عقوبة الإعدام في الجزائر... هل من التزامات دولية تحول دون التنفيذ؟

هناك دائما ربط بينها وبين المعاهدات التي تحول دون تطبيقها

أ.ف.ب
أ.ف.ب
محامون يشاركون في تظاهرة تطالب باستقلال القضاء في العاصمة الجزائرية، الجزائر، في 24 أكتوبر 2019

عقوبة الإعدام في الجزائر... هل من التزامات دولية تحول دون التنفيذ؟

من يتابع الإعلام المحلي في الجزائر في الأيام الأخيرة، يلاحظ دون شك، اهتماما أكبر بمسألة التوجه نحو إعادة العمل بعقوبة الإعدام في عدد من القضايا وهي "البشرى السارة" التي زفها مشروع قانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية الذي صادق عليه المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان الجزائري) للمجتمع الجزائري الذي فتكت به أطنان المخدرات التي تتدفق من الجهة الغربية من البلاد.

وكانت أهم نقطة تحولت إلى مادة دسمة، إقرار حكم الإعدام في جرائم المخدرات والمؤثرات العقلية الخطيرة، إذا أدت الجريمة المرتكبة بصفة مباشرة إلى الوفاة أو كان من شأنها إحداث أضرار جسيمة بالصحة العمومية أو إذا اقترنت بظروف تزيد من خطورتها ومن آثارها على المجتمع وتتعلق هذه الظروف بارتكاب الجريمة في إطار جماعة إجرامية منظمة عبر وطنية أو بغرض المساس بالأمن القومي أو لخلق جو من انعدام الأمن والإخلال بالنظام والأمن العموميين أو بإيعاز أو لصالح دولة أجنبية أو باستعمال السلاح أو التهديد باستعماله، وساوى بين تجار المخدرات والقتلة والإرهابيين والخونة.

وجاء تصريح وزير العدل الجزائري لطفي بوجمعة ليؤكد هذا التوجه، وقد قال خلال رده على أسئلة نواب البرلمان بعد مناقشة المشروع السالف الذكر إن "الجزائر بوصفها دولة تملك السيادة تتخذ أي قرار لمكافحة الجريمة وفقا للمنظور الذي تراه مناسبا وبالنظر إلى خطورة الوضع"، موضحا أيضا أن "الدولة الجزائرية قد تعيد تفعيل العقوبة في حال رأت أن الأمر يتطلب ذلك".

وخلال السنوات الأخيرة تزايدت الضغوط الشعبية النيابية والسياسية من أجل إعادة العمل بعقوبة الإعدام في عدد من القضايا مثل: قضايا الاختطاف والاغتصاب والمخدرات التي مست كل الفئات من الجنسين (ذكورا وإناثا) ومن مختلف الفئات العمرية بمن فيهم الأطفال حسب تصريحات بعض المسؤولين الجزائريين الذين تحدثوا عن وصولها لدى تلاميذ الطور المتوسط وربما قبلها، فالوضع "خطير" مثلما وصفه وزير العدل، وأشار إلى أن ثمة "حربا على الجزائر، وتفشيا ملحوظا للمخدرات بشكل خطير غير أن سيف العدالة سيطال رؤوس هذه العصابات ويقطعها"، مؤكدا عزم الدولة الجزائرية على شن حرب ضد عصابات المخدرات بلا هوادة، بإصرار أسلاك الأمن والجيش، حتى القضاء على عصابات المخدرات"، موضحا أن "مستوى الخطورة الذي باتت تشكله المخدرات على البلاد هو الذي دفع السلطات إلى إعادة النظر وإيجاد وسائل ردعية للقضاء على الظاهرة".

تم إقرار عقوبة الإعدام في جرائم الاعتداء على حق الإنسان في الحياة، والقتل العمدي، وقتل الأصول، والقتل بالسم، واقتران القتل بجناية، والقتل باستعمال وسائل وحشية والخطف المؤدي إلى وفاة المخطوف

الجرائم المعاقب عليها بالإعدام

أوقف تنفيذ هذه العقوبة عام 1994 رغم أنها مقررة في التشريع الجزائري لبعض الجرائم الخطيرة مثل: الجنايات المرتبطة بأمن الدولة الداخلي والخارجي بموجب المواد من 61 إلى 64 من قانون العقوبات، وجناية قتل الأصول بموجب المادة 261 من قانون العقوبات والجرائم الموصوفة بأفعال إرهابية أو تخريبية بموجب المواد 87 و87 مكرر 01 من قانون العقوبات، وهناك قضايا أخرى يعاقب عليها التشريع الجزائري بالإعدام مثل المساهمة في أي مشروع يهدف إلى إضعاف الروح المعنوية للجيش أو الأمة بغرض الإضرار بالدفاع الوطني مع علمه بذلك، وأيضا القيام بالتخابر من دولة أجنبية لدفعها لمباشرة العدوان ضد الوطن وإفشاء أسرار الدفاع وإتلافها إذ نصت على هذه الحالة المادة 63 من قانون العقوبات الجزائري.

وهناك فرع ثانٍ يخص الجرائم الواقعة على مصلحة الوطن داخليا ويشمل هذا الفرع الكثير من الجرائم مثل: الجرائم الواقعة على نظام الحكم والدستور وجرائم عصيان الأوامر الحكومية وتنظيم حركة تمرد والقيام بأفعال إرهابية وحيازة الأسلحة، أما الفرع الثالث فيشمل الجرائم التخريبية والجرائم المتعلقة بالغش في بيع السلع والتدليس في المواد الغذائية والطبية، ويشمل هذا الفرع إحدى الجرائم التالية: جرائم التخريب العشوائي للمنشآت القاعدية.

أ.ب
مبنى مجلس الأمة الجزائري، أو البرلمان، في الجزائر العاصمة

وقد تم إقرار هذه العقوبة في جرائم الاعتداء على حق الإنسان في الحياة، والقتل العمدي، وقتل الأصول، والقتل بالسم، واقتران القتل بجناية، والقتل باستعمال وسائل وحشية والخطف المؤدي إلى وفاة المخطوف، وهي العقوبة التي تم تثبيتها في القانون الجديد للوقاية من الاختطاف الذي تمت المصادقة عليه في 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، ففي حالة ما إذا نتج عن عملية الاختطاف وفاة الضحية فتكون العقوبة الإعدام.

وأعيد تفعيل العقوبة في قانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية بعد أن استبعدت في القانون المؤرخ في 25 ديسمبر/كانون الأول 2004 بعدما كانت المادة 248 من قانون حماية الصحة وترقيتها المؤرخ في 16 فبراير/شباط 1985 تنص على هذه العقوبة في حق من يصنع أو يستورد أو يصدر أو يبيع أو ينقل أو يتولى عبور المخدرات إذا كان طابع الجريمة مخلا بالصحة المعنوية للشعب الجزائري.

ليس هناك أي مانع قانوني وطني أو دولي يمنع الجزائر من الإبقاء على عقوبة الإعدام أو تنفيذها

وزير العدل السابق بلقاسم زغماتي

لا موانع خارجية أو داخلية

مربط الخيل في الموضوع هو "المانع الدولي"، إذ نلاحظ دائما الربط بين العقوبة والمعاهدات الدولية التي تحول دون تنفيذها، فهل هناك أي مانع قانوني وطني أو دولي يمنع الجزائر من الإقدام على تنفيذها؟ يجيب الدكتور قاري علي أستاذ القانون الدولي بجامعة سكيكدة قائلا: "فعلا هناك بروتوكول ملحق بالاتفاقية الدولية المسماة بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية صدر عام 1983 وقد نص هذا الأخير على وجوب إلغاء عقوبة الإعدام وعدم الحكم بها مهما كانت طبيعة الجريمة المقترفة، وجسامتها، والكيفية التي نفذت فيها، وغاياتها، مع العلم أن الجزائر تعتبر من بين الدول المصادقة على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (ICCPR) الذي لا يلغي عقوبة الإعدام، ولكن ينص على أن يحكم بها فقط في حالات أشد الجرائم خطورة، وذلك في البلدان التي لم تلغِها، كما أنه يقضي بضرورة وجود ضمانات قانونية لضمان إجراء محاكمة عادلة في حالة الحكم بالإعدام، غير أنها لم تصادق على البروتوكول السابق ذكره الذي ينص على إلغاء عقوبة الإعدام".

الإجابة ذاتها رددها وزير العدل الجزائري السابق بلقاسم زغماتي على مسامع نواب مجلس الأمة (الغرفة الثانية للبرلمان) وهو يعلق على أسئلة النواب خلال جلسة خصصت لمناقشة مشروع قانون الوقاية من جرائم اختطاف الأشخاص ومكافحتها، وأورد قائلا: "ليس هناك أي مانع قانوني وطني أو دولي يمنع الجزائر من الإبقاء على عقوبة الإعدام أو تنفيذها، فهي لم توقع على أي معاهدة دولية تمنع من تنفيذ العقوبة، والجزائر لها سيادة مطلقة في هذا الجانب وإذا اقتضى الأمر العودة إلى تنفيذ عقوبة الإعدام، فسوف يكون ذلك".

أ.ف.ب
شارع محمد خميستي في وسط العاصمة الجزائر، 5 سبتمبر 2024

وقبل التطرق للحديث عن نجاعة هذه العقوبة ودورها في تراجع حجم الجريمة ومنسوبها يجب علينا الإجابة أولا عن أسئلة ملحة، الأول، لماذا لا تطبق عقوبة الإعدام في الجزائر رغم احتفاظ التشريع الجزائري بها وعدم وجود أي مانع قانوني يحول دون ذلك؟ يؤكد الدكتور قاري علي أنه "من الناحية العملية لا يوجد تطبيق للإجراءات القانونية التي تسمح بتنفيذ العقوبة، ومن أهمها طلب العفو الذي ينبغي على المحكوم عليه بعقوبة الإعدام أن يقدمه لرئيس الجمهورية، حيث نصت المادة 196 من الأمر 72/02 المتضمن قانون تنظيم السجون وإعادة تربية المساجين الصادر في 10 فبراير/شباط 1972 على أنه لا يمكن تنفيذ العقوبة إلا بعد رفض طلب العفو وهذا الطلب يقدم عن طريق المؤسسة العقابية التي يوجد بها المحكوم عليه بعقوبة الإعدام، ولأن العقوبة لا تنفذ حاليا فالمؤسسات العقابية لا تطلب من المحكوم عليهم بالإعدام تقديم هذا الطلب مما يجعل التنفيذ مؤجلا إلى وقت غير معلوم"، وأما عن السبب فيجزم قاري علي قائلا إن "الأمر يتطلب شجاعة سياسية، إذ لن يتأتى هذا إلا بقرار سياسي شجاع صادر من أعلى هيئة في البلاد، والجزائر كغيرها من الدول، تحتفظ بحقها في اتخاذ ما تراه مناسبا لحماية أمنها القومي".

ويرى الحقوقي أن "هذه العقوبة ستحقق أحد أهم الأهداف والمقاصد وهي الردع، واللافت أن الدول التي ألغتها أو أوقفت تنفيذها لم تعرف انخفاضا في ارتكاب الجرائم، فتنفيذ الإعدام وإن كان ينهي حياة المجرم، إلا أنه سيمنع ارتكاب جرائم أخرى، وبالتالي ستزداد فرص الحياة بقلة الجرائم".

font change