بريطانيا في عصر التطرف

بريطانيا في عصر التطرف

طال الأطفال الذين يسمعون الموسيقى والشباب في النوادي والمصلين في مساجدهم





* أدت الأحداث السياسية الأوسع نطاقاً وتكرار الهجمات إلى التأخر في فهم الخطوات التي ستتخذها الحكومة البريطانية عملياً للرد على الإرهاب.
* كثير من الذين شاركوا في أعمال إرهابية في أنحاء العالم كانوا يتعاطون المخدرات ويدمنون الخمر ويلاحقون النساء ويؤيدون التحول الجنسي، ثم تبنوا آراء متطرفة وقاموا بعمل يفاجئ أسرهم وأصدقاءهم.
* إذا لم تتمكن العائلات من اكتشاف التطرف في المنزل، فلا أمل في أن تقوم الدولة البريطانية بعملٍ أفضل...
* المطلوب رؤساء هادئون في وستمنستر ومواطنون مسؤولون في الشوارع، وليس إلغاء الحريات الفردية ولا الاستسلام لسياسات الكراهية.
* جرائم الكراهية ضد المسلمين ارتفعت في مدينة مانشستر إلى 500 % في أعقاب هجوم «أرينا».
* 850 مواطناً بريطانياً سافروا إلى العراق وسوريا لدعم الجماعات الإرهابية أو القتال في صفوفها.




لندن: جيمس ديسلو*

تعرضت بريطانيا لثلاث هجمات «إرهابية» في خلال 75 يوماً هذا الصيف، على خلفية الانتخابات العامة واستمرار عدم اليقين بشأن شكل ونتائج خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وقد استهدف أول هجوم نفذه الانتحاري سلمان عابدي الشباب في مانشستر وأسفر عن مقتل عشرين شخصا في مايو (أيار). وليلة السبت الماضي في لندن استخدم خورام شاه زاد بات ورشيد رضوان ويوسف زغبة شاحنة وسكاكين لقتل ثمانية أشخاص في سوق بورو. وأخيراً وأيضاً في شهر يونيو (حزيران)، دهس دارين أوزبورن مصلين كانوا قد غادروا المسجد في فينسبري بارك، مما أسفر عن مقتل أحدهم.

تكرر الأحداث يعني أنه بحلول الوقت الذي يتم فيه تقبل الحدث يكون الحدث الآخر قيد التنفيذ. وأظهرت أرقام الشرطة أن التقارير عن جرائم الكراهية ضد المسلمين والحوادث في مانشستر الكبرى ارتفعت بنسبة 500 في المائة في أعقاب هجوم مانشستر مع زيادة التوترات.

وكان البرلمان البريطاني قد تعرض لهجوم من قبل خالد مسعود في مارس (آذار)، وأثار المهاجمون في يونيو رئيسة الوزراء تيريزا ماي لتطلق تحذيراً بأنها تتطلع إلى «تقييد حرية وحركة المشتبه فيهم من الإرهابيين عندما يكون لدينا ما يكفي من الأدلة لمعرفة أنهم يشكلون تهديداً، ولكن ليس دليلاً كافيا لإجراء محاكمة كاملة في المحكمة. وإذا كانت قوانين حقوق الإنسان تمنعنا، فسنغير تلك القوانين حتى نتمكن من القيام بذلك».

ومع ذلك، فقد أدت الأحداث السياسية الأوسع نطاقاً والطبيعة المتتالية على ما يبدو للهجمات إلى تأخير فهم الخطوات التي ستتخذها الحكومة البريطانية عملياً للرد على الإرهاب هذا الصيف.
لقد تم الكشف عن حجم العمليات التي استمرت في السر حتى يومنا هذا إلى حدٍ ما في أعقاب أحداث مانشستر عندما أوضح المسؤولون أن هناك 500 تحقيق حي يجري مع ثلاثة آلاف شخص. وهناك إحصائية معروفة أكثر شيوعاً وإثارةً للقلق وهي أن ما يقدر بـ850 مواطناً بريطانياً قد سافروا إلى العراق وسوريا لدعم الجماعات الإرهابية أو القتال في صفوفها. جاء هذا العنف في الصيف في الوقت الذي يُجبر مسلحو «داعش» على الخروج من الموصل وينسحبون في الرقة، ووفقاً لروسيا فقد فقدوا الخليفة الاسمي مع أبو بكر البغدادي الذي قُتل في غارةٍ جوية. وكانت إمكانية عودة هؤلاء المقاتلين محتملة منذ فترةٍ طويلة على الرغم من أن أياً من حوادث هذا الصيف كانت مرتبطة بسوريا بهذه الطريقة.

في الواقع، في حين أعلن «داعش» مسؤوليته عن هجمات مانشستر وسوق بورو لا يوجد حالياً سوى القليل من الأدلة على القيادة المباشرة والسيطرة من الكيان المتناقص. بل إنهم كانوا أكثر نجاحاً في إلهام أعمال الآخرين، وغالباً إلهام الأشخاص الذين ليس لديهم سجل صغير أو ليس لديهم اي سجل مشاركة في أعمال إرهابية.

إن التطرف السريع والمتزايد للأفراد هو أمرٌ حذّر منه مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي السابق جيمس كومي في مؤتمرٍ في لندن العام الماضي. إنه شيءٌ واحد من أجهزة الأمن الحكومية لإعاقة شبكات المهاجمين التي تسيطر عليها مركزياً، ولمنع الفرد من الانتقال من البلاغة إلى العمل دون أي تحذير.
وفي غياب قدرات «ما قبل الجريمة» التي مثلّها توم كروز في فيلم «تقرير الأقلية» (ماينوريتي ريبورت)، تتعثر الحكومات من أجل التوصل إلى خطوات فعالة ومطمئنة في مواجهة هذا التهديد الجديد. وكان ضابط الشرطة الأول في لندن كريسيدا ديك قد حث على تحسين التنظيم عندما يتعلق الأمر بالتعاقد مع الشاحنات وقد أثارت ورقة أصدرها مجلس رؤساء الشرطة الوطنية نقاشاً حول ما إذا كان يجب أن يكون أكثر أو كل ضباط شرطة خط الجبهة في بريطانيا مسلّحين أم لا.



ووراء التدابير، الأكثر تفاعلية هو المحاولة لمنع التطرف نفسه. فاستراتيجية «المنع» المثيرة للجدل هي جزء من برنامج مكافحة الإرهاب الأوسع نطاقاً في المملكة المتحدة لكنه جمع بالتأكيد معظم العناوين الرئيسية.

ويرى المدافعون عن هذا البرنامج أنه وسيلة للحد من التطرف في وقت مبكر، ويعتبر معارضو البرنامج أنه أداة لعقاب جماعي للسكان المسلمين في بريطانيا. وعلى مدى السنوات القليلة الماضية تم تدريب أكثر من 550 ألفاً من العاملين في القطاع العام البريطاني في هذه الاستراتيجية مع الممرضين والمعلمين وموظفي المجلس الذين هم الآن جزءٌ من خط الجبهة في اكتشاف التطرف.

وينظر المعارضون للتطرف على أنه قضية حماية، وليس استهدافاً للعقيدة الإسلامية. وبهذا المعنى، لا يختلف ذلك عن الإشارة إلى علامات التحذير التي ترى أن الناس تتجه إلى عنف العصابات. ومع ذلك، ودون تصديق الجمهور من المجتمع المدني بشكل عام وقادة المجتمع المسلم بشكلٍ خاص، فقد كافح من أجل أن يُنظر إليه بشكل إيجابي أو يعتمد بالطرق التي تم تصورها أصلاً.

وكثيراً ما يكون من الصعب جداً تحديد مسارات التطرف. ووصف الكثير من الأفراد الذين شاركوا في أعمال إرهابية في جميع أنحاء العالم بأنهم كانوا يتعاطون المخدرات من قبل ويسكرون كثيراً ويلاحقون النساء ويؤيدون التحول الجنسي ثم تبنوا آراء متطرفة، وقاموا بعمل يفاجئ أسرهم وأصدقاءهم.
ومن الصعب السيطرة على التطرف عبر الإنترنت بشكلٍ خاص، ولكن عمالقة الإنترنت مثل «غوغل» و«يوتيوب» يتعرضون لضغوط متزايدة ليقوموا بذلك تحديداً. وما يقوم به «التطرف الافتراضي» هو إجبار الناس على القيام بأنشطة تحت معظم الرادارات التقليدية، وقد صدمت عندما استمعت إلى أهل مراهقيْن بريطانييْن اثنين حاولا وفشلا في السفر إلى سوريا. فقد كان أهلهما غافلين تماماً عن معرفة آراء ولديهما. إذا لم تتمكن العائلات من اكتشاف التطرف في المنزل، فلا أمل في أن تقوم الدولة البريطانية بعملٍ أفضل...

ومن جهةٍ أخرى، شدد ساجد جافيد عضو البرلمان المسؤول عن الحكومة والمجتمعات المحلية، والذي أصرَّ على المسلمين البريطانيين القيام بأكثر من مجرد إدانة الإرهاب قائلا إن عليهم «عبئاً فريداً» في التصدي للتطرف. ومع ذلك يبدو أن استراتيجية «داعش» الكلية - لتقسيم المجتمع البريطاني على خطوط الهوية وتعزيز تفرقة المسلمين البريطانيين - ليست معترفاً بها حتى، مما يجعلك تتساءل عما إذا كان السياسيون يركزون بشكلٍ كبير على الاستراتيجيات قصيرة الأجل بدلاً من معالجة المشكلة ككل.

ويعتبر الارتفاع في عدد جرائم الكراهية والهجوم في فينسبري بارك الرد الذي كان يأمله استراتيجيو «داعش». والتضامن الجماهيري الجماعي الذي جاء رداً على هذا الهجوم يبرهن على الإحباط السائد لهذا النوع من السياسات الانقسامية المليئة بالكراهية التي يسعى المتطرفون السياسيون إلى تحقيقها.
إن مرونة المملكة المتحدة تجاه الهجمات التي وقعت هذا الصيف والتي استهدفت الأطفال الذين يستمعون إلى الحفلات الموسيقية، وقاصدي النوادي الذين يستمتعون بالليل أو المصلين، هو اختبار لمرونة مجتمعهم والتفكير الاستراتيجي لحكومته. المطلوب رؤساء هادئون في وستمنستر ومواطنون مسؤولون في الشوارع، وليس إلغاء الحريات الفردية ولا الاستسلام لسياسات الكراهية.

* كاتب بريطاني متخصص في قضايا السياسة والأمن بمنطقة الشرق الأوسط.
font change