل وجود رئيس فنان، ارتفعت الطموحات بأن تجد المؤسسة تعريفا فنيا جديدا. ولكن على الرغم من أن كامل قرر خلال الأعوام الماضية، تقديم العديد من الأعمال الفنية المهمة، فإن نجاح تلك العروض توارى أمام أولويات مثيرة للتساؤلات واستياء متزايد داخل الأوبرا ذاتها.
كان من المعقول أن تقف ثورة الخامس والعشرين من يناير (كانون الثاني) كعامل رئيسي لدفع مئات من العاملين إلى اتهام إدارة الأوبرا بالإهمال والفساد. وألقت مظاهرة نظمت في منتصف فبراير (شباط) 2011 الضوء على العديد من القضايا المثيرة للغضب، من بينها التوزيع غير العادل للمكافآت التي تتراوح بين عشرات وآلاف الجنيهات المصرية.
كما شعر عدد من فناني فرق الأوبرا المصرية بالغضب، بسبب عدم قدرتهم على التطور الفني.

شكاوى وفساد


وبمجرد أن تم إخماد الاحتجاجات بعد إجراء تعديلات ثانوية وتقديم الوعود، اشتعلت سلسلة من الاعتصامات في دار الأوبرا بالإسكندرية، والتي تخضع لإدارة الأوبرا في القاهرة. من جانبهم قدم العاملون في أوبرا الإسكندرية مطالبهم تتقدمها قائمة طويلة من الشكاوى تتعلق معظمها بالجوانب المالية، بالإضافة إلى أوضاع العمل المزرية مثل قلة عدد المقاعد المخصصة للموظفين الإداريين.
وهكذا ظهر العديد من أوجه القصور في إدارة الأوبرا إلى السطح أمام الجمهور. وأصاب غياب الحملات الإعلانية والعلاقات العامة الهزيلة، كلا من الجمهور والفنانين بالإحباط. وفي الوقت ذاته كشفت مصادر في دار الأوبرا بالقاهرة أن مسؤولي التسويق والعلاقات العامة من بين المستفيدين من المكافآت الباهظة.

وأخيرا اتخذت الخطوة الأولى المهمة في محاربة الفساد في ديسمبر (كانون الأول) عام 2011، عندما قدم وزير الثقافة شاكر عبد الحميد مستندات تثبت حالات الفساد داخل دار الأوبرا المصرية إلى جهات التحقيق. ولم يتم الكشف عن التفاصيل المتعلقة بتلك المستندات، ولكن نعلم أن فترة رئاسة عبد المنعم كامل لدار الأوبرا انتهت في فبراير 2012، وفي بداية شهر مارس (آذار)، منعته السلطات المصرية من السفر من مطار القاهرة، عندما كان يحاول مغادرة البلاد متحديا قرار النائب العام بحظر سفره.
لم يتوقف الفساد الذي لحق بدار الأوبرا المصرية عند المشاكل المالية فحسب، فعلى مدار الأعوام نشأت شبكة قوية من المصالح المالية بين المستفيدين المباشرين وأطراف رئيسية ضالعة في الفساد. كما تحذر مصادر داخل الأوبرا من وجود فساد فني ذي خطورة مماثلة.

[caption id="attachment_55234814" align="alignright" width="298" caption="دار الأوبرا المصرية"]دار الأوبرا المصرية[/caption]

استبعاد الشباب


لم يحصل العديد من المغنين والموسيقيين والمخرجين الشباب المعينين في الأوبرا على فرصة لممارسة فنهم. وكان الأمر واضحا أمام الجمهور حيث تؤدي الأسماء ذاتها العديد من الأدوار في الأوبرا. كذلك تقدمت أعمار هؤلاء الفنانين وأصبحوا غير قادرين على تقديم أداء متألق. على سبيل المثال استمر المخرجون أنفسهم في العمل على مسرح الأوبرا مرارا وتكرارا، مع استبعاد المخرجين الشباب الذين أحيانا ما يكونون أصحاب مواهب فائقة.

في ظل تراكم المشاكل المتعلقة بجميع قطاعات الأوبرا المصرية حاليا، تجد إيناس عبد الدايم، رئيسة الأوبرا الجديدة، الكثير من العمل في انتظارها. لقد أضيفت إلى أعوام من الفساد الداخلي وسوء الإدارة مشاكل جديدة مثل ميزانية الأوبرا التي تم تقليصها كثيرا.
من جانب آخر، فقدت الأوبرا بسبب الانشغال بالمشاكل الداخلية اتصالها مع العديد من فئات المجتمع المصري، وهي الحقيقة التي تثير القلق على نحو خاص، إذا كانت في مواجهة تزايد نفوذ الإسلاميين الذين أدلى بعضهم بتصريحات أثارت انزعاج الوسط الفني بأسره.

تبدو إيناس عبد الدايم، عازفة الفلوت ونائبة رئيس أكاديمية الفنون سابقا ومديرة فرقة أوركسترا القاهرة السيمفونية سابقا، على دراية بحاجتها إلى التواصل مع الجمهور وإيجاد وسيلة ناجحة للتقارب مع العديد من العقليات المتزمتة التي ربما لا ترحب بخططها النشطة من أجل التغيير، بالإضافة إلى عملها على استعادة قيم الأوبرا المنسية. وبعد مرور أسابيع قليلة على توليها المنصب، بدأت بالفعل في تنفيذ خطط مثيرة للإعجاب. ولكن ما زال الوقت هو الفيصل فيما إذا كان في إمكان دار الأوبرا المصرية استعادة مكانتها الفريدة على الساحة الفنية في الشرق الأوسط.
font change