لقاء الشرع - ترمب... الأول بين رئيسي أميركا وسوريا منذ ربع قرن والسابع منذ 1944

تاريخ القمم السورية–الأميركية منذ فتح المفوضية السورية في واشنطن

واس
واس
ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيس السوري أحمد الشرع في الرياض في 14 مايو

لقاء الشرع - ترمب... الأول بين رئيسي أميركا وسوريا منذ ربع قرن والسابع منذ 1944

سوريا أمام مفترق طرق، بعد اللقاء التاريخي الذي جمع بين الرئيس دونالد ترمب ونظيره السوري أحمد الشرع وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في الرياض يوم 14 مايو/أيار 2025. هو اللقاء الأول منذ ربع قرن، والقمّة السابعة منذ بدء العلاقات الثنائية بين البلدين في عام 1944. وفي كل مرة كان يلتقي رئيس سوري برئيس أميركي– أو يكاد أن يلتقي– كانت أمور مفصلية عدة توضع على طاولة المفاوضات، ويأتي تغير جذري في سياسة سوريا الخارجية كما هو الحال اليوم مع تزايد الكلام عن قرب دخول دمشق في "المسار الإبراهيمي".

دمشق اليوم في طور التخلّي التام عن أية علاقة سابقة لها مع المنظمات الفلسطينية السياسية والعسكرية، وسيطلق ترمب عملية سلام شاملة في المنطقة تكون هي جزءا رئيسا منها، تؤدي في نهايتها إلى تطبيع العلاقات بين دمشق وتل أبيب، بعد ضرب ما كان يسمّى "محور المقاومة" وتفتيته، ابتداء من سحق حركة "حماس" في غزة و"حزب الله" في لبنان، وصولا إلى مقتل حسن نصرالله وسقوط بشار الأسد في سوريا.

وفيما يلي تاريخ القمم السورية–الأميركية منذ فتح المفوضية السورية في واشنطن عام 1944:

سيطلق ترمب عملية سلام شاملة في المنطقة تكون سوريا جزءا رئيسا منها، تؤدي في نهايتها إلى تطبيع العلاقات بين دمشق وتل أبيب، بعد ضرب ما كان يسمّى "محور المقاومة"

القمة التي لم تعقد: القوتلي–روزفلت (1945)

كما هو الحال اليوم في الدور المحوري الذي لعبه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في جمع ترمب والشرع في الرياض، عمل جدُّه الملك عبد العزيز على جمع الرئيس شكري القوتلي بالرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت في مصر سنة 1945. كان ذلك بعد سنة على تبادل السفارات بين البلدين، وفي أعقاب عودة روزفلت من مؤتمر يالطا، واللقاء الشهير الذي جمعه بالعاهل السعودي في 14 فبراير/شباط 1945. لم يكن أي رئيس سوري قد التقى برئيس أميركي من قبل، باستثناء محمد علي العابد الذي قابل الرئيس تيودور روزفلت في عام 1908، يوم كان سفيراً للدولة العثمانية في واشنطن، وذلك قبل 24 سنة من انتخابه رئيساً للجمهورية في سوريا. وقد جاء تيودور روزفلت إلى دمشق بعد خروجه من البيت الأبيض في أبريل/نيسان 1910 ولكنه لم يلتق بأي زعيم محلّي.

لم يحدث لقاء القوتلي–روزفلت بسبب تدهور الوضع الصحي للرئيس الأميركي، ولكن كان من المقرر له أن يجلب سوريا إلى صف الحلفاء في الحرب العالمية الأولى، وهو ما حدث بالفعل عندما اجتمع الرئيس السوري برئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل في 17 فبراير، بترتيب أيضا من الملك عبد العزيز. يومها، أعلنت سوريا الحرب على ألمانيا النازية، وحصلت في المقابل على دعوة للمشاركة في مؤتمر تأسيس الأمم المتحدة في مدينة سان فرانسيسكو في نهاية شهر أبريل من عام 1945. وقد أدى هذا الاحتضان الدولي، مع الوقت، إلى تحرير سوريا من الانتداب الفرنسي عام 1946.

أ ف ب
الملك السعودي سعود بن عبد العزيز (وسط) مع الرئيس المصري جمال عبد الناصر والرئيس السوري شكري القوتلي في قصر القبة في القاهرة، مصر، في مارس 1956

تدهورت العلاقات السورية–الأميركية في بعد وفاة روزفلت وأثناء حرب فلسطين عام 1948، وعندما قررت دمشق التحالف مع الاتحاد السوفياتي في الحرب الباردة. قطعت العلاقات الثنائية بين البلدين في رئاسة القوتلي الأخيرة سنة 1957، ولم يتم استئنافها إلا بعد انهيار الوحدة مع مصر عام 1961. ثم عادت للانقطاع مرة ثانية خلال حرب يونيو/حزيران 1967، ولم تعد إلا في يونيو 1974، بعد أربع سنوات من وصول حافظ الأسد إلى الحكم.

القمة الأولى: الأسد–نيكسون (1974)

في 15 يونيو 1974، زار ريتشارد نيكسون دمشق في أول زيارة رسمية لرئيس أميركي إلى سوريا، بهدف دفع عملية السلام قدماً من جهة، والتغطية على فضيحة "ووترغيت" التي كانت مشتعلة في واشنطن، من جهة أخرى. كانت الولايات المتحدة يومها قد بدأت بالعمل مع الرئيس المصري أنور السادات على إنهاء الحرب مع إسرائيل، وأراد نيكسون أن تكون سوريا شريكة في عملية السلام، ولكن وزير خارجيته هنري كيسنجر رفض إعطاء تعهد خطّي للأسد بضرورة الانسحاب الإسرائيلي من الجولان المحتلة منذ عام 1967. نجحت الزيارة في طيّ صفحة الخلافات بين البلدين، وفي عودة العلاقات الدبلوماسية على أكمل وجه، ولكنها لم تحقق شيئا يذكر فيما يتعلق بعملية السلام، وقد استقال نيكسون من منصبه في 8 أغسطس/آب 1974، بعد أقل من شهرين على زيارته دمشق.

لم تكن الولايات المتحدة معارضة لدخول القوات السورية لبنان لطرد المنظمات الفلسطينية منه، ولكن الأسد لم يكمل في طريق السلام وكان أول المعارضين وأشدهم ضد زيارة الرئيس السادات إلى القدس

القمة الثانية: الأسد–كارتر (1977)

في 9 مايو/أيار 1977، التقى الأسد بالرئيس جيمي كارتر في فندق "إنتركونتيننتال" في جنيف، بعد خمسة أشهر من وصول الأخير إلى البيت الأبيض، خلفاً للرئيس جيرالد فورد. أراد كارتر مجدداً إشراك سوريا في عملية السلام، ولكن هدف الأسد من هذا الاجتماع كان تعزيز وضعه الداخلي والدولي، في ظلّ تنامي حربه مع الإخوان المسلمين وتداعيات التدخل السوري في الحرب اللبنانية منذ عام 1976. لم تكن الولايات المتحدة معارضة لدخول القوات السورية لبنان لطرد المنظمات الفلسطينية منه، ولكن الأسد لم يكمل في طريق السلام وكان أول المعارضين وأشدهم ضد زيارة الرئيس السادات إلى القدس في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1977، واتفاقية كامب ديفيد عام 1978. هذا وقد عاد كارتر إلى سوريا مراراً بعد خروجه من الحكم سنة 1981، والتقى بالأسد في دمشق في مارس/آذار 1983، ومجددا في عام 1987 و1990.

في سنوات الحرب الأهلية اللبنانية، تراوحت العلاقات السورية-الأميركية بين مدّ وجزر، وعلى الرغم من الزيارات المتكررة لمسؤولين أميركيين إلى دمشق، فإن الأسد لم يلتق بالرئيس ريغان ولكنه تحدث معه عبر الهاتف

القمّة الثالثة: الأسد–بوش (1990)

في سنوات الحرب الأهلية اللبنانية، تراوحت العلاقات السورية-الأميركية بين مدّ وجزر، وعلى الرغم من الزيارات المتكررة لمسؤولين أميركيين إلى دمشق، مثل دونالد رامسفيلد وجورج شولتز، فإن الأسد لم يلتق بالرئيس رونالد ريغان ولكنه تحدث معه عبر الهاتف. وقد شهد نهاية عام 1983 ضرب القوات السورية في لبنان من قبل الجيش الأميركي بعد الهجوم على مقر المارينز في شهر أكتوبر/تشرين الأول، وفي بداية عام 1984، تعاونت سوريا في إطلاق سراح الضابط الأميركي روبرت غودمان، المحتجز في لبنان.

أ ف ب
الرئيس السوري حافظ الأسد (يمين) يلتقي الرئيس الأميركي جورج بوش في القصر الرئاسي بدمشق في 26 مارس 1991

ثم جاء غزو صدام حسين للكويت في شهر أغسطس 1990، وتشكيل تحالف دولي لطرده بقيادة الولايات المتحدة. وبطلب من الرياض، وافقت سوريا على المشاركة في هذا التحالف، حماية للكويت والسعودية، وفي 23 نوفمبر 1990، اجتمع الأسد بالرئيس جورج بوش الأب في جنيف. كانت هذه القمّة أهم من سابقاتها من حيث المضمون والمخرجات، وقد أدت إلى مشاركة سوريا رسميا في عملية عاصفة الصحراء لتحرير الكويت وبعدها في مؤتمر مدريد للسلام. في المقابل أخذت سوريا ضوءا أخضر لحسم حربها في لبنان بعد هزيمة العماد ميشيل عون في قصر بعبدا في شهر أكتوبر. وافقت دمشق على خروج آمن لعون إلى فرنسا، وأعطت أميركا مباركة غير مكتوبة لبقاء القوات السورية في لبنان، ما عده كثيرون مكافأة على دورها في تحرير الكويت.

في 27 أكتوبر 1994، وصل الرئيس كلينتون إلى دمشق في أول زيارة له للعاصمة السورية، والثانية لرئيس أميركي منذ زيارة ريتشارد نيكسون قبل عشرين سنة

القمّة الرابعة: الأسد-كلينتون (1994)

جاءت هذه القمّة في 16 يناير/كانون الثاني 1994، بعد عام واحد على تولّي بيل كلينتون الحكم خلفاً للجمهوريين، وبفارق أشهر من معاهدة أوسلو التي قام برعايتها في البيت الأبيض في سبتمبر/أيلول 1993، بين ياسر عرفات وإسحاق رابين. كانت قمّة في جنيف لدفع عملية السلام، بعد حصول الرئيس الأميركي على "وديعة" من إسحاق رابين، "أودعت" في جيب كلينتون، وفيها تعهد واضح وصريح بالانسحاب الإسرائيلي من الجولان. في هذه القمّة، دخل كلينتون في تفاصيل بناء الثقة مع إسرائيل، ولكن الأسد أراد أن يكون الانسحاب قبل أي مبادرة من طرفه، وقد وافق على مطلب أميركي برفع الحظر عن يهود سوريا والسماح لهم بالمهاجرة إلى أي مكان يرغبونه في العالم، ما عدا إسرائيل.

أ ف ب
الرئيس الأميركي بيل كلينتون (يسار) في صورة التقطت في 27 أكتوبر 1994 في دمشق وهو يصافح الرئيس السوري حافظ الأسد في نهاية مؤتمرهما الصحفي المشترك

القمّة الخامسة: الأسد-كلينتون (1994)

في 27 أكتوبر 1994، وصل الرئيس كلينتون إلى دمشق في أول زيارة له للعاصمة السورية، والثانية لرئيس أميركي منذ زيارة ريتشارد نيكسون قبل عشرين سنة. قدوم كلينتون كان بعد يومين من التوقيع على اتفاقية وادي عربة التي أنهت حالة الحرب بين إسرائيل والأردن، وكان شرطه لانتقال المفاوضات السورية إلى مرحلة متقدمة طرد الفصائل الفلسطينية من دمشق، وتوقيف الدعم السوري لـ"حزب الله". مع أنها لم تحدث أي خرق يذكر، إلا أن هذه القمّة خدمت حافظ الأسد كثيرا في السياسة الإقليمية، وقد تلاها اجتماع خاطف بينه وبين كلينتون على هامش جنازة الملك حسين في فبراير 1999.

تتالت الاجتماعات السورية الإسرائيلية بواسطة أميركية وإشراف مباشر من الرئيس كلينتون في مرحلة التسعينات

القمّة السادسة والأخيرة: الأسد-كلينتون (2000)

تتالت الاجتماعات السورية الإسرائيلية بواسطة أميركية وإشراف مباشر من الرئيس كلينتون في مرحلة التسعينات، ووافق الأسد على إرسال رئيس أركان الجيش السوري حكمت الشهابي إلى واشنطن للقاء نظيره الإسرائيلي أمون شحاك. وفي شهر يناير من عام 2000 كانت لقاءات مدينة شيبردزتاون المباشرة بين رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك ووزير الخارجية السوري فاروق الشرع، بحضور الرئيس كلينتون. جاءت هذه المفاوضات بعد تعطل وتعثر أثناء وزارة بنيامين نتنياهو الأولى (1996-1999)، ومجيء إيهود باراك إلى الحكم الذي وعد باحترام "وديعة رابين"، الذي كان قد اغتيل على يد متطرف إسرائيلي في نوفمبر 1995. وقد حدث لغط حول المرحلة الأخيرة من المفاوضات السورية–الإسرائيلية، عندما قال كلينتون إنه فهم من فاروق الشرع أن الأسد على أتم استعداد لقبول مبدأ السيادة المشتركة على بحيرة طبريا، وبناء عليه، طلب الاجتماع بالرئيس السوري في جنيف يوم 26 مارس 2000.

كان الأسد مريضا، وهمّه الوحيد تمهيد الأجواء لتوريث الحكم إلى ابنه بشار، ولكنّه لم يقبل بالعرض الأميركي ونفى أن يكون قد وافق عليه في الأساس. لم يستمر هذا الاجتماع إلا دقائق معدودة فقط، ولم يسجّل له محضر، وقد عاد الأسد إلى دمشق خالي الوفاض وتوفي بتاريخ 10 يونيو 2000.

font change

مقالات ذات صلة