"صُنع في السعودية" إلى الأسواق العالمية

144 مليار دولار الاستثمارات الأجنبية والمشتركة في القطاع الصناعي

"صُنع في السعودية" إلى الأسواق العالمية

لم يكن الثلاثون من أغسطس/آب2019 يوماً عادياً للقطاع الصناعي في المملكة العربية السعودية، يوم صدر الأمر الملكي الذي أعلن تأسيس وزارة الصناعة والثروة المعدنية، وقضى بنقل الاختصاصات والمهمات والمسؤوليات المتعلقة بقطاعي الصناعة والثروة المعدنية إلى هذه الوزارة، التي بدأت مهماتها الفعلية اعتباراً من مطلع عام 2020.

هذا القرار التاريخي للقطاع الصناعي، مهّد بشكل واضح لتحفيز الصناعة في السعودية من خلال تحسين بيئة الأعمال، وسن التشريعات الداعمة، ومعالجة البيروقراطية التي كانت تحد من فرص نمو القطاع ومساهمته في الناتج المحلي. جاء الاختبار الأول أمام القطاع الصناعي في جائحة كوفيد-19،وهو تحدٍ كبير غير مسبوق واجهه العالم أجمع، وبسببه أغلقت المطارات، وتوقفت الحركة التجارية بين الدول، وشلت سلاسل التوريد، وانهارت الأسواق المالية، وعاش العالم ظروفاً استثنائية.

استشعرت المملكة باكرا الآثار العميقة لهذه الجائحة على الاقتصاد عموماً، وعلى القطاع الصناعي على خصوصا، لتتخذ الحكومة حزمة كبيرة جداً من إجراءات الدعم والتحفيز والإصلاحات الاقتصادية والمالية، التي جنبت الاقتصاد التداعيات السلبية للجائحة، ولتستمر بذلك المصانع في أدائها، بل حققت بعد ذلك معدلات نمو وقفزات غير مسبوقة.

"صُنع في السعودية" تحقيق أهدافها وقفزات لافتة من حيث عدد المصانع وأحجامها، وتدفق الاستثمارات الأجنبية في السنوات الثلاث الأخيرة

صُنع في السعودية

في وقت كان القطاع الصناعي العالمي يصارع انعكاسات كوفيد-19، أعلنت المملكة في 28 مارس/آذار 2021 عن إطلاق برنامج "صُنع في السعودية" الوطني الطموح، ليؤسس منصة قوية لتحفيز القطاع الصناعي نحو تحقيق أهداف رؤية 2030، إذ يلتزم هذا البرنامج بناء علامة صناعية موحدة بهدف توفير فرص واعدة للشركات، وتوسيع نطاق أعمالها والترويج لمنتجاتها محلياً وعالمياً.

في تعريف البرنامج، هو مبادرة وطنية أطلقتها هيئة تنمية الصادرات السعودية كجزء من برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية، ويهدف إلى تحفيز الصناعات المحلية وتشجيع المستهلكين على شراء السلع السعودية وتنمية صادرات المملكة إلى الأسواق العالمية.

تؤكد مبادرة "صُنع في السعودية" أن المملكة ماضية قدماً نحو تنفيذ خططها وتحقيق أهدافها فيما يخص القطاع الصناعي، الذي سجل خلال ثلاث سنوات قفزات مهمة من حيث حجم المصانع وعددها، وتدفق الاستثمارات الأجنبية، والبدء بمرحلة جديدة يعزز من خلالها القطاع الصناعي مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي.

 Shutterstock
ألواح شمسية على خلفية سارية علم المملكة العربية السعودية وتوربينات الرياح

نمو الاستثمارات الأجنبية

تشير أرقام وزارة الصناعة والثروة المعدنية أن حجم الاستثمارات الأجنبية والمشتركة في القطاع الصناعي بلغ أكثر من 542 مليار ريال (144,5 مليار دولار) في آخر شهر مايو/أيار الماضي، وهو ما يشكل 37 في المئة من حجم الاستثمارات الإجمالية للقطاع، و17في المئة من عدد المصانع القائمة حتى تاريخه.

وبلغ عدد المصانع ذات الاستثمار الأجنبي في المملكة 930 مصنعا بحسب الوزارة، تمثل 9 في المئة من العدد الإجمالي للمصانع في المملكة، باستثمارات تجاوزت 71 مليار ريال (18,9 مليار دولار)، فيما بلغ عدد المصانع ذات الاستثمار المشترك 924 مصنعا، أي ما نسبته 8 في المئة من المجموع، وباستثمارات تقدر بأكثر من 470 مليار ريال (125,3 مليار دولار)، فيما بلغ عدد المصانع الإجمالي في القطاع الصناعي نحو 10,910 مصانع، حتى مايو الماضي، بحجم استثمارات وصل إلى أكثر من 1,455 تريليون ريال (385,3 مليار دولار).

تتركز أبرز الاستثمارات الأجنبية في عدد من النشاطات الصناعية الرئيسية، مثل: صناعة المنتجات المعدنية المتنوعة التي سجلت 156 مصنعا، تليها صناعة منتجات المطاط واللدائن بـ 106 مصانع، ثم تصنيع منتجات المعادن اللافلزية الأخرى بـ97 مصنعا، فيما سجلت المنتجات الكيميائية 78 مصنعا، والمنتجات الغذائية بـ 73 مصنعا.

أما الاستثمارات المشتركة فتتركز في صنع المواد الكيميائية والمنتجات الكيميائية بـ 161مصنعا، ثم صناعة منتجات المعادن المشكلة بـ 112 مصنعا، ومنتجات المطاط واللدائن بـ 83 مصنعا، في حين سجل نشاط منتجات المعادن اللافلزية الأخرى 83 مصنعا.

وتشكل المصانع الصغيرة النسبة الكبرى من الاستثمارات الأجنبية والمشتركة الإجمالية في القطاع بـ 874 مصنعا، تليها المصانع المتوسطة بـ 754مصنعا، ثم المصانع الكبيرة بـ 225 مصنعا.

تهدف الاستراتيجيا الوطنية للصناعة توفير 800 فرصة استثمارية جديدة باستثمارات تصل الى تريليون ريال

السعودية... قوة صناعية

تهدف وزارة الصناعة والثروة المعدنية السعودية بثوبها الجديد إلى النهوض بقطاعي الصناعة والتعدين، والمساهمة في تحقيق التنمية المستدامة، تماشياً مع رؤية المملكة 2030،التي اعتمدت هذين القطاعين كخيارين استراتيجيين لتنويع الاقتصاد الوطني، ورفع مساهمتهما في الناتج المحلي الإجمالي، وذلك عبر تنفيذ مبادرات برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية (أحد برامج تحقيق رؤية 2030)، والذي يهدف إلى تحويل المملكة إلى قوة صناعية وتعدينية رائدة، ومنصة عالمية للخدمات اللوجستية.

وعلى الرغم من حداثة استقلالية الوزارة الجديدة، التي تتولى الإشراف على قطاعي الصناعة والثروة المعدنية، إلا أن لكل قطاع منهما تاريخا حافلا، ومسيرة طويلة في دعم الاقتصاد الوطني.

وقد أولت الدولة أهمية كبيرة للتنمية الصناعية، إذ قدمت كل أشكال الدعم والمساندة والتشجيع، بإنشاء صندوق التنمية الصناعية السعودي عام 1974 لتمويل القطاع الـصناعي ودعمه وتنميته من طريق تقديم قروض متوسطة أو طويلة الأجل لتأسيس مصانع جديدة، أو تطوير وتحديث وتوسعة مصانع قائمة، إضافة إلى تقديم المشورة في المجالات الإدارية والمالية والفنية والتسويقية للمنشآت الصناعية في المملكة.

يشهد القطاع الصناعي السعودي نموا لافتا وتطورا نوعيا، وتستهدف الإستراتيجيا الوطنية للصناعة قطاعات في مجالات شتى أبرزها صناعات: البتروكيميائيات، الأغذية، الطاقة المتجددة، الطيران، السيارات، الصناعات البحرية، المستحضــرات الصيدلانية والأدوية الحيوية، الأجهزة والمستلزمات الطبية، الصناعات العسكرية، مواد البناء، الآلات والمعدات، والصناعات التعدينية.

 Shutterstock
محطة شحن لنقل الحبوب والحاويات والبضائع الأخرى. ميناء جدة، المملكة العربية السعودية.

مليون عامل في الصناعة

يعمل في مصانع المملكة أكثر من مليون عامل، وقفز حجم الاستثمار في القطاع الصناعي السعودي الى نحو 8,2 مليارات ريال (2,18 مليار دولار) في الربع الأول من السنة الجارية، بعد دخول 300 مصنع جديد مرحلة الإنتاج الفعلي.

وتستهدف الاستراتيجيا الوطنية للصناعة توفير800 فرصة استثمارية جديدة باستثمارات يبلغ حجمها تريليون ريال (266,7 مليار دولار)، كما أنها تعمل على زيادة فرص حصول الكوادر البشرية على الفرص الوظيفية المناسبة من خلال هذا القطاع الحيوي. وتشكل الكوادر البشرية الوطنية نحو 54,3 في المئة من الأيدي العاملة الجديدة التي انخرطت في القطاع الصناعي خلال مارس/آذار الماضي، والتي تخطى عددها 28 ألف عامل.

تتصدر الرياض مناطق المملكة من حيث عدد المصانع الجديدة التي حصلت على التراخيص في مارس/آذار الماضي، تليها المنطقة الشرقية، ثم منطقة القصيم، فيما تكشف البيانات أن 73,17 في المئة من المصانع العاملة في المملكة حتى نهاية مارس/آذار الماضي هي برؤوس أموال وطنية، و15,45 في المئة برؤوس أموال أجنبية، وتشكل نسبة الاستثمارات المشتركة في القطاع الصناعي 11,38 في المئة.

تحتضن مصانع المملكة نحو مليون عامل، وقفز حجم الاستثمار في القطاع الصناعي السعودي الى أكثر من ملياري دولار، بعد دخول 300 مصنع جديد مرحلة الإنتاج

"برنامج الألف ميل" ... يبدأ بخطوة

حديثاً، أطلق وزير الصناعة والثروة المعدنية، رئيس لجنة برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية "ندلب"، بندر الخريف، النسخة الثانية من برنامج "ألف ميل"، الذي وصفه بحلم للمنظومة وللوطن، وشهادة على أن قطاعي الصناعة والخدمات اللوجستية، كما القطاعات الأخرى، ليست حكرًا على كبار المستثمرين، وأمام الشباب ورياديي الأعمال الكثير من الفرص النوعية والامكانات والحوافز. 

وقال الخريف: "حرصنا في "ندلب" على توفير نموذج عمل يساعد رواد الأعمال، أصحاب الشغف والطموح، على الانطلاق بمشاريعهم من خلال مجموعة من المستشارين والمحفزات التي تساعدهم على تنفيذها. وعند إطلاق البرنامج، لم أكن أتصور أن الأفكار التي سيقدمها الشباب ستصل نوعيتها إلى ما شاهدناه اليوم"، مشيرا إلى أن النسخة الثانية من البرنامج ستكون قادرة على جلب فرصٍ  نوعية واستثمارات أكبر.

حققت النسخة الأولى من برنامج "ألف ميل" 39 مشروعا واعدا جاهزة للاستثمار والتنفيذ وفقا للوزير الخريف، منها 32 مشروعا صناعيا وسبعة مشاريع لوجستية، مؤكداً قدرة الشباب ورياديي الأعمال على استخدام التكنولوجيا وتقنيات التصنيع الحديثة والذكاء الاصطناعي، لتحقيق مشاريعهم وتنفيذها وتنميتها بسهولة من خلال البرنامج.

ويهدف برنامج "ألف ميل" الذي أطلقه برنامج "ندلب"، إلى تمكين ريادة الأعمال في قطاعَي الصناعة والخدمات اللوجستية، عبر التطور الذي شهدته قطاعات النمو الواعدة من حيث توافُر البنى التحتية المتطورة والموارد بكل أشكالها، إضافة إلى النقلة التي شهدتها البيئة الاستثمارية عبر تطوير الأنظمة والتشريعات، وتعزيز الافادة من الموقع الجغرافي المميز للمملكة في تسهيل الوصول إلى الأسواق المحلية والدولية.

واستفاد المشاركون في النسخة الأولى من برنامج ألف ميل، من حوافز نوعية لأفضل المشاريع، منها الدعم في التراخيص والإجراءات، وتقديم أراضٍ مطورة ومجهزة بالمرافق اللازمة، ومصانع جاهزة بأسعار تنافسية، وحسومات تصل إلى 50 في المئة من رسوم الإيجار ولفترات زمنية متفاوتة، فضلا عن التسهيلات الائتمانية الميسّرة مع برامج تمويل مريحة، إلى جانب التدريب والاستشارات المتخصصة والكفالة المسبقة ومساحات العمل المشتركة ودعم الرواتب للرياديين والتقنيين السعوديين والربط مع كبرى الشركات.

font change

مقالات ذات صلة