إقرار قانون جديد يتعلق بالتعبئة العامة كان من أكثر الموضوعات التي دار جدل بشأنها سواء في منصات التواصل الاجتماعي أو حتى في الصحف والتلفزيونات الجزائرية بالنظر إلى الأسئلة الكثيرة التي أثارها حول الدافع الحقيقي وراء إقراره، وعما إذا كانت الجزائر فعلا تتهيأ لإعلان التعبئة العامة، أم إنها مجرد خطوة قانونية يكمن هدفها في تكييف المنظومة الأمنية مع المادة 99 من دستور 2020.
وعكس ما كان متوقعا، فإن قانون التعبئة العامة وحسبما ورد في المسودة الحالية يخص فقط "انتقال البلاد من حالة السلم إلى حالة الحرب للقوات المسلحة وأجهزة الدولة والهيئات والمؤسسات الوطنية وكل الاقتصاد". وقد تكون "تعبئة جزئية" من أجل مواجهة تهديد ذي خطورة محدودة في المكان والزمان، دون أن تتم الإشارة إلى تطبيق هذا القانون على الكوارث الطبيعية أو البيئة أو حتى الأزمات الداخلية.
وتقول المادة 5 الواردة في الفصل الأول من المشروع: "تقرر التعبئة العامة من طرف رئيس الجمهورية في مجلس الوزراء، إذا كانت البلاد مهددة بخطر داهم يوشك أن يصيب مؤسساتها الدستورية أو استقلالها أو سلامة ترابها أو في حالة وقوع عدوان فعلي عليها أو يوشك أن يقع، طبقا للأحكام المنصوص عليها في الدستور وتنهى التعبئة العامة وفقا لنفس الإشكال".
واستنادا إلى تاريخ الجزائر، تعد هذه الخطوة الثانية من نوعها إذ تم إقراره مرة واحدة خلال الستين سنة الأخيرة، وكان ذلك في يوليو/تموز 1967 بمناسبة الاحتفال بالذكرى السنوية لاستقلال الجزائر بعد تحررها من الاستعمار الفرنسي، بعد هزيمة الجيوش العربية في حرب يونيو/حزيران 1967 بقرار رسمي من الرئيس الراحل محمد بوخروبة، هواري بومدين، وبعد هذا التاريخ البعيد لم تعلن الدولة الجزائرية التعبئة حتى في أوج الخلافات مع المغرب بسبب التباينات على مستوى المحافل الأممية. ورغم خطورة بعض الحوادث غير أن الجزائر تريثت وتعاملت مع الوضع بحنكة واكتفت ببيانات تنديد.
خطوة قانونية لا بد منها
يسود اعتقاد غالب لدى المحللين السياسيين والمختصين بالشؤون العسكرية في الجزائر، أنه من الصعب تفسير الخطوة خارج قراءتين لا ثالث لهما، أولهما: استكمال المنظومة التشريعية والتنظيمية التي تحكم هذا المجال وذلك بعد صدور القانون رقم 22-20 المؤرخ في 3 محرم عام 1444 الموافق أول أغسطس/آب 2022 والمتعلق بالاحتياط العسكري وكل النصوص التطبيقية الخاصة به وهو ما ورد في عرض أسباب مشروع القانون، فمن حيث الأهمية الدستورية والقانونية، جاء قانون التعبئة العامة ليترجم الإطار الدستوري إلى نصوص تطبيقية واضحة من شأنها أن تمكن الدولة من حشد قدراتها البشرية والمادية عند الضرورة في حالات التهديد.