في المجتمع اليمني، يحمل غضب المرأة، وتعبيرها عنه أمام الناس دلالات عميقة. ففي العرف القبلي، حين تُقدِم المرأة على حرق غطاء رأسها، فإنها توجه رسالة قاسية تقول فيها: "لقد خذلتموني، لم تحموني، أنتم من سلبني كرامتي وشرفي".
تذكرت هذا التقليد عندما شاهدت النساء يخرجن في مظاهرات غاضبة في تعز وعدن. خرجن ملفوفات بالسواد، يرتدين ملابس ثقيلة رغم حرارة الجو المرتفعة. هذه المظاهرات مستمرة منذ أسابيع. وقبل أيام خرجت امرأة في تعز تحرق نقابها وتصرخ قائلة "ليس لدينا غاز، أين المحافظ أين مجلس الشورى؟ نحرق ثيابنا لكي يشاهد المحافظ، ليس لدينا غاز ولا حطب".
"ثورة النساء"، هكذا سُميت المظاهرات النسائية التي خرجت في عدن وتعز، مطالبة بأبسط الحقوق التي تجاهلتها حكومة الشرعية، وفي مقدمتها: الحق في الحصول على الكهرباء وسط درجات حرارة خانقة، خاصة في عدن، والحق في الغذاء في ظل ظروف معيشية متدهورة، والحق في الحياة الكريمة.
مرت المظاهرات بسلمية، ورأت معظم وسائل الإعلام أن النساء كن محقات، وأن هناك تقصيرا واضحا، وأن الأزمات باتت تتطلب حلولا عاجلة، لا المزيد من التبريرات.
قوبلت هذه المظاهرات في البداية بالصمت، إلى أن جاء خطاب الرئيس رشاد العليمي بمناسبة الذكرى الـ35 للوحدة اليمنية بعدن، ليكسر هذا الصمت. في خطابه، تطرق الرئيس صراحة إلى مشاركة النساء في الاحتجاجات، واصفا مظاهراتهن بأنها "ملهمة"، وقال: "نظرنا إلى أصواتكن، وفي مقدمتها مظاهرات النساء الملهمات في عدن وغيرها من المحافظات، كحافز صادق لتسريع وتيرة العمل، وتخفيف المعاناة...".
مناطق "الشرعية" تعاني من تدهور كبير في الخدمات، ولا أحد يعرف إلى متى سيستمر هذا الاستهتار بحياة الناس دون تحرك جدي لحلها
وأقر الرئيس رشاد العليمي بأن هذه الاحتجاجات النسائية أعادت تسليط الضوء على أزمات الكهرباء والماء وسوء الخدمات، مؤكدا التزام الدولة بـ"مواصلة الإصلاحات في مجالات الكهرباء، والطاقة، والخدمات الأساسية".
صحيح أن مناطق "الشرعية" تعاني من تدهور كبير في الخدمات، ولا أحد يعرف إلى متى سيستمر هذا الاستهتار بحياة الناس دون تحرك جدي لحلها، إلا أن المقارنة مع وضع النساء في مناطق سيطرة الحوثيين تُظهر أن الواقع هناك أشد قسوة؛ حيث يُعتبر مجرد التفكير في التظاهر مخاطرة قد تُكلف المرأة حريتها أو أمنها.
ففي ذكرى ثورة 26 سبتمبر/أيلول، المناسبة التي تثير حفيظة الحوثيين كونها تذكّر اليمنيين بعهد حكم الأئمة الذي يشبّهه كثيرون بحكم الجماعة اليوم، قام الحوثيون بضرب واعتقال عدد من الرجال الذين احتفلوا بالمناسبة. أما النساء، فتم الاعتداء عليهن من قِبَلِ "الزينبيات"، الجناح العسكري النسائي التابع للجماعة.
ولا يقتصر دور "الزينبيات" على قمع المحتفلات، بل يمتد إلى مهاجمة الأمهات اللواتي يطالبن بإطلاق سراح أبنائهن من السجون، والاعتداء على طالبات جامعة صنعاء إن خالف مظهرهن معايير "الالتزام" المفروضة بالقوة، ومرافقة حملات مداهمة البيوت ليتعاملن مع النساء في هذه البيوت.
ورغم هذا القمع، تواصل المرأة اليمنية الظهور في وجه الأزمات بصورة استثنائية. نراها فيمن دخلْنَ سوق العمل وافتتحن مشاريعهن الخاصة لتأمين لقمة العيش، في واقع قاسٍ قُطعت فيه الرواتب عن كثيرين.
ونراها كذلك فيمن خرجْنَ إلى الشوارع محتجات، في مظاهرات كانت بمثابة صفعة على وجه الرجل اليمني الذي استسلم للواقع. كما قالت إحدى المتظاهرات على الشاشات: "لقد خذلنا الرجال، ولم يفعلوا شيئا، واستسلموا لهذا الوضع… فاضطررنا أن نخرج نحن".