ويعتبر هؤلاء أن التنافس غير المتماثل بين أكبر اقتصادين في العالم، يحد من خطر تحويل منطقة الخليج إلى ساحة لحربهما التجارية، وبالتالي فإن توقعاتهم تبقى منخفضة بشأن احتمال أن يفرض ترمب ضغوطا لها علاقة بالحرب التجارية خلال زيارته إلى المنطقة.
ولطالما أكدت واشنطن علنا أنها لا تسعى إلى إجبار أي دولة على الاختيار بينها وبين الصين، لكنها في الوقت نفسه أبدت بوضوح معارضتها لتعزيز التعاون الصيني-الخليجي في قطاعات بعينها، لا سيما في المجالات العسكرية والنووية وتقنيات الاتصالات، إلى جانب المجالات المدنية ذات الاستخدام المزدوج، مبررة ذلك بمخاوف أمنية.
وباستثناء التحذيرات المتكررة التي أطلقها مسؤولون أميركيون بشأن خطورة بعض أوجه التعاون مع الصين، فإن واشنطن امتنعت عن ممارسة ضغوط مباشرة، خصوصا بعدما أدت محاولة مماثلة إلى نتيجة عكسية تمثلت في انسحاب الإمارات من برنامج مقاتلات"F-35" عقب تشديد الشروط الأميركية بذريعة تقارير عن بناء منشأة صينية يُشتبه في طابعها العسكري داخل ميناء خليفة بأبوظبي.
وكان أبرز تحرك أميركي لموازنة النفوذ الصيني في المنطقة هو مشروع "الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا" (IMEC)، الذي رُوج له غربيا كمنافس لمبادرة "الحزام والطريق" الصينية، غير أن العواصم الخليجية كما الصين نفسها تعاملت معه كمبادرة مكملة تعزز موقع المنطقة كمحور لوجستي عالمي.
تطور نوعي للعلاقات التجارية
يلفت الخبراء الصينيون إلى أن العلاقات التجارية بين الصين ودول الخليج شهدت تطورا ملحوظا على المستويين الكمي والنوعي خلال السنوات الأخيرة، حيث انتقلت من شراكات تقليدية إلى تعاون متعدد الأبعاد في قطاعات استراتيجية. ويشير هؤلاء إلى أن التنافس بين بكين وواشنطن لا يظهر بوضوح في المجال التجاري البحت، إذ أصبحت الصين، منذ عام 2017، الشريك التجاري الأول لدول الخليج، متقدمة على الولايات المتحدة التي تراجعت في عام 2024 إلى المرتبة الرابعة بعد كل من الهند ودول الاتحاد الأوروبي.
ويوضح تشاو تشي جيون، الباحث والكاتب الصيني المتخصص في الشؤون الدولية، في تصريح لـ"المجلة"، أن حجم التبادل التجاري بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي بلغ 286 مليار دولار في عام 2023. وفي عام 2024، تجاوز هذا الرقم حاجز 300 مليار دولار، بزيادة سنوية بلغت 12.7 في المئة، وهو ما يعكس تزايد الاعتماد المتبادل بين الجانبين، وتنامي الثقة في الشراكة الاقتصادية.
وفي مجال الطاقة، لا تزال الصين أكبر مستورد للنفط الخام من الخليج الذي يمثل حوالي 30 في المئة من واردات الصين النفطية، و10 في المئة من واردات الغاز الطبيعي. ويشير تشاو إلى أن التعاون في مجال الطاقة لم يعد يقتصر على التبادل التقليدي، بل تطور إلى شراكة في سلسلة الإنتاج الكاملة، بما في ذلك الاستكشاف المشترك، والمعالجة، والنقل، فضلا عن مشاريع الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والهيدروجين.
وتشهد مجالات أخرى مثل التكنولوجيا المتقدمة والبنية التحتية الرقمية، تطورات مماثلة. وتشير بيانات الاستثمارات الصينية إلى ضخ مبالغ ضخمة في مشاريع المدن الذكية، والذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء الصناعي، ما يتماشى مع أهداف التحول الرقمي والاقتصادي لدول الخليج.
وقد ارتفعت استثمارات الصين في قطاعات التكنولوجيا والخدمات المالية في الخليج خلال عام 2024 بنسبة فاقت 20 في المئة، شملت مجالات التصنيع الذكي، والدفع الإلكتروني، والتمويل الأخضر.
وفي تطور لافت، من المقرر أن تحمل المهمة الصينية "تشانغ إيه-7" مركبة قمرية إماراتية إلى الفضاء، فيما سبق أن حمل القمر الصناعي "تشانغ إيه-4" أجهزة استشعار سعودية، في مؤشر واضح على الثقة المتبادلة في القدرات التقنية.
ويخلص تشاو إلى أن هذه المؤشرات تُظهر أن العلاقات بين الصين ودول الخليج تحولت من نموذج يعتمد على الطاقة إلى شراكة شاملة، ما يؤكد تنامي البعد التنموي والهيكلي لهذه العلاقات.
في المقابل، يلاحظ تشاو أن العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة ودول الخليج لا تزال تتركز في الأساس على مبيعات الأسلحة والتعاون الأمني. ويعتبر أن أحد أبرز دوافع زيارة ترمب إلى المنطقة هو السعي لتوقيع صفقات دفاعية جديدة، إلى جانب استقطاب رؤوس الأموال الخليجية إلى السوق الأميركية. إلا أن هذه المقاربة، بحسب تشاو، تفتقر إلى البُعد التنموي والتكامل المؤسسي الذي يميز الشراكة الصينية ـ الخليجية، وهو ما يجعل بكين لا تنظر إلى زيارة ترمب كعامل تهديد حقيقي.