سياسيان من أصل فلسطيني يشعلان الجدل في السويد

سياسيان من أصل فلسطيني يشعلان الجدل في السويد

استمع إلى المقال دقيقة

دول أوروبا تمنح المهاجرين العرب فرصة نادرة ليمارسوا الديمقراطية، وأن يكون لهم تأثير مباشر أو غير مباشر في صنع القرار. مع أن عدد السياسيين من أصول عربية لا يزال محدودا، إلا أن تأثيرهم يزداد وضوحا، خاصة في خضم أحداث الشرق الأوسط الأخيرة. اثنان فقط من أبرز هؤلاء السياسيين، يثيران جدلا واسعا في الإعلام والسياسة السويدية: جمال الحاج وسيمونا موهامسون. تختلف توجهاتهما السياسية بشكل كبير، لكن يجمعهما شيء مهم: أصولهما الفلسطينية.

جمال الحاج كتب مقالا موجها إلى سيمونا، قال فيه: "أنا ووالدك عشْنا في مخيم اللاجئين في نهر البارد" مذكرا إياها بأصولهما المشتركة، ومن ثم حذرها من أن الحزب الليبرالي، الذي تقوده الآن، قد خذل مبادئه بتحالفه مع "اليمين المتطرف"، وصمت الحزب تجاه ما يحدث في غزة. هو لم يدنها كفرد، بل دعاها لتكون صوتا لقيم العدالة والإنسانية في حزب يتجه نحو إملاءات سياسية لا تتفق مع جذورهما المشتركة بحسب رأيه.

حين قدمتُ إلى السويد، كان الحاج أول عربي التقيت به في البرلمان. هو في منتصف ستيناته، دخل البرلمان عن حزب الاشتراكيين الديمقراطيين عن دائرة مالمو، كبديل لنائب شغر مقعده بين يوليو/تموز 2016 وسبتمبر/أيلول 2018، قبل أن يتحول إلى المقعد الدائم منذ 24 سبتمبر 2018. هاجر من مخيم نهر البارد في لبنان في السبعينات، وبدأ نشاطه كمسؤول نقابي، وانخرط سياسيا منذ أوائل التسعينات. أتذكر كيف كان الكثير من العرب يتابعونه باعتباره نموذجا للعربي الذي نجح في أن يمثل الأقلية في السياسة السويدية.

لكن خلال السنتين الماضيتين، صار الحاج محور جدل صحافي، وانتقادات واسعة أدت إلى مشاكل كثيرة: أولها حضور مؤتمر "فلسطينيو أوروبا" في مالمو في مايو/أيار 2023، رغم أن حزبه حذره من حضور المؤتمر، وتعرض المؤتمر إلى اتهامات بعلاقته مع حركة "حماس". الحاج دافع بأن وجوده كان بصفتِه فلسطينيا-سويديا منتخبا، وليس تأييدا تنظيميا لـ"حماس". رئيسة حزبه ماغدالينا أندرسون دافعت عنه بشدة، حتى إنها كادت أن تبكي عندما ألقت كلمتها في البرلمان في شأنه. لكن التسريبات عن المؤتمر وصوره برفقة رئيس المؤتمر الذي ينتمي لـ"حماس" في مناسبات عدة زادت الضغط على حزبه حيث اضطر الحزب لتعليق مشاركة الحاج في لجنة الشؤون الخارجية، واستقال منها نهاية 2023، ثم جاءت الضربة القاصمة التي وصفتها الصحافة "بفضيحة تدخل غير لائق" في مصلحة الهجرة.

فضيحة جمال الحاج كانت متعلقة بمحاولة التأثير على قرار مصلحة الهجرة السويدية عام 2017 في ملف لجوء خاص برجل دين يُدعى عطا السيد، سبق أن عمل في مسجد "اسكندينافيكا وقف" في مالمو. وفق التقارير، اتصل الحاج بأحد موظفي الهجرة وطلب منه عدم تسجيل هذا التدخل في السجلات الرسمية، في محاولة لمنح الإقامة للسيد. تصرف كهذا يعتبر تجاوزا أخلاقيا واضحا لمسلك السياسي تجاه مؤسسة مستقلة. عندما انكشفت الفضيحة في فبراير/شباط 2024 أعلنت ماغدالينا أندرسون رسميا عن فقدان الثقة به، وطالبته بالاستقالة من البرلمان. لكنه رفض، وواصل عمله كنائب مستقل، ثم فجر مفاجأة بتسجيل حزب جديد أطلق عليه اسم "حزب الوحدة" في يوليو/تموز 2025، معلنا أنه يسعى إلى بناء بديل سياسي يرتكز على العدالة الاقتصادية، والتضامن الدولي، والإنسانية، والمسؤولية المناخية.

المهم أن يكون الصوت العربي معبرا من داخل الأحزاب التقليدية، وأن يكون صوتا يحمل قيم السويد ويعكس حقوق الأقليات

ردود فعل الجالية العربية على الحزب الجديد كانت قوية وانتقادية. كثيرون حذروا بأن أصواتهم قد تُهدَر إذا صوتوا لحزب صغير قد لا يحصل على عدد الأصوات اللازم لتجاوز عتبة البرلمان ويُفقدهم التأثير الذي يمكنهم تحقيقه في أحزابٍ داعمة لقضاياهم على المدى الطويل.
أما سيمونا مهامسون فهي السياسية الشابة التي تولت رئاسة حزب الليبراليين وتم تعيينها وزيرة للتعليم والاندماج في حكومة أولف كريستنشون منذ 28 يونيو/حزيران 2025. اسم والدها مميز، فالاسم العائلي "موهامسون" يجمع بين "محمد" و"سون" التي تعني بالسويدية ابن. وهي أكدت في خطابها في فعالية الميدالين 2025 أن والدها غير اسمه تقديرا وامتنانا للمجتمع السويدي ومساهمته فيه.
نشأت سيمونا في هامبورغ وهاجرت إلى السويد في سن الثامنة، والدها فلسطيني بينما والدتها لبنانية. رغم شبابها (30 عاما في 2025)، جذبت الأنظار بقوة خطابها وحضورها في "الميدالين"، وهي فعالية سياسية تقليدية تُعقد سنويا على جزيرة غوتلاند. كانت ثمة انتقادات حول تناغم مواقفها مع توجه "الحزب الليبرالي" الحالي، منها ما كتبه الحاج عنها في مقاله خاصة بعد توجه حزبها نحو التعاون مع "حزب الديمقراطيين السويديين"، الذي يُوصف بأنه من اليمين المتطرف، وهو ما خالف موقفها السابق تماما من هذا الحزب.
كما أثارت سيمونا جدلا داخل أوساط أحزاب الوسط واليسار حول سياسات مثل "خارطة القيم" التي اقترحتها لدراسة قيم المهاجرين باستخدام بيانات لتوجيه برامج الاندماج، وهو ما رآه البعض أسلوبا رقابيا أو حتى بوليسيا، خاصة مع فكرة تشكيل "شرطة خاصة بالكلانات" (klapolis) لمراقبة العائلات التي تتهمها السلطات بارتباطها بالعصابات أو قواعد الشرف المحافظة.
أما بالنسبة لي، كمهاجرة عربية في السويد، فإن المشاركة في العملية الديمقراطية والسياسة السويدية أمر ملهم. ومن الطبيعي أن يكون هناك تنوع في الأفكار والتوجهات، شرط أن يترافق مع التزام بالقوانين والسلوك السياسي المسؤول. المهم أن يكون الصوت العربي معبرا من داخل الأحزاب التقليدية، وأن يكون صوتا يحمل قيم السويد ويعكس حقوق الأقليات.

font change