هل يخلط الاتفاق السعودي- الإيراني الأوراق في المنطقة؟

أما بكين، فتستحق الاشادة بأنها تسعى الى تصوير نفسها على أنها وسيط قوي، في منطقة تقع تقليديا تحت نفوذ الولايات المتحدة. بيد أن مراقبي العلاقات الدولية، حتى أشدهم افتقاراً إلى الخبرة، يعرفون أن أي ديبلوماسية لا أسنان لها لن يكون في إمكانها أن تعمّر طويلا.

السبب الرئيس الذي مكّن الولايات المتحدة من عقد اتفاقات السلام العربية - الإسرائيلية التاريخية، بين مصر وإسرائيل أولاً، ثم بين الأردن وإسرائيل لاحقاً، أنها قدمت ضمانات أمنية للأطراف المتفاوضين. بينما لا مصلحة للصين في تقديم ضمانات كهذه، لأن مجال نفوذها الرئيس هو آسيا، بينما الشرق الأوسط بعيد جدا عنها، وخطر توسعها المفرط، هو في نظرها خطر حقيقي للغاية. تفضل بكين أن تواصل استفادتها المجانية من مسألة الأمن الأميركي، وإعطاء الأولوية لمصالحها الاقتصادية في المنطقة.

لذلك، متى ما نكصت إيران عن وعودها (وهي مسألة متى، وليس إذا)، وعادت إلى سيرتها الأولى في تهديد الأمن، فلن تكون الصين في وضع يمكنها من أداء أدنى دور ذي معنى، كشرطي أو رادع في المنطقة. هل في وسع الصين أن تزيد وجودها العسكري في الشرق الأوسط؟ نعم في وسعها القيام بذلك، إلى حد ما. ولكن هل تريد الصين ذلك، وهل يمكنها أن تحل محل الولايات المتحدة كضامن للأمن؟ لا مطلقاً. وعلى الرغم من جميع التصريحات عن نهاية النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط، فإن تخلي واشنطن عن موقعها العسكري القوي بلا منازع في المنطقة، ليس وشيكا، وذلك لأسباب جيوسياسية أوسع.

قد يكون خفض التوتر بين السعودية وإيران، أمرا مفيدا للمنطقة، ولكن لا شيء يمكنه أن يرمم الأمن الإقليمي ما لم يعالج برنامج إيران النووي وتحدياته. وليس من بوادر تقدم في هذا المنحى. كما أن إسرائيل تضع هذه القضية في مركز اهتمامها، وستفعل كل ما في وسعها لمنع طهران من الحصول على القنبلة النووية، حتى لو أشعل ذلك حربا إقليمية. فإمكان أن تصبح إيران دولة نووية هو مسألة وجودية، عند الإسرائيليين. أما التفاهم السعودي الإيراني، فلا يشمل برنامج طهران النووي، مخلّفا وراءه قنبلة موقوتة كبرى دون معالجة.

لقد كانت إسرائيل تأمل في تطبيع العلاقات مع السعودية، بعد تطبيعها مع الإمارات والبحرين، سعيا إلى تشديد عزلة إيران، وبناء هيكل دفاعي إقليمي ضدها. لكن ليس من الواضح الآن إن كانت الرياض ستعرض اتفاقها مع طهران للخطر، بتعاونها مع العدو التاريخي لهذه الأخيرة.

قد يكون هذا الأمر جيدا، لأن تصورات السعودية عن التهديد الإيراني مغايرة تماما لتصورات إسرائيل عنه. فالرياض قلقة بالتأكيد من امتلاك إيران أسلحة نووية، لكنها لا ترى في ذلك خطرا مميتا كما تفعل إسرائيل. من ناحية أخرى، فإن إسرائيل، مستعدة لاستخدام القوة العسكرية لتجنب مثل هذا السيناريو. لا يزال توسيع اتفاقات ابراهام خيارا  لبعض الدول، إنما فقط إنْ عادت إيران إلى سبلها القديمة وأخذت تهدد جيرانها مرة أخرى، وهذا ما ستفعله، كما أعتقد.

ربما دوافع الرياض في هذا الاتفاق، أمنية. بينما هي اقتصادية عند طهران. ثمة فجوة بين هاتين المجموعتين من الدوافع بالتأكيد. بينما لا يشعر الإيرانيون بأي تهديد من الدول المجاورة لهم، وهم المعتدون. يشكل هذا الاختلال بالتوازن، أساسا غير مناسب لأي حوار أمني مثمر.

ربما بشيء من الحظ وبالتواصل النشط بين طهران والرياض، تؤدي هذه الصفقة الجديدة إلى خفض الحرارة الثنائية موقتا، إنما ليس الحرارة الإقليمية. فقد بينت أربعة عقود ونصف عقد تقريباً من الحكم في طهران، أن إيران، وعلى الرغم من أساليبها البراغماتية، ملتزمة  الهيمنة والتوسع على الصعيد الإقليمي. ولا تستطيع الصين تغيير أساليب طهران. أما إسرائيل فتقترب أكثر فأكثر من قصف البنية التحتية النووية الإيرانية. لعل الاتفاق الاخير خبر جيد، في منطقة تبحث عن أي نوع من التفاؤل، لكن هل تحل هذه الصفقة المشكلات الأساسية التي عصفت بالأمن الإقليمي لعقود؟