مخطئ من كان يعتقد أن المكالمة الهاتفية التي جرت في 31 مارس/آذار 2025، بين الرئيسين الجزائري عبد المجيد تبون، والفرنسي إيمانويل ماكرون، أسدلت الستار على أزمة قطيعة استمرت ثمانية شهور كاملة بين البلدين، فالأزمة اليوم تتوسع وتتعمق وقد تنتج ما هو أخطر بكثير من توقيف القنصليين الجزائريين وتبادل طرد الدبلوماسيينفي سابقة هي الأولى من نوعها منذ استقلال الجزائر عن فرنسا عام 1962.
واشتعلت نار التصعيد مجددا بعد توقيف الموظف القنصلي الجزائري ووضعه رهن الحبس المؤقت في إطار تحقيق قضائي للاشتباه في اختطاف أحد المصنفين ضمن كيانات إرهابية في مايو/أيار 2021، صنف على اللائحة الرسمية للإرهاب في البلاد.
وتقول فرنسا إن ثلاثة أشخاص ومن ضمنهم الدبلوماسي الجزائري، جميعهم وجه لهم اتهام بخطف أمير بوخرص، وهو ناشط معارض يقيم في فرنسا منذ سنوات، ويهاجم وينتقد بشدة السلطة في الجزائر، وعلى إثر هذا قدمت السلطات الجزائرية طلبات عديدة للسلطات الفرنسية بهدف تسليمه بعد إدانته من القضاء الجزائري في أكثر من قضية بالسجن بتهم المساس بالأمن الوطني والوحدة الوطنية وإهانة هيئة نظامية وتسريب وثائق ومعلومات وغيرها.
وردتالجزائر بقرار يقضي بإبعاد 12 موظفا يعملون في السفارة الفرنسية وممثلياتها القنصلية بالجزائر والمنتمين لأسلاك تحت وصاية وزارة الداخلية الفرنسية واعتبارهم أشخاصا غير مرغوب فيهم مع مطالبتهم بمغادرة البلاد خلال 48 ساعة.
طبيعة المسائل الخلافية
ولاستشراف مستقبل العلاقة بين فرنسا والجزائر، ينبغي التركيز على محددين رئيسين: يتعلق الأول بطبيعة المسائل الخلافية، والثاني يتعلق بطبيعة الأطراف التي تحرك الأزمة في باريس ودفعها نحو التأزيم وهنا يمكن الإشارة إلى صعود اليمين المتطرف وممثليه، الذين يريدون أن يفرضوا على العلاقات الجزائرية–الفرنسية ضغائنهم المليئة بالوعيد والتهديد مستعملين ورقة الهجرة والمهاجرين، والمتوقع حاليا أن تستمر الأزمة إلى موعد الانتخابات الرئاسية القادمة لا سيما وأن العلاقات الثنائية بين البلدين أصبحت ورقة انتخابية في فرنسا.
وبوجه عام، يقول البروفيسور نور الصباح عكنوش، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة بسكرة لـ"المجلة" إن "حالة عدم اليقين أصبحت الثابت الوحيد الذي يصوغ ويشكل العلاقات بين البلدين ولا يمكن التنبؤ بعودتها إلى طبيعتها وقد تسوء في أي لحظة لا سيما وأن ماكرون عاجز عن اتخاذ موقف واضح بسبب اختلال التوازن بينه وبين البرلمان وهي القراءة التي قدمها أحد مستشاريه لوسائل إعلام فرنسية عقب الإعلان عن نتائج التصويت في الانتخابات التشريعية المبكرة التي جرت في يوليو/تموز الماضي، إذ قال إن ماكرون سلم مفاتيح السلطة السياسية للنواب ومفاتيح الإليزيه لم تعد بيديه وهو مجبور على التعايش مع حكومة تكون أغلبيتها من معسكر مختلف لبقية فترة ولايته الرئاسية حتى مايو/آيار 2027".