الجزائر وقانون التعبئة العامة... استكمال دستوري أم "إعلان حرب"؟

النص التشريعي يعكس حرص الدولة على تأطير أدوات السيادة الوطنية

أ.ب
أ.ب
جنود جزائريون خلال عرض عسكري للاحتفال بالذكرى السبعين لحرب الاستقلال الجزائرية عن فرنسا، الجزائر 1 نوفمبر 2024

الجزائر وقانون التعبئة العامة... استكمال دستوري أم "إعلان حرب"؟

إقرار قانون جديد يتعلق بالتعبئة العامة كان من أكثر الموضوعات التي دار جدل بشأنها سواء في منصات التواصل الاجتماعي أو حتى في الصحف والتلفزيونات الجزائرية بالنظر إلى الأسئلة الكثيرة التي أثارها حول الدافع الحقيقي وراء إقراره، وعما إذا كانت الجزائر فعلا تتهيأ لإعلان التعبئة العامة، أم إنها مجرد خطوة قانونية يكمن هدفها في تكييف المنظومة الأمنية مع المادة 99 من دستور 2020.

وعكس ما كان متوقعا، فإن قانون التعبئة العامة وحسبما ورد في المسودة الحالية يخص فقط "انتقال البلاد من حالة السلم إلى حالة الحرب للقوات المسلحة وأجهزة الدولة والهيئات والمؤسسات الوطنية وكل الاقتصاد". وقد تكون "تعبئة جزئية" من أجل مواجهة تهديد ذي خطورة محدودة في المكان والزمان، دون أن تتم الإشارة إلى تطبيق هذا القانون على الكوارث الطبيعية أو البيئة أو حتى الأزمات الداخلية.

وتقول المادة 5 الواردة في الفصل الأول من المشروع: "تقرر التعبئة العامة من طرف رئيس الجمهورية في مجلس الوزراء، إذا كانت البلاد مهددة بخطر داهم يوشك أن يصيب مؤسساتها الدستورية أو استقلالها أو سلامة ترابها أو في حالة وقوع عدوان فعلي عليها أو يوشك أن يقع، طبقا للأحكام المنصوص عليها في الدستور وتنهى التعبئة العامة وفقا لنفس الإشكال".

واستنادا إلى تاريخ الجزائر، تعد هذه الخطوة الثانية من نوعها إذ تم إقراره مرة واحدة خلال الستين سنة الأخيرة، وكان ذلك في يوليو/تموز 1967 بمناسبة الاحتفال بالذكرى السنوية لاستقلال الجزائر بعد تحررها من الاستعمار الفرنسي، بعد هزيمة الجيوش العربية في حرب يونيو/حزيران 1967 بقرار رسمي من الرئيس الراحل محمد بوخروبة، هواري بومدين، وبعد هذا التاريخ البعيد لم تعلن الدولة الجزائرية التعبئة حتى في أوج الخلافات مع المغرب بسبب التباينات على مستوى المحافل الأممية. ورغم خطورة بعض الحوادث غير أن الجزائر تريثت وتعاملت مع الوضع بحنكة واكتفت ببيانات تنديد.

خطوة قانونية لا بد منها

يسود اعتقاد غالب لدى المحللين السياسيين والمختصين بالشؤون العسكرية في الجزائر، أنه من الصعب تفسير الخطوة خارج قراءتين لا ثالث لهما، أولهما: استكمال المنظومة التشريعية والتنظيمية التي تحكم هذا المجال وذلك بعد صدور القانون رقم 22-20 المؤرخ في 3 محرم عام 1444 الموافق أول أغسطس/آب 2022 والمتعلق بالاحتياط العسكري وكل النصوص التطبيقية الخاصة به وهو ما ورد في عرض أسباب مشروع القانون، فمن حيث الأهمية الدستورية والقانونية، جاء قانون التعبئة العامة ليترجم الإطار الدستوري إلى نصوص تطبيقية واضحة من شأنها أن تمكن الدولة من حشد قدراتها البشرية والمادية عند الضرورة في حالات التهديد.

مشروع القانون يفسح المجال أمام طرد رعايا "دول عدوة" إذا أصبحت إقامتهم على التراب الوطني "خطرا محتملا"

ومن هذا المنطلق، يقول الدكتور عياد محمد سمير، الأستاذ المحاضر في قسم العلوم السياسية، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة أبو بكر بلقايد تلمسان (شمال غربي الجزائر) إن "النص التشريعي يعكس حرص الدولة على تأطير أدوات السيادة الوطنية ضمن أطر قانونية ودستورية بما يضمن الجاهزية والفعالية عند مواجهة الحروب أو التهديدات الأمنية الشاملة في احترام تام لمقتضيات الشرعية الدستورية ودور المؤسسات".

وقد انصب التركيز في المادة 2 على مصطلح المجهود الحربي ورفع قدرات القوات المسلحة الجزائرية، إذ يحيل القانون إلى تركيز كافة أو بعض القدرات والموارد البشرية والوسائل المادية والاقتصادية والمالية للدولة، وكذا تكييف الإنتاج الصناعي مع احتياجات القوات المسلحة، للسماح لها بأداء مهامها في الدفاع عن وحدة البلاد وسلامتها الترابية وحماية مجالها البري والجوي والبحري في أفضل الظروف.

وعرفت التعبئة العامة على أنها "مجموع التدابير الواجب اتخاذها لضمان أكثر فعالية في انتقال القوات المسلحة وأجهزة الدولة والهيئات والمؤسسات الوطنية وكذا الاقتصاد الوطني من حالة السلم إلى حالة الحرب ووضع القدرات الوطنية تحت تصرف المجهود الحربي، وتهدف إلى تعزيز الطاقة الدفاعية للأمة ورفع قدرات القوات المسلحة عن طريق وضع كل الموارد البشرية المتوفرة وكل الوسائل المادية والموارد الضرورية تحت تصرفها، للسماح لها بأداء مهامها في الدفاع عن وحدة البلاد وسلامتها الترابية وحماية مجالها البري والجوي والبحري في أفضل الظروف".

غيتي
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في مؤتمر صحافي بالجزائر العاصمة، 13 ديسمبر 2019

واللافت أن مشروع القانون يفسح المجال أمام طرد رعايا "دول عدوة" إذا أصبحت إقامتهم على التراب الوطني "خطرا محتملا، إذ تنص المادة 38 منه على أنه يمكن للوزير المكلف بالداخلية أن يتخذ إجراء إبعاد دون آجال كل رعية لا سيما من الدولة أو الدول المعادية المقيم في الإقليم الجزائري متى كان بقاؤه يشكل تهديدا لأمن البلاد".

سياقات إقليمية متوترة

هناك القراءة الثانية التي تربط خلفيات ودوافع القرار الجزائري بالسياق الإقليمي المضطرب والأزمة بين الجزائر ومالي والتي أخذت منعرجا خطيرا بعد حادثة المسيّرة التي خرقت المجال الجوي الجزائري عند الحدود في تين زواتين أقصى الجنوب، وأظهر تجمع دول الساحل (يضم مالي وبوركينا فاسو والنيجر) تضامنا واضحا مع مالي عقب حادثة إسقاط المسيرة، إذ سحب أعضاؤه سفراءهم من الجزائر في موقف موحد، واعتبر الهجوم على الطائرة المالية هجوما ليس فقط على مالي بل على التجمع بأكمله. وما يبعث على القلق أكثر دعم روسيا وتركيا للجيش المالي والدليل على ذلك المسيرة التي أسقطت من طراز "أكينجي" (Akinci)، التي تصنعها شركة "بايكار" (Baykar) التركية، وحسب مصادر إعلامية اقتنت باماكو ما لا يقل عن طائرتين العام الماضي، واستخدمتا في عمليات عسكرية تحت غطاء محاربة الإرهاب آخرها العمليات التي تمت خلال ليلة 21 إلى 22 أبريل/نيسان في منطقة تالهانداك الواقعة على بعد 82 كيلومترا شمال شرقي تيساليت في منطقة كيدال بشمال مالي على مقربة من الحدود الجزائرية.

"تعاقب الأزمات وتعدد الجبهات على طول الشريط الحدودي الصحراوي جعل صناع القرار في البلاد يكيفون العقيدة الأمنية وفقا للتهديدات والتحديات التي تواجه الدولة

وكحلقة جديدة من مسلسل التصعيد والتوتر في منطقة الجوار، هناك التحشيد العسكري جنوبي ليبيا وعلى مقربة من الحدود الجزائرية، إذ يمكن اعتبار زيارة رئيس أركان القوات الليبية التي تتخذ من أقصى الشرق الليبي، مقرا لها، صدام خليفة حفتر، إلى الحدود الجنوبية الشرقية مناوشة للجزائر ومناكفتها في قضايا شائكة تخص الأمن والأمان القومي، وجاءت المناورة التكتيكية بالذخيرة الحية التي نفذها الجيش الجزائري منذ أسبوع في "إن أمناس" جنوب شرقي الجزائر قرب الحدود مع ليبيا لتختبر مدى الجاهزية القتالية للوحدات الموجودة في هذه المنطقة ردا مباشرا على تحشيدات قوات ليبية قرب الحدود الجزائرية، وحسب الصور التي بثها التلفزيون الجزائري، فقد استخدمت قوات الجيش راجمات الصواريخ وهي إحدى أقوى المعدات العسكرية القادرة على تكبيد العدو خسائر كبيرة، ودبابات وطائرات عسكرية عمودية، وشدد قائد الجيش الجزائري على "ضمان حماية مثالية للحدود، وإجهاض أي محاولة إرهابية أو تهريب المخدرات وكافة أشكال الجريمة المنظمة"، ووصف المنطقة بـ"الحساسة" بالنظر إلى وجود أكبر حقول ومنشآت الغاز والنفط فيها.

أ.ف.ب
الحدود المغربية الجزائرية في منطقة وجدة، 4 نوفمبر 2021

ولذلك يمكن القول حسب الدكتور جدو فؤاد، وهو أستاذ وباحث بقسم العلوم السياسية والإعلام بجامعة بسكرة، إن "تعاقب الأزمات وتعدد الجبهات على طول الشريط الحدودي الصحراوي جعل صناع القرار في البلاد يكيفون العقيدة الأمنية وفقا للتهديدات والتحديات التي تواجه الدولة". وذكر المتحدث على سبيل المثال: "فسح المجال أمام مشاركة الجيش الجزائري في إطار عمليات حفظ السلام والهيئات الدولية بعد مصادقة البرلمان بأغلبية ثلثي أعضاء كل غرفة من غرفتي البرلمان بما يفيد الاستناد إلى الاستشارة وموافقة الإرادة الشعبية التي يجسدها البرلمان كهيئة تشريعية". ويشير المحلل السياسي إلى "القانون المتعلق بالاحتياط العسكري" الذي صادق عليه البرلمان في يوليو/تموز 2022 والذي ينص على استدعاء جنود الاحتياط ممن تعاقدوا مع الجيش سابقا ويحدد الفئات المعنية وهو التوجه الذي لم تشهده البلاد من تسعينات القرن الماضي حيث تم استدعاء هذه الفئة لمواجهة الإرهاب خلال العشرية السوداء.

font change