كيف يمكن فهم مستقبل الإخوان المسلمين والإسلام السياسي في 2014؟

كيف يمكن فهم مستقبل الإخوان المسلمين والإسلام السياسي في 2014؟

[caption id="attachment_55249106" align="aligncenter" width="621"]تعامل «الإخوان» مع المجتمع بخليط من الوصاية والاستهانة والثقة المفرطة ليضيعوا فرصة تاريخية للبقاء في الحكم تعامل «الإخوان» مع المجتمع بخليط من الوصاية والاستهانة والثقة المفرطة ليضيعوا فرصة تاريخية للبقاء في الحكم [/caption]

الإقرار بهذه الحقيقة لا يتعارض - في تقديري - مع حقيقة أن الفشل الذي حدث على يد من أعطاهم الربيع العربي فرصة أن يحققوا طموحهم السياسي كان أكبر بكثير من المعيقات، وأن من انتدب نفسه لحمل المسؤولية يظل مسؤولا بالقدر الأكبر عن الثمار حتى لو كانت العيوب التي شابت أداءه شائعة في مجتمع السياسة كله، فلا معنى لأن نحاسب أي تيار سياسي لم يصل إلى السلطة - قوميين أو ليبراليين أو يساريين - لعلمنا بأن منطقه في التفكير هو نفسه منطق من سعى للسلطة وأمسك بزمامها، فـ«الإخوان» يدفعون - في المقام الأول - ثمن لهفة على السلطة، لم تكن أبدا مبررة لا أخلاقيا ولا منطقيا ولا... وها هم يدفعون وحدهم فاتورة عدة عقود، لأنهم اختاروا أن يتصدوا منفردين لإطفاء الحريق.


والحبل بألف!




جاءت ثورة 25 يناير في مصر والمعطيات جميعا تشير بقوة إلى ضعف شامل في مجتمع السياسة غير الرسمي «النخبة» في لحظة فراغ سلطة، لكن هذه السلطة كانت وجها واحدا للعملة، إذ كانت هناك «البنية التحتية» للنظام السياسي من جماعات المصالح والقوى المجتمعية والفئات المختلفة، الراغبة في الإبقاء إما على مصالح وإما على علاقات قوة سائدة تمس امتيازاتها، وهذه القوى كان تقدير «الإخوان» لقوتها أقل بكثير مما ينبغي. وهذا التقدير، المصاب بآفتي الاستهانة والتبسيط، كانت تشاركهم فيه قوى سياسية أخرى، لكنهم تحملوا وحدهم نتيجة الارتكان عندما حكموا البلاد استنادا إلى هذا التقدير. وخلال سنوات حكم مبارك الأخيرة، كانت حوارات تنتهي بعبارات متشابهة مثل: «مشكلة مصر في مبارك، وبعده يمكن حل مشاكل مصر في عام واحد»!!


[inset_left]
ذهب «الإخوان» إلى السلطة وأيديهم مقيدة بما يمكن أن نسميه «الشرط المانع»، وهو ثمرة متوقعة لاختيارات دعوية وثقافية واجتماعية وثقافية وسياسية[/inset_left]



وهذا التصور «الآلي» التبسيطي لفكرة النهوض نتاج ثقافة عامة لا يمكن تحميل «الإخوان» مسؤولية وجودها، لكنه في الوقت نفسه أكثر ظهورا في خطاب الجماعة وممارساتها السياسية، ربما بسبب خلط قديم في ثقافتها بين عالمي: الغيب والشهادة، وقناعة - كانت تتعاظم بشكل ملحوظ - بأن الجماعة «أعزها الله بعز الدعوة» وكأنه «اختيار إلهي»، بينما هو في الحقيقة «اختبار إلهي»، والفرق بين التعبير إملائيا حرف واحد، لكن المسافة بين معنى كل منهما كالمسافة بين المشرقين.
وإلى جانب التقدير المستهين بمشكلات مصر المشار إليه سلفا، كانت الجماعة تدفع ثمن عزوف قاتل عن الاستعانة بـ«منتجي الأفكار»، وربما لو كان لديها رصيد كاف منهم لكانت انطلقت من فهم أكثر عمقا ووضوحا ودقة لمفاهيم مثل: الدولة، الأمن القومي، العلاقات المدنية - العسكرية، التوازن الإقليمي، والعلاقات الدولية... إلخ. وفي المقابل، كان هناك انحياز شبه تام إلى خيار التوسع في تجنيد قاعدة واسعة من الكوادر المستعدة لأن تكون جنودا في معركة قاعدتها «السمع والطاعة» تأسيسا على قاعدة أكثر أهمية هي الثقة المطلقة بالقيادة. وهنا، حدث خلط بين الثقة بالإخلاص (وهو أمر لا يعلمه إلا الله)، والثقة بكفاءة هذه القيادة. وقبل الثورة، كانت قوى سياسية تسأل «الإخوان» عن برامجهم، فيردون بأن هذا منطق تعجيزي لغياب تداول السلطة. وبعد قليل، أصبحوا أمام السلطة فأسرعوا إلى حيازتها مدفوعين بالخوف من دورة قمع تاريخية جديدة، والطمع في تحقيق آخر مراحل الحلم الإخواني في مسقط رأس الجماعة، لكن الصفقة كانت أقرب إلى القصة الشهيرة في التراث العربي عن أعرابي كان يعرض جملا للبيع قائلا: «الجمل بدينار.. والحبل بألف»!
لقد ذهب «الإخوان» إلى السلطة وأيديهم مقيدة بما يمكن أن نسميه «الشرط المانع»، وهو ثمرة متوقعة لاختيارات دعوية وثقافية واجتماعية وسياسية ربت الجماعة كوادرها عليها لعقود، وهي عندما أصبحت في السلطة، لم تستطع التصرف إلا وفقا لـ«سقف التوقع» الذي يترتب بالضرورة على هذه الاختيارات!


بين المنطق والمقاصد




من القضايا الحاكمة أيضا لمسار التجربة الإخوانية في مصر ومصيرها، ما لخصه الدكتور يوسف كرم، مؤرخ الفلسفة اليونانية المصرية الشهير، عندما قال في عبارة حاول أن يلخص بها أحد أهم الدروس التي استخلصها من عمله، إذ قال: «إن منطق المذهب أقوى من مقاصد صاحب المذهب»، فالأفكار يحكمها «منطق داخلي»، ليس بإمكان أصحابها دائما إجباره على أن ينتج نتائج بعينها، وبالتالي فإن الإسلاميين - وضمن ذلك «الإخوان» - تصوروا أنهم قادرون بناء على مقاصدهم (وقد تكون مقاصد طيبة فعلا) على الوصول إلى ما كانوا يريدون من نتائج. والتجربة شابها جموح شديد باتجاه الرغبة في السيطرة على الدولة بأمل استخدامها في «نصرة الدين»، وبالتحديد من خلال جعل الناس أكثر تدينا، ومن الأمثلة الأكثر شهرة على ذلك تصريح للرئيس المعزول، برر فيه قرارا لم ينفذ، بتبكير مواعيد غلق المحال التجارية، بأن هدفه أن ينام الناس مبكرا فينهضوا لصلاة الفجر. وهذا التصور للدور الذي يمكن أن تلعبه الدولة فيما هو «ديني» خطأ، لا مبالغة في وصفه بـ«الاستراتيجي»، ومن هنا جاءت معركتهم القصيرة التي انتهت إلى إرسال رسالة مزعجة إلى المحكومين والخصوم، مفادها أن المشروع الإخواني هو - إذا استعرنا تعبيرا للمفكر التونسي المعروف أبو يعرب المرزوقي - مشروع لـ«التحديث الاستبدادي»!

وقد يزيد الأمر وضوحا أن أشير إلى عبارة قالها المفكر المصري المعروف المستشار طارق البشري في حوار نشرته في كتابي عن مشروعه الفكري، إذ قال إن أهم ما استفاد به، كمفكر ومؤرخ، من تقاليد القضاء هو ضرورة الاتساق والخلو من التناقض. أما «الإخوان» فلم ينتبهوا إلى خطورة أن يأخذوا معهم إلى السلطة كل أعباء العقود الثمانية من عمر التنظيم، وأعباء العقود الستة من الحكم العسكري، بكل تناقضاتها. وفي مقدمة هذه الأعباء، صراع ثقافي إسلامي - علماني له ذكرياته المريرة عند الطرفين، وصورة نمطية مشوهة للإسلاميين عززها إعلام مبارك، وهم في الأولى بالغوا في تصوير خلافهم مع خصومهم بوصفه صراعا بين المشروع الإسلامي وخصومه (والأكثر تطرفا من حلفائهم صوروه صراعا بين الإسلام وخصومه)، وفي الثانية لم يبذلوا الحد الكافي من الجهد لبناء صورة جديدة للجماعة، فالصورة النمطية سرعان ما جرى استحضارها والإيغال في المزيد من تشويهها بعد 30 يونيو (حزيران) 2013.


[caption id="attachment_55249102" align="alignleft" width="242"]مواطن فلسطيني يدعم الرئيس المعزول مرسي-مدينة الناصرة - اغسطس الماضي مواطن فلسطيني يدعم الرئيس المعزول مرسي-مدينة الناصرة - اغسطس الماضي [/caption]



ومما حمله «الإخوان» معهم من حقبة ما قبل 25 يناير، خلافات إخوانية - سلفية، أصبحت بعد قليل وقود معركة كانت مسارا فرعيا في المشهد السياسي، لكنها كانت ذات تأثير نوعي كبير، وقد كان حضور حزب النور، الذراع السياسية لـ«الدعوة السلفية»، في مشهد عزل الرئيس من منصبه، تلخيصا لهذا الصراع الإخواني - السلفي. ولا شك في أن التصورات المتسرعة السطحية التي تبناها التنظيم في إدارة التوازنات مع الخارج أسهمت - جزئيا - في تعميق أزمته في الداخل، فالعلاقات المتأرجحة مع إيران ترتب عليها داخليا خلاف سلفي - إخواني كبير، وترتب عليها خارجيا حالة من الاضطراب في مركب علاقات يتسم بالحساسية الشديدة: (القاهرة - الرياض - طهران - دمشق - أنقرة).
وفي إطار الضبابية المشار إليها في هذه الأمثلة، شكلت طريقة «الإخوان» في التعامل مع الخارج عبئا كبيرا على نظام سياسي كان يتلمس خطواته الأولى محاطا بألغام تحتاج إلى حنكة استثنائية، لكن ما حدث فعليا كان تطبيقا حرفيا لنوع من «الريفية السياسية» التي لا تقيم وزنا كافيا لحقيقة أن إدارة شؤون دولة مثل مصر أكثر تعقيدا بكثير من إدارة أمور جماعة. وقد تشابكت خيوط ملفات كثيرة مع العلاقة بين «الجماعة الأم» والتنظيم الدولي، لتقرع أجراس الإنذار في أماكن كثيرة في الداخل والخارج.

وربما لو أدرك التنظيم العمق الحقيقي لثقافة البيروقراطية المصرية، المدنية والعسكرية، والتأثيرات الهائلة التي يمكن أن تترتب على إرسال رسالة إلى العالم بأن الحزب الحاكم في مصر هو في الوقت نفسه جزء من بنية تنظيمية تمتد خيوطها خارج البلاد - ربما لتغيرت المسارات!


الأحزاب والشارع وقواعد الجماعة




علاقة «الإخوان» بما يمكن أن نسميه «الدوائر الحاضنة» كانت هي الأخرى شابها قصور، فالجماعة بدأت تجربتها بخطأ، أعتقد أنه كبير (وصحيح أيضا أن خصومهم ضخموه بشدة)، وهو تأويل حدود التفويض الذي حصلوا عليه بناء على نتائج الصناديق، فالديمقراطيات في مرحلة التأسيس تختلف ديناميكياتها عن نظيرتها التي تجاوزت مرحلة التأسيس إلى أن تصبح ديمقراطيات مستقرة، وتصبح نتائج هذا الاختلاف أكبر حجما وأعمق أثرا إذا اقترنت بعوامل مثل: الصراع التاريخي بين الإسلاميين والعلمانيين، ونفوذ المؤسسة العسكرية، والاحتقان الطائفي الإسلامي - المسيحي، وأهمية كبيرة لموقع مصر الإقليمي تجعل مستقبلها يعني أطرافا كثيرة إقليمية ودولية، وبعضها بالتالي يسعى لـ«ضبط إيقاع التحول»، صراحة أو ضمنا، في عملية البناء السياسي.
وقد أخطأ «الإخوان» خطأ أساءوا فيه من حيث أرادوا أن يحسنوا، فهم، مثلا، خاضوا الانتخابات البرلمانية الأولى عبر «تحالف انتخابي» مع قوى تختلف معهم في المرجعية ولم يحاولوا ترقيته إلى «تحالف سياسي» يرسي مشتركات أبعد مدى من الحسابات النفعية المباشرة، وهي مشتركات أثبتت التجربة، منذ صدور الإعلان الدستوري في نوفمبر (تشرين الثاني) 2012 حتى يونيو 2013، أنها كان يمكن أن توفر أساسا صلبا لتوافق سياسي مدني، كان يمكن أن يكون أول مكتسباته بناء توازن مختلف في العلاقات المدنية - العسكرية.

وفي الدائرة الأوسع، تعامل «الإخوان» مع المجتمع بخليط من الوصاية والاستهانة والثقة المفرطة ليضيعوا فرصة تاريخية تمثلت في القبول الواسع من القوى السياسية وعامة الناس لفكرة مشروعية وجود الإسلاميين على ساحة السياسة. وإذا بالجماعة، بدلا من البناء على هذه البداية الجديدة، وهي بحد ذاتها مكسب تاريخي، تبني تحالفات مع قوى إسلامية أكثر تشددا، كانت هي نفسها حريصة على النأي بنفسها عنها لعقود، وهي بذلك وفرت لخصومها الشواهد التي جرى استخدامها لتكريس مقولات مغلوطة، لكنها راجت بقوة، عن الجماعة التي حصدت أصوات الملايين من المصريين في عدة استحقاقات ليعيد كثير من المصريين بناء صورة للجماعة، ملامحها أسوأ من صورة الجماعات الأكثر تشددا!


[inset_right]
الجماعة تدفع ثمن عزوفهم عن الاستعانة بـ«منتجي الأفكار»،ولو كان لديها رصيد كاف منهم لكانت انطلقت من فهم أكثر عمقا و دقة لمفاهيم الدولة،والأمن القومي والعلاقات المدنية - العسكرية
[/inset_right]


وفي معركة مثل معركة الدستور، أرسل «الإخوان» رسائل إلى شريحة واسعة من الطبقة الوسطى، مفادها أن نمط حياتهم مهدد، مما ساهم في حشد أعداء جدد، لم يكن معظمهم فاعلين سياسيا. وشكلت المواد المتصلة بهوية الدولة ودور المجتمع في الحفاظ على الأخلاق مؤشرا على منطق تفكير حتى لو خفـــــفت صياغاتها لاحقا. وقد يكون صحيحا أن من تحرك من القوى الاجتماعية لمعارضة «الإخوان» تأثر بتحريض إعلامي استثنائي، لكن هذا التحريض أمكن استخدامه - ضمن عوامل أخرى - لدفع الملايين للتظاهر في 30 يونيو. وبالتالي، فإن الجماعة تسببت بخياراتها في إثارة مخاوف أطراف كثيرة، ويمكن دون مبالغة أن نستنتج من ملامح خطاب بعض قياداتها وبعض حلفائها أنها ساهمت في بناء التحالف المعادي لها، وعندما أصبحت هناك حاجة ماسة لامتصاص الغضب وإعادة بناء القاعدة الداعمة للجماعة تغلب «الخوف» على «الأمل» وانتصرت «الغريزة» على «الفطرة»، وأصبحوا في لحظة فاصلة يرون العالم من ثقب مفهوم: «نحن إما في السلطة أو في السجن»!


ألم أقل لكم؟!




عبارة تتردد كثيرا في خطاب كل الأطراف لتحقيق أهداف متناقضة تماما. المتشددون من التيارات المتحالفة ضد «الإخوان» يرددونها لتبرير دعوتهم لحظر الأحزاب الدينية دستوريا والتوقف عن تصنيف الإسلاميين إلى معتدلين ومتشددين. وفلول نظام مبارك يرددونها لتبرير صحة موقف مبارك ونظامه الرافض للديمقراطية خوفا من وصول «الإخوان» إلى الحكم، والنخبة الأمنية ترددها لتأكيد أن الدور السياسي للأجهزة الأمنية هو الخيار الوحيد لحماية «الأمن القومي»، والمنشقون عن «الإخوان» يرددونها لتأكيد صحة ما طالبوا به من ضرورة فصل «الدعوي» عن «السياسي»... إلخ.

وهذه الأخيرة، في تقديري هي الأجدر بالوقوف عندها، كونها «واسطة العقد» في منظومة الخيارات التي أدت متساندة إلى النهاية التي آلت إليها تجربة «الإخوان» القصيرة في الحكم، فالجماعة التي تعرضت لعملية «شيطنة» طالت كل ما يتصل بها، تعاني إشكالية عميقة لها طبيعة فكرية. وهذه الإشكالية ليست من قبيل الترف الفكري النظري، بل تترتب عليها في الممارسة العملية نتائج تبلغ الغاية في الأهمية. وهي للأسف عولجت بفهم خاطئ لمقولة «شمول الإسلام»، فهذا الشمول لا يعني أن يضطلع الدعاة بكل الوظائف الدينية والسياسية، ولا أن تكون لديهم الإجابات الصحيحة عن الأسئلة المطروحة كافة، وهذا الخلط أدى إلى التعامل مع أفكار بعينها بوصفها إجابة عن أسئلة هي لا تجيب عنها، فضلا عن أنها أدت إلى وضع أشخاص في غير موضعهم.

وقضية الدعوي والسياسي تعود جذورها إلى تصور المؤسس حسن البنا للجماعة بوصفها كيانا تنظيميا يضطلع بأدوار تجعله - تقريبا - بديلا عن الدولة والمجتمع، وهي حسب تعريف البنا: «جماعة روحية؛ وعقيدة سلفية، وحقيقة صوفية، وشركة تجارية، وهيئة سياسية، وفرقة رياضية..». إلخ، معددا 12 وصفا للجماعة. وهذا الخليط لا شك في أنه جعل الجماعة تبدو لأعضائها - وللمتربصين من خصومها - دولة داخل الدولة، ومع التجربة العملية القصيرة خلال حكم محمد مرسي ترسخت لدى شرائح واسعة من الدوائر المحيطة بالجماعة أن لدى هذه الجماعة - الدولة روابط وثيقة مع كيان تنظيمي متعدد الجنسيات هو «التنظيم الدولي»، فأصبح ممكنا تصويرها كجماعة «مارقة» وطنيا، وكرست الممارسة فكرة أنها تفتقر إلى «نقطة توازن» بين الوطني والديني. وبعد عزل الرئيس، كان هناك دور للتنظيم الدولي لـ«الإخوان» عزز هذا الإحساس لدى خصوم الجماعة، وأيضا لدى كتلة ساكنة أقرب إلى الحياد لديها تصور بسيط للوطنية، ونجح الإعلام في دفعهم إلى الشعور بأن التعاطف الإنساني مع الجماعة بسبب «رابعة» ممكن،أما التعاطف السياسي فدونه عقبات!
وعلى قاعدة: «ألم أقل لكم؟»، فلعل الرئيس المعزول يرددها الآن،ولعله يحاول أن ينقلها من خلف أسوار السجن إلى كثيرين لا خصومة بينهم وبين الإخوان لكنهم اعترضوا بشدة على الإعلان الدستوري المثير للجدل في نوفمبر 2012. ولعله يشعر الآن بأن ما يسميه كثيرون «الدولة العميقة» كان من الضروري مواجهته على هذا النحو الشامل، وخاصة بعد أن أكد الرئيس المعزول مرات أن هذه «الدولة العميقة» تقوم بشيء منظم يستهدف النظام الديمقراطي الوليد.

ولا يزال المستقبل مفتوحا على سيناريوهات كثيرة، ستتأثر على وجه القطع بمستقبل التجربة في تونس ومآلات التغيير في سوريا، وستبقى الجماعة - حتى إشعار آخر - بين نور الدعوة ونار السياسة.



font change