فريد هوف لـ"المجلة": الهدنة بين سوريا وإسرائيل ضرورية… واتفاق السلام بعيد

حديث شامل مع الدبلوماسي الأميركي والسفير السابق آخر وسيط بين دمشق وتل أبيب

فريد هوف لـ"المجلة": الهدنة بين سوريا وإسرائيل ضرورية… واتفاق السلام بعيد

تعيش سوريا اختبارا يوميا: اقتصاديا، أمنيا، سياسيا، واجتماعيا. لحظة مفصلية بدأت من الرياض، مع زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب ولقائه بالرئيس السوري أحمد الشرع، وقراره التاريخي برفع العقوبات. أحداث استثنائية أعادت تموضع سوريا إقليميا ودوليا، وأعادت معها ملفات قديمة إلى الواجهة، لكن بلغة جديدة: السلام مقابل الشرعية، أحد أبرز شروط واشنطن.

أجرت "المجلة" حوارا خاصا مع الدبلوماسي الأميركي والسفير السابق فريد هوف، آخر وسيط بين سوريا وإسرائيل، حول الفرصة التي مُنحت لسوريا اليوم، وقرار ترمب "فتح الباب" لعودة دمشق إلى الشرعية الدولية والعوائق أمام السلام.

يتناول الحوار التحديات الكبيرة أمام الإدارة السورية الجديدة، والتي تجعل من السؤال الحقيقي: من سيدخل من هذا الباب؟

يُقيّم السفير هوف، الفرصة التي مُنحت لدمشق باتجاه "سوريا جديدة"، معتبرا أنها تقف اليوم عند مفترق حقيقي، لكنه يحذّر من الإفراط في التفاؤل، لكثرة العوائق أمام الإدارة الجديدة.

ويتوقف عند أبرز المطالب الأميركية، ولا سيما "تطهير البلاد من العناصر الإرهابية، حتى تلك التي ما زالت ترتبط بشكل أو بآخر بـ"هيئة تحرير الشام"، إلى جانب تأسيس نظام يقوم على "المواطنة السورية".

أما بخصوص السلام وثمنه، فيقارن الدبلوماسي الأميركي بين خط الرابع من يونيو/حزيران 1967 وخط السابع من ديسمبر/كانون الأول 2024، في إشارة إلى التحول الجوهري في مفهوم التسوية: من "السلام مقابل الأرض" إلى "السلام مقابل فك ارتباط استراتيجي عن إيران وحزب الله".

ويقول إن هناك حاجة أساسا لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وسوريا، ونقطة البداية لتوصل البلدين لاتفاق هدنة خاص، هو الاستعادة الكاملة لاتفاق فك الاشتباك لعام 1974، وفي رأيه ما زال السلام يبدو بعيدا. ويقول إنه كان ينبغي أن ترى إسرائيل في انسحاب طهران و"حزب الله" من سوريا فرصة نادرة، لكن ذلك لم يحدث.

كما يتحدث هوف عن الدور التركي في سوريا وأبرز المطالب الأميركية، وعودة ملف مزارع شبعا إلى واجهة النقاش، ودور "حزب الله".

ويكشف هوف كواليس وساطته، وتفاصيل الاجتماعات المباشرة التي جمعته ببشار الأسد، والاتفاق المكتوب الذي كان على الطاولة في فبراير/شباط 2011، قبل أن ينهار كل شيء مع اندلاع حرب استمرت لأربعة عشر عاما.

ويعود إلى تلك اللحظة الدقيقة التي ناقش فيها مع الأسد مصير مزارع شبعا، قائلا إن الأسد كان حاسما في موقفه: "هذه الأرض سورية، ولا علاقة للبنان بها". وهو موقف، بحسب هوف، قد يساهم اليوم في إنهاء دور "حزب الله".

وفي هذا التوقيت تحديدا، مايو/أيار 2025، ومع مرور ربع قرن على الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان، تعود مزارع شبعا إلى قلب النقاش. وعن مدى استعداد الأسد آنذاك لتوقيع اتفاق سلام حقيقي، يروي هوف تفاصيل الاجتماع الحاسم في فبراير/شباط 2011، قائلا إن الأسد بدا واثقا من تجاوب إيران و"حزب الله"، بل أبلغ رئيس لبنان بـ"الاستعداد للتفاوض، لأن لبنان سيكون التالي بعد توقيع سوريا"، وهو ما رآه هوف في حينه تفاؤلا مفرطا قد يُهدد حتى أمن النظام.

ولا يخفي الدبلوماسي الأميركي أسفه على فشل الوساطة، مشيرا إلى أن مكالمة واحدة من الرئيس باراك أوباما إلى الأسد "كان يمكن أن تُغيّر مسار الأحداث"، لكنها لم تحدث، واختفت معها آخر محاولة جدية للسلام بين دمشق وتل أبيب.

وهنا نص الحوار الذي جرى عبر تطبيق "زووم":

لا يزال من الصعب جدا على الإدارة الجديدة في سوريا، وعلى الرئيس أحمد الشرع وزملائه، تحقيق استقرار حقيقي في البلاد وبدء ما سيكون بلا شك عملية طويلة جدا من إعادة الإعمار السياسي والاقتصادي

* في الرياض التقى الرئيسان ترمب والشرع، رُفعت العقوبات وتحدث العالم عن لحظة مفصلية، لكنك كتبت أن ترمب "فتح الباب". والسؤال الأهم اليوم: من سيدخل منه؟ لماذا أنت متحفظ على تأثير هذه اللحظة على مستقبل سوريا والمنطقة؟
- أحاول موازنة تشككي ببعض من التفاؤل. أعني أن التطور الرئيس حصل أواخر العام الماضي، مع زوال نظام الأسد، النظام الذي حكم سوريا بقبضة من حديد لأكثر من نصف قرن. نهاية هذا النظام تطور جيد بحد ذاته.
لكن لا يزال من الصعب جدا على الإدارة الجديدة في سوريا، وعلى الرئيس أحمد الشرع وزملائه، تحقيق استقرار حقيقي في البلاد وبدء ما سيكون بلا شك عملية طويلة جدا من إعادة الإعمار السياسي والاقتصادي. العوائق كبيرة جدا.
إعلان الرئيس ترمب هو دون شك خطوة في الاتجاه الصحيح، والاتحاد الأوروبي سار بنفس الاتجاه. هذه أمور جيدة، لكن إن كان لدي قدر من التشكيك، فهو قائم على إدراك تام لصعوبة المهمة التي تواجه الإدارة السورية الجديدة.

"حزب الله" لم يرغب في التخلي عن صفة المقاومة، ولا عن سلاحه. لذا، وبمساعدة من جهة داخل الجيش اللبناني، وتحديدا من المخابرات، اكتشف "الحزب" مسألة مزارع شبعا

* ما شهدته الرياض، إضافة إلى اجتماع وزيري الخارجية السوري والأميركي في تركيا… ألم يختصر الطريق على "سوريا الجديدة"؟ وما أبرز المطالب الأميركية مقابل الضمانات التي قدمها الشرع؟
- كل ما ذكرتِه خطوات أساسية تماما. ونعم، على الأقل من حيث المبدأ، ستقصر الطريق– الذي لا يزال طويلا– نحو تعافي سوريا الكامل.
وكما ذكرتِ، لا تزال لدى الولايات المتحدة بعض المطالب من الرئيس الشرع، كتطهير سوريا من كل العناصر الإرهابية، بما في ذلك- عليّ قول ذلك- عناصر لا تزال تربطها علاقة، بشكل أو بآخر، بـ"هيئة تحرير الشام".
هناك رغبة قوية من جانب الحكومة الأميركية في أن تعكس الإدارة السورية الجديدة مبدأ الشمول لجميع السوريين.

 أ ف ب
يهودي متشدد يتحدث الى جندي اسرائيلي يقف على ظهر مدرعة في المنطقة الفاصلة في الجولان قرب قرية مجدل شمس في 27 فبراير

وأود أن أُعبر عن ذلك بهذه الطريقة، رغم أن الإدارة لم تستخدم هذه الكلمات تحديدا. يمكنني القول إن ما تأمله الولايات المتحدة في سوريا هو نظام قائم على مبدأ المواطنة السورية.

* من بين أبرز المطالب الأميركية المطروحة: التنازل عن الجولان كأمر واقع، والاعتراف بأن مزارع شبعا سورية لا لبنانية، لارتباط ذلك بمصير سلاح "حزب الله". هل يمكن أن تطلعنا على ما لديك من معطيات خاصة وموثقة حول هذا الملف، وتحديدا ما قاله لك بشار الأسد في هذا الموضوع؟
- هذا سؤال مهم جدا. أصل هذا الملف، مزارع شبعا، يعود إلى عام 2000، عندما انسحبت إسرائيل من لبنان في مايو/أيار. الانسحاب كان يُفترض أن يُنهي المقاومة اللبنانية، ويُنهي مبرر سلاح "حزب الله". لكن "حزب الله" لم يرغب في التخلي عن صفة المقاومة، ولا عن سلاحه. لذا، وبمساعدة من جهة داخل الجيش اللبناني، وتحديدا من المخابرات، اكتشف "الحزب" مسألة مزارع شبعا، حيث كانت هناك نقاشات غير حاسمة قبل 1967 بين سوريا ولبنان حول السيادة على هذا الشريط الضيق في الجولان.
تُركت الأرض تحت الإدارة السورية، وكانت إسرائيل قد احتلت الجولان في حرب 1967. ومن 1967 إلى 2000، لم يزعم لبنان أن هذه الأراضي لبنانية. حتى الأمم المتحدة تعاملت معها كجزء من الجولان المحتل.
ننتقل إلى عام 2011 وتحديدا إلى اليوم الأخير من فبراير، حيث عقدت اجتماعا مباشرا مع الرئيس بشار الأسد، استمر لخمسين دقيقة.
وخلال الحديث، طرحت عليه سؤالا: إذا تم التوصل إلى معاهدة سلام، وبدأ الانسحاب الإسرائيلي من الجولان، فماذا عن مزارع شبعا؟ هل علينا إشراك الجيش اللبناني؟
فقال: سيد هوف، لا. لا علاقة للبنان. هذه الأرض سورية. وإذا استعدناها، أنا منفتح على نقاش السيادة مع لبنان لاحقا، لكن لتكن الأمور واضحة: الأرض سورية. 
هذا ما قاله لي الأسد في حينه. وربما اليوم تجد الحكومة الجديدة في سوريا من مصلحتها إصدار بيان مماثل، مما يساعد لبنان على إنهاء هذه الحجة الزائفة للمقاومة.

نسمع تقارير عن محادثات إسرائيلية-سورية، ربما تجري في الإمارات. لست متأكدا مما إذا كانت هذه المحادثات تجري بين مسؤولين رسميين، أم إنها من نوع ما يُعرف بـ"المسار الثاني" الدبلوماسي

* تتقاطع حساسية ملف شبعا وسلاح "حزب الله" مع واقع لبناني هش: لا إعمار، لا استقرار اقتصادي، وهدنة لا تبدو دائمة. برأيك، هل تتيح المتغيرات السورية والإقليمية فرصة جديدة للبنان؟

- أعتقد أن التطورات في سوريا تمنح لبنان– وتحديدا الحكومة الجديدة– هامشا من التحرك والمرونة لم يكن متاحا سابقا. لطالما كان الافتراض الدائم أن لبنان لا يمكنه اتخاذ أي خطوة تجاه إسرائيل دون موافقة سوريا، وكانت الموافقة صعبة أو مستحيلة.

اليوم، نسمع تقارير عن محادثات إسرائيلية-سورية، ربما تجري في الإمارات. لست متأكدا مما إذا كانت هذه المحادثات تجري بين مسؤولين رسميين، أم إنها من نوع ما يُعرف بـ"المسار الثاني" الدبلوماسي بين مسؤولين سابقين، فإن مجرد حصولها يمنح مرونة للحكومة اللبنانية، مثل السعي لاتفاق هدنة رسمي. وللتذكير، هدنة 1949 منصوص عليها في اتفاق الطائف، وبالتالي يمكن للبنان أن يتحرك ضمن هذا الإطار. لكن أولا، يجب احترام شروط وقف إطلاق النار من الجانبين بدقة.

* الحدود بين لبنان وإسرائيل، لم تهدأ يوما، لا بريا ولا بحريا. وأنت كنت أول من قدم مقترحا أميركيا لترسيم الحدود البحرية عام 2012، عُرف لاحقا بـ"خط هوف"، وواجه تحفّظا لبنانيا. وفي عام 2022، وُقّع الاتفاق الفعلي، لكن التوترات استمرت. هل ترى أن ملفات الترسيم ستُفتح وتُحسم بالكامل؟

- أود أن أوضح أنه عندما اقترحت تسويتي، كان هناك دعم قوي من الحكومة اللبنانية. لكن سلسلة أحداث لاحقة زعزعت استقرار الحكومة، ومنعت رئيس الوزراء نجيب ميقاتي من تقديم التسوية لمجلس الوزراء.

طبعا اتفاق 2022 مهم جدا ومن الجيد أنه تم، رغم ضياع عشر سنوات لا يستطيع لبنان تحمّلها. وأعتقد أن خطوط 2022 تُعد تحسينا مقارنة بـ"خط هوف" من وجهة نظر لبنان. لكن الزمن المفقود أثمانه باهظة اقتصاديا.


* وصفت ما أسميته الفرصة الضائعة لتحقيق السلام بين سوريا وإسرائيل بـ"الفشل الذي يلاحقك طوال أيام حياتك". هل كنت تتخيل أن يأتي اليوم الذي يُطرح فيه السلام مع إسرائيل علنا من قبل رئيس سوري؟ وهل باتت استعادة الشرعية الدولية لسوريا مرهونة فعلا باتفاق سلام؟

- شكرا على هذا السؤال، لأنه يعيدني إلى ما بدأت التفكير به وتقييم تلك المرحلة. فعندما انهارت وساطتي للسلام في 2011 بسبب قرار الأسد الدخول في حرب ضد شعبه، استنتجت أن ملف الجولان انتهى. بعد عقود من الجهود الأميركية، انتهى كل شيء. لكن اليوم، أُعيدُ النظر في هذا الاستنتاج. ربما هناك نمط جديد من الحوكمة في سوريا يسمح لاحقا باستئناف المحادثات. لكن يبقى السؤال: هل ستميل إسرائيل للتخلي عن الجولان؟ لا أظن ذلك.

ولو كنتُ سأنصح الحكومة السورية بشأن كل هذا، لقلتُ إنه، في مرحلة ما، وخاصة عندما يتوقف العنف الإسرائيلي داخل سوريا، يمكنكم الالتزام بالسعي لتحقيق أهداف سوريا تجاه إسرائيل.

 ولكنني أعتقد أنه، لكي تتمكن سوريا من التفكير بهذه الطريقة، فإن المتطلب الأول هو العودة الكاملة لاتفاقية 1974 بشأن فك الاشتباك مع القوات الإسرائيلية، والانسحاب إلى الجولان ضمن منطقة تتوافق مع أحكام الاتفاقية.

 وأعتقد أن هذه هي نقطة البداية لإمكانية سوريا وإسرائيل التوصل إلى اتفاق هدنة خاص بهما، وربما، بمرور الوقت، الانتقال إلى مناقشات تتعلق بالسلام والتطبيع.

* ما الذي يختلف اليوم بين خط 4 يونيو 1967 وخط 7 ديسمبر 2024؟ السلام سابقا كان مقابل الأرض… ثم مقابل فك ارتباط استراتيجي مع إيران و"حزب الله". اليوم، ما الثمن؟ وما فرص السلام في ظل استمرار القصف الإسرائيلي؟
- ما كان مهماً لإسرائيل بين 2010 و2011 حين قدتُ الوساطة هو إعادة توجيه سوريا استراتيجيا في علاقاتها الإقليمية، خصوصا انفصالها عن إيران و"حزب الله" و"حماس". وفي مقابل هذا التحول، كانت إسرائيل مستعدة للنظر في انسحاب تدريجي إلى خط 4 يونيو 1967.
وأعتقد إذا استُؤنفت المحادثات بين سوريا وإسرائيل مجددا، فإن سؤال تل أبيب الأهم سيكون: أيّ سوريا تلك التي نتعامل معها الآن؟
وبالمقابل، كان من المفترض أن يشكل خروج إيران و"حزب الله" من سوريا إنجازا كبيرا من وجهة نظر إسرائيل لكن لم يتم التعامل معه على هذا النحو.

الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ونظيره الاميركي دونالد ترمب في البيت الابيض في 16 مايو 2017

وقد تختار إسرائيل، في ظل حكومة مختلفة في المستقبل ربما، إعادة النظر في كيفية تعاملها مع الإدارة الجديدة في سوريا. لكنني أظن أننا لا نزال بعيدين جدا عن أن تفكر إسرائيل بجدية في مقايضة الأرض مقابل السلام مع سوريا. وقد لا نصل إلى تلك النقطة أبدا. ولا يمكنني أن أتنبأ لك بمدى أهمية استعادة الجولان بالنسبة للإدارة الجديدة في سوريا.

* لماذا قد تفكر سوريا وإسرائيل أصلا باتفاق سلام؟ إذا كان الجولان خارج الحسابات، والضربات الإسرائيلية مستمرة، ما الذي يمكن أن يكسبه كل طرف عمليا؟
- بالنسبة لسوريا، إزالة احتمالية المواجهة المسلحة مع جيرانها، خصوصا إسرائيل، ستكون خطوة مركزية في جهود إعادة الإعمار. لأن أي استثمارات خارجية ستُقيّم المخاطر… وإن لم يكن هناك سلام أو تهدئة، فإن إعادة الإعمار ستكون مشروعا محفوفا بالخطر. الهدوء هو شرط أساسي لجذب الدعم الدولي.

* عد بنا إلى البداية: كيف بدأت مهمتك في الوساطة عام 2009 ضمن فريق السيناتور جورج ميتشل؟ وما أبرز الرسائل التي التقطتها من دمشق وتل أبيب آنذاك؟
- في البداية، كانت الوساطة إلى حد كبير من طرف واحد. كان وليد المعلم، وزير الخارجية السوري، متحمسا لاستكشاف إمكانية التوصل إلى تفاهم مع إسرائيل يعيد لسوريا كل الأراضي التي خسرتها في حرب 1967. أما على الجانب الإسرائيلي، فلم ألقَ تجاوبا يُذكر. تحقق اختراق بسيط في 2010 بعد لقاء الأسد مع السيناتور جون كيري، حيث أبدى الأسد فهما لما هو مطلوب من سوريا لاستعادة أراضيها عبر معاهدة سلام. ووافق لاحقا على مسودة معاهدة سلام كتبتُها، وبدأنا جولات تفاوض سرية بين دمشق وتل أبيب. اقتربنا جدا من اتفاق، لكن بعدها بأسبوعين فقط اندلعت الأحداث في سوريا، ولم تتوقف لمدة 14 عاما، منهية بذلك جهدا واعدا للغاية.

* تقول إن مكالمة واحدة كان يمكن أن تنقذ المسار. ما قصة تلك المكالمة التي رفض الرئيس أوباما إجراءها؟ وهل كانت لتُغيّر شيئا؟
- أنا وشريكي في البيت الأبيض دينيس روس ناشدنا الرئيس أوباما أن يتصل ببشار الأسد، ويُحذّره من أن استمرار العنف سيُنهي مسار السلام. لكنه رفض. كذلك اقترحتُ أنا العودة إلى دمشق لإيصال الرسالة شخصيا، لكن ذلك رُفض أيضا. هل كانت المكالمة ستُغيّر شيئا؟ لا نعرف. لكن ما أعرفه أن الفرصة ضاعت إلى الأبد.

هناك من يرى أن بقاء نتنياهو في حالة حرب يخدم مصالحه السياسية. وأن انتهاء الحرب قد يفتح الباب لتحقيقات حول أحداث 7 أكتوبر، والمسؤول عن الإخفاقات الأمنية

* أود أن أعود إلى عام 2011، وتحديدا إلى اجتماعك المفصلي مع بشار الأسد، الذي نتج عنه كما ذكرت في كتابتك، ووثيقة مكتوبة على الطاولة حول اتفاق سلام مقابل فك ارتباط استراتيجي عن إيران و"حزب الله". هل كان الأسد مستعدا فعلا لهذه القطيعة؟ وهل كان يدرك تماما ما كان يعد به؟ وكيف انهار كل شيء بعد ذلك؟
- بعد الاجتماع الذي دام خمسين دقيقة، كان أكثر ما أثار تحفظي هو ثقة الأسد المفرطة بأن إيران و"حزب الله" سيوافقان على أي اتفاق سلام. قال لي حرفيا إن "حزب الله" سيتحول إلى حزب سياسي لبناني عادي، وأنه أبلغ رئيس لبنان حينها ببدء الاستعداد للتفاوض مع إسرائيل أيضا، لأنه بمجرد التوصل إلى اتفاق سلام مع سوريا، لبنان سيكون تاليا.

أ ف ب
مكالمة واحدة من الرئيس أوباما إلى الأسد "كان يمكن أن تُغيّر مسار الأحداث"

لم أجادله، لكنني لم أكن مقتنعا بذلك. كنتُ أخشى من رد فعل سلبي شديد من جانب إيران و"حزب الله"، وقد يُهدد حتى أمن الأسد نفسه. ولا بد لي من القول، حرصا على الإنصاف والتوازن في عرض الأمور، أنه حتى بعد لقائي بنتنياهو، وحتى بعد أن بدا أن كل شيء يسير على ما يُرام، ظلّ هناك سؤال جوهري لديّ حول إمكانية أن يفشل أيٌّ من هذين الزعيمين، أو كلاهما، في تنفيذ الاتفاق في نهاية المطاف؟ لدينا سابقة من الجانب الإسرائيلي، في حالة رئيس الوزراء السابق إيهود باراك، الذي اعتذر بحجة عدم وجود الدعم السياسي والشعبي الكافيين للمضي قدما في المفاوضات

* هل تقصد الاجتماع الذي رتّبته ورعته أميركا بين سوريا وإسرائيل؟ اجتماع "ويست فرجينيا" الذي انسحب منه باراك بمجرد وصوله؟
- نعم بالتحديد، وحصل ذلك بمجرد هبوط طائرته، حيث دعا باراك مارتن إنديك للصعود، وقال له ببساطة: "لا أستطيع فعل هذا".
فوجئ الجميع، لأن الاجتماع نُظم بناء على طلبه. ولكنه قال إنه لا يحظى بالدعم السياسي الكافي من الكنيست ولا من الرأي العام. هذا الدرس بقي في ذهني عندما بدأت وساطتي، وكنت دائما أتساءل: هل سيملك الزعيمان الشجاعة لتنفيذ الاتفاق؟
للأسف، لن نعرف أبدا.

* لكن نتنياهو لا يزال في السلطة. برأيك، هل يمكن أن يسمح بالتهدئة؟ أم يفضل فعلا دور قائد الحرب هربا من المحاسبة؟
- هناك من يرى أن بقاء نتنياهو في حالة حرب يخدم مصالحه السياسية. وأن انتهاء الحرب قد يفتح الباب لتحقيقات حول أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول، ومن كان مسؤولا عن الإخفاقات الأمنية. لذلك، نتنياهو يُقدّم نفسه كقائد إسرائيل في زمن الحرب، ويُعارض فتح أي تحقيق في الوقت الراهن.
هذه الحسابات السياسية تؤثر على فرص التهدئة.

العلاقة بين تركيا وإسرائيل، أكثر تعقيدا. وربما تستطيع الحكومة السورية الجديدة أداء دور الوسيط بينهما

* بعد سنوات من لقاءاتك المتكررة ببشار الأسد، هل تخيّلتَ سوريا من دونه؟ وهل ترى في خلعه نهاية مرحلة فقط؟ أم حدثا استراتيجيا؟
- مثل الجميع، باستثناء داعميه في روسيا وإيران، تفاجأتُ برحيله المفاجئ. ما لم أكن أراه بوضوح هو مدى فساد النظام، وعمق الانهيار داخل مؤسساته، بما في ذلك الجيش. نعم، توقعت أن يبقى رئيسا طوال حياتي. 

* واليوم رحل الأسد. برأيك، هل راهنت روسيا فعلا على الحصان الخطأ؟ وماذا بقي لها من هذا الرهان؟
- لست متأكدا إن كانت روسيا دعمت "الحصان الخطأ" بالمعنى الكامل للكلمة، لكن دعمها لبشار الأسد كان رسالة سياسية أراد بوتين إيصالها للداخل الروسي. كان يقول "أنقذنا بشار الأسد من  محاولات تغيير النظام التي قادتها الولايات المتحدة وأعدنا إثبات مكانتنا كقوة عظمى". لذلك، الأسد خدم غرضا داخليا لروسيا، خاصة منذ تدخلها العسكري عام 2015.

* هل انتهى دور روسيا في سوريا فعليا؟ أم إن لديها ما يكفي من النفوذ للعودة بطريقة جديدة؟
- من غير الواضح نوع الدور الذي ستلعبه روسيا مستقبلا. وآمل أن تصر الحكومة السورية على مطلبها بإعادة بشار الأسد إلى سوريا للمحاكمة. إذا أصرت الحكومة السورية الجديدة على ذلك، فقد يكون أمرا لا يمكن لبوتين أن يقبل به، لأنه ينسف روايته عن قوة روسيا العظمى.

* ماذا عن تركيا؟ اللاعب المحوري في سوريا اليوم. هل كانت جزءا من صفقة أوسع بين واشنطن وتل أبيب لم يُكشف عنها بعد؟
- أعتقد أنه كان هناك تواصل جيد بين الرئيسين ترمب وأردوغان حول الملف السوري. فأردوغان طرف أساسي في إقناع ترمب برفع العقوبات ومنح الإدارة السورية الجديدة فرصة للتحرك. أما العلاقة بين تركيا وإسرائيل، فهي أكثر تعقيدا. وربما تستطيع الحكومة السورية الجديدة أداء دور الوسيط بينهما.
تركيا عضو في "الناتو"، والرئيس ترمب يرى أن أنقرة أدت دورا إيجابيا في سوريا بعد سقوط النظام.

font change

مقالات ذات صلة