بينما أتابع فرحة السوريين بتصريح الرئيس دونالد ترمب من الرياض حول رفع العقوبات عن سوريا، لفت نظري تعليق كتبه يمني يعبر عن شعوره بالحسرة وخيبة الأمل، حيث قال: "شفتم لما يكون فيه عرس جنب بيتك وأنت ولا حد عبّرك ولا عزمك ولا حتى سلم عليك، ولا حد وسّع لك بجانبه ولا أعطاك زجاجة ماء؟ هذا شعورنا اليوم كيمنيين".
ما قاله هذا الرجل ببساطة تعبيره وبلهجته اليمنية هو شعور الكثير من اليمنيين، شعورهم بالخذلان، وأنهم أيضا كانت لديهم هذه الفرصة بأن تتحرر اليمن بكاملها ويعترف بها العالم ولكنهم ضيعوها، واليوم يشعرون بأنهم ذلك الرجل الذي يدخل حفل عرس فلا يهتم به أحد ولا يعطيه حتى رشفة ماء بينما يجد غيره ينال الكثير من الاهتمام.
ورغم أن سوريا لم تصبح في وضع مثالي بعد، وما زالت تعاني كثيرا، وهناك تخوف، فإن خطوة إلغاء العقوبات، واحتفاء العالم بها، ومسارعة زعماء العالم للاعتراف بحكومتها هو دليل نجاح بكل الأحوال.
قرأت الكثير من تعليقات اليمنيين في وسائل التواصل الاجتماعية. منهم من يتهم دولا أخرى بالتقصير، وبأنها السبب في عدم حسم المعركة مع الحوثي إلى هذا اليوم، ومنهم من يقول إن التحالف ودول العالم قدمت الكثير من الدعم لـ"الشرعية"، ولكن "الشرعية" بسبب فسادها ضيعت فرصة الانتصار على الحوثي.
تتعرض الحكومة اليمنية لانتقادات متكررة من الشعب لأنها لا تقيم في مناطق شرعيتها، وبأنها تبدو غير مبالية بما يحدث. وقد نُشر قبل أسابيع مقال لكاتب يمني بارز ذكر أنه زار قيادات "الشرعية" ووصفهم بأنهم بدوا تائهين، و"يتعاطون القات" الذي ينسيهم ما تمر به البلد. قد يكون تعبيره قاسيا، ولكنه حاز على الكثير من التأييد من اليمنيين الذين يعرفون هذا الوضع مسبقا، ورغم ذلك صُدموا عندما قرأوه عن شخص ذهب بنفسه ورأى أمام عينه الوضع الحقيقي.
هناك من يحاول أن يصور- سواء لأهداف سياسية أو بدون تعمد- أن هذه ليست غلطة السياسيين اليمنيين، أو اتهام الدول الغربية بأنها تدعم الحوثيين وقامت بخطوات عرقلت فيها "الشرعية". ولكن تبدو هذه الاتهامات ضعيفة عندما نتابع العشر سنوات الماضية، ونرى أن اليمن بالفعل حصل على الكثير من الدعم بكل أنواعه. ونتابع أيضا ثورة النساء في عدن المطالبات بتوفير الكهرباء، في عدن المدينة التي ترتفع فيها الحرارة بشكل كبير والتي من المفترض أن تكون مقرا لـ"الشرعية" وأن تكون الأرضية التي تُثْبِت فيها الحكومة المعترف بها دوليا أنها قادرة على الحكم وفرض سيطرتها، ولكن للأسف فشلت في ذلك.
قد تكون أخبار سوريا حافزا لحدوث تغيير، وقد يتحول سخط المواطنين اليمنيين لقوة تستطيع إحداث تغيير حقيقي وتصحو "الشرعية" من حالة الضياع
في رأيي الشخصي أن هناك عدة مشاكل. هناك فعلا أشخاص من "الشرعية" اليمنية ليسوا مهتمين بالعودة لليمن، أو بالأصح لا يريدون ذلك، ويستخدمون الإعلام في بث التفرقة، وإلهاء الناس بنزاعات داخل "الشرعية" اليمنية، واتهام بعضهم البعض بالفساد.
النوع الثاني من السياسيين في "الشرعية" هو الذي يريد فعلا أن يفعل شيئا لكنه غير قادر بحكم أنه ليس لديه سلطة كبيرة وهؤلاء ربما يتركون "الشرعية" قريبا.
النوع الثالث هو السياسيون أو القبائل التي تنتظر قراراتٍ مصيريةً من جهات عليا في "الشرعية" تعلن عن خطوات جادة، ولكنها تسمع أعذارهم بأنهم ليس لديهم قوة كافية أو دعم حربي كافٍ، إلى آخره.
بغض النظر إن كانت أعذار "الشرعية" حقيقية أم لا، وبعيدا عن التحليلات السياسية المعقدة، فإنني سأتحدث بلغة المواطن البسيط الذي يشعر بالمرارة وهو يرى أن وضع بلده يتدهور أكثر، وأن الحوثيين يصبحون أكثر قوة، خاصة بعد اتفاقهم مع الرئيس ترمب على عدم استهداف السفن. يشعرون بخطر من أن المستقبل سيكون لصالح الحوثيين، وسيتم الاعتراف بهم كقوة حاكمة. يشعرون أن شعارات الجمهورية والتمسك بها هي مجرد شعارات تستخدمها "الشرعية" ولكنهم لا يرون غضبا حقيقيا، وزخما فعالا لحسم هذا الوضع.
قد أكون مخطئة، وقد تكون أخبار سوريا حافزا لحدوث تغيير، وقد يتحول سخط هؤلاء المواطنين لقوة تستطيع إحداث تغيير حقيقي وتصحو "الشرعية" من حالة الضياع...
لكن على اليمني أن يتحمّل المسؤولية ويتوقف عن إلقاء اللوم على الدول الأخرى.. "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".
مبارك لسوريا، وعقبى لليمن.