صورة "اليمن" في عرض كوميدي

صورة "اليمن" في عرض كوميدي

حضرت قبل أشهر عرضا كوميديا لإعلامي وكوميديان سياسي ساخر مناصر للقضية الفلسطينية. في هذه العروض غالبا ما تكون السخرية عن أي شيء وأي شعب مقبولة لأنها مجرد كوميديا، وجميعنا نتجاوز الموضوع ونضحك. لكن شيئا لفت انتباهي عندما ذُكر اسم اليمن، فردود فعل الجمهور العربي جعلتني أفهم كيف يرون اليمن من وجهة نظرهم.

عندما ذكر الكوميديان أسماء أغلب الدول العربية ولم يذكر اليمن صرخ أحد الحضور "أنا من اليمن"، فكان رد الفعل هو تصفيق حار وصراخ من الجمهور: "يحيا اليمنيون"، وعرفت أن هذا الصراخ والاحتفاء الذي لم نعتده كيمنيين سببه أنهم معجبون بما يفعله الحوثيون، فجلس الكوميديان لكي يمثل دور اليمني ورفع يده وكأنه يمسك سيجارة، وقال إنهم يتعاطون القات ثم يقولون: "هيا بنا نضرب إسرائيل"! وضحك الجميع ضحكا هيستيريا على هذا الموقف الذي أظهر اليمنيين كجماعة مخدرة بالقات تتصرف بشكل غير مبال، ولا تهتم بالنتائج بسبب الإدمان.

ضحكات الناس وقتها آلمتني. أعلم أن كل الدول تعرضت للسخرية في العرض ولكن في حالة اليمن كان مؤلما أن هؤلاء من صفقوا في البداية عندما ذكر اسم اليمن بعدها ضحكوا لأنهم يعلمون تماما أن من يقوم بتصرفات كهذه هو مستهتر لا يهمه بلده، وهي حقيقة واقعة، ولكن إذا كنتم تعرفون ذلك فلماذا تشجعون هذه الجماعة على تدمير ما تبقى من اليمن، ولماذا أصبح يطلق عليهم اسم "اليمن"؟

جماعة الحوثي استغلت قضية فلسطين لكي تستمر في الحكم، لأنها دون حروب لا يمكن أن تستمر

عندما قُتلت مؤخرا مجموعة كبيرة من حكومة صنعاء الحوثية على يد إسرائيل، كان من المفاجئ أن عددا كبيرا من اليمنيين كتب شامتا لدرجة أن هناك شخصيات كبيرة حاولت أن تهدئ الناس وتقول: "لا يجوز الشماتة".. إلخ. لكن كان من الصعب إيقاف هذا العدد الهائل من الشامتين، وخاصة أن الكثير منهم عانى بشكل أو بآخر من ظلم الحوثيين، ورغم أن اليمنيين من أكثر الشعوب مناصرة لفلسطين، ويحبون فلسطين، وإيمانهم كبير بالقضية التي تربى عليها اليمني منذ نعومة أظافره لذلك كان مستغربا جدا أنهم يشمتون بما حدث لهذه الجماعة على يد من تربوا على كراهيتهم كأعداء، حتى اليساريون من اليمنيين كانوا شامتين.

ولكن يبدو أن هذا اليمني فهم أن هذه الجماعة استغلت القضية لكي تستمر في الحكم، لأنها دون حروب لا يمكن أن تستمر، ورغم كل ما كتبه اليمنيون، فقد تجاهل هؤلاء العرب المناصرون للحوثي غضب اليمنيين، وتجاهلوا مشاعرهم، ومظلوميتهم.

الملاحظة الثانية أو المفاجأة الثانية بالنسبة لي كانت ردود فعل هؤلاء العرب المؤيدين للحوثي بعد خبر مقتل حكومة الحوثيين؛ لم يكن هناك رد فعل كبير، لم نجد الزخم نفسه الذي حدث عند مقتل شخصيات من جماعات أخرى في دول عربية أخرى. ولم نجد نفس الاهتمام "باليمن" كما نجده عندما يضرب الحوثي صواريخه، فلماذا؟

هؤلاء لا يهتمون في الحقيقة بما يفعله الحوثي باليمنيين، ولكن قد يكون هناك تفسير بأنهم يصدقون روايات الحوثي. ربما، ولكن لماذا لم يهتموا بمقتل أعضاء حكومته؟! أنا أرجح أن السبب هو أن الشعوب هذه لا تهتم حقيقة باليمن، ولا بأخبارها، ولا بمصلحتها، والموضوع بالنسبة لهم أن هناك جماعة تفعل ما يتمنون أن يحدث حتى لو كانوا هم فعليا يرفضون أن تفعله بلدانهم لأنهم يخافون على أوطانهم، وأرواح أهاليهم، لأنهم يعرفون النتيجة، والفرق الكبير في التكنولوجيا والتسليح. ورغم أن دولهم وضعها أفضل بكثير من اليمن الذي لا يتحمل حروبا أكثرَ، فبحسب منظمة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (OCHA) التي حذرت في بيان نشرته في أواخر أغسطس/آب أن 18 مليون شخص في اليمن، أي نحو 52 في المئة من السكان، سيواجهون انعداما حادا للأمن الغذائي بحلول سبتمبر/أيلول. إلا أنهم يصفقون لكل ما يفعله الحوثيونَ. هذا التصفيق لا يدل على احترام حقيقي.. هم سيصفقون في البداية ثم سيضحكون على من ضيع بلده في لحظة تهور وتخدير.

font change