كرة القدم السعودية الى العالمية

رفع القيمة السوقية للدوري السعودي إلى أكثر من ملياري دولار

آندي ادوارد
آندي ادوارد

كرة القدم السعودية الى العالمية

شرّعت المملكة العربية السعودية الأبواب أمام الاستثمار الرياضي بإطلاق مشروع الاستثمار والتخصيص للأندية الرياضية، وهو الحدث الرياضي-الاقتصادي التاريخي والنقلة النوعية الكبرى للأندية الرياضية من جهة، ولتأسيس مرحلة جديدة من التخصيص والاستثمار والتطوير والحوكمة من جهة أخرى.

تجربة السعودية في الاستثمار الرياضي ليست وليدة اللحظة، حيث بدأ صندوق الاستثمارات العامة - الذراع الاستثمارية الأهم في البلاد - بعقد صفقة كبرى واستحوذ على نادي "نيوكاسل يونايتد" الذي حقق إثر ذلك تطوراً لافتا في الأداء قاده إلى التأهل إلى دوري أبطال أوروبا على حساب أندية بارزة لم تغادر المشهد الأوروبي في السنوات المنصرمة.

أطلق الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء، مشروع الاستثمار والتخصيص للأندية الرياضية بعد اكتمال الإجراءات التنفيذية للمرحلة الأولى، تحقيقا لأحد أهداف "رؤية السعودية 2030 " لبناء قطاع رياضي فاعل، من خلال تحفيز القطاع الخاص وتمكينه من المساهمة في تنمية الرياضة وكل النشاطات الاقتصادية المرتبطة بها، بما يحقق التميز المنشود للمنتخبات الوطنية والأندية الرياضية إلى جانب توسيع قاعدة ممارسي مختلف الألعاب والرياضات.

يتضمن المشروع في المرحلة الحالية مسارين رئيسيين؛ أولهما، الموافقة على استثمار شركات كبرى وجهات تطوير تنموية في أندية رياضية، في مقابل نقل ملكية الأندية إليها، والثاني، طرح عدد من الأندية الرياضية للتخصيص بدءا من الربع الأخير من عام 2023.

يقوم المشروع على ثلاثة أهداف إستراتيجية، تتمثل في إيجاد فرص نوعية وبيئة جاذبة للاستثمار في القطاع الرياضي لتحقيق اقتصادٍ رياضي مستدام، ورفع مستوى الاحتراف والحوكمة الإدارية والمالية في الأندية الرياضية، إضافة إلى رفع مستوى الأندية وتطوير بنيتها التحتية لتقديم أفضل الخدمات للجماهير الرياضية، مما ينعكس بشكل إيجابي على تحسين تجربة الجمهور.

الأربعة الكبار سيدخلون عصراً جديداً تحت مظلة صندوق الاستثمارات السعودي(تصوير: علي خمج)

الاقتصاد الرياضي بالمليارات

ويهدف نقل الأندية وتخصيصها بشكل عام إلى تحقيق قفزات نوعية في مختلف الرياضات في المملكة بحلول عام 2030، لصناعة جيل متميز رياضيا على الصعيدين الإقليمي والعالمي، إضافة إلى تطوير لعبة كرة القدم ومنافساتها بصورة خاصة، للوصول بالدوري السعودي إلى قائمة أفضل عشرة دوريات في العالم، وزيادة إيرادات رابطة الدوري السعودي للمحترفين من 450 مليون ريال (120 مليون دولار) إلى أكثر من 1,8 مليار ريال (480 مليون دولار) سنويا، إلى جانب رفع القيمة السوقية للدوري السعودي للمحترفين من 3 مليارات ريال (800 مليون دولار) إلى أكثر من 8 مليارات ريال (2,1 مليار دولار)، وهذه أرقام لافتة جداً، وتؤشر الى ملامح على حقبة جديدة من النمو غير المسبوق في هذا المجال الحيوي والشعبي والاستثماري، وسيفتح شهية الشركات ورجال الأعمال على التوسع في القطاع الرياضي على مستوى رفيع لم يحدث مسبقا في المنطقة.

يمثل هذا المشروع تحولاً نوعياً وتاريخياً للقطاع الرياضي في المملكة، وسيساهم في تحقيق التنوع الاقتصادي، ورفع مستوى الاحتراف والحوكمة وتعزيز التنافسية، بما ينعكس على حاضر الرياضة السعودية ومستقبلها

الأمير عبد العزيز بن تركي بن فيصل، وزير الرياضة

أكد الأمير عبدالعزيز بن تركي بن فيصل، وزير الرياضة، أن مشروع الاستثمار والتخصيص للأندية الرياضية "يعدّ تأكيداً جديداً للدعم الكبير من خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، ولما يوليانه من عناية واهتمام بالقطاع الرياضي، بما يمنحه المزيد من التميز والنجاح، الذي تجسَّد في العديد من الاستضافات الدولية، إلى جانب الارتفاع الكبير في مستوى المنافسات الرياضية السعودية، التي باتت محط أنظار العالم".

وأضاف: "إطلاق سمو ولي العهد لهذا المشروع الرياضي الضخم، هو استمرار للخطوات المتسارعة التي نسير بها في بلادنا لتحقيق أهداف الرؤية المباركة، حيث يمثل هذا المشروع تحولاً نوعياً وتاريخياً للقطاع الرياضي في المملكة، وسيساهم في تحقيق التنوع الاقتصادي، ورفع مستوى الاحتراف والحوكمة وتعزيز التنافسية، بما ينعكس على حاضر الرياضة السعودية ومستقبلها".

أ.ف.ب.
خلال إحدى مباريات الدوري السعودي للمحترفين لكرة القدم بين الاتحاد والهلال في مدينة الملك عبد الله الرياضية في جدة في 23 مايو 2022.

الأربعة الكبار

وفي إطار هذه النقلة النوعية، أعلنت وزارة الرياضة السعودية، أندية المسار الأول في مشروع الاستثمار والتخصيص للأندية الرياضية، وتحوّل أربعة أندية رياضية سعودية هي "الاتحاد" و"الهلال" و"النصر" و"الأهلي" إلى شركات يملك كلا منها صندوق الاستثمارات العامة ومؤسسات رياضية غير ربحية، وهي مؤسسة أعضاء كل من نادي "الاتحاد" و"الهلال" و"النصر" و"الأهلي"، فيما ستكون ملكية الصندوق في كل نادٍ بنسبة 75 في المئة، وفي المقابل ستملك كل مؤسسة رياضية غير ربحية، من كل نادٍ من الأندية الأربعة، 25 في المئة. 

تحوّل الأندية الأربعة سيتيح فرصاً متنوعة لقطاع الأعمال لعقد الشراكات والاتفاقات والرعايات في مختلف الرياضات بما يعزز إمكاناتها، ويساهم في توفير فرص تنموية، ويعزز في الوقت نفسه مساهمة القطاع الرياضي في الناتج المحلي، هذا بالإضافة إلى المساهمة في رفع حجم المحتوى المحلي على مختلف الأصعدة المحلية والإقليمية والدولية.

كما تضمن المسار الأول تحويل أربعة أندية أخرى إلى شركات أيضا، ونقل ملكية هذه الشركات إلى جهات تطويرية تنموية على النحو الآتي: نادي القادسية لشركة أرامكو السعودية، نادي العلا للهيئة الملكية لمحافظة العلا، نادي الدرعية لهيئة تطوير بوابة الدرعية، نادي الصقور لـ"نيوم".  

يعتبر الاستثمار في القطاع الرياضي ضمن مجالات الاستثمار الأكثر حيوية خلال السنوات القليلة المنصرمة في دول العالم التي تمتلك أقوى الدوريات

"نيوكاسل يونايتد"... البداية الناجحة

لم يكن أشد المتفائلين بمشروع "نيوكاسل يونايتد"يتوقع أن ينهي الفريق موسم 2022-2023 في المركز الرابع على جدول فرق الدوري الإنكليزي الممتاز ويتأهل إلى دوري أبطال أوروبا على حساب "ليفربول" و"توتنهام" و"تشيلسي"، خصوصا في ظل معاناة "نيوكاسل" على مستوى الأداء والنتائج في الماضي القريب.

نقطة تحول "نيوكاسل" كانت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول2021، عندما أكملت مجموعة استثمارية يقودها صندوق الاستثمارات العامة السعودي عملية الاستحواذ على 100 في المئة من أسهم النادي في صفقة وصلت قيمتها إلى 305 مليون جنيه إسترليني (نحو 378 مليون دولار) بحسب هيئة الإذاعة البريطانية "بي.بي.سي."، وهو الحدث الأهم في مسيرة هذا النادي العريق خلال العقود الأخيرة، مسجلاً أداءً متميزاً في أول عام رياضي يعقب هذا الاستحواذ، وذلك من خلال التأهل إلى دوري أبطال أوروبا.

ويعتبر الاستثمار في القطاع الرياضي ضمن مجالات الاستثمار الأكثر حيوية خلال السنوات القليلة المنصرمة في دول العالم التي تمتلك أقوى الدوريات، إلا ان هذا الاستثمار بات على عتبة مرحلة جديدة من شـأنها تطوير الأدوات واقتناص الفرص وتعزيز كفاءة الأداء، وهي الأهداف الإستراتيجية الثلاثة التي يسعى إليها كل مستثمر يحمل راية الشغف والطموح كما هي الحال في صندوق الاستثمارات العامة السعودي.

رويترز
كريستيانو رونالدو وعدد من لاعبين نادي النصر يصفقون للجماهير

قيمة سوقية مرتفعة

الارتقاء بالدوري السعودي إلى قائمة أفضل عشرة دوريات في العالم، ورفع القيمة السوقية للدوري السعودي للمحترفين إلى أكثر من 8 مليارات ريال (2,1 مليار دولار)، مما يوازي نموا غير مسبوق وقويا يبلغ نحو 167 في المئة، يبرهن على حجم الاستقطاب النوعي والفريد لأفضل لاعبي العالم، الذي ستسعى إليه الأندية المتنافسة في دوري المحترفين، خصوصاً أن النجم الدولي البرتغالي كريستيانو رونالدو بات يلعب في الدوري السعودي منذ أشهر، الأمر الذي يمهد الطريق أمام مزيد من الاستقطابات.

ومما لا شك فيه أن مشروع إستراتيجية دعم الأندية ومشروع "نافس"، كان لهما الأثر الكبير في تمكين القطاع الخاص من الاستثمار في القطاع الرياضي. 

الاستثمار في الرياضة... والأرباح

في هذا السياق، أكد رئيس مجلس إدارة الاتحاد الدولي للتسويق والاستثمار الرياضي، اسحق سراج، أن الاستثمار الرياضي أصبح يلعب دوراً مهماً وحيوياً في تطوير الرياضة وهو إحدى أهم الأدوات الاقتصادية ذات النفع الكبير والمردود الإيجابي، نحو بناء استراتيجية رياضية مستقبلية ترتكز عليها المؤسسات الرياضية لصالح الأجيال المقبلة، مشيراً إلى أن تخصيص الأندية الرياضية سيمكنها من المنافسة في مجال الاستثمار ويزيد مكاسبها المالية، وتحقيق عوائد ضخمة لتلك الأندية، مما يساهم في تحويل الرياضة إلى صناعة واستثمار وتسويق، ومواكبة الدول المتقدمة التي خطت خطوات ناجحة في هذا المجال.

وأوضح سراج أن مشروع الاستثمار والتخصيص للأندية الرياضية، سيمكن من اكتشاف النجوم والمبدعين والمواهب وصقلها وفق الأساليب الدولية، مع الافادة من خبرات وتجارب الدول المتقدمة التي كان لها السبق في هذا المجال، منوهاً بأن الاستثمار الرياضي سيحقق طفرة كبيرة في صناعة الرياضة، مع تطلعات رؤية المملكة 2030، التي تعول كثيراً على هذا القطاع الواعد، ودوره في دفع عجلة التنمية والاستثمار في المملكة.

الارتقاء بالدوري السعودي إلى قائمة أفضل عشرة دوريات في العالم، ورفع القيمة السوقية للدوري السعودي للمحترفين إلى أكثر من 2,1 مليار دولار، بنمو 167 في المئة، يبرهن على حجم الاستقطاب النوعي والفريد لأفضل لاعبي العالم

تستهدف "رؤية 2030" تعزيز ركائز الاقتصاد وتنويعه، وطرح قطاعات جديدة تساهم في الناتج المحلي الإجمالي، متجهةً بذلك نحو تقليل الاعتماد على النفط كمصدر دخل رئيسي للبلاد، فيما تظهر الأرقام بدء تحقيق ذلك بتراجع هذا الاعتماد إلى ما نسبته 64 في المئة في الربع الأول من السنة الجارية.

يتمتع القطاع الرياضي في السعودية بأسس صلبة، تمكن من تعزيز فرص الاستثمار والتميز والنجاح.فالمجتمع السعودي في معظمه من فئة الشباب، فيما تمتلك الأندية الرياضية السعودية قاعدة جماهيرية واسعة جداً على المستويين المحلي والإقليمي، هذا بالإضافة إلى أن الدوري السعودي للمحترفين يعتبر من أقوى دوريات قارتي آسيا، وأفريقيا، بل يتفوق على بعض الدوريات الأوروبية من حيث الشغف والمنافسة. كما أن الموقع الجغرافي المميز للمملكة يعزز فرص زيادة حجم الاستثمار في هذا القطاع الحيوي، وذلك عبر القدرة على استقطاب الجماهير لحضور المباريات، حيث تربط المملكة القارات الثلاث (آسيا، وأفريقيا، وأوروبا).

ويعتبر الاستثمار في القطاع الرياضي فرصة جديدة للشركات الصغيرة والمتوسطة، ويمنح سلاسل الإمداد أفقا أوسع للافادة من هذه الاستثمارات، كونه سيقود إلى تعزيز قوة البنية التحتية،مما يساهم في إطلاق مشاريع جديدة تستفيد منها الكثير من الشركات والمصانع في مختلف المجالات.

font change

مقالات ذات صلة