من سبأ إلى شبه الجزيرة العربية.. إلى رويال أسكوت

من سبأ إلى شبه الجزيرة العربية.. إلى رويال أسكوت

[caption id="attachment_55236425" align="aligncenter" width="620"]الخيل.. معقود في نواصيها الخير الخيل.. معقود في نواصيها الخير[/caption]


تتصف شعوب وثقافات كاملة بالخيل ودورها المحوري في المجتمع في الحرب والسلام، وفي الأساطير والأدب. وإذا كان السفر أحد ملامح تعريف التطور الإنساني، كذلك يصبح تاريخ الخيل في جوهره تاريخا للحضارة، إذ يمثل قوة التغيير في الثقافات القديمة. تستمر الخيل العربية وسلالاتها الأصيلة في الفوز بالمسابقات العالمية التي تقام في الوقت الحالي.

يقام معرض «الخيل: من شبه الجزيرة العربية إلى رويال اسكوت» في المتحف البريطاني ويصاحبه صدور كتاب يحمل العنوان ذاته. تحل هذا العام الاحتفالات باليوبيل الماسي للملكة إليزابيث الثانية ملكة بريطانيا، ولا شك أنه تم تنظيم المعرض لأن الملكة تحب الخيول. إنها تحب ركوب الخيل وتربيتها كما تهتف لخيلها حتى تفوز بالعديد من مسابقات الفروسية.

يبرز المعرض تأثير الخيل في ثقافة العرب والشرق الأوسط بداية من تربيتها منذ عام 3500 قبل الميلاد إلى يومنا هذا، مع تذكارات أولمبية. تعرض قطعا شهيرة من المتحف البريطاني ومقتنيات سعودية هذا التاريخ القديم، مثل الخاتم الاسطواني للملك الفارسي الأخميني داريوس، بين عامي 522 و483 قبل الميلاد، ويظهر فيه الملك وهو يصطاد الأسود على ظهر عربة حربية. ربما تم تدريب الخيول البرية للاستعانة بها في أعمال أليفة في سهول واقعة جنوب روسيا، حيث وجدت الخيل في الشرق الأوسط في نحو عام 2500 قبل الميلاد.

تقول فرضية أخرى إن أصل الخيل العربية يرجع إلى مملكة سبأ «اليمن». في ظل ربط طرق تجارة اللبان بين معظم أنحاء الشرق الأوسط، حصل الملك سليمان (حكم من 970 إلى 931 ق.م) على خيل من ملكة سبأ وأعطى أحدها إلى بعض زائري عمان. وفي خلال سنوات قليلة أنجب الخيل 157 سليلا يشتهرون في جنوب شبه الجزيرة العربية. وفي الأعوام التالية تم تصدير أعداد لا حصر لها إلى الهند.

يحمل الجزء الثاني من المعرض عنوان «قبل الخيل»، ويعرض استخدام الحمير في النقل، وبخاصة في الأعمال الروتينية، حيث كانت تجر عربات ثقيلة ولكنها متقدمة. يظهر هذا المشهد الشهير على راية أور، وحلقة لجام فضية تحمل صورة حمار في مقبرة أور الملكية. ولكن أصبحت الخيل تدريجيا وسيلة للانتقال السريع في تلك المجتمعات الأولى، حيث كانت تجر العربات ويوضع عليها لجام برونزي مزخرف.

وبدأت قصة الحب التي نشأت بين الإنسان والخيل، وتطورت إلى الاحترام والإعجاب مع تزايد ركوب الخيل. من بين الصور الأولى التي تعرض الخيل وراكبه قالب تراكوتا عثر عليه في بلاد الرافدين (العراق) يرجع تاريخه إلى عامي 2000 - 1800 قبل الميلاد. وعثر على صور أخرى في مقبرة في المملكة الحديثة في مصر عام 1400 قبل الميلاد.
شكلت الخيل عنصرا حيويا في الحروب والصيد، مما انعكس بصورة خاصة على فن الدولة الآشورية القديمة (900 - 600 ق.م)، حيث توضح عدة الخيل المزخرفة مكانة الخيل والفارس وسائق العربة التي تجرها. ومن المعروف أن الفرس الأخمينيين استخدموا «خيل البريد» التي كانت تقطع الطرق الملكية من أجل توصيل الرسائل.


[caption id="attachment_55236427" align="alignleft" width="300"]رويال أسكوت.. عندما يعشق الانجليز الحصان العربي الأصيل رويال أسكوت.. عندما يعشق الانجليز الحصان العربي الأصيل[/caption]


في عصر البارثيين (200 ق.م. – 300 م)، كانت خيلهم مميزة حتى لدى أعدائهم من الرومان بفضل «الضربة البارثية». يطلق هذه الضربة المدمرة فارس يبدو متراجعا ولكنه يتحول ليطلق سهامه إلى الخلف. وتحتفي بفروسيتهم الشهيرة ألواح تراكوتا وأحزمة برونزية يضمها المعرض.


معقود في نواصيها الخير




منذ القرن السابع الميلادي، ظهر الاهتمام المتزايد بالخيل في العالم الإسلامي في أعمال رسم وخزف ومخطوطات فارسية وتركية وغربية ومغولية. لعبت الخيل العربية خفيفة الوزن سريعة الحركة دورا مؤثرا في الفتوحات الإسلامية إلى بلاد الصين شرقا وإسبانيا غربا.

جاء في القرآن الكريم قوله تعالى: زيّن للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب". وفي السيرة النبوية ما رواه النسائي عن أنس قال: لم يكن أحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد النساء من الخيل. وعن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "‏الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة".
تقدم مخطوطة رائعة يضمها المعرض تحمل عنوان «فروسية» (القرن 14 م) دليلا للفروسية. توضح المخطوطة معلومات حول العناية الملائمة بالخيل وأساليب الركوب المتقدمة والطريقة الصحيحة لحمل السلاح أثناء امتطاء الخيل والمناورات المدروسة في استعراض مهارات ركوب الخيل.

حمل الفرس المحبوب الشهير بسرعته وحيويته الأمراء والبدو أيضا. وشكلت الخيل جزءا مهما من الحياة البدوية التقليدية، إلى جانب الصيد بالصقور والكلاب. وحظيت خيل عربية معينة باحتفاء امتد عبر القرون بفضل جمالها وطبيعتها وشجاعتها وصلابتها. هناك قصة الفرس «الكحيلة» التي سرقت، وعندما أرسل مالكها البدوي ابنه وراء السارق دعا في سره ألا يلحق ابنه بحصانه الحبيب، مفضلا أن يفقدها على أن يعترف بأنه يمكن التغلب على سرعتها.
وصلت أول مجموعة من الخيل العربية إلى بريطانيا في القرن السابع عشر. وتم تزويج ثلاث منها مع فرس إنجليزي لإنتاج سلالة خيل إنجليزية شهيرة. وتشير اختبارات الحامض النووي (دي إن إيه) لخيل يدعى درالي أرابيان إلى أن 95 في المائة من الخيل الحديثة ناتجة عن هذا الخيل.

يبرز المعرض أيضا صورة لهذا الحصان رسمها جون ووتون (من عام 1704 إلى عام 1730). جدير بالذكر أنه عندما سحب نابليون جيشه من مصر، اصطحب معه 221 من الخيل و31 فرسا عربيا إلى فرنسا.
شهدت الخيول العربية تطورا من خلال التربية الانتقائية، ليصبح لديها الوجه المميز والأنف «المقعر» والذيل المرتفع. ساعدت الليدي آن بلنت (1837 - 1917)، التي أقامت في السعودية، على نقاء السلالة العربية وبدأت في توريدها إلى بريطانيا. وتضم التذكارات المشاركة في المعرض ألوانا مائية وصورا ومذكرات.

تولي معظم الدول العربية اهتماما كبيرا بتربية خيلها وتنظيم مسابقاتها، تكريما لما ترمز إليه من تراث وثقافة. وأقيمت إسطبلات لتربية الخيل يشبه تصميمها القصور أحيانا، وأكشاك مكيفة الهواء من أجل راحتها. يحظى أكثر من 100 خيل سباق مسجلة في الإمارات العربية المتحدة برعاية متخصصين وتدريب خبراء. ومن بين كبار مالكي الخيول العائلة الحاكمة في دبي وعلى رأسهم حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم.
يقدم المعرض حاليا رسوما ومطبوعات وتذكارات خاصة بفاعليات تتعلق بالفروسية تستحق التذكر مثل اسكوت، التي دائما ما تحضرها العائلة الملكية في بريطانيا، وذلك احتفاءً بالصلة البارزة التي تربط بين الخيول والبشر منذ آلاف السنين.

يقام معرض «الخيل: من شبه الجزيرة العربية إلى رويال اسكوت» في المتحف البريطاني من 24 مايو (أيار) إلى 30 سبتمبر (أيلول) 2012. الكتاب الصادر مع المعرض ويحمل الاسم ذاته من تأليف جون كورتيس ونيغيل تاليس احتفالا باليوبيل الملكي.
font change