الفيلم المسيء للرسول الكريم.. واستثارة كوامن التخلف

الفيلم المسيء للرسول الكريم.. واستثارة كوامن التخلف

[caption id="attachment_55238409" align="aligncenter" width="620"]غضب في القاهرة ومخاوف من فتنة طائفية غضب في القاهرة ومخاوف من فتنة طائفية [/caption]

تختلف الدول والأمم والحضارات في تعاملها مع ما يمكن أن يحرّك حساسياتها الدينية والحضارية والثقافية إن عبر التهجم عليها أو اختلاف تناول
تاريخها ومقدساتها سواءً في أعمالٍ فرديةٍ أم جماعيةٍ تستهدفها أو تستفزها.
الدول الغربية المتحضرة تعرف كيف تحتج وتتعامل مع ما يسيء لتاريخها وحضارتها وهي قادرةٌ على استيعابه عبر التركيز على إنجازاتها والمنافسة في نفس المجال.

أصدر ميل غيبسون فيلماً يتحدث عن ثائرٍ اسكتلندي مذكورٍ في التاريخ وهو عملٌ دراميٌ ضخمٌ حصد العديد من الجوائز وقد ذكر فيه عدداً من المعلومات غير الموثقة تاريخياً ولكنها مفيدةٌ درامياً، وكان مما ذكر فيه أن نسل العائلة المالكة البريطانية يأتي من صلب هذا الرجل، وهي دعوى ضخمةٌ في عملٍ ضخمٍ ورائجٍ، هذا في الأفلام، وقل مثله في الأعمال الإبداعية الأخرى، كالرواية والقصة ونحوها.
تتجاوز تلك الشعوب والأمم تلك الأعمال التي تعتبرها إساءةً، وتتجه هي للإبداع والخلق، وتنشغل بالإنتاجات الإبداعية الخاصة بها والتي تنطلق من الفعل لا ردة الفعل.

لقد خلقت بريطانيا رواياتٍ وأفلامٍ إبداعيةٍ شتى. رواية "سيّد الخواتم" مثلاً، وهي كانت من أكثر الروايات رواجاً منذ صدورها، وقد تمّ تحويلها لسلسلة أفلامٍ ثلاثيةٍ أكثر من رائعةٍ حصدت العديد من جوائز الأوسكار. مع أفلام سينمائية ناجحةٍ أخرى كسلسلة جيمس بوند ونحوها، وكذلك سلسلة روايات جي.كي. رولينغ المعروفة عالمياً باسم "هاري بوتر" التي تحوّلت لسلسلة أفلامٍ ناجحةٍ ومؤثرةٍ على مستوى العالم بأسره.
هذه مجرد نماذج سريعة من التعامل الإنجليزي مع الإساءات، والأمثلة في الأمم المتحضرة الأخرى أكثر من أن تحصى.

أما لدينا فلم تزل مثل تلك الأعمال المستفزّة تأخذنا ذات اليمين وذات الشمال، فتخلق الفتن وتنشر الدمار وتضرب الأمن وتراق فيها الدماء، ويتمّ شحن ردود الفعل بمواقف عقائدية صارمةٍ ترفع من قيمة العمل الذي يتمّ الاحتجاج عليه وتسوّقه.

كان آخر تلك الأعمال الفيلم السخيف جداً عن الرسول الكريم، وقد رأيت مقطعاً من ذلك الفيلم وهو بالفعل أسخف من أن يلتفت إليه، وصانعوه أشخاصٌ معتوهون بلا فكر ولا رؤية ولا إمكانيات إبداعية أو حتى إنتاجية، ولكنّه أقام الدنيا لدينا ولم يقعدها، ولم تزل ردة الفعل تتصاعد تخريباً وتدميراً وقتلاً.
ومن قبل كانت الرسوم الكاريكاتورية الدنماركية التي كان الموقف منها مماثلاً، مجرد تهييج وغضب عارمٍ وتخريبٍ يحمل من الحماقة ما لا يحمله من العقل.

ليست مثل هذه الأعمال الظاهرة الإساءة هي ما يهيّج بل بعض الأعمال الأدبية التي يشيع التيار المتطرف رؤيةً عنها بأنها مسيئةٌ تفعل الأمر عينه، فمثلاً رواية نجيب محفوظ "أولاد حارتنا" تسببت في محاولةٍ فاشلةٍ لاغتياله، والحملة ضدّ رواية "وليمة لأعشاب البحر" لحيدر حيدر ذهبت في التصعيد ذاته، وقل مثل هذا في ثلاثية تركي الحمد "أطياف الأزقة المهجورة" قوبلت بنفس الغضب الأعمى والتشويه والتصعيد وقد أفشلت محاولةٌ لاغتياله بسبب تلك الرواية، ومن قبل الموقف الإيراني الشهير تجاه رواية "آياتٌ شيطانية" التي أصدر الخميني فتوى بتكفير وقتل مؤلفها سلمان رشدي.

ما أعنيه هو أنه بسهولةٍ يمكن استثارة كوامن التخلف لدينا من طائفية ومذهبية وإثنية ونحوها، وأن بعض الأعمال السخيفة قادرةٌ على تهييج أسوأ الغرائز لدينا وتغييب العقل والفعل الإبداعي بنفس الدرجة وذلك بعكس الأمم المتحضرة المتعقلة والمنشغلة بالتنمية والإبداع والحضارة.
font change