كما يقول أبو محمد، إنه في سجن الرقة كانت النقاشات أحيانا حادّة، حيث أسمع أصواتهم وهم يتهمون بعضهم البعض بالضلال أو الخطأ أو الخروج عن المنهج، ومن بين النقاشات التي سمعها أبو محمد أن مجموعة من العناصر كانوا يطالبون بتغيير جذري للتكتيك القديم الذي استخدمه التنظيم، واعتماد تكتيكات جديدة مثل التحول قليلا إلى المرونة والتكيف مع الظروف المتغيرة، لكن دون أن يكون هناك تغيير في الثوابت القائمة على إقامة دولة الخلافة من جديد.
ويمكن تلخيص طبيعة تلك النقاشات ومخرجاتها- بحسب ما ذكره الأشخاص الذين تمت مقابلتهم- في النقاط التالية:
حدثت نقاشات حول الأخطاء التي ارتكبها قادة التنظيم باعتقادهم أن القوة والقتل والترهيب تكفي للسيطرة على الأرض، وبحسب النقاشات فإن ذلك لم يكن صحيحا واستدلوا باستنتاجهم بمساعدة المدنيين لأي قوة حاربت التنظيم، مما يعني أنهم لم يستطيعوا كسب الناس، كما أن من الأخطاء المتصلة بالقوة والترهيب هي الخطاب المتشدد جدا، والذي لم يفهمه الناس، ما أدى إلى عزل التنظيم لنفسه عن القاعدة الشعبية.
من خلاصات النقاشات التحول من فكر الدولة- مؤقتا- إلى فكر الخلايا السرية، وذلك من خلال إعادة الهيكلة التنظيمية للتنظيم، واعتماد مبدأ اللامركزية للخلايا، حيث يتم إرسال الاستراتيجية والأهداف للخلايا من قبل القيادات، ويُترك أمر التنفيذ لقادة الخلايا. وبذلك يصعب على القوى متابعة الخلايا واستهدافها بشكل كامل.
ضرورة التركيز في الوقت الحالي على ما يطلقون عليه اسم "الدفاع الجهادي"، بمعنى القيام بالعمليات الخاطفة والصغيرة، وعدم الدخول في معارك كبرى تؤدى إلى خسائر فادحة تُضعف خلايا التنظيم أكثر، وبحسب النقاشات التي تمت بينهم فإن هذه الاستراتيجية في الوقت الراهن تخدم التنظيم من عدة نواحٍ: خسائر أقل، خلق فوضى وثغرات أمنية تساعد الخلايا على التحرك أكثر، والحصول على فرصة أكبر لتجنيد مقاتلين جدد في التنظيم.
أهمية تشكيل شبكات سريّة تتمحور أعمالها على توفير الدعم المالي واللوجستي للخلايا، دون أن يكون لدى هذه الشبكات علم بأي تفاصيل عن طبيعة العمليات أو مكان الخلايا، بحيث يكونون بمعزل عن التنظيم وعملياته لكنهم يخدمون مصالحه المالية في الوقت ذاته.
بعض النقاشات أيضا تمحورت حول كيفية تشتيت الجهود الدولية، وذلك من خلال التواصل مع قادة التنظيم وقادة المجموعات المسلحة التي تشبه توجه التنظيم خارج إطار الجغرافيا السورية، والتنسيق معهم لتنفيذ عمليات في تلك المناطق تستهدف المصالح الدولية، لتخفيف الضغط على التنظيم في سوريا.
درست النقاشات أيضا ضرورة استخدام الإعلام كوسيلة من أجل نشر أفكار جديدة عن التنظيم-تكون أقل تشددا في المرحلة الأولى- تمهيدا لتجنيد الشباب، ويرون أن الإعلام يمكن أن يكون حجر أساس في "تكوين قاعدة صلبة من الأنصار المؤمنين بالمنهج، ويكونون رأس حربة في المستقبل لتنفيذ العمليات أو استقطاب الشباب".
كل هذه النقاشات ونتائجها ترى طريقها إلى خارج السجن، ولعلّ أحوال التنظيم اليوم واستراتيجياته الجديدة يمكن رؤيتها من نافذة هذه النقاشات، فالتنظيم بعد سقوط النظام السوري لم يقم بعمليات واسعة، بل ما زال معتمدا على مبدأ الخلايا والهجمات السريعة والصغيرة في منطقة "قسد" ومناطق الدولة السورية، بالإضافة إلى استغلال حالة التأرجح الأمني في سوريا لنقل خلاياه والعناصر من مناطق متفرقة نحو مناطق "قسد"، والبادية السورية، وحمص، ومناطق تُحسب جغرافيا على محافظات الساحل السوري.
وبحسب المعلومات فإن تنظيم "داعش" يعمل اليوم على التجنيد، واستغلال غضب بعض الفصائل من الدولة السورية الجديدة وتوجهاتها من خلال تكثيف التواصل مع الغاضبين وتهيئة الأرضية المناسبة لتجنيدهم أو التنسيق معهم في شنّ عمليات ضد مؤسسات الدولة السورية وموظفيها، كما أن التنظيم من المرجح أن يقوم باستغلال الغاضبين وتحويلهم إلى "جواسيس" داخل أجهزة الحكومة، فضلا عن قيامه بتشجيع عناصره للانضمام إلى الأمن العام والجيش عن طريق أبواب الانتساب التي فتحتها الدولة السورية.
الحكومة السورية هدف التنظيم
جميع العناصر تمت مقابلتهم بعد سقوط النظام- خلال شهر فبراير/شباط الماضي- من بينهم 10 عناصر خرجوا في وقت سابق من السجون. الجميع قالوا إن "الدولة السورية بقيادة أحمد الشرع" هي دولة "علمانية" وأن قتالها "أمر حتمي"، ويقول سالم إن "الجولاني وجماعته منذ أن خرجوا عن عباءة الدين نحو حبّ السلطة قبل سنوات تحولوا إلى مشركين، وعناصر الجولاني هم مرتدون وعملاء"، ويضيف أن التنظيم يرى الشرع "عبارة عن عميل للغرب تم وضعه في دمشق".