سليمان فرنجية.... الرئيس الذي شهد احتراق بلده

أرشيف سامي مبيض
أرشيف سامي مبيض
الرئيسان الراحلان، السوري حافظ الأسد واللبناني سليمان فرنجية

سليمان فرنجية.... الرئيس الذي شهد احتراق بلده

مع اقتراب نهاية الحرب الأهلية اللبنانية، قدم المونولوجيست الهجائي اللبناني وسيم طبارة أغنية عن تاريخ البلاد منذ اندلاع الحرب عام 1975، تناول فيها النظام الإقطاعي في لبنان وعائلاته، وحين وصل في الأغنية إلى عائلة فرنجية في زغرتا، غنّى عن سليمان الحفيد:

"زبّط الزغرتاوية ووحد البندقية

وعم يتحضر من هلق لرئاسة الجمهورية

هيدا بعد عشر سنين إذا ضل شي اسمه جمهورية".

كان سليمان فرنجية في ذلك الوقت لا يزال شاباً في منتصف العشرينات من عمره، وكان يقود ميليشيا العائلة المُسماة باسم "المردة"، والتي سُميت باسم المسيحيين الأوائل الذين أنشأوا لأنفسهم منطقة شبه مستقلة على أطراف الإمبراطورية البيزنطية. لا بد أن سليمان الحفيد سخر من فكرة أنه سيصبح رئيسا في غضون عشر سنوات، ولا بد أن جده المسن الذي يحمل الاسم نفسه، سليمان بك فرنجية، وهو رئيس لبنان السابق من عام 1970 إلى 1976 قد سخر أيضا في سرّه.

ولكن نبوءة وسيم طبارة تتحقق اليوم، بعد مضي أكثر من ثلاثين عاما. ففي هذه الأيام يُعَدُّ سليمان فرنجية الحفيد- أو ما يشار إليه في كثير من الأحيان باسمه الكامل سليمان طوني فرنجية- متنافسا رئيسا على المقعد الرئاسي في قصر بعبدا، وهو المقعد الذي تُرك شاغرا بعد انتهاء ولاية ميشال عون في أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وها نحن هنا نُلقي نظرةً على الرجل الذي جعل من سليمان فرنجية الحفيد ما هو عليه اليوم، وقصة الأسرة التي وقفت وراءه.

فرنجية قبل رئاسة الجمهورية

كانت عائلة فرنجية عائلةً ملّاكةً للأراضي من عائلات الموارنة، وهي العائلة التي ارتقت إلى الشهرة خلال السنوات المتأخرة من حكم الدولة العثمانية. وكان الجد الأكبر، سليمان غنطوس فرنجية، حاكما لمنطقة إهدن (بلدة جبلية في منطقة زغرتا) من 1904 إلى 1908، في عهد السلطان عبد الحميد الثاني، وخلفه حفيده قبلان فرنجية الذي شغل المنصب حتى عام 1913. وخلال فترة حكم قبلان،، وُلد ابنه سليمان قبلان فرنجية في 15 يونيو/حزيران 1910.

وقد درس سليمان فرنجية في مدرسة الفرير في طرابلس وفي عينطورة (منطقة كسروان).

وبدأ حياته المهنية في مجال الاستيراد والتصدير قبل أن يشق طريق المغامرة في السياسة من خلال شقيقه حميد، وهو قومي فاضل وأحد آباء استقلال لبنان من الانتداب الفرنسي. وقد سار سليمان على خطى حميد لسنوات عديدة ولم يظهر في عالم السياسة إلا بعد انسحاب حميد المبكر من عالم السياسة، إذ إنه خلّفه نائباً عن زغرتا عام 1960. تعلّم سليمان الكثير من حميد، وهو الذي دخل البرلمان لأول مرة عام 1934 ثم انضم إلى حكومة رياض الصلح التي تشكلت في عام 1944. وكذلك كان وزيرا للخارجية لأربع مرات، ولكن الأهم من ذلك كله، أنه ترشح للرئاسة في عام 1952 وخسر أمام كميل شمعون.

درس سليمان فرنجية في مدرسة الفرير في طرابلس وفي عينطورة (منطقة كسروان). وبدأ حياته المهنية في مجال الاستيراد والتصدير قبل أن يشق طريق المغامرة في السياسة

مذبحة كنيسة مزيارة عام 1957
وقعت مجزرة في كنيسة مزيارة بزغرتا في 16 يونيو/حزيران 1957 حين أُطلق الرصاص على 22 شخصاً، وكان بينهم 11 شخصا من عائلة الدويهي. وقد أشارت أصابع الاتهام وقتها إلى سليمان فرنجية، مما اضطره آنذاك للفرار إلى سوريا. وهناك التقى سليمان الشاب بالطيار الحربي الشاب حافظ الأسد، وبدأت بين الرجلين صداقة ستدوم مدى الحياة. تم العفو عن فرنجية في عام 1960، وعاد إلى لبنان. وفي أغسطس/آب من ذلك العام، جرى تعيينه وزيرا للبرق والبريد والهاتف في حكومة رئيس الوزراء صائب سلام خلال فترة رئاسة فؤاد شهاب، وهو جنرال ذو إرادة حديدية تحول إلى سياسي وأدخل إصلاحات شاملة في الداخل وحوّل سياسة بلاده إقليميا نحو مصر ورئيسها جمال عبد الناصر. وفيما أمّنت كلتا الخطوتين الرئيس شهاب من ناحية المسلمين اللبنانيين، فقد أثارتا الكثير من الاستياء داخل مجتمعه المسيحي الماروني، فاعتبر الكثير من قادة المجتمع المسيحي أن الشؤون العربية لا تخصهم، واختاروا النأي بأنفسهم عن القضية الملتهبة: المقاومة الفلسطينية، والتي كان يقودها في ذلك الوقت ياسر عرفات، قائد حركة فتح حديثة التأسيس والذي سيصبح في وقت لاحق رئيسا لمنظمة التحرير الفلسطينية. 
خلف شارل الحلو فؤاد شهاب، وهو رجل ثقافة معتدل بعيد عن التطرف، وقد خَدَمَ فرنجية في عهد شارل حلو في مناصب مختلفة، في حكومة رئيس الوزراء عبد الله اليافي، وهو شخصية بَيرُوتيةٌ بارزة من الرعيل القديم ومشهودٌ له بنزاهته المالية وحياده السياسي. عَيَّنَ اليافي فرنجية في حكومته التالية في أكتوبر/تشرين الأول 1968 وزيرا للأشغال العامة والنقل ومن ثمّ التربية. وبعد اليافي، عَيَّنَ رشيد كرامي، والذي كان يتحدر من أحد العائلات القديمة في طرابلس، فرنجية وزيرا للاقتصاد في نوفمبر/تشرين الثاني 1969.

بلد على وشك الانفجار
لقد كان لبنان في ذلك الوقت قد اشتعل فيه فتيل الانفجار، على الرغم من أنه كان يمر بعقد قوي من النمو الاقتصادي والازدهار؛ إذ ظهرت الأنظمة العسكرية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وكان لبنان هو الدولة الوحيدة في المنطقة التي تتمتع بحرية التعبير، وقطاعٍ مصرفي صحي، وصحافة نابضة بالحياة، ومؤسساتٍ تعليميةٍ مرموقة مثل الجامعة الأميركية في بيروت. ووجد رأس المال الكبير طريقه إلى لبنان بعد إصدار قوانين التأميم في سوريا، أولاً تحت عهد جمال عبد الناصر ثم تحت عهد حزب البعث، بالاستيلاء على الشركات والمصانع والبنوك الخاصة. ولم يجد رجال الأعمال الذين تمكنوا من الهرب من شبكة الاشتراكيين في مصر وسوريا مكانا أفضل لوضع أموالهم من لبنان، والذي كان يُطلق عليه في ذلك الزمن "سويسرا الشرق".
لكن كان هناك جانب آخر للبنان- الجانب المظلم– وهو الجانب الذي لم يهتم سوى القليلين بملاحظته. فمع زيادة الثروة، زاد الفقر والحاجة. وبدأ حزام الفقر يحيط بالعاصمة اللبنانية، ببناء ضواحٍ سرعان ما تمكن عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية من اختراقها. وكانت ثلاثة مخيمات للاجئين الفلسطينيين تمرّ عبر هذا "الحزام" (تل الزعتر من الشرق، وصبرا وشاتيلا وبرج البراجنة من الغرب) حيث كان المال وفيرا وكان الناس مدججين بالسلاح. وبمرور الوقت، خرجت أسلحتهم من المخيمات وبدأت تظهر في شوارع بيروت، وهو الأمر الذي أثار حفيظة الوطنيين اللبنانيين، ومن بينهم سليمان فرنجية.


وشارك فرنجية مخاوفه من سيطرة الفلسطينيين هذه مع زعماء مسيحيين آخرين كالرئيس السابق كميل شمعون والشيخ بيار الجميل، زعيم أقدم حزب مسيحي وأكثرها تنظيماً في لبنان، حزب الكتائب اللبنانية. وهو الأمر الذي جعله يلقى معارضة شديدة من تحالف واسع من الشخصيات اللبنانية الوازنة، والتي كانت تدعم الفلسطينيين، بقيادة الزعيم الدرزي كمال جنبلاط. وعلى الرغم من تحالف جنبلاط مع عرفات، فإنه اعتبر فرنجية أكثر اعتدالا من حلفائه المسيحيين، وكان صوته في نهاية الأمر هو الذي قلب الموازين لصالح فرنجية عندما ترشح للرئاسة ضد حاكم المصرف المركزي آنذاك والمحسوب على فؤاد شهاب، إلياس سركيس. وجرى انتخاب سليمان فرنجية رئيسا في ذلك الصيف وبدأ ولايته في 23 سبتمبر/أيلول 1970. وكان ذلك بعد ثمانية عشر عاما من فشل أخيه في تولي الرئاسة في عام 1952.
 

شارك فرنجية مخاوفه من سيطرة الفلسطينيين هذه مع زعماء مسيحيين آخرين كالرئيس السابق كميل شمعون والشيخ بيار الجميل، زعيم أقدم حزب مسيحي وأكثرها تنظيماً في لبنان، حزب الكتائب اللبنانية

أرشيف سامي مبيض
فرنجية والاسد في مستهل زيارة رسمية


لقد كان هذا هو التوقيت الأسوأ بالنسبة للزعيم اللبناني الستيني. ففي عام 1972، خرج أكثر من 15 ألف مدرسٍ حكومي في إضرابٍ، مطالبين بأجور أفضل. فيما استمر تدفق الأسلحة إلى مخيمات الفلسطينيين، وفي مارس/آذار 1973، نظم زعيم حركة أمل، موسى الصدر، تجمعا كبيرا في بعلبك حضره أكثر من 50 ألفا من أتباعه، تحت شعار "السلاح زينة الرجال". وكان الصدر، مَثَله كمَثَلِ كمال جنبلاط، وثيق الصلة بعرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية. وقد وعد الرئيس فرنجية، بدعم من رئيس الوزراء وصديقه القديم صائب سلام، بالقيام بـ"ثورة من الأعلى" قبل أن تندلع ثورة من الأسفل وتسقط النظام بأكمله. ولكنهما لم يقوما بتلك الثورة. 

فرنجية رئيسا


لقد استمر التحريض الفلسطيني طوال الشتاء، وهو الأمر الذي أدى إلى اشتباكات متواصلة مع الجيش اللبناني. ففي ليلة 9- 10 أبريل/نيسان 1973، شنّت إسرائيل عمليةً وسط بيروت، إذ أرسلت عملاء خاصين على متن قوارب سريعة إلى المدينة حيث هاجموا وقتلوا ثلاثة من كبار القادة الفلسطينيين في منازلهم في حي فردان الراقي. وعصفت مجزرة فردان بلبنان بقوة، كما أنها قسمت البلاد كما لم يحدث من قبل، بشأن ما إذا كان على الدولة اللبنانية أن تدعم الفدائيين الفلسطينيين، أو أن تنأى بنفسها عنهم. واختار فرنجية الخيار الثاني، في 3 مايو/أيار 1973، وأمر الجيش بضرب مخيم برج البراجنة، وبعد أقل من شهر عقب مجزرة فردان. 

وفي يوليو/تموز من ذلك العام، ظهرت أسلحة مسيحية لمواجهة أسلحة الفلسطينيين، حملتها الكتائب اللبنانية في الدكوانة. واتهم كمال جنبلاط الأحزاب المسيحية بأنها تريد "تصفية" المقاومة، ودعا إلى تسليح حلفاء عرفات في جميع أنحاء البلاد. وكانت المسألة آنذاك على هذا النحو، إذ كلما اتخذ المسيحيون موقفا متشددا تجاه عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية، بدا أن المزيد من المجموعات المسلمة تقوم بالالتفاف حولهما واحتضانهما.

وعد الرئيس فرنجية، بدعم من رئيس الوزراء وصديقه القديم صائب سلام، بالقيام بـ"ثورة من الأعلى" قبل أن تندلع ثورة من الأسفل وتسقط النظام بأكمله. ولكنهما لم يقوما بتلك الثورة

في 7 يناير/كانون الثاني 1974، سافر فرنجية إلى بلدة شتورة الحدودية للقاء صديقه القديم حافظ الأسد.

فرنجية وحافظ الأسد
 

وقد تسلم فرنجية سدة السلطة في سبتمبر/أيلول 1970، قبل أقل من شهرين من قيام الأسد بانقلاب في دمشق، حين أصبح أولا رئيسا للوزراء، ثم رئيسا بحلول مارس/آذار 1971. كانت رحلة الأسد إلى لبنان هي الأولى لرئيس سوري خلال ثمانية عشر عاما، والزيارة اليتيمة التي قام بها الأسد للبلد الجار طوال فترة حكمه التي استمرت ثلاثين عاما. وفي شتورة، وقع الرجلان على اتفاق دفاع مشترك، وتعهد الرئيس السوري بالدفاع عن لبنان، إذا هاجمته إسرائيل بذريعة تزايد النزعة العسكرية الفلسطينية.

أبواب الجحيم تنفتح على مصراعيها في 13 أبريل 1975


اندلعت شرارة الحرب الأهلية اللبنانية في 13 أبريل/نيسان 1975 بعد إطلاق النار على حافلة نقل فلسطينية في عين الرمانة. إذ هاجم متشددو حزب الكتائب اللبناني الحافلة، وهو الأمر الذي أدى إلى دورة من العنف سادت في لبنان لمدة خمسة عشر عاما. وكانت ذريعة الحرب كمين عين الرمانة، ولكن أسبابها الحقيقية كانت تضرب جذورها عميقاً جداً في التاريخ اللبناني، وكانت تشمل التنافس التاريخي بين المسلمين والمسيحيين والتوترات المستمرة، التي تفجرت جميعها تحت غطاء من يدعم الفلسطينيين ومن يؤيد لبنان المسيحي. وكان عرفات مجرد منظورٍ واحدٍ لصراع متعدد الأطراف، وكثيرا ما استُخدم لتبسيط الصراع بين المسلمين والمسيحيين في لبنان. وظهرت الأسلحة- بكمياتٍ هائلة- في أيدي جميع اللاعبين الرئيسين في لبنان، بما في ذلك فرنجية نفسه، الذي أمّر ابنه ووريثه المحتمل، طوني، على ميليشيا المردة.


كان طوني في الخامسة والثلاثين وحسب عندما اندلعت الحرب الأهلية عام 1975، وكان قد نجح في دخول البرلمان منذ عام 1970. وبعيد انهيار القانون والنظام، أمسكت هذه الميليشيات بزمام القوانين بأيديها، وأقاموا حواجز ونقاط تفتيش في جميع أنحاء البلاد. سُرقت البنوك ودمرت الأسواق، وأطلقت النيران على المواطنين العاديين لمجرد انتمائهم لطائفة أو ديانة أخرى. وسقط لبنان في فوضى عارمة، وكان رئيس الجمهورية يراقب المشهد أمام عينيه.


بدأ وزراء الحكومة في الاستقالة، واحدا تلو الآخر، وأسقطوا حكومة رشيد الصلح في مايو/أيار 1975. فشكّل فرنجية حكومة عسكرية برئاسة الجنرال المتقاعد نور الدين الرفاعي، على أمل أن تعيد القانون والنظام، لكنها سرعان ما فشلت.

 لوثيقة الدستورية
سافر فرنجية إلى دمشق للقاء الرئيس الأسد في 7 فبراير/شباط 1976. ولدى عودته إلى لبنان، أعلن عن الوثيقة الدستورية في 14 فبراير/شباط، مستهلا ما كان يُفترض أن يصبح إعادة هيكلةٍ كاملة للنظام السياسي اللبناني. وأكدت الوثيقة على ما كان يمارسه لبنان منذ عام 1943، أي تقاسم الرئاسة ورئاسة الوزراء ورئاسة مجلس النواب بين الموارنة والسنة والشيعة على التوالي. كما أن هذه الوثيقة قد قوّت سلطة رئاسة الوزراء على حساب الرئاسة، وفوّضت البرلمان، بدلا من رئيس الدولة، لتسمية رئيس الوزراء مع اقتراح تقسيمٍ متساوٍ للمقاعد البرلمانية بين المسيحيين والمسلمين.

ولكن الوثيقة الدستورية رُفضت من كل من له دور سياسي في لبنان. وذهب كمال جنبلاط إلى دمشق لإجراء محادثات مع الأسد، فقال له الأسد: "لماذا تصعّدون القتال؟ تمنحك الإصلاحات الواردة في الوثيقة الدستورية  95 في المائة مما تريد. فماذا تريد بعد؟" وبحسب كاتب سيرة الأسد البريطاني باتريك سيل، أجاب جنبلاط: "[أريد] التخلصَ من المسيحيين الذين ظلوا يتحكمون برقابنا لمدة 140 عاما!".


وبعد ثلاثة أشهر، دعا الرئيس فرنجية الجيش السوري لدخول لبنان، على أمل أن يحموا المسيحيين ويساعدوا في إسقاط ياسر عرفات. وخلال الفترة الانتقالية بين إلغاء الوثيقة الدستورية ودخول الجيش السوري، نفذ العميد عبد العزيز الأحدب، وهو من مدينة طرابلس، انقلابا في بيروت، واحتل التلفزيون اللبناني في تلة الخياط، وأصدر سلسلة من البيانات التي أمرت فرنجية بالاستقالة ودعت إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة. وفي نهاية المطاف أحبطت وحدات الجيش الأخرى الانقلاب الذي كان يعوزه التخطيط، وفشل في إسقاط فرنجية. وكانت نتيجة الانقلاب الانهيار المفاجئ للجيش اللبناني.

مجزرة اهدن عام 1978
شأنه شأن المسيحيين الآخرين، كان القلق ينتاب فرنجية بشأن مستقبل طائفته، وهو الأمر الذي يفسر سبب تعامله في الأصل مع رجال مثل كميل شمعون وبيار الجميل، إذ إنه شارك في تأسيس الجبهة اللبنانية، لكنه سرعان ما انفصل عنهما بعد أن خالف الجميلَ في فكرة إنشاء كانتون مسيحي في جبل لبنان. وسيتحول الخلاف السياسي قريبا إلى أعمال عنف، مشعلا معارك شوارع بين مردة فرنجية وكتائب الجميل.

AFP
اجتماع لقادة منظمة التحرير الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية في بدايات الحرب في 1975


وفي حلكة الليل، هاجم 1200 كتائبي منزل عائلة فرنجية الرئاسي، الكائن في إهدن، يوم 13 يونيو/حزيران 1978، وقتلوا ابن الرئيس طوني وزوجته وابنته الرضيعة. ومن دون أدنى شك، كان هذا هو اليوم الأكثر كربا طوال حياة الرئيس فرنجية بأسرها، وحدث ذلك قبل أقل من عامين على تركه الرئاسة في سبتمبر/أيلول 1976. وسيتولى ابن الرئيس الثاني روبير قيادة حركة المردة، ولكن في مرحلة لاحقة من الصراع، ستؤول القيادة إلى الحفيد سليمان، المرشح الرئاسي الحالي.

دعا فرنجية الجيش السوري لدخول لبنان، على أمل أن يحموا المسيحيين ويساعدوا في إسقاط ياسر عرفات

فترة ما بعد الرئاسة 
بعد انتهاء فترة رئاسته، واصل سليمان فرنجية نشاطه في لبنان، على الرغم من أنه أصبح طاعنا في السن. ففي عام 1983، وبدعم سوري، اتحد مع رشيد كرامي، ووليد جنبلاط، ونبيه بري لإنشاء الجبهة الوطنية للإنقاذ، بهدف إسقاط اتفاق 17 مايو/أيار 1983 مع إسرائيل، والذي استهله خليفته، أمين الجميّل. وفي أكتوبر/تشرين الأول من ذلك العام، سافر إلى جنيف برفقة جنبلاط، وكرامي لحضور مفاوضات حول طاولة مستديرة مع خصومهم، الذين كان يرأسهم الرئيس الجميّل، والتي فشلت في إنهاء دوامة العنف. وعندما انتهت فترة أمين الجميّل في عام 1988، فكر السوريون جديا في إعادة فرنجية إلى الرئاسة، على الرغم من كبر سنه (كان عمره 78 عاما حينها). لم يمانع بالطبع وأعلن فعلا ترشحه في 17 أغسطس/آب 1988، لكن القبة البرلمانية اللبنانية فشلت في تحقيق النصاب القانوني، وبالتالي، سيتولى المقعد الرئاسي القائد العسكري ميشال عون، بصفته رئيس الوزراء– وهو منصب عينه فيه الرئيس جميل، قبل خمس عشرة دقيقة من انتهاء فترته الرئاسية في سبتمبر/أيلول 1988.

كان هذا المنصب غير قانوني بحيث يجب طبقا للاتفاق الوطني الذي وُقع عام 1943 أن يشغلَ منصب رئيس الوزراء مسلمٌ سني وليس مارونيا مسيحيا. وقد استمر عون في احتلال قصر بعبدا، وشنَّ حرباً ضد السوريين الذين هزموه، وطردوه في أكتوبر/تشرين الأول 1990.

أرشيف سامي مبيض
رئيس الوزراء اللبناني صائب سلام والرئيس السوري حافظ الاسد والرئيس اللبناني سليمان فرنجية


لقد عاش الرئيس سليمان فرنجية عمرا مديدا ليشهد كل ذلك، وتوفي في مستشفى الجامعة الأميركية بعد أقل من عامين من ذلك التاريخ، في 23 يوليو/تموز 1992. وكان عمره آنذاك 82 عاما. وقد ووريَ جثمانه الثرى في إهدن، بجانب ابنه طوني بعد أن أقيمت له جنازة رسمية.

font change