حكاية هجرة... من طهران إلى «ناسا»

حكاية هجرة... من طهران إلى «ناسا»

[caption id="attachment_55268335" align="aligncenter" width="1312"]البروفسورة آزاده طبا زاده (ناسا) البروفسورة آزاده طبا زاده (ناسا)[/caption]

نيويورك: فيروزه رمضان زاده




* كان الإيرانيون يتوجهون في فترة الشاه إلى الدول الغربية لإكمال دراساتهم أو الحصول على فرص اقتصادية واستثمارية.
* تسارعت وتيرة الهجرة بشكل لافت بعد قيام الثورة الإيرانية لأسباب سياسية ودينية أو للهروب من الخدمة الإلزامية خلال فترة الحرب بين إيران والعراق أو لتزايد قمع النشطاء السياسيين.




حصلت البروفسورة آزاده طبا زاده الحائزة على دكتوراه الكيمياء الفيزيائية في جامعة ستانفورد الأميركية وعلى جوائز كثيرة حتى الآن، منها قلادة العلوم الوطنية الأميركية في 1999، والتي يمنحها الرئيس الأميركي إلى شخصيات بارزة في مجال العلوم والهندسة، وميدالية الاتحاد الجيوفيزيائي الأميركي في 2001.
ولدت آزاده في 17 فبراير (شباط) 1965 في طهران، والدها مهندس طرق ووالدتها ربة بيت. وعاشت فترة الطفولة والمراهقة في طهران، غير أن قيام الثورة والحرب الإيرانية العراقية غير مسار حياتها وحياة عائلتها.
أجرت «المجلة» حوارا مع البروفسورة آزاده طبا زاده، التي تحدثت عن تجربتها المريرة والهجرة القسرية وغير الشرعية من بلادها وإنجازاتها اللامعة في الولايات المتحدة.
وأشارت آزاده إلى عام 1982 حيث كان قد مر عامان على الحرب بين إيران والعراق قائلة: «كان نظام الخدمة العسكرية أو التجنيد إجباريا في فترة الحرب وكان النظام يرسل الجنود إلى جبهات القتال، وأصبح أخي، أفشين، من ضمن أولئك الذين يجب عليهم الذهاب إلى جبهة الحرب. عارض والدي ووالدتي ذهاب أفشين إلى الحرب. كان النظام في تلك الفترة يتخذ إجراءات مشددة بشأن التزام النساء بالحجاب الإسلامي وقام بإغلاق كافة الجامعات بسبب الحرب. وتم إغلاق الحدود للحؤول دون مغادرة الشباب للبلاد، وفي ضوء هذه الظروف الصعبة قررنا الهروب من إيران في 1982. عندما أدركت بأن أمي وأبي يريدان إرسال أخي (أفشين) برفقة ابن عمتي إلى باكستان عن طريق التهريب طلبت منهما أن أرافقهما. لم يوافق والدي في البداية على مغادرتي للبلاد ولكنه وافق بالنهاية على الأمر، بسبب إصراري ورغبتي الشديدة في الذهاب مع أخي».

[caption id="attachment_55268336" align="alignleft" width="402"]البروفسورة آزاده طبا زاده (ناسا) البروفسورة آزاده طبا زاده (ناسا)[/caption]

قرر والدا آزاده طبا زاده أن يرسلا آزاده البالغة 17 عاما برفقة أخيها (أفشين) البالغ 18 عاما وابن عمتهما إلى باكستان عن طريق التهريب وبشكل غير قانوني.
كان الإيرانيون يتوجهون في فترة الشاه إلى الدول الغربية لإكمال دراساتهم أو الحصول على فرص اقتصادية واستثمارية غير أن وتيرة الهجرة تسارعت بشكل لافت بعد قيام الثورة الإيرانية لأسباب سياسية ودينية أو لعوامل أخرى على غرار الهروب من الخدمة العسكرية الإلزامية خلال فترة الحرب بين إيران والعراق وتزايد قمع النشطاء السياسيين في الثمانينات وأيضا قمع الحركة الخضراء الاحتجاجية في 2009.
وأوضحت آزاده طبا زاده قائلة: «غادر كثير من المواطنين البلاد في تلك الفترة بشكل غير شرعي ومن خلال الاستعانة بمهربين كانوا يحصلون على 22 ألف دولار لكل شخص إزاء تهريبه خارج البلاد وكان المبلغ كبيرا آنذاك. وكان من المقرر أن نغادر إيران بمساعدة أحد المهربين ويدعى (أخلاق) الذي قام بتهريب بعض أقربائي إلى خارج إيران من قبل وبالتالي كان (أخلاق) محل ثقة والدي. وكانت جميع الرحلات متوقفة في تلك الفترة إلا الرحلات الداخلية في مطار مهر آباد في طهران (كان المطار الوحيد في العاصمة) حيث توجهنا مع والدتي إلى الأهواز. نزلنا هناك وتم اقتيادنا بسيارة أجرة إلى أحد شوارع المدينة وكان السائق من رجال (أخلاق) وتوقفت السيارة هناك وعندها قمت بتوديع والدتي وموطني. كانت لحظة الوداع صعبة للغاية. بعد أن افترقنا عن والدتي ركبنا في شاحنة ومكثنا في قرية في إيران لليلة واحدة واجتزنا الحدود في اليوم التالي. وبقينا في الشاحنة في الطريق لمدة 3 - 4 أيام، ومن ثم توجهنا سيرا على الأقدام إلى كراتشي وبعد يومين اشترينا تذاكر سفر إلى مدريد. ففي تلك الفترة، كانت إسبانيا البلد الوحيد الذي لا يطلب تأشيرة الدخول من الإيرانيين».
تشير طبا زاده إلى خالها الذي حكم عليه بالإعدام آنذاك، وتقول: «ساعد خالي أخاه للهروب من إيران وبعد ذلك تم اعتقال خالي الآخر ويدعى رضا. مررنا بتجربة صعبة آنذاك خاصة أن جدتي كانت مصابة بالسرطان وعلى وشك الموت. وفي النهاية، أطلقوا سراح خالي بفضل جهود والدتي».
وبعد مرور 3 - 4 أشهر من مغادرتهم للبلاد تمكن والد آزاده ووالدتها وأختها الصغرى (أفشان) وخالاها (أحمد ورضا) من مغادرة البلاد أيضا عن طريق المهرب ذاته (أخلاق).
وتتحدث آزاده عن الهجرة إلى الولايات المتحدة والحياة الجديدة التي كانت بانتظارها هي وكل العائلة هناك: «كانت ظروفنا المادية جيدة في إيران فكان والدي مهندس طرق ويقوم بإدارة مشاريع البناء في كثير من مناطق البلاد غير أنه تخلى عن أملاكه في طهران وتمكن من الاحتفاظ بـ400 ألف دولار فقط. قام النظام بمصادرة كل أراضينا وأملاكنا العائلية بعد مغادرة والدي لإيران».
وتابعت: «توجهنا إلى إسبانيا. وحصل والدي على فيزا للعمل بعد نحو 7 أشهر، وحصلنا أنا وشقيقي وشقيقتي على فيزا الدراسة في الجامعات الأميركية فتوجهنا كلنا إلى الولايات المتحدة».
اشترى والد آزاده بعد فترة شركة أميركية للبناء كانت على وشك الإفلاس، حيث أصبحت الآن إحدى الشركات الناجحة للبناء في أميركا ويشتغل فيها 500 موظف. وحققت الشركة إنجازات كبيرة على مستوى البلاد. وأكملت آزاده دراساتها العليا في فرع الكيمياء في جامعة USLA في لوس أنجليس في مرحلة البكالوريوس والماجستير.
وتحدثت البروفسورة طبا زاده حول أبحاث أجرتها في فترة الدراسة حول طبقة الأوزون: «عندما كنت أقوم بدراسة حول طبقة الأوزون لأطروحة الماجستير أدركت كيف أن البشر يعملون على تدمير طبقة الأوزون، وكيف أن تلوث الهواء له آثار تدميرية على حياة الإنسان والبيئة. أثارت هذه التحقيقات إعجاب وكالة ناسا وساعدتني في دفع تكاليف الجامعة عندما كنت طالبة جامعية».



وعرضت وكالة ناسا بعد فترة على طبا زاده العمل في الوكالة لإكمال تحقيقها حول طبقة الأوزون. واستمر هذا التعاون لمدة 15 عاما وحصلت الباحثة الإيرانية على قلادة العلوم الوطنية الأميركية في 1999 والتي يمنحها الرئيس الأميركي إلى شخصيات بارزة في مجال العلوم والهندسة. عندما بدأت آزاده العمل كباحثة في ناسا تم اختيار 30 طالبا ومن ضمنهم آزاده من قبل البيت الأبيض والرئيس الأميركي آنذاك بل كلينتون كباحثين قدموا أبحاثا لافتة للانتباه. والتقى الطلبة الفائزين بالرئيس الأميركي وحصلوا على مبلغ بقيمة 500 ألف دولار بهدف إكمال تحقيقاتهم. وكان لآزاده في تلك الفترة طفلان وشكلت هذه الجائزة سندا مهما لها للتفرغ أكثر للقيام بأبحاثها وعلى أثرها تمكنت البروفسورة آزاده من القيام ببحوث كثيرة وكتابة مقالات مهمة تخصصية. وحصلت آزاده على ميدالية الاتحاد الجيوفيزيائي الأميركي في 2001 وهذا التكريم يحظى بأهمية كبيرة لأن الاتحاد يقوم كل عام باختيار أحد الباحثين الشباب دون 36 عاما ممن قاموا بأبحاث مهمة للغاية. وكان الاختيار وقع على آزاده طبا زاده في 2001. وأجرت هذه الباحثة الإيرانية في وكالة ناسا أبحاثا كثيرة، من أهمها أبحاث حول الصلة بين السحاب والملوثات في الغلاف الجوي للأرض.
وتقول آزاده بهذا الشأن: «يتمحور التحقيق حول سحاب الستراتوسفير القطبي (STRATOSPHERIC) وهي سحابات تتكون في طبقة ستراتوسفير في الجو في القطب. تشترك هذه السحابات في تكوين ثقوب الأوزون لأنها تسبب تفاعلات كيميائية من المواد الكيميائية التي ينتجها الإنسان. تتكون طبقة الأوزون في القسم السفلي من طبقة ستراتوسفير وبإمكانها جذب القسم المضر لصحة الإنسان من الأشعة فوق البنفسجية (UV). فإذا حصل ثقب ولو بسيط في طبقة الأوزون يؤدي ذلك إلى بلوغ الجزء الضار من الأشعة فوق البنفسجية إلى سطح الأرض. وهذا يشكل تهديدا كبيرا للبقاء واستمرار الحياة على الكرة الأرضية».
ونشر ملحق العلوم والتقنيات في مجلة «التايمز» في 2009 صورة للباحثة الإيرانية على غلافه، إضافة إلى مقال تحدث عن نشاطها العلمي. وتناول المقال الأبحاث التي أجرتها البروفسوره طبا زاده إضافة إلى كيفية مغادرتها من إيران ودخولها إلى أميركا. وعلقت آزاده تعاونها مع ناسا والذي استمر لـ15 عاما وذلك بسبب رغبتها في التدريس. ومضى وقت أكبر مع أبنائها الثلاثة وركزت على التدريس، وهو العمل الذي تحب. لذلك توجهت إلى جامعة ستانفورد وهي الآن أستاذة في هذه الجامعة لمدة 8 سنوات.
وتنشط البروفسورة طبا زاده في الوقت الراهن في الشركة التي أسسها والدها وشقيقها منذ 20 عاما وهي شركة مختصة في استخدام الطاقة الشمسية في أجزاء المبنى الخارجية مثل السقف. وتخرجت ابنتها البالغة من العمر 23 عاما في فرع التكنولوجيا الحيوية في جامعة ستانفورد وتخرج ابنها البالغ من العمر 20 عاما في فرع علم الاجتماع من الجامعة ذاتها. وما زالت البروفسورة طبا زاده التي تعيش حاليا مع ابنتها الأخرى البالغة 8 سنوات لديها حنين إلى موطنها وأقربائها في إيران. وغادرت آزاده إيران منذ أكثر من 3 عقود ولكنها تأمل في أن تزور ذات يوم بلدها الأم.
font change