برشلونة: في قلب المشهد الأدبي الكاتالاني المعاصر، يبرز اسم جوردي بونتي كأحد الأصوات الأدبية المتفردة التي استطاعت أن تزاوج بين الحس السردي العميق، والدقة اللغوية، والرؤية الإنسانية الحية. فهو ليس كاتب رواية وقصة قصيرة وحسب، بل أيضا مترجم وصحافي، مما يمنحه منظورا متعدد الأبعاد في تعامله مع اللغة والنصوص. ولد بونتي في بلدة مانليو الكاتالانية عام 1967، ونشأ في بيئة لغوية وثقافية ثرية، جعلته يدرك منذ بداياته أهمية التفاصيل المحلية في تشكيل الهوية الأدبية.
حسب تعبيره، انطلقت مسيرته الأدبية في الكتابة الجادة متأخرة قليلا، في أواخر العشرين من عمره، بعد سنوات من التفرغ للقراءة، وصفها بأنها كانت بمنزلة "المدرسة الأولى" التي صقلت ذائقته الفنية وأثرت في خياله. منذ حينها أصبح اسمه مرتبطا بكتابات تعكس الواقع اليومي، وتغوص في أعماق النفس البشرية، مستخدما أدوات مثل السخرية الرفيعة، والحنين، والنقد الاجتماعي.
استطاع بونتي من خلال روايته "الحقائب الضائعة" أن يلفت الأنظار محليا ودوليا، مقدما قصة معقدة عن الروابط العائلية غير المتوقعة، والتشظي العاطفي والهوية المتنقلة، مستلهما الفكرة من حادثة شخصية بسيطة تحولت إلى بنية روائية غنية. وهو إلى ذلك مترجم مرهف نقل أعمالا لكتاب كبار إلى الكاتالانية، مثل بول أوستر وأميلي نوتمب، وهو ما جعله أكثر وعيا بالبنية الخفية للنصوص، وبأهمية الإيقاع والأسلوب في الكتابة. ويعتبر من المدافعين عن الكتابة بالكاتالانية في وجه العولمة والضغوط اللغوية، حيث يرى في ذلك فعلا طبيعيا من جهة، ومقاومة ثقافية من جهة أخرى. هنا حوار معه.
ماذا تخبرنا عن بداياتك، وكيف أثر مكان ولادتك فيك؟
أعتبر نفسي قارئا في الدرجة الأولى، وبداياتي ككاتب جاءت متأخرة نوعا ما. في أحد الأيام، عندما كنت في السابعة والعشرين من عمري، شعرت برغبة في الانتقال إلى الجانب الآخر، أي إلى كتابة النصوص، مثل تلك التي أحب قراءتها.