ترمب والشرع... باب سوري - إسرائيلي يُفتح

لينا جرادات
لينا جرادات

ترمب والشرع... باب سوري - إسرائيلي يُفتح

واشنطن- أعقب إعلانَ الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن إنهاء العقوبات المفروضة على سوريا لقاء جمع الرئيسين دونالد ترمب وأحمد الشرع في الرياض، ثم استعادة العلاقات بين دمشق وواشنطن. وستفتح هذه التطورات الباب أمام استقرار البلاد وإعادة إعمارها كدولة تعيش في سلام مع جيرانها، وبشراكة مع واشنطن. ولكن السؤال المطروح هو: هل سيعبر أحد هذا الباب؟

بناء على نصيحة السعودية، قرر ترمب أن يغامر بحذر ويدعم القوى السورية التي أطاحت ببشار الأسد، وشَكّلت لاحقا حكومة مؤقتة وأصدرت إعلانا دستوريا. بيد أن هذه الخطوة تنطوي على مخاطر رئيسة ثلاث.

أولا، يتكوّن النظام الذي يترأسه الشرع، إلى حد كبير، من شخصيات كانت على ارتباط سابق بتنظيم "القاعدة". بل إن الشرع نفسه كان مدرجا على لائحة الإرهاب الأميركية. وعلى الرغم من إعلان الحكومة الجديدة التزامها بسيادة القانون ومناهضة الإرهاب، فإن سوريين تعرّضوا لانتهاكات على أيدي مجموعات مسلحة تابعة للقيادة الجديدة. فإذا ما استمرّت هذه القيادة في التواطؤ مع العنف الطائفي، أو تجاهلته، أو عجزت عن كبح جماحه، فإن ترمب سيكون عرضة لانتقادات واسعة بسبب مجازفته غير المحسوبة.

ثانيا، حتى لو كانت حكومة الشرع، كما يُصرّح، جادة في تبنّي مشروع وطني قائم على المواطنة، وملتزمة بحماية جميع السوريين من الثأر والفوضى، فإنها لا تزال بعيدة عن فرض احتكار فعلي للسلاح في البلاد. ولئن كان معظم السوريين، الذين أُنهكت غالبيتهم من حكم الأسد القمعي والناهب، يتمنون نجاح القيادة الجديدة، فإنهم يرون أنها لا تملك القدرة على ضبط المجموعات المسلحة الخارجة عن القانون. فهل هناك، سوى ترمب، من هو مستعد لأن يراهن بثقة على من سيكون الحاكم الفعلي لسوريا بعد شهر أو عام؟

ثالثا، تشنّ إسرائيل حربا مفتوحة من طرف واحد ضد سوريا ما بعد الأسد. وكما يُقال، رأس المال جبان. لقد أدّت العقوبات الأميركية، التي قد يستغرق الكونغرس أشهرا لإلغائها بالكامل بعدما خففت، إلى ردع المنح والقروض والاستثمارات المرتبطة بإعادة الإعمار. ويريد ترمب الآن إزالة هذا العائق. ولكن، هل يمكن للمستثمرين أن يضخوا أموالا ضخمة في سوريا بينما تواصل إسرائيل قصف أراضيها دون رادع، واحتلالها مناطق سورية في انتهاك لاتفاقية فض الاشتباك لعام 1974؟

من الواضح أن ترمب يأمل في أن يوافق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بسرعة على وقف دائم لإطلاق النار في غزة. لكن هل هو مستعد أيضا لمواجهته بشأن سوريا؟ وهل يستطيع تحمّل التبعات السياسية لذلك داخليا؟

يبدو أن إسرائيل، خلافا للولايات المتحدة، لم تُعر اهتماما حقيقيا لانهيار التهديد الإيراني– ومن خلال "حزب الله"– بعد سقوط الأسد وهروبه إلى المنفى 

في محاولة لتقليص هذه المخاطر، ضغط ترمب على الشرع لكي يطرد كل الجماعات الإرهابية من سوريا، ويشارك في الهزيمة الكاملة لـ"داعش"، بما في ذلك تولّي إدارة مراكز الاعتقال، والانضمام إلى "اتفاقيات أبراهام" تمهيدا للسلام مع إسرائيل. وإذا كانت لدى الشرع أدوات تساعده على تحقيق بعض هذه الأهداف، فإن السلام مع إسرائيل يتطلب، قبل كل شيء، أن تتوقف الحرب الإسرائيلية على سوريا. 

تستند التبريرات الإسرائيلية إلى ما يُقال إنه "درس مستفاد" من مجازر "حماس" في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. قوام هذا الدرس أن كل جماعة إسلامية تظهر على حدود إسرائيل تتبنّى نهجا جهاديا. لذلك، يجب توجيه ضربة استباقية وساحقة. أما التفسيرات غير الرسمية، فتربط هذه الحرب برغبة نتنياهو في الحفاظ على صورته كقائد زمني لحرب، لتفادي المساءلة عن فشل إسرائيل يوم السابع من أكتوبر، تحت ذريعة أن زمن الحرب لا يسمح بإجراء تحقيقات أو محاسبة. وإذا فُرض عليه وقف الحرب في غزة، فبوسعه أن يشير إلى سوريا ولبنان واليمن وحتى إيران، كساحات تبرر استمرار العمليات العسكرية. وعززت إسرائيل مزاعمها بتأكيدها أن من حقها أن تدافع عن الدروز السوريين من الاضطهاد المزعوم الذي يتعرضون له من قبل الحكومة السورية الجديدة. 

ومع ذلك، وبصرف النظر عن التبرير، يبدو أن إسرائيل، خلافا للولايات المتحدة، لم تُعر اهتماما حقيقيا لانهيار التهديد الإيراني– ومن خلال "حزب الله"– بعد سقوط الأسد وهروبه إلى المنفى. لقد سعت إيران وذراعها اللبنانية طويلا لفتح جبهة ثانية ضد إسرائيل انطلاقا من سوريا، وفشلت في ذلك. كان من الطبيعي أن يُقابل هذا الفشل بالترحيب في تل أبيب. لكن إسرائيل لم تكتف بإدارة الظهر للحكومة الجديدة، بل أدانت علنا الدور التركي في دعم عملية إسقاط الأسد. وتركيا، كما هو معلوم، حليف في "الناتو"، ورئيسها يحتفظ بعلاقة متينة مع ترمب. ومن الواضح أن أردوغان وترمب متفقان على ترسيخ دحر إيران في سوريا، وأن تُمنح دمشق الجديدة فرصة حقيقية للنجاح. أما نتنياهو، فيغرد خارج السرب تماما. 

المخاطر المحيطة بانفتاح ترمب على سوريا ستتعاظم إذا تبيّن أن إعلان رفع العقوبات ولقاءه مع الشرع لا يعدوان كونَهما مبادرات رمزية 

ثمة تقارير  تتحدث عن محادثات غير رسمية بين سوريا وإسرائيل، وقد يعطي ذلك فسحةً للتفاؤل. على أن أي تقدم سيتوقف على الدوافع الحقيقية وراء السلوك الإسرائيلي. فإذا كانت المخاوف الأمنية والاعتبارات الإنسانية، كحماية الدروز، هي الدافع الفعلي، فإن محادثات المسار الثاني قد تسفر عن خطوات بناءة، مثل إعادة تفعيل اتفاقية عام 1974، أو التفاوض على هدنة ثنائية أو اتفاقية عدم اعتداء، تمهيدا للتطبيع الكامل. ولا يعني ذلك أن تتنازل سوريا عن مطالبتها بالأراضي التي احتُلت عام 1967. لكن الحاجة الماسّة لإعادة الإعمار، في بلد دمّره نظام الأسد ونهبه، يجب أن تدفع القيادة الجديدة إلى رفض فكرة الحرب وسيلةً لتحقيق المطالب. وسيتطلب هذا الخيار تعاونا كاملا من إسرائيل. أما إذا كانت الدوافع محصورة ببقاء نتنياهو السياسي، فستحتاج إسرائيل إلى حكومة جديدة إذا أرادت اجتذاب سوريا نحو مسار تطبيع مستقبلي. 
المخاطر المحيطة بانفتاح ترمب على سوريا ستتعاظم إذا تبيّن أن إعلان رفع العقوبات ولقاءه مع الشرع لا يعدوان كونَهما مبادرات رمزية. وعلى المستوى الداخلي، ينبغي للإدارة أن تضغط على الكونغرس لتفكيك منظومة العقوبات. وعلى الصعيد الدولي، عليها أن تحثّ الدول الشريكة التي شجعت هذا الانفتاح على مراقبة أداء الحكومة السورية، وتقديم ما يلزم من دعم لمساعدتها على محاربة الإرهاب وردع الفوضى. كما يجب أن تضغط على إسرائيل لاحترام اتفاقية 1974. وكان مهماً تعيين دبلوماسي أميركي رفيع لبناء العلاقات، والتأثير في مسار القرارات، ونقل صورة الوقائع. 
فتح ترمب الباب، فهل سيعبره أحد؟ الجواب مرهون بمدى استعداده للبقاء منخرطا. سبق أن نظر إلى سوريا باعتبارها هامشية، لكنه يبدو اليوم أكثر إدراكا لحجمها في حسابات الحلفاء العرب الذين يسعى لكسبهم. إن اختبار الإرادة بدأ، والمأمول أن يبقى الباب مفتوحا أمام سوريا مزدهرة، تنعم بالسلام مع محيطها، وتسير بخطى متناغمة مع واشنطن في الإقليم وما بعده. 

font change