عام على اتفاقات أبراهام: المستقبل للسلام

عام على اتفاقات أبراهام: المستقبل للسلام

قبل أكثر من سنة، جرت في واشنطن مراسم توقيع اتفاقات أبراهام للسلام بين إسرائيل من جهة، وكل من الإمارات العربية المتحدة والبحرين من جهة ثانية. اتفاقات أعقبها لاحقا اتفاق مماثل مع السودان؛ ثم آخر أعلن عن استئناف التواصل الإسرائيلي المغربي من خلال إعادة فتح متبادل لمكاتب الاتصال التي أغلقت سنة 2000.

ومهما قيل عن هذه الاتفاقات، فقد أتت منسجمة مع قرارات مؤتمرات القمة العربية، وأهمها مبادرة السلام العربية التي تبنتها قمة بيروت سنة 2002، والتي أكدت على أهمية وضرورة السلام كخيار استراتيجي للعرب، وهو خيار تم حسمه بعد التأكد من عبثية البقاء في حالة حرب دائمة مع إسرائيل تستنزف الطاقات وترهن المستقبل من دون أن تفضي إلى أي نتيجة غير ضياع المزيد من الأرض، وتعقيد الأوضاع أكثر فأكثر.

وقد أثبتت التطورات التي أعقبت آخر حرب عربية إسرائيلية سنة 1973 أن خيار التفاوض والسلام أكثر جدوى من أطروحات المزايدة اللفظية، التي بدأت بمفاهيم المقاومة والصمود وانتهت إلى مجرد شعار الممانعة. فبواسطة هذا الخيار السلمي تمكنت مصر من استعادة كامل سيادتها على شبه جزيرة سيناء إثر اتفاقية كامب ديفيد، بما في ذلك منطقة طابا بعد حكم محكمة العدل الدولية. وعبر المرور بمؤتمر مدريد للسلام سنة 1991 توصل الأردن إلى استرجاع كافة أراضيه بموجب اتفاقية وادي عربة سنة 1994، بما في ذلك منطقة الباقورة التي استرجعها فور انتهاء عقد تأجيرها.

إقرأ لنفس الكاتب:

نتائج الانتخابات المغربية: الإسلام السياسي من التضخيم إلى التقزيم

وغير خاف على أحد أنه لولا اتفاق أوسلو (غزة وأريحا أولا) وما لحقه من تفاهمات، ما كانت إسرائيل وعدد من الدول الغربية لتعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، وما كانت السلطة الفلسطينية لترى النور على أجزاء من الأراضي المحتلة وتمارس صلاحية تدبير شؤون مواطنيها مباشرة وبعيدا عن وصاية إدارة الاحتلال.

وفي المقابل، فإن كل الأنظمة العربية التي رفضت ركوب قطار السلام لأسباب متعددة معظمها داخلي يرتبط باستغلال حالة الصراع مع إسرائيل للمزيد من إحكام قبضتها الأمنية وممارسة استبدادها بقمع كل الأصوات المعارضة لسياساتها، لم تستطع لا تحرير الأرض ولا تطوير اقتصادياتها، بل إن معظمها اجتاحته ثورات واحتجاجات أطاحت بعضها، وأشعلت حربا أهلية مدمرة في البعض الآخر، معمقة فجوة عدم الثقة بين هذه الأنظمة ومختلف المكونات العرقية والدينية والمذهبية لمجتمعاتها.

وعلى الجانب الآخر في إسرائيل رغم جهود غلاة الفكر الصهيوني في شحن المجتمع الإسرائيلي الهجين ضد من يسمونهم «الغوييم» (الأغيار)؛ في نعت قدحي للشعب الفلسطيني وبقية الشعوب العربية المجاورة، فإن تيارا واعيا بأهمية السلام، ومناصرا له وساعيا إليه استطاع البروز على الساحة السياسية الإسرائيلية مثلته في العديد من انتخابات الكنيست حركة ميريتس ويساريو حزب العمل، إضافة إلى مجموعة من النواب العرب.

لم يتبلور هذا التيار تلقائيا، وإنما بعد أن استوعب مثله مثل عدة أجهزة وشخصيات أمنية وعسكرية أن المجتمع الإسرائيلي في عمقه سئم حالة الحرب المستدامة التي يريدون أن يظل أسيرا لها، وأن المعطيات الميدانية لأي مواجهة حربية مقبلة لم تعد تسمح للجيش الإسرائيلي بأن يخوضها فقط فوق تراب الخصم، وبأن يفرض توقيتها واختيار درجة التصعيد في عملياتها. فالأطراف الأخرى باتت قادرة ولو في ظل اختلال توازن القوى على إصابة الداخل الإسرائيلي وإثارة الرعب والفزع فيه.

من الواضح إذن أن التطلع إلى السلام في منطقة الشرق الأوسط يتصاعد ويكتسب المزيد من التأييد في الأوساط السياسية الرسمية التي تبحث- كل حسب مصالحها ومبادئها- عن تشييد أسس أكثر قوة من ذي قبل لسلام مستقبلي تحاول أن تجعله يراعي موازين القوى على الأرض، ولكنها تأمل مع ذلك أن يؤسس أرضية عادلة بشكل ما للتعايش والعيش المشترك.

لهذا، فإن الأطراف المعنية الرسمية بالعملية السلمية من الجانبين تعمل على تقوية مواقفها، وجمع كافة الأوراق التي يمكن أن تساعدها عند استئناف التفاوض الذي بات حل الدولتين هو عنوانه البارز إعلاميا ودبلوماسيا. ولا شك أن مثل هذا التوجه على المستوى العربي الحكومي الذي اتضح التزامه الثابت بالثوابت العربية وأهمها استعادة الأراضي المحتلة وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية يحتاج إلى الدعم والمساندة محليا.

إقرأ لنفس الكاتب:

العالم العربي: الإطلالة البحرية أمن وتنمية

في هذا الصدد تنبغي الإشارة والإشادة بالجهود التي تبذلها نخبة من المثقفين والصحافيين وكتاب الرأي العرب من جنسيات مختلفة لتأسيس اتحاد عام من قوى المجتمع المدني الداعم للسلام؛ اتحاد تحدوه الرغبة في تعزيز كل الخطوات السلمية الهادفة إلى وقف استنزاف الطاقات والإمكانيات، والرامية إلى استتباب الأمن والاستقرار كلبنة أولى للتنمية والازدهار. وهو اتحاد لن يكتفي أعضاؤه بالتوعية المحلية، وإنما سيعملون على مخاطبة القوى الحية والراغبة في نبذ العنف وأجواء الحرب من الجانب الإسرائيلي، وإقناع الرأي العام هناك بمصداقية الموقف العربي.

في ختام كتابه «الحرب من أجل السلام» يقول عيزر وايزمان الذي شارك في مفاوضات كامب ديفيد كوزير إسرائيلي للدفاع بأنه لا يؤمن بسياسة نبوءة الشؤم، وأن الزعامة الحقيقية هي التي تستطيع إيجاد مخرج، وإيجاد روح جديدة، مختتما بالإشارة إلى أن «السلام أقوى من الحواجز التي وضعت في طريقه..».

وفي ظل التطورات الراهنة، والآفاق الواعدة التي فتحتها اتفاقيات السلام المتواترة، فمن المحتم أن تنتصر في آخر المطاف إرادة السلام العادل والشامل والدائم.    

إقرأ لنفس الكاتب:

احتدام الصراع على الهيمنة الدولية: أين العرب؟

           

font change