شهدت الجزائر خلال العامين الأخيرين تحولا جذريا في قطاع الزراعة، حيث أدرك صناع القرار أهمية الاستفادة من إمكانات الصحراء الجزائرية الشاسعة لتعزيز الإنتاج الزراعي وتحقيق السيادة الغذائية والاكتفاء الذاتي. فقد بدأت البلاد في تنفيذ مشاريع زراعية استراتيجية في صحرائها، تستهدف المحاصيل الأساسية مثل الحبوب والبقوليات والبطاطا وغيرها، بالإضافة إلى تربية المواشي وإنتاج الأعلاف. هذا التحول جاء نتيجة لاستصلاح مساحات شاسعة من الأراضي، واعتماد تقنيات الري الحديثة، وتبني تكنولوجيا الزراعة المتقدمة بما يتناسب مع البيئة المحلية ويساهم في تحسين الإنتاجية وتحقيق الاستدامة البيئية.
وقد أدت هذه الجهود الى توسيع رقعة الأراضي المستصلحة، حتى أصبح قطاع الزراعة يشكل رافدا مهما للاقتصاد الجزائري، وداعما أساسيا للجهود الرامية لتعزيز الأمن الغذائي في حين تتجه الصحراء بوتيرة متسارعة لتصبح سلة غذاء استراتيجية ليس فقط لتلبية الاحتياجات المحلية، بل أيضا لتصدير المنتجات الغذائية إلى أسواق شمال أفريقيا وحتى دول الساحل الأفريقي. وعلى الرغم من هذه الإنجازات، تظل هناك تحديات قائمة، مثل التغيرات المناخية، وارتفاع درجات الحرارة، وزيادة ملوحة التربة، التي قد تعترض هذا المسار. فما هي أهم الخصائص الطبيعية الفريدة التي تمتاز بها صحراء الجزائر وتؤهلها لتحقيق السيادة الغذائية ودعم الأمن الغذائي في أفريقيا؟ وما هي أبرز التحديات التي قد تواجه هذا التحول؟
أحد أكبر احتياطيات المياه الجوفية
لقد أثبتت كل التجارب الزراعية في صحراء الجزائر نجاحها بفضل عوامل عدة، نذكر منها الموارد المائية الوفيرة، إذ تمتلك الجزائر أحد أكبر احتياطيات المياه الجوفية العذبة في العالم، حيث تُقدّر الموارد المائية المتجددة في البلاد بـ 11.4 مليار متر مكعب من المياه السطحية و3 مليارات متر مكعب من المياه الجوفية، فيما تُقدّر الموارد المائية غير المتجددة بنحو 5 مليارات متر مكعب تقع كلها في جنوب البلاد، مما يستدعي ضرورة استخدامها بطريقة مستدامة. ووفق الأرقام الرسمية التي قدمتها وزارة الفلاحة في الجزائر، فإن كميات المياه القابلة للاستغلال حسب النموذج العددي لنظام طبقات المياه الجوفية في الصحراء الشمالية، تُقدّر بنحو 6.1 مليار متر مكعب في حلول عام 2050.