الجزائر وباريس.. بين استفحال الأزمة والبحث عن حل

عدم اليقين سيد الموقف

رويترز
رويترز
العلم الجزائري يرفرف على واجهة السفارة الجزائرية في باريس، فرنسا، 16 أبريل

الجزائر وباريس.. بين استفحال الأزمة والبحث عن حل

مخطئ من كان يعتقد أن المكالمة الهاتفية التي جرت في 31 مارس/آذار 2025، بين الرئيسين الجزائري عبد المجيد تبون، والفرنسي إيمانويل ماكرون، أسدلت الستار على أزمة قطيعة استمرت ثمانية شهور كاملة بين البلدين، فالأزمة اليوم تتوسع وتتعمق وقد تنتج ما هو أخطر بكثير من توقيف القنصليين الجزائريين وتبادل طرد الدبلوماسيينفي سابقة هي الأولى من نوعها منذ استقلال الجزائر عن فرنسا عام 1962.

واشتعلت نار التصعيد مجددا بعد توقيف الموظف القنصلي الجزائري ووضعه رهن الحبس المؤقت في إطار تحقيق قضائي للاشتباه في اختطاف أحد المصنفين ضمن كيانات إرهابية في مايو/أيار 2021، صنف على اللائحة الرسمية للإرهاب في البلاد.

وتقول فرنسا إن ثلاثة أشخاص ومن ضمنهم الدبلوماسي الجزائري، جميعهم وجه لهم اتهام بخطف أمير بوخرص، وهو ناشط معارض يقيم في فرنسا منذ سنوات، ويهاجم وينتقد بشدة السلطة في الجزائر، وعلى إثر هذا قدمت السلطات الجزائرية طلبات عديدة للسلطات الفرنسية بهدف تسليمه بعد إدانته من القضاء الجزائري في أكثر من قضية بالسجن بتهم المساس بالأمن الوطني والوحدة الوطنية وإهانة هيئة نظامية وتسريب وثائق ومعلومات وغيرها.

وردتالجزائر بقرار يقضي بإبعاد 12 موظفا يعملون في السفارة الفرنسية وممثلياتها القنصلية بالجزائر والمنتمين لأسلاك تحت وصاية وزارة الداخلية الفرنسية واعتبارهم أشخاصا غير مرغوب فيهم مع مطالبتهم بمغادرة البلاد خلال 48 ساعة.

طبيعة المسائل الخلافية

ولاستشراف مستقبل العلاقة بين فرنسا والجزائر، ينبغي التركيز على محددين رئيسين: يتعلق الأول بطبيعة المسائل الخلافية، والثاني يتعلق بطبيعة الأطراف التي تحرك الأزمة في باريس ودفعها نحو التأزيم وهنا يمكن الإشارة إلى صعود اليمين المتطرف وممثليه، الذين يريدون أن يفرضوا على العلاقات الجزائرية–الفرنسية ضغائنهم المليئة بالوعيد والتهديد مستعملين ورقة الهجرة والمهاجرين، والمتوقع حاليا أن تستمر الأزمة إلى موعد الانتخابات الرئاسية القادمة لا سيما وأن العلاقات الثنائية بين البلدين أصبحت ورقة انتخابية في فرنسا.

وبوجه عام، يقول البروفيسور نور الصباح عكنوش، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة بسكرة لـ"المجلة" إن "حالة عدم اليقين أصبحت الثابت الوحيد الذي يصوغ ويشكل العلاقات بين البلدين ولا يمكن التنبؤ بعودتها إلى طبيعتها وقد تسوء في أي لحظة لا سيما وأن ماكرون عاجز عن اتخاذ موقف واضح بسبب اختلال التوازن بينه وبين البرلمان وهي القراءة التي قدمها أحد مستشاريه لوسائل إعلام فرنسية عقب الإعلان عن نتائج التصويت في الانتخابات التشريعية المبكرة التي جرت في يوليو/تموز الماضي، إذ قال إن ماكرون سلم مفاتيح السلطة السياسية للنواب ومفاتيح الإليزيه لم تعد بيديه وهو مجبور على التعايش مع حكومة تكون أغلبيتها من معسكر مختلف لبقية فترة ولايته الرئاسية حتى مايو/آيار 2027".

لاستشراف مستقبل العلاقة بين فرنسا والجزائر، ينبغي التركيز على محددين رئيسين: يتعلق الأول بطبيعة المسائل الخلافية، والثاني يتعلق بطبيعة الأطراف التي تحرك الأزمة في باريس

ويؤيد هذا الطرح الدبلوماسي والوزير الجزائري السابق عبد العزيز رحابي، الذي قال في حوار له مع قناة محلية إن "ماكرون فقد السيطرة على خطاب الحكومة تجاه الجزائر، وبالنسبة لسفير الجزائر السابق في إسبانيا والمكسيك فإن الأزمة ستستمر على الأقل حتى انتخابات الرئاسة في فرنسا 2027، إذإن"تيارات اليمين المتطرف ومن وصفهم بأصحاب الحنين للاستعمار يستغلون ملف الجزائر لأغراض انتخابية داخلية كما فعل نيكولا ساركوزي في 2007".

وفي قراءته للتجاذبات الحالية، أكد أن باريس لم تعد تملك أي أدوات تأثير في الجزائر، لا سياسية ولا اقتصادية ولا ثقافية، وذكّر هنا، بأن الجزائر رفضت منذ الاستقلال الانخراط في التبعية الاقتصادية أو السياسية، ولم تنضم للمنطقة الفرنكفونية ولا للتجمعات العسكرية الكبرى، محافظة على استقلالية قرارها.

أ.ف.ب
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون يستقبل وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو في الجزائر العاصمة في 6 أبريل 2025

وبالنسبة للدكتور خواص مصطفى، الباحث المتخصص في الشأن الأفريقي بالمدرسة الوطنية العليا للعلوم السياسية فإنه "من غير الممكن تسليط الضوء على مسارات الأزمة، من دون استعراض نقاط التشابك بين البلدين وهي كثيرة ومتعددة لكن يمكن حصرها في 3 أسباب رئيسة: يرتبط السبب بالتاريخ الاستعماري في شقيه اعتراف فرنسا بمسؤولية جرائم الإبادة التي تعرض لها الجزائريون من 1830 إلى 1962، أما الشق الثاني فهو مرتبط بتجريم الاستعمار والتعويض عن المظالم التاريخية التي تعرض لها الشعب الجزائري".

لا يبدو في الأفق تصور واضح لحل الأزمة، لا سيما في ظل تصلب المواقف والاحتقان السياسي بين الجزائر التي تسعى إلى بناء شراكة جديدة قائمة على منطق الندية وباريس التي ترفض التعامل وفق هذه الدبلوماسية

يضاف إلى ذلك ما يتصل بالمشهد السياسي بين البلدين وهنا يمكن استعراض الكثير من الملفات أولها الموقف الفرنسي الأخير الداعم لما يسمى "خطة الحكم الذاتي" في الصحراء الغربية ضمن السيادة المغربية المزعومة، ولقد كان ذلك الموقف القطرة التي أفاضت الإناء، ولا يمكن أيضا إغفال سياسيات الهجرة ونخص بالذكر اتفاقية الهجرة والإقامة والتنقل المبرمة بين البلدين، فباريس تريد تعديلها لأنها تتضمن امتيازات لصالح الجزائريين تخص الإقامة ولمّ الشمل والهجرة والعمل، غير أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون يراها "قوقعة فارغة"، ولا يمكن إغفال الجانب الاقتصادي لا سيما ما تعلق بالعلاقات الاقتصادية التي تشهد تراجعا ملحوظا على خلفية الأزمات المتكرر بين البلدين إذ بلغ التبادل التجاري في عام 2023 أي ما يعادل 11.8 مليار يورو في 2023، بينما تعتبر فرنسا ثاني أكبر مورّد للجزائر وثالث أكبر مستورد منها، في حين يميل الميزان التجاري لصالح الجزائر حيث تخطت عتبة الصادرات الجزائرية إلى فرنسا 7.3 مليار يورو بينها 6 مليارات يورو من صادرات المحروقات.

ولا يبدو في الأفق تصور واضح لحل الأزمة، لا سيما في ظل تصلب المواقف والاحتقان السياسي بين الجزائر التي تسعى إلى بناء شراكة جديدة قائمة على منطق الندية وباريس التي ترفض التعامل وفق هذه الدبلوماسية، وفي هذا السياق استعرض الدكتور خواص مصطفى 3 سيناريوهات محتملة للشكل الذي يمكن أن تتخذه العلاقات بين البلدين:

السيناريو الأول: يبقى فيه التصعيد سيد الموقف ينخفض مرة ويرتفع مرة وقد يصل إلى مستويات غير مسبوقة وهو الوضع الذي نشهده حاليا إذ تمثل قضية طرد الدبلوماسيين سابقة في تاريخ العلاقات بين البلدين.

السيناريو الثاني: يقوم هذا السيناريو على المصالحة التاريخية أي بعد الاعتراف والاعتذار وربما التعويض، وهذا الخيار غير قابل للتحقق في الوقت الحالي والمدى المنظور.

السيناريو الثالث والأخير: ويقوم على القطيعة وهو الأقرب إلى الواقع، لا سيما في ظل صعود اليمين المتطرف إلى الحكم، فهذا التيار يرى أن الجزائر أخذت أكثر مما يجب وهي مجرد مستعمرة سابقة وحديقة خلفية لفرنسا ولهذا تتكرر الأزمة بشكل دوري.

font change