ترمب في السعودية... محطة مفصلية في الشراكة التاريخية بين البلدين

تقارب في إدارة سوق النفط يمهد الطريق لاتفاقات دفاعية واستثمارات في التكنولوجيا والصناعة

AL-MAJALLA
AL-MAJALLA

ترمب في السعودية... محطة مفصلية في الشراكة التاريخية بين البلدين

ستشكل زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للمملكة العربية السعودية لحظة مهمة في الشراكة التاريخية بين البلدين، من حيث التعاون الثنائي وابرام صفقات استثمارية وتجارية ضخمة بين البلدين ينتظر اعلانها، وتخفيف التوترات الأميركية مع إيران والصين.

يرافق ترمب في الرحلة إلى الرياض وفد يضم رؤساء مؤسسات مالية وتكنولوجية من الصف الأول، منهم الرئيس التنفيذي لشركة "بلاك روك"، لاري فينك، جين فريزر من "سيتي غروب"، ستيف شوارزمان من "بلاكستون"، جيني جونسون من "فرانكلين تمبلتون"، روث بورات من "ألفابت"، الرئيس التنفيذي لشركة "آي. بي. إم."، أرفيند كريشنا، وكريستيانو آمون من "كوالكوم".

ومن المتوقع أن يشاركوا في منتدى الاستثمار السعودي-الأميركي الذي سيعقد في 13 مايو/أيار، وهو اليوم الذي سيصل فيه ترمب إلى المملكة، حيث من المقرر أن يلتقي بولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان. وستكون هذه ثاني رحلة خارجية لترمب بعد حضوره جنازة البابا فرنسيس الشهر الماضي. وسيزور بعد ذلك إلى قطر والإمارات العربية المتحدة.

يريد ترمب نفطا بأسعار معقولة واستثمارات في الاقتصاد الأميركي، بما في ذلك عقود الدفاع، ومن جهتها تسعى السعودية للحصول على التكنولوجيا المدنية والعسكرية الأميركية

ناجي أبي عاد، خبير في شؤوون الطاقة والمستشار السابق لمنظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك"

ورأى ناجي أبي عاد، خبير الطاقة والمستشار السابق لمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) إن "محور الزيارة بشكل أساس هو ترجمة التحالف إلى صفقات". وقال إن "ترمب يريد نفطا بأسعار معقولة واستثمارات ضخمة في الاقتصاد الأميركي، بما في ذلك عقود الدفاع، ومن جهتها السعودية تسعى للحصول على التكنولوجيا المدنية والعسكرية الأميركية، وتطوير قدراتها في مجال الذكاء الاصطناعي وتوليد الطاقة النووية السلمية".

 وأشار الى أن "هذا المسعى يأتي ضمن خطة المملكة لتنويع اقتصادها بعيدا من النفط، من خلال تطوير قطاعات السياحة والتكنولوجيا والطاقة والتصنيع والنقل والرياضة،" وهو ما يعرف بـ"رؤية 2030" التي أطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

.أ.ف.ب
خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود والرئيس الأميركي دونالد ترمب يتصافحان في الديوان الملكي السعودي بالرياض في 20 مايو 2017.

يذكر أن صناديق الثروة السيادية للدول الخليجية الثلاث التي سيزورها، السعودية والإمارات وقطر، تدير مجتمعة أصولا تتجاوز 2.5 تريليون دولار. ويسعي ترمب بنشاط لجذب استثمارات من هذه الدول كجزء من خطته الهادفة لاستعادة قدرات التصنيع في الولايات المتحدة.

الاستثمارات السعودية والاماراتية المعلنة

وقد سبق أن أعلنت السعودية نيتها لاستثمار 600 مليار دولار في الاقتصاد الأميركي على مدى السنوات الأربع المقبلة، في حين أعلنت الإمارات العربية المتحدة خطة لاستثمار بـ 1.4 تريليون دولار على مدى عشر سنين. كما صرح ترمب بأنه سيسعى إلى زيادة الاستثمارات السعودية إلى تريليون دولار.

ويتوقع بيل فارين برايس، زميل أبحاث أول في معهد أكسفورد لدراسات الطاقة، أن "تشكل مبيعات الأسلحة جانبا كبيرا من أهداف الرحلة".

تسعى "رؤية السعودية 2030" إلى خفض الانبعاثات من طريق زيادة حصة الطاقة المتجددة واحتمال توليد الكهرباء من الطاقة النووية

ووافقت الولايات المتحدة على بيع أسلحة بقيمة تقدر بنحو 3.5 مليارات دولار للمملكة العربية السعودية قبل زيارة ترمب المقررة، حسبما ذكرت وزارة الخارجية مطلع الشهر الجاري، واصفة المملكة بأنها "دولة شريكة تساهم في الاستقرار السياسي والتقدم الاقتصادي في منطقة الخليج".

تطوير الصناعة السعودية النووية

وقال وزير الطاقة الأميركي كريس رايت الشهر الماضي، خلال زيارة للرياض، إن البلدين ينويان توقيع اتفاق مبدئي للتعاون في شأن طموحات المملكة لتطوير صناعة نووية مدنية، من دون الإشارة الى إمكان حصول ذلك خلال الزيارة المرتقبة. وتسعى "رؤية السعودية 2030" إلى خفض الانبعاثات من طريق زيادة حصة الطاقة المتجددة واحتمال توليد الكهرباء من الطاقة النووية.

أ.ف.ب.

وترتكز الشراكة الاقتصادية المزمع تجديدها خلال الزيارة، على تقارب في الرؤية تجاه سوق النفط. وقد عكس ترمب اللوائح التي اتخذتها الإدارة الأميركية في عهد الرئيس السابق جو بايدن لتقليل استخدام الوقود الأحفوري للحد من انبعاثات الكربون المسؤولة عن تغير المناخ. كما خففت الإدارة الجديدة القيود المفروضة على التنقيب عن النفط والغاز، وقد أدى ذلك فعليا إلى توفير بيئة أكثر ملاءمة لاستمرار استخدام الوقود الأحفوري، وهو ما يمثل مكسبا طويل الأمد للسعودية وشركائها في مجموعة "أوبك بلس" التي تضم دول "أوبك" ومصدرين آخرين للنفط كروسيا وأذربيجان وكازاخستان. 

كما وافقت مجموعة "أوبك بلس" في المقابل على زيادة إمدادات النفط الخام في مايو/أيار ويونيو/حزيران، مما أدى فعليا إلى إبقاء أسعار النفط منخفضة، نظرا لتوقع تباطؤ النمو في الطلب العالمي على الطاقة بسبب اضطراب حركة التجارة العالمية الناجمة عن قرار ترمب زيادة الرسوم الجمركية الكبيرة على الواردات الصينية.

60 دولارا للبرميل لبقية عام 2025  

خفضت "غولدمان ساكس" يوم الاثنين المنصرم، في 5 مايو، توقعاتها لأسعار النفط بعد قرارات مجموعة "أوبك بلس"، متوقعة أن يبلغ متوسط سعر خام برنت، الخام القياسي العالمي، 60 دولارا للبرميل لبقية عام 2025، و56 دولارا للبرميل في عام 2026، بانخفاض قدره دولاران عن تقديراتها السابقة. ويتداول النفط حاليا بسعر 62 دولارا مقتربا من أدنى مستوى له منذ عام 2021.

الجدير بالذكر أن زيارة ترمب تأتي في وقت لم تعد إيران تمثل التهديد الاقليمي الذي كانت عليه قبل عام، عندما كان في إمكانها الاعتماد على ميليشيات تشكل أذرعا لها لبسط نفوذها

وتساءل زياد داود ودينا اسفندياري من "بلومبرغ" في مقال لهما عن الأسباب التي تدفع "أوبك بلس" لاتخاذ قرار يقلل مدخول الدول الأعضاء الذين يعتمدون على النفط. وكانت أجابتهما "هناك اسم واحد لا يمكن تجاهله: دونالد ترمب". إذ يشكل انخفاض أسعار النفط مطلبا رئيسا لترمب من أجل كبح التضخم، الذي يعد بدوره من أهم شروط الاحتياطي الفيديرالي الأميركي لخفض أسعار الفائدة على الدولار ودعم النمو الاقتصادي.

في مقابل ذلك تحتاج السعودية إلى أسعار نفط أعلى من 90 دولارا لتحقيق التوازن في موازنتها، وفقا لصندوق النقد الدولي. وسجلت المملكة عجزا ماليا قدره 58.7 مليار ريال (15.7 مليار دولار) في الربع الاول، وهو أعلى رقم منذ أواخر عام 2021 ويتجاوز بالفعل نصف الفجوة المتوقعة للحكومة لعام 2025 البالغة 101 مليار ريال.

الظروف السياسية لزيارة ترمب

جدير بالذكر أن زيارة ترمب تأتي في وقت لم تعد إيران تمثل التهديد الاقليمي الذي كانت عليه قبل عام، عندما كان في إمكانها الاعتماد على ميليشيات تشكل أذرعا لها لبسط نفوذها. وفي مارس/آذار 2023، وقعت الرياض وطهران اتفاقا لاستعادة العلاقات في رعاية صينية، واستمر المسار بين البلدين منذاك.

وقضت إسرائيل على قيادة "حزب الله" في لبنان، وأطيح نظام بشار الأسد على يد تحالف للمعارضة مدعوم جزئيا من تركيا، ويتعرض الحوثيون الذين يسيطرون على شمال اليمن لضربات أميركية وإسرائيلية قاسية شبه يومية. واعلن يوم الثلثاء عن اتفاق بين الحوثيين واميركا، تضمن وقف استهداف الجماعة لخطوط الامداد الدولية.

.أ.ف.ب
وزير الخارجية الأميركي مارك روبيو يستقبل وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان آل سعود، في واشنطن 25 فبراير 2025

في المقابل، من غير المرجح إحراز تقدم نحو تسوية سلمية بين إسرائيل والفلسطينيين، وكذلك الحال بالنسبة لتوسيع ما يسمى بالمعاهدات الإبراهيمية التي أبرمتها إسرائيل مع ثلاث دول عربية - المغرب والبحرين والإمارات العربية المتحدة - في فترة حكم ترمب الأولى. وقال فارين برايس، زميل أبحاث أول في معهد أكسفورد لدراسات الطاقة، عن رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قيام دولة فلسطينية: "لقد خفتت الرغبة في تحقيق خلف لاتفاقيات إبراهيم - ببساطة لأن النهج الإسرائيلي لحل الدولتين يجعل ذلك مستحيلا".

لقد تبنت دول الخليج استراتيجيا لتنويع علاقاتها الديبلوماسية والاقتصادية، مع الحفاظ على قربها من واشنطن من جهة وتعزيز تعاونها الوثيق مع بكين في الوقت نفسه

لينا الخطيب، زميلة في معهد "تشاتام هاوس" للشؤون الدولية في لندن

كان ترمب أبدى الاهتمام بتهدئة في غزة واتفاق في أوكرانيا، لكن لم تتحقق مكاسب سهلة الى الان. وقال برايس: "أعتقد أن الاهتمام الاميركي يدور بشكل أكبر حول إيران وما يمكن فعله للسيطرة على برنامجها النووي".

دول الخليج الشريك الاستراتيجي مع أميركا

ومن جهتها لفتت لينا الخطيب، زميلة في معهد "تشاتام هاوس" للشؤون الدولية في لندن، إلى الموقع الاستراتيجي الذي تحتله دول الخليج بين الولايات المتحدة، حليفها التاريخي، والصين، التي أصبحت شريكا تجاريا رئيسا بحكم مكانتها كأكبر مستورد للنفط في العالم وأكبر مصدر عالمي للسلع المصنعة.

.أ.ف.ب
وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان، في اجتماع مع وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث، في العاصمة واشنطن 24 فبراير 2025

وأوضحت: "لقد تبنت دول الخليج استراتيجيا لتنويع علاقاتها الديبلوماسية والاقتصادية، مع الحفاظ على قربها من واشنطن من جهة وتعزيز تعاونها الوثيق مع بكين في الوقت نفسه"، مؤكدة أن "التوازن هذا قد ساعد السعودية وقطر والإمارات في جهودها الهادفة لتحقيق رؤاها الوطنية، مع تعزيز مكانتها السياسية والاقتصادية العالمية." وأضافت أن "زيارة ترمب اثبتت صحة هذه الاستراتيجيا، حيث تبدو دول الخليج في وضع جيد للعب دور الجسر" العابر نحو حل للحرب التجارية المستمرة بين القوتين الاقتصاديتين الأولى والثانية في العالم.

وقد لعبت الرياض دورا مماثلا في ما يتعلق بالحرب بين روسيا وأوكرانيا، حيث تموضعت كوسيط محايد في الصراع، وحافظت على علاقات جيدة مع روسيا من خلال "أوبك بلس"، وكذلك مع أوكرانيا، حيث قدمت لها مساعدات إنسانية واستضافت الرئيس فولوديمير زيلينسكي.

وقد حققت السعودية نجاحا ديبلوماسيا ساطعا باستضافتها في فبراير/شباط المنصرم أول محادثات مباشرة بين الولايات المتحدة وروسيا منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا عام 2022، تلتها اجتماعات شملت مسؤولين أميركيين وأوكرانيين، في مارس/آذار.

وخلصت الخطيب الى أن زيارة ترمب "ستعزز بشكل متبادل المنافع التي تجنيها العلاقات الأميركية الخليجية، ومن المرجح أن تثمر نتائج سياسية واقتصادية واضحة، بما يدعم ويعزز الدور العالمي المتنامي لدول الخليج."

font change

مقالات ذات صلة