الحكومة الباكستانية الجديدة وتحدياتها الراهنة

تحديات أمنية واقتصادية يمكنها أن تُعيق مهام رئيس الحكومة الجديد

أنصار خان نظموا احتجاجات في مختلف مناطق البلاد

الحكومة الباكستانية الجديدة وتحدياتها الراهنة

باكو: إذا كان صحيحا أن إخفاق رئيس الوزراء الباكستانى المعزول عمران خان بعد فشل محاولته الأخيرة في تفويت الفرصة على المعارضة السياسية التي حاولت على مدار أسبوع سحب الثقة من حكومته، لم تكن المرة الأولى من نوعها في عمر الحكومات الباكستانية التي لم تكتمل ولايتها الدستورية ومدتها خمس سنوات منذ بدء تاريخ الدولة البالغ 75 عاما، إلا أنه من الصحيح كذلك أنها كانت المرة الأولى الذي يخسر رئيس وزراء باكستاني منصبه بتصويت لسحب الثقة، في عملية لم يتقبلها. وبذل كل ما في وسعه للبقاء في السلطة، بعدما خسر غالبيته البرلمانية، بما في ذلك حل البرلمان، والدعوة إلى انتخابات. لكن المحكمة العليا، اعتبرت جميع خطواته غير قانونية، وأمرت المجلس بعقد جلسة جديدة، والتصويت على سحب الثقة منه.


وغني عن البيان أن ما جرى يؤكد على أن ثمة عرفا سياسيا اتسمت به الحكومات الباكستانية، تمثل في فشل جميع رؤسائها في استكمال ولايتهم الحكومية كاملة بما يحمل معه نبوءة بشأن مستقبل الحكومة الجديدة التي شكلها زعيم المعارضة شهباز شريف زعيم حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية البالغ من العمر 70 عامًا، وكان يشغل منصب رئيس وزراء إقليم البنجاب، إذ ستواجه حكومته الكثير من التحديات داخليا وخارجيا، فضلا عن تزايد التهديدات المحتملة في ظل التطورات والمستجدات التي تشهدها الساحتان الدولية والإقليمية، بما يضعها هي الأخرى على محك الإخفاق سواء في استكمال المدة الدستورية المقررة حتى الانتخابات القادمة عام 2023 أو في تجديد الثقة إذا ما تمكنت من استكمال تلك المدة وخوض الاستحقاق القادم.

رئيس الوزراء الجديد شهباز شريف (غيتي)


وفي ضوء هذين المسارين المحتملين يستعرض هذا التقرير مستقبل الحكومة الباكستانية التي شكلتها المعارضة بعد نجاحها في إقصاء رئيس الوزراء عمران خان، وذلك من خلال محورين على النحو الآتي:

أولا: الحكومة الجديدة والتحديات الماثلة.. أجندة طويلة
ليست مبالغة القول إن الواقع الباكستاني داخليا وخارجيا يحمل في طياته مخاطر عدة تواجه أية حكومة تتولى المسؤولية في خضم تعاظم التحديات على الصعيدين الداخلي والخارجي.
على الصعيد الداخلي، تتنوع التحديات التي يستوجب على الحكومة الجديدة التعامل معها باحترافية، حيث تواجه تحديات اقتصادية تبدأ بتزايد أعباء الديون الخارجية والتي وصلت إلى 130 مليار دولار وتشكل 43 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، مرورا بارتفاع نسب التضخم لتتجاوز أكثر من 12 في المائة وصولا إلى عملة وطنية ضعيفة وصلت إلى 190 روبية في مقابل الدولار أي فقدان قرابة ثلث قيمتها منذ تولي رئيس الوزراء المعزول عمران خان، لتسود حالة من الركود وعدم الاستقرار الاقتصادي على مدار السنوات الثلاث الماضية بما خلق أزمة اقتصادية تواجهها الحكومة الجديدة كما أشار إلى ذلك صراحة أحد مساعدي رئيس الوزراء الباكستاني الجديد مفتاح إسماعيل، الذي من المرجح أن يكون وزيراً للمالية بقوله: «إن الحكومة الجديدة تواجه مهمة شاقة، تتمثل في إدارة اقتصاد متعثر يعاني من عجز هائل.. لقد ترك عمران خان حالة من الفوضى».


كما تواجه الحكومة الجديدة كذلك أزمة سياسية تتعلق بموقف أعضاء حزب عمران خان في البرلمان عقب التصويت على سحب الثقة وتشكيل زعيم المعارضة الحكومة الجديدة، إذ أعلن  شاه محمود قرشي، وزير الخارجية السابق ونائب رئيس حزب خان، في خطاب قبل التصويت لانتخاب رئيس وزراء جديد: «نعلن أننا جميعاً نستقيل»، وهو ما يدخل الدولة في أزمة جديدة حول مستقبل هذه المقاعد التي شغرت، هل تتجه الحكومة إلى إجراء انتخابات تكميلية أم انتخابات مبكرة؟ إذ يذكر أن أعضاء حزب حركة إنصاف التي ينتمي إليها خان، يشغلون 155 مقعداً في المجلس المكون من 342 مقعداً، إذ يحمل كل خيار تحديات لمستقبل الحكومة الجديدة وكيفية قيامها بمهامها، خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار أن كسب شهباز شريف لثقة البرلمان كان بعدد يتجاوز النصف بثلاثة أصوات، حيث حصد 174 من أصل 342 صوتًا في البرلمان، وهو ما يحمل في طياته أزمة سياسية من المنتظر تجددها بين الحين والآخر.


فضلا عما سبق، تواجه هذه الحكومة كذلك أوضاع أمنية تتعلق بتزايد خطر التمرد من جانب الحركات المتشددة والإرهابية وهو ما يمثل تحديا لها سواء في مواجهة مثل هذه التنظيمات من ناحية، وكيفية التعامل مع تهديداتها وتأثيرات ذلك على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية من ناحية أخرى.
أما على الصعيد الخارجي، تواجه الحكومة موقفا دوليا معقدا ومتشابكا بسبب اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية التي حملت انعكاسات عدة على الداخل الباكستاني بل يرى البعض أن أحد تداعيات هذه الحرب هو عزل رئيس الوزراء عمران خان الذي أثار غضب الولايات المتحدة والغرب بسبب موقفه الأقرب إلى موسكو والذي عبر عنه بجلاء في زيارته إلى موسكو في اليوم الذي بدأت فيه روسيا عمليتها العسكرية في أوكرانيا. ولذا يصبح ثمة حمل على الحكومة القادمة في كيفية ضبط بوصلة علاقة الدولة الباكستانية مع الحليف الأميركي في ظل ما شهدته علاقات البلدين من تدهور خلال الفترة الماضية، وهو ما انعكس على الأوضاع العسكرية في باكستان إذ تعد الولايات المتحدة موردا رئيسيا للسلاح إليها.


ولذا، يقع على عاتق الحكومة المقبلة مسؤولية العمل في سبيل إصلاح تدهور العلاقة مع واشنطن من ناحية، والحفاظ على مستوى تعاونها الوثيق مع الصين من ناحية أخرى، بعدما شهدت الفترة الأخيرة من حكومة عمران خان توترا بين البلدين فيما يتعلق بالممر الاقتصادي المشترك المدرج ضمن المبادرة الصينية المعروفة بمبادرة الحزام والطريق، إذ مطلوب من الحكومة الجديدة العمل على إزالة الخلافات العالقة مع بكين. بمعنى أكثر وضوحا تحتاج الحكومة الجديدة رؤية قادرة على التحرك بحرص كبير في مسار سياستها الخارجية على المستويين الإقليمي والدولي حفاظا على أمنها القومي وعدم توريطها في تحالف يفرض عليها أعباء لا تستطيع تحملها في ظل أزماتها الداخلية.


وجدير بالذكر أن التحديات على الصعيد الخارجي لم تقتصر على هذا الأمر فحسب، بل تمثل الأزمة في الجوار الأفغاني مع وصول طالبان إلى السلطة عقب الانسحاب الأميركي المفاجئ من أفغانستان، تحديا آخر يواجه الحكومة القادمة، إذ من المنتظر أن ترتفع وتيرة عمليات حركة طالبان باكستان، حيث هددت الحركة بشن هجوم واسع على القوات الحكومية خلال شهر رمضان الأمر الذي يؤدي إلى تفاقم الأوضاع الداخلية من ناحية، وتصعيد مستوى التوتر بين البلدين الجارتين من ناحية أخرى.

المعارضة نجحت في سحب الثقة من رئيس الوزراء الأسبق عمران خان


كما تمثل العلاقات الشائكة مع الهند المجاورة تحديا آخر للحكومة الجديدة، حيث شهدت العلاقات بين الطرفين توترا في عهد حكومة عمران خان، فقد سبق أن تم تعليق التجارة الثنائية بينهما بعد محاولة من جانب الهند لتعزيز سلطتها في الجزء الذي تسيطر عليه من كشمير، بل كانت انتقادات خان لرئيس الوزراء الهندى ناريندرا مودي مستمرة بشدة، حيث يذكر أن الأمر وصل إلى دعوة خان إلى تحرك دولي لإنهاء ما سماها «إبادة جماعية» في المنطقة المتنازع عليها.

ثانيا: الحكومة الجديدة والبحث عن مقاربة مغايرة
في خضم كل تلك التحديات الماثلة والتهديدات المحتملة التي تواجه الحكومة الباكستانية على الصعيدين الداخلي والخارجي، تبرز الحاجة الماسة إلى أهمية البحث عن مقاربة مغايرة لكيفية إدارة الحكومة لملفاتها الاقتصادية والأمنية والعسكرية والخارجية. وفي هذا الخصوص يجدر التأكيد على أهمية أن تأخذ المقاربة الكثير من الأبعاد والتي يمكن أن نُجملها فيما يأتي:
على المستوى الاقتصادي، صحيح أن رئيس الوزراء الجديد أراد أن يبدأ مسؤوليته بمحاولة تحسين الأوضاع الاقتصادية للمواطنين حينما اتخذ أول قراراته برفع الحد الأدنى للأجور لموظفي الحكومة إلى 25000 روبية، اعتبارًا من 1 أبريل (نيسان)، إلا أنه من الصحيح كذلك أن هذه الخطوة التي تحمل في ظاهرها بعدا إيجابيا إلا أنها تضمر في مضمونه أبعادا سلبية سواء تعلق الأمر بأوضاع الباكستانيين من غير العاملين في الحكومة، إذ تظل دخولهم ثابتة دون زيادة في حين أن هذا الارتفاع الحكومى قد يدفع المستوى العام للأسعار إلى الارتفاع، وهو ما يلقي بمزيد من الأعباء على المواطنين الباكستانيين، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى تمثل هذه الزيادة عبئا إضافيا على الموازنة العامة الباكستانية التي تئن من عجز متزايد يحمل خطورة بشأن تزايد معدلات التضخم. ولذا، فإن هذه الخطوة التي جاءت في إطار محاولة الحكومة الجديدة كسب ولاء الجهاز الحكومي، تحتاج إلى إعادة النظر في انعكاساتها حتى لا تتفاقم الأزمة الاقتصادية، وهو ما يستوجب من حكومة شهباز شريف العمل على أكثر من مسار، بدءا من تعظيم التحويلات المالية للمغتربين الباكستانيين والتي شهدت معدلا مرتفعا غير مسبوق خلال الفترة الماضية، وصولا بأهمية استئناف المحادثات المعلقة مع صندوق النقد الدولي، والتي توقفت قبل المراجعة السابعة لبرنامج إنقاذ بقيمة ستة مليارات دولار كان تم الاتفاق عليه في يوليو (تموز) 2019.
على المستوى السياسي، ثمة حاجة إلى البدء في تطبيق إجراءات بناء الثقة والمصالحة السياسية بين الأطراف والقوى السياسية المتنافسة على السلطة، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى على الحكومة أن تعمل على تحسين علاقاتها مع المؤسسة العسكرية إذ سبق أن شهدت العلاقات بين حزب الرابطة الإسلامية الذي كان يتزعمه نواز شريف وحليفه حزب الشعب الباكستاني توترا مع المؤسسة العسكرية بسبب انتقاداتهما لتدخلها في الحياة السياسية. ولذا، على الحكومة الجديدة أن تعمل على إعادة بناء هذه العلاقات حتى لا تتصادم مع المؤسسة ورؤيتها في حال التحرك بشكل منفرد.
على المستوى الأمني، تمثل مواجهة حركة طالبان باكستان أولوية قصوى أمام الحكومة الجديدة، كما أن عليها أن تعمل على استعادة الاستقرار في الولاية الأكبر في باكستان وهي ولاية بلوشستان التي تعاني من اضطرابات سياسية منذ عدة سنوات بسبب ما تشهده من نزاعات طائفية وعنف المتمردين المطالبين بمزيد من الحكم الذاتي ونصيب أكبر من الثروة الغنية التي تتمتع بها هذه الولاية، حيث تتواجد بها الموارد الطبيعية والمعادن.
على المستوى الخارجي، من المنتظر أن يُعيد شهباز شريف بوصلة علاقات دولته مرة أخرى صوب الولايات المتحدة في ظل الترحيب الأميركي بوصوله إلى السلطة، حيث أكدت الناطقة باسم البيت الأبيض جين ساكي، على أن: «الولايات المتحدة متمسكة بالشراكة طويلة الأمد مع باكستان التي تمثل أهمية حيوية بالنسبة لواشنطن». وفي الوقت ذاته ستحرص الحكومة الجديدة كذلك توثيق علاقاتها مع الصين، فقد صرح الناطق باسم وزارة الخارجية الصيني تشاو لي جيان بأن: «التغيرات التي يشهدها الوضع السياسي في باكستان لن تؤثر على الوضع الشامل للعلاقات الصينية- الباكستانية». ويذكر أن شهباز شريف كان قد أعلن عقب انتخابه أن حكومته ستسرع مشاريع للبنية التحتية تدعمها بكين في بلاده. ومع كل ذلك، يظل مستقبل علاقات باكستان مع الهند هي الخطوة الأكثر بروزا في ملف السياسة الخارجية الباكستانية، إذ من المنتظر أن تشهد علاقة البلدين تفاهما خلال الفترة القادمة، يدلل على ذلك ما صرح به شهباز شريف ردا على رسالة التهنئة التي تسلمها من رئيس الوزراء الهندى بمناسبة اختياره رئيسا للوزراء، إذ أشار إلى أن: «باكستان ترغب في علاقات سلمية وتعاونية مع الهند. التسوية السلمية للخلافات العالقة، وتشمل جامو وكشمير، لا غنى عنها». ومما يعزز هذا التقارب تاريخ العلاقة بين عائلة شريف التي ينحدر منها رئيس الوزراء المنتخب والهند، إذ يذكر أن شريف زار الهند عام 2003 عندما كان رئيساً لوزراء ولاية البنجاب التقى خلالها برئيس الوزراء آنذاك مانموهان سينغ ومسؤولين آخرين في نيودلهي. وفي المقابل حضر نظيره الهندي ناريندرا مودي حفل زفاف أحد أعضاء عائلة شريف. كما أجرى كذلك مودى رحلة مفاجئة إلى باكستان عام 2015 بعد عام من توليه منصبه، حيث استقبله شقيق شريف الأكبر نواز الذي كان رئيساً للوزراء حينها. وعليه تنظر الهند إلى حكومة شهباز شريف على أنها حكومة تصالحية ومستعدة لتسوية الخلافات من خلال الحوار بدلاً من المواجهة.


إجمالي القول إن الأيام المقبلة بتحدياتها وأزماتها تشكل اختبارا بالغ الصعوبة أمام رئيس الوزراء الجديد شهباز شريف، فإما أن ينجح في اجتيازه، وإلا سيواجه المصير ذاته الذي لحق بخلفه وأقرانه الذين سبقوه. ويظل الأمر مرهونا بمدى قدرته على بناء تحالفات سياسية في الداخل، وإعادة ترتيبات علاقات بلاده في الخارج على النحو الذي يدعمه في عبور أزمته الاقتصادية الطاحنة، وتهديداته الأمنية المتزايدة، وصراعاته السياسية المتفاقمة.

font change