الحركة الإسلامية في الأردن.. بين الخلافات الداخلية وقيادتها للمعارضة

الحركة الإسلامية في الأردن.. بين الخلافات الداخلية وقيادتها للمعارضة


[caption id="attachment_55240818" align="aligncenter" width="620"]تحديات كبيرة أمام حكومة عبدالله النسور تحديات كبيرة أمام حكومة عبدالله النسور[/caption]



جوهر الصراع داخل الحركة الإسلامية ظهر في مبادرة اطلقتها قيادات من تيار الاعتدال في الحركة مؤخرا، اطلق عليها "مبادرة زمزم" تهدف إلى تشكيل إطار سياسي برامجي جديد، الا أن قيادة جماعة الإخوان المسلمين، اعتبرت "مبادرة زمزم" عملا ضد الجماعة، وطالبت أعضاء الإخوان المسلمين بعدم التعامل أو التعاطي مع هذه المبادرة، بل وطالبت من القيادات الإسلامية المشتركة فيها بالتراجع عن الفكرة وتقديم إيضاحات عنها.
في حين يرى القيادي في الحركة الاسلامية الدكتور رحيل الغرايبة، أحد القائمين على المبادرة والناطق باسمها أن المبادرة الأردنية للبناء (زمزم) هي ثمرة تفكير من مجموعة من الشخصيات الأردنية والوطنية، مبيناً أن معظم هذه الشخصيات من الحركة الإسلامية.

وأكد في تصريح لـ"المجلة" أنهم ليسوا منشقين عن الحركة الإسلامية "ونحن مع الخط الإصلاحي لها، ولسنا مناقضين للمبادئ العامة لجماعة الإخوان المسلمين، وإنما نهدف إلى توفير مظلة لكل الذين يريدون خدمة الوطن، وليسوا أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين".

وقال: "هناك اجماع على وجود أزمة سياسية وانسداد في الأفق السياسي، اضافة الى وجود أزمة اقتصادية خانقة وتوتر اجتماعي احيانا"، وهو ما دفعهم لإطلاق هذه المبادرة.
وشدد الغرايبة على أن المبادرة ليست ردة فعل على قرار جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسية حزب جبهة العمل الاسلامي، مقاطعة الانتخابات النيابية التي ستجري في الثالث والعشرين من الشهر المقبل، ولكنها تعبر عن نظرة سياسية واستراتيجية بعيدة المدى للوضع في الأردن، لذلك مسألة الانتخابات ليست مطروحة على جدول أعمال القائمين على المبادرة.

وأضاف أن أعضاء المبادرة يبتعدون فيها عن الخلافات التي تدور داخل الحركة الإسلامية.

وأشار إلى أن هذه المبادرة «هي في طور الانضاج والتأسيس، لافتاً إلى أن هيئة مؤقتة شكلت لتكون مهمتها تشكيل اللجان المختلفة، بما في ذلك تحديد آلية العضوية في المبادرة». مؤكداً أنها «ستكون أكبر من الحزب السياسي".
رئيس مجلس شورى حزب جبهة العمل الاسلامي المهندس علي أبو السكر يرفض فكرة أن "مبادرة زمزم" ستؤثر على دور الحركة الاسلامية، كون القائمين على المبادرة أعلنوا أنهم لن ينشقوا عن جماعة الإخوان المسلمين، اضافة إلى أن أعدادهم ليست بالحجم الكبير، الذي يمكن أن يؤثر على مسار وخط الإسلاميين في الأردن.



[caption id="attachment_55240812" align="alignleft" width="190"]رحيل الغرايبة رحيل الغرايبة[/caption]


وأكد أبو السكر وهو نائب سابق أن وجود الحركة الاسلامية لا يقتصر على البرلمان، مشيرا الى وجود منابر كثيرة لهم من أجل مواصلة مطالبهم بالاصلاح.
وقال "سنستمر في مطالبنا بالإصلاح السياسي عبر التحركات والحراكات الشعبية في الشارع والفعاليات الميدانية، والمطالب السياسية، اضافة الى الحوارات".

واضاف أن هناك فرصة تاريخية للأردن لإحداث إصلاح سياسي حقيقي، مشيرا إلى أنه لا يوجد في الأردن لغاية اليوم إصلاح، بل إن ما جرى هي عبارة عن إصلاحات شكلية.

وشدد أبو السكر على أن الانتخابات النيابية ستعمق الأزمة السياسية في الأردن وتزيدها، وتفتح أبوابا كثيرة لتأزيم المشهد السياسي، وانها ستنتج نفس المنظومة السياسية الموجوده حاليا.
ورغم نفي قيادات الحركة الإسلامية أن المبادرة ستؤثر على الجماعة، الا أن هناك من يرى أنها ستؤثر على دورها، وهو ما يؤكده نائب رئيس تحرير صحيفة "العرب اليوم" اليومية أسامة الرنتيسي.

ويقول الرنتيسي إنها ستؤثر على دور الحركة الإسلامية، لأن القائمين عليها هم من قيادة تيار الاعتدال في الجماعة، بل إنها محاولة انقسام جديدة.
ويعتبر الرنتيسي أن "توقيت المبادرة خطير، ويعكس أزمة داخل الحركة الإسلامية".
وأضاف منتقدا إياها "المضمون يتحدث عن إطار وطني أوسع، علما أن الجماعة انخرطت في المبادرات الجامعة مع القوى الأخرى، وباتت منخرطة في الهم الأردني الداخلي بشكل غير مسبوق".
ما يميز الإسلاميين في الأردن أنهم القوة المنظمة الكبرى في الشارع، وأن حزب جبهة العمل الإسلامي الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين هو الحزب الأكبر في الساحة السياسية الأردنية، كما أن الإسلاميين هم من يقود أحزاب المعارضة الأردنية منذ سنوات طويلة، بل إن غالبية أحزاب المعارضة، بما فيها اليسارية والقومية، أعلنت مقاطعتها للانتخابات النيابية عقب قرار الحكومة رفع الدعم عن المشتقات النفطية.

ويأخذ الصراع المتجدد بين السلطة و"الإخوان" ـ الذي بدأ فعليا منذ عام 1993 حين وضعت الحكومة قانون انتخاب عرف بـ"قانون الصوت الواحد" للحد من نفوذ "الجماعة" داخل البرلمان، فضلا عن تداعيات إغلاق مكتب حركة حماس وطرد قيادتها خارج المملكة ـ منحى جديدا في هذه الجولة، إذ ترى السلطة أن إفرازات "الربيع العربي" التي رفعت الإسلاميين إلى سدة الحكم في دول عربية، فتحت شهية إخوان الأردن للسلطة.
فمنذ تأسيس جماعة الإخوان المسلمين في الأردن عام 1945، مرت العلاقة بين جماعة الإخوان والدولة الأردنية، بتحولات عدة، كانت سمتها العامة المشاركة ودعم توجهات الحكم، بيد أنهم اليوم يريدون الشراكة في الحكم، والدخول إلى عمق الدستور لتعديل المواد التي تمس صلاحيات الملك، فيما يسميه قياديوهم «تغيير بنية النظام»، بما يثير حفيظة القوى التقليدية، التي ترى في صلاحيات الملك ضمانا للبلد، ووسيلة لحفظ تمثيلها في مراتب الدولة، مقابل الولاء الثابت للنظام والثبات عليه.

المحطة الأخرى في التحول السياسي في مسار التجربة الإسلامية كانت عام 1993، عندما تقدمت الحركة الإسلامية للانتخابات باسم حزب جبهة العمل الإسلامي، رغم قانون الصوت الواحد ومحاولة الحكومة الحد من حضورها. وقد عبر المراقب العام للحركة آنذاك محمد عبد الرحمن خليفة عن أن المشاركة جاءت استجابة لنداء الملك الحسين في الحفاظ على البلد واستقراره، وهذا ما يعكس طبيعة الود في العلاقة السياسية آنذاك بين الحركة والملك أو النظام، وقد نجح منها 17 نائبا.



المنعطف





وفي عام 1997 دخلت الحركة منعطفاً جديدا، عندما قاطعت الانتخابات التي جرت لانتخاب أعضاء المجلس الثالث عشر، وتقدمت للانتخابات بصفة مستقلة مجموعة من الإسلاميين، وأدت هذه المقاطعة إلى تفاعلات سياسية وتنظيمية لم تتوقف بعد، كما كشفت عن تداعيات وآثار هي أعقد بكثير من أسباب المقاطعة والبيئة المحيطة بها مباشرة، فقد تبين بوضوح ضعف تمثيل الأردنيين من أصل فلسطيني في البرلمان، حيث جعلته هذه المقاطعة بلا تمثيل كاف يعبر عن تطلعاته ومطالبه.

[caption id="attachment_55240810" align="alignleft" width="180"]علي أبو السكر علي أبو السكر [/caption]

ومع بداية "الربيع العربي"، خرجت الحراكات الاحتجاجية الى الشارع، وبدأت المطالبات تتسع شيئا فشيئا إلا أن الحركة الاسلامية حافظت على شعارها الرئيس بأن الشعب يريد إصلاح النظام، معتبرة أن الخطوات ومسار الإصلاح الذي انتهجته السلطة من تعديلات دستورية، وتأسيس هيئة مستقلة للانتخابات ومحكمة دستورية، غير كافية، لأن مطلبها الرئيس لم يتحقق وهو تعديل قانون الانتخاب، ليكون أكثر تمثيلا للمجتمع من خلال مغادرة نظام الصوت الواحد، وإحداث تعديل دستوري يقييد صلاحيات الملك، بحيث ينص صراحة على أن يكلف الملك زعيم الكتلة الأكبر في مجلس النواب بتشكيل الحكومة.

وعلى الرغم من مشاركة بعض شبان إسلاميين في ترديد شعار "إسقاط النظام" إلى جانب شبان في الحراك الشبابي، بعد قرار رفع أسعار المحروقات، إلا أن مجلس شورى الجماعة "أعلى هيئة قيادية" رفض شعار إسقاط النظام وأصر على الاستمرار في شعار "إصلاح النظام" الذي تبنته الجماعة منذ بداية الحراك الأردني قبل نحو عامين.
وخلص شورى الاخوان بعد نقاش طويل، إلى الإبقاء على سياسة الجماعة الحالية المتعلقة برفع شعار "إصلاح النظام" وعدم الانتقال لأي شعار آخر، باعتبار أن شعار "إسقاط النظام" رفع بشكل انفعالي من الشارع، ولم يكن مدروسا، وجاء كردة فعل على قرار رفع الأسعار.

في المقابل لخص رئيس وزراء الأردن الدكتور عبد الله النسور، في تصريحات أدلى بها أثناء الاحتجاجات العلاقة بين النظام والجماعة بقوله "نحن وجماعة الإخوان المسلمين «متعودين على بعض»، فالجماعة في الأردن عمرها 60 سنة، ولم يتوقف حضور الإخوان المسلمين منذ عام 1952، بل إن بواكيرها بدأت في الأردن عام 1945 بدون أي انقطاع، وكان الإخوان المسلمون في ذلك الوقت وما زالوا رفاق درب. والإخوان المسلمون في الأردن جزء من النظام هكذا اقول انا، والبعض منهم لا يحب هذا التعبير، لكنهم جزء من النظام، وهؤلاء الخيرون شاركوا في الانتخابات في الخمسينات وفي الثمانينات وفي التسعينات، وكانوا وزراء وأعيانا وسفراء ومديرين ولا يزالون، فالإخوان المسلمون جزء من النظام السياسي الاردني، اذا عرفت النظام بمعناه الواسع انه الحكومة والبرلمان والاعلام والاحزاب، اذا هذا هو النظام، فالإخوان المسلمون جزء من النظام".

ويضيف "نحن نعترف بهم كشيء من لوازم النظام وضروراته، لأن البديل عن الحركة الاسلامية هو أحزاب سياسية إسلامية سرية تنحو الى التطرف، وبالتالي ستكون شرسة وقاسية، ولذلك فنجاح النظام السياسي الأردني منذ الاربعينات من القرن الماضي حتى اليوم، ان يكون حاضنا للفكر والرأي الاسلامي كجزء من منظومة النظام، وهذا يسجل للدولة الأردنية ويكفي أن تاريخ الحركة في الأردن هو تاريخ شراكة ليس فيه تنكيل، وليس فيه اضطهاد أو تشريد أو نفي.
font change