بريطانيا بين «حقوق الإنسان» وأمن مواطنيها

بريطانيا بين «حقوق الإنسان» وأمن مواطنيها

تيريزا ماي: إذا كانت القوانين تمنعنا فسوف نغيرها



[caption id="attachment_55260078" align="aligncenter" width="2835"]رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي تغادر "رقم 10 داونينج ستريت" في طريقها إلى وستمنستر في وسط لندن في 28 يونيو 2017.(غيتي) رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي تغادر "رقم 10 داونينج ستريت" في طريقها إلى وستمنستر في وسط لندن في 28 يونيو 2017.(غيتي)[/caption]

* كشف الاعتداءان الإرهابيان في وستمنستر وجسر لندن أنه في بعض الحالات تكون الفترة الزمنية بين التخطيط والتنفيذ محدودة للغاية
* تحاول ماي إدخال قوانين رقابية أقوى، وتمديد أحكام السجن، وتسهيل عمليات الترحيل، إلا أنه من المستبعد أن تمنع تلك الإجراءات أي عمليات تشبه المجازر الأخيرة.



لندن – جود الحلواني

شهدت بريطانيا وقوع أربعة اعتداءات إرهابية في الأشهر الثلاثة الماضية، مما أضاف ضغوطاً غير مسبوقة على الأجهزة الأمنية في البلاد لتحسين مكافحتها للإرهاب ومنع اعتداءات مشابهة من الوقوع وحصد أرواح أخرى في المستقبل. وقد جعل ثقل هذا العبء تيريزا ماي تصل إلى درجة التصريح بأنها قد «تُمزق» قوانين حقوق الإنسان إذا لزم الأمر لفرض قيود جديدة على الإرهابيين المشتبه بهم. ولكن كيف ستبدو هذه القيود الجديدة؟

تخطط رئيسة الوزراء لتسهيل ترحيل الإرهابيين المشتبه بهم وتعزيز مراقبة المتطرفين في الحالات التي يشكلون فيها تهديداً ولا يتوفر فيها دليل كافٍ لمحاكمتهم.


ترحيل الإرهابيين



بعد وقوع اعتداءات جسر لندن ومانشستر ووستمنستر، قالت ماي: «يمكنني أن أخبركم عن بعض الأمور التي قصدتها بذلك: أقصد مد الأحكام بالسجن لفترة أطول ضد المدانين بارتكاب جرائم إرهاب. وأقصد التيسير على السلطات في ترحيل الإرهابيين الأجانب المشتبه بهم إلى بلادهم الأصلية. وأقصد فعل المزيد للحد من حرية وحركة الإرهابيين المشتبه بهم عندما يكون لدينا أدلة كافية تخبرنا أنهم يمثلون تهديداً ولكنها لا تكفي لتقديمهم إلى المحاكمة».
وأضافت: «وإذا كانت حقوق الإنسان تمنعنا من فعل ذلك، فسوف نغير تلك القوانين حتى نتمكن من فعله».

ومن خلال تلك الإجراءات، يبدو أن رئيسة الوزراء تهدف إلى تعزيز إجراءات منع الإرهاب والتحقيق فيه. قد يتضمن ذلك فرض حظر تجول إضافي، والتضييق على التعامل مع متطرفين آخرين معينين، وقيود على السفر، بالإضافة إلى تقييد الوصول إلى أجهزة الاتصال.

قد تتضمن الإجراءات مد فترة احتجاز المشتبه بهم دون تقديمهم للمحاكمة، والتي تصل حالياً إلى 14 يوماً. وأخبرت رئيسة الوزراء «ذا صن» بـ«إننا عندما خفَّضنا المدة إلى 14 يومًا، سمحنا بالفعل للتشريع بأن يمدها إلى 28 يوماً. وقلنا إن هناك ظروفًا قد تستدعي فعل ذلك. وسوف أستمع إلى ما يعتقدون أنه يلزم علينا فعله». ولكن إلى أي درجة سوف تكون هذه الإجراءات الجديدة لمكافحة الإرهاب مثمرة؟

خلايا نائمة وجدوى تشريع مكافحة الإرهاب



من المهم على نحو خاص الإشارة إلى أن ثلاثة من بين المعتدين الأربعة الذين نفذوا الاعتداءات الأخيرة في بريطانيا، خالد مسعود وسلمان عبيدي وكورام بات، كانوا معروفين لدى أجهزة الأمن قبل ارتكاب جرائمهم ولم يتم إيقافهم. ولكن لماذا؟

تكمن الإشكالية في أن أجهزة الأمن تتلقى قدراً هائلا من تقارير الشرطة وبلاغات من أفراد الشعب. ويصل عدد الخلايا النائمة في بريطانيا الذي سجلته قيادة مكافحة الإرهاب في سكوتلانديارد إلى 23 ألفاً وهو رقم يثير القلق. وتصنف هذه الخلايا النائمة وفقاً لدرجة التهديد الذي تشكله، إذ يُعتقد أن ثلاثة آلاف منها بالغة الخطورة. ومن هذا الرقم، يوجد 500 يجب أن تكون لهم الأهمية القصوى.

[caption id="attachment_55260079" align="alignleft" width="300"]خرام بوت، الذي سمي في وقت سابق باسم "أبز" يظهر في فيلم وثائقي على قناة 4.(غيتي) خرام بوت، الذي سمي في وقت سابق باسم "أبز" يظهر في فيلم وثائقي على قناة 4.(غيتي)
[/caption]

ولكن لا تزال أجهزة الأمن مجبرة على التعامل مع آلاف المشتبه بهم، من بينهم ثلاثة إلى أربعة آلاف حالة اعتقال بالإضافة إلى رقم آخر يخضع لاستجواب الشرطة.

يسمح برنامج المنع الذي أطلقته الحكومة في عام 2006 للناس بالإبلاغ عن الأفراد الذي أظهروا ميولا متطرفة إلى أجهزة الأمن. في العام الماضي فقط، تم الإبلاغ عن ثمانية آلاف شخصٍ. وتتنوع أسباب البلاغ ما بين التعبير عن تأييد «داعش» عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى تصريحات تعبر عن رغبة في إقامة دولة تطبق الشريعة. وذكر البعض اعتقاد المسلمين بحق الدفاع عن النفس عن طريق العنف إذا تعرضوا لاعتداء، أو اعتقادهم بأن إسرائيل لا يحق لها الوجود.

تغرق الأجهزة الأمنية في مثل تلك البلاغات، ومطلوب منها التحقيق فيها جميعا. وفي الوقت ذاته، تتحمل الشرطة وضباط المكتب الخامس في الاستخبارات (إم15) أيضاً مسؤولية إجراء تحقيقات كبرى في مكافحة الإرهاب. ونظرا للعدد الهائل من الحالات المطلوب التحقيق فيها، تُقَيِّم الاستخبارات كل حالة وتستجيب لتعريف الإرهاب الذي تحدده الحكومة، لتقرر أياً من الحالات تستدعي استخدام الموارد. وتصبح المهمة أبسط عندما يكون للمشتبه به ملف جنائي، يتمثل في محاولات شراء أسلحة أو متفجرات، أو دليل على التخطيط لاعتداء. كشفت مثل تلك التصرفات في السابق عن 18 شخصاً كانوا يخططون لتنفيذ هجمات إرهابية منذ عام 2013، كان من المفترض أن تقع خمس منها في الشهرين الماضيين.

الفترة الزمنية بين التخطيط والتنفيذ محدودة



ولكن يكشف الاعتداءان الإرهابيان في وستمنستر وجسر لندن اللذان تم التخطيط لهما دون لفت الانتباه نسبياً أنه في بعض الحالات تكون الفترة الزمنية بين التخطيط والتنفيذ محدودة للغاية.

ويُبرز اعتداء جسر لندن على وجه التحديد مدى تعقيد مكافحة الإرهاب اليوم. فقد تم الإبلاغ عن منفذ الهجوم كورام بات إلى شرطة مكافحة الإرهاب مرتين من قبل. كما ظهر في وثائقي أنتجته القناة الرابعة عن التطرف. بيد أن أجهزة الأمن لم تتحرك في ضوء غياب معلومات استخباراتية تكشف أن بات يخطط للهجوم. ويثير ذلك مخاوف كبيرة، نظراً لأن هناك أعداداً كبرى من الرجال أمثال بات حول أوروبا يتباهون بآرائهم المتطرفة، ولكن ليس لهم سجل جنائي.

تحاول تيريزا ماي إدخال قوانين رقابية أقوى، وتمديد أحكام السجن، وتسهيل عمليات الترحيل، إلا أنه من المستبعد أن تمنع تلك الإجراءات أي عمليات تشبه المجازر التي ضربت بريطانيا في الفترة الأخيرة. وتكمن المشكلة في أن الشرط الأساسي في جميع تلك الإجراءات هو توفر معلومات عن تخطيط المشتبه به لتنفيذ اعتداء. وهذا الشرط لم يتحقق في أي من المجرمين المسؤولين عن جميع الهجمات الثلاث التي هزت أرجاء بريطانيا في الأشهر الثلاثة الماضية. وبالتالي، لم يكن أي من منفذي الهجمات تحت المراقبة. ويكشف ذلك عن حاجة حقيقية إلى تخصيص موارد لتحسين تدفق المعلومات من الشعب إلى أجهزة الأمن. وإلا فسيترك نقص المعلومات المؤكدة المجال لرجال مثل بات لتنظيم مزيد من الخطط الإرهابية في المستقبل، وإراقة مزيد من الدماء حول أوروبا.
font change