استطاعت هيلنيا تورنيرو، وهي من أبرز الأصوات المسرحية في إسبانيا، أن تبني مسيرة غنية تجمع بين الإبداع الفني والالتزام الإنساني. ولدت في مدينة فيغيريس، في إقليم كاتالونيا عام 1973، كاتبة ومخرجة مسرحية تعبر من خلال أعمالها عن قضايا معاصرة تمس الإنسان في جوهره، مثل الهوية والهجرة والعدالة، والعيش في عالم متغير.
إلى جانب عملها الإبداعي، تدرس هيلينا تورنيرو في قسم الإخراج والدراماتورجيا في المعهد العالي للفنون المسرحية في برشلونة، حيث تسهم في تكوين جيل جديد من الفنانين المسرحيين. تكتب نصوصها باللغتين الكاتالونية والإسبانية، وتمتاز أعمالها بلغة شعرية ورؤية درامية تدمج بين الحس الجمالي والوعي الاجتماعي. من بين أبرز أعمالها مسرحية "نحن"و"المستقبل" و"المتفوق" و"لا تتحدث مع الغرباء" ، التي تعكس قدرتها في معالجة قضايا الانتماء والاختلاف والتعدد الثقافي من منظور إنساني عميق.. نالت تورنيرو جوائز عدة داخل إسبانيا وخارجها. هنا حوار معها.
كيف انتقلت من السياحة التي تخصصت بها، إلى الكتابة المسرحية والإخراج؟
درست دبلوم السياحة في مدينة جيرونا، لأنها كانت أقرب جامعة إلى مدينة فيغيريس التي أنحدر منها. كنا إخوة وأخوات كثرا في البيت، ولم يكن في مقدور والديّ أن يدفعا تكاليف الدراسة في برشلونة لجميع أبنائهما. بالإضافة إلى ذلك، كانا يرغبان في أن أدرس تخصصا له مستقبل مهني، ولم يقتنعا أن أدرس أي تخصص فني. أحببت المسرح منذ الثامنة من عمري، حين بدأت ورش المسرح في المدرسة. لكن الدراسة في المعهد العالي للمسرح لطالما بدت لي حلما مستحيلا، تماما كما هو الحال بالنسبة لأي دراسة تتعلق بالأدب أو الكتابة. بعد إتمام دراستي الجامعية في السياحة، عملت في الخارج، ثم انتقلت إلى برشلونة. عملت في هيئة السياحة الكتالونية، وفي المساء كنت أذهب إلى دروس المسرح. حتى قررت التقدم لاختبارات القبول في المعهد العالي للمسرح في برشلونة، لدراسة تخصص الإخراج والدراماتورجيا، وهناك تغير كل شيء. كان قرارا صعبا في ذلك الوقت، لأنه كان يعني ترك وظيفة جيدة. لكنني الآن سعيدة جدا به.
ولادة المسرحية
كيف تولد مسرحية جديدة لديك؟ هل تبدأ من فكرة أو صورة، أو حاجة سياسية أو إحساس داخلي؟
كل عمل مسرحي جديد يأتيك بطريقة مختلفة. أول عمل مسرحي كتبته ولد من أغنية سمعت جدي يغنيها. عندما سألته عنها، أخبرني أنهم كانوا يغنونها في أيام الحرب الأهلية. بدأت في طرح الأسئلة عليه، وكنت أعلم مسبقا أنه اعتقل وقتها في أحد المعسكرات، لكننا لم نكن نتحدث عن ذلك في البيت. لحسن حظي، في ذلك اليوم رغب جدي في الحديث، فروى لي تجربته في الذهاب إلى الحرب وهو في العشرين من عمره، وكيف اضطر للعمل في دفن الموتى في الجبهة، ثم في نقل الجرحى، وكيف انتهى به المطاف في معتقل في أحد معسكرات أسرى الحرب، وكيف اضطر إلى العودة، بعد تحريره، عابرا بلدا دمرته وأنهكته الحرب.



